( قصيدة الرثاء بين شعراء الاتجاه المحافظ ومدرسة الديوان: دراسة أسلوبية إحصائية )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وفاء كامل فايد
    عضو مؤسس_أستاذة جامعية
    • May 2006
    • 430

    ( قصيدة الرثاء بين شعراء الاتجاه المحافظ ومدرسة الديوان: دراسة أسلوبية إحصائية )

    عرض كتاب
    ( قصيدة الرثاء بين شعراء الاتجاه المحافظ ومدرسة الديوان: دراسة أسلوبية إحصائية ) تأليف : أ. د. وفاء كامل


    اللغة وإضاءة المشكلات النقدية
    يقع على اللغة دور كبير في الإسهام في إضاءة المشكلات النقدية ، عن طريق إعمال الطرق البحثية اللسانية المنضبطة في فحص النصوص واختبارها ؛ كي نصل إلى نظرة موضوعية غير مرتبطة بالأحكام الذاتية والانطباعية .
    وفي محاولة لتطبيق الدراسة الأسلوبية الإحصائية تصدى كتاب ( قصيدة الرثاء بين شعراء الاتجاه المحافظ ومدرسة الديوان: دراسة أسلوبية إحصائية ) لخمسة من الشعراء ذوي الانتماءات الفنية المختلفة ، الذين كانوا رموزا لمعركة من أشهر المعارك النقدية في تاريخ الأدب العربي الحديث ، هي معركة الديوان . وكانت غاية البحث هي الإسهام في اختبار المقولات النقدية التي دار حولها الجدل ، واتخاذ هذه المقولات النقدية فرضيات ينطلق منها البحث للكشف عن طبيعتها ، والتحقق من مدى صدقها ؛ لقياس الفجوة التي يمكن أن تنشأ بين التشريع النقدي والممارسة الفنية. وارتضى البحث أن يقيس مفارقات الأداء بين الشعراء الخمسة في مجال شعر الرثاء ، الذي كان قاسما مشتركا بين أصحاب الاتجاهين : المحافظ - ممثلا في شوقي وحافظ - والمجدد ، ويعنى به أصحاب مدرسة الديوان ، الذين اختيروا لما لهم من طبيعة مزدوجة ؛ فهم نقاد شعراء أو شعراء نقاد . وقد انتقدوا أصحاب الاتجاه المحافظ ، وخاصة في مراثيهم . ومن هنا حرص البحث على أن يسهم في الكشف عن حصيلة التفاعل بين المظهرين النقدي والإبداعي عند أصحاب الديوان ؛ لكي يمكن التحقق من مدى ارتباط منهجهم النظري بممارستهم الشعرية .
    تمثلت المعالجة اللسانية للغة المجازية في الدراسة الأسلوبية للأشكال المجازية ، باعتبارها إمكانات لغوية من الممكن رصدها وتحليل العلاقات بينها ؛ لاكتشاف النظام العام الذي يحكمها . وكانت الاستعارة هي الشكل الذي ارتكز عليه البحث .
    وفي معالجة الاستعارة من المفهوم اللساني اعتمد البحث البعدين النحوي والدلالي في تحليل الاستعارة ، فرصد اقتران المجالات الدلالية من ناحية ، كما رصد التراكيب النحوية التي تشكل الاستعارة من ناحية أخرى ، ثم خلص إلى الربط بينهما ؛ لكي يبحث العلاقة بين طرفي الاستعارة على المستوى النحوي ثم على المستوى الدلالي ، موليا اهتماما خاصا للعلاقة الرابطة بين المستويين ، ومركزا على دراسة الاستعارة المكنية .
    والاستعارة في المفهوم اللساني هي اختيار معجمي تقترن بمقتضاه كلمتان في مركب لفظي اقترانا دلاليا ينطوي على تعارض – أو عدم انسجام – منطقي . ويتولد عنه بالضرورة مفارقة دلالية تثير لدى المتلقي شعورا بالدهشة والطرافة . وتكمن علة الدهشة والطرافة فيما تحدثه المفارقة الدلالية من مفاجأة للمتلقي بمخالفتها الاختيار المنطقي المتوقع .
    وقد روعي في اختيار عينة البحث أن تشمل اثنين من أبرز ممثلي الاتجاه المحافظ ، وهما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ، إلى جانب ممثلي مدرسة الديوان الثلاثة : عباس العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري .
    كما اختيرت القصائد المفحوصة في العينة بحيث تشمل الأشخاص الذين اشترك في رثائهم أكثر من شاعر من شعراء العينة ، وكذلك الموضوعات التي تناولها شاعران أو أكثر .
    ودار القياس على أكثر من محور، خصص أولها للقياس باعتبار مجموع أشعار كل من شعراء العينة . ومن خلاله حاول البحث التعرف على الخصائص الأسلوبية الفردية للشاعر ، والثابتة له على الرغم من اختلاف الموضوع .
    ويبرز شوقي من بين الشعراء الخمسة بوصفه أكثرهم استخداما للغة التصويرية , وأبعدهم عن لغة السرد والتقرير . يليه شكري والمازني ثم حافظ ، وأخيرا يأتي العقاد . أي أن العقاد هو أقل الشعراء الخمسة احتفاء باللغة التصويرية ، وأقربهم إلى لغة السرد والتقرير .
    وقارن البحث نتائج علاقة الأنواع الدلالية بالأنواع النحوية فيه بنتائج قياس بحث سابق مشابه، قيست فيه الظاهرة عند البارودي وشوقي والشابي ، وتبين اتفاق نتائج البحثين في أن كلا من الاستعارة الإحيائية والتشخيصية ترتبط نحويا بالمركب الفعلي ، مما يشير إلى أن هذا الارتباط يمكن أن يشكل ظاهرة لغوية عامة .
    وتمثل المحور الثاني للبحث في القياس باعتبار الاتجاه الفني . ويهدف إلى رصد الخصائص المشتركة في كل اتجاه فني ، وإلى رصد تمايز كل اتجاه عن الآخر .
    ولحظ في نتائجه ميل الاتجاه المحافظ إلى استخدام الاستعارة بدرجة أكبر من مدرسة الديوان ، كما لحظ تقارب نسب الاستعارة التشخيصية في الاتجاهين ؛ مما يشير إلى عدم ارتباطها بالاتجاه الفني ، وقلة الاستعارة الإحيائية في شعر العينة جميعه ، دون ارتباط بمدرسة فنية بعينها .
    وقلة الاستعارة الإحيائية عند مدرسة الديوان ظاهرة غريبة بالنسبة للتشريع النقدي لأصحابها ؛ فالشعر عندهم " صورة صادقة لنفس صاحبه الحية الواعية لما يدور فيها ويطيف بها ويجري حولها " كما أن ديوان الشاعر" صورة من حياته تمثل أطوار نفسه وحالاتها، وتنقل خوالجها " فالمتوقع أن تكثر عندهم الاستعارة الإحيائية والتشخيصية ، وتقل الاستعارة التجسيمية .
    وتمثل المحور الثالث في القياس باعتبار وحدة الموضوع واختلاف الشعراء . وكان هدف القياس هو رصد أثر وحدة الموضوع على شعراء كل اتجاه بمفرده ، ثم رصد أثر وحدة الموضوع على شعراء الاتجاهين . ثم الموازنة بين الخصائص الأسلوبية الفردية لكل شاعر داخل الاتجاه الواحد ، وأخيرا الموازنة بين الخصائص الأسلوبية الفردية للشاعر باعتبار مقارنته بغيره من شعراء البحث .
    وقد لحظ أن شوقي كان أكثر استخداما للاستعارات ، واهتماما باللغة التصويرية في شعره من حافظ ، كما لحظ ميل الشاعرين إلى تغليب الاستعارة التشخيصية، وقلة استخدامهما للاستعارة الإحيائية .
    كما لحظ أن العقاد أقل شعراء مدرسته احتفاء باللغة الاستعارية ، والمازني أكثرهم اهتماما بتلك اللغة . كما أن شكري يقع في المنزلة الوسطى بينهما من حيث احتفاؤه باللغة التصويرية. ولحظ أن الاستعارة التشخيصية هي الأكثر شيوعا عند شعراء الديوان الثلاثة ، والاستعارة الإحيائية هي أقل الاستعارات شيوعا عندهم .
    كما لحظ على هذا المحور أن الاستعارة التشخيصية هي أكثر أنواع الاستعارات شيوعا بين الشعراء الخمسة ، كما أن الاستعارة الإحيائية هي أقل أنواع الاستعارات استخداما عند شعراء الاتجاهين .
    وهنا يلحظ أن ظهور أكبر نسب المركبات التجسيمية الفعلية والمفعولية عند العقاد غريب منه ، وقد كان المتوقع أن تحتل الاستعارة التشخيصية والإحيائية مكانا بارزا في صياغته الشعرية ؛ فهو الأليق بعقيدته النقدية ، بوصفه رأس مدرسة الديوان .
    كما يلحظ اتفاق شعراء الديوان مع شاعري الاتجاه المحافظ في قلة استخدام الاستعارة الإحيائية ، واتفاقهم على زياد الاستعارة التجسيمية على الإحيائية .
    ويلحظ أيضا تقارب كبير بين النسب المئوية للاستعارات عند كل من شكري وشوقي وحافظ . وهذا التقارب الفني قد يشير إلى قرب عبد الرحمن شكري من الاتجاه المحافظ ، وعزلته الفنية عن قطبي مدرسة الديوان .

    مدى مقاربة التشريع النقدي للممارسة الفنية عند شعراء الديوان :
    ينبني مفهوم شعراء الديوان للشعر على أنه هو الذي يبث الحياة فيما يراه ، ويناجي العواطف. والشاعر يعكس خياله على ظواهر الطبيعة حتى يتخيلها شخوصا يتعاطف معها ويعايشها.
    ومن هنا كان المتوقع منهم أن تتجلى عقيدتهم النقدية هذه في ممارساتهم الشعرية ؛ فتكثر عندهم الاستعارة الإحيائية والتشخيصية ، وتقل الاستعارة التجسيمية ؛ ولهذا فقد كان من المستغرب منهم أن يتفقوا في استعاراتهم – على جميع محاور البحث – مع شاعري الاتجاه المحافظ في قلة استخدام الاستعارة الإحيائية ، وفي تفوق الاستعارة التجسيمية عليها من حيث العدد .
    وكان مما لا يتفق مع مبادئهم النقدية أيضا ظهور أعلى نسبة للمركبات التجسيمية الفعلية عند العقاد ويليه المازني ، من بين شعراء العينة كلهم. ثم ظهور أعلى نسبة للمركبات التجسيمية المفعولية والوصفية عند شكري. وأيضا ظهور أعلى نسبة للمركبات التجسيمية الإضافية عند المازني ، وأقل نسبة في المركبات التشخيصية الفعلية عند العقاد .
    ومن هنا يمكن أن نلمس الفجوة التي ظهرت بين التشريع النقدي والممارسة الفنية عند شعراء مدرسة الديوان .
    ولما كنا نعرف أن شعراء الاتجاه المحافظ – ممثلين في شوقي وحافظ – كانوا شعراء فحسب ، على حين جمع شعراء مدرسة الديوان بين كتابة الشعر وممارسة النقد – على تفاوت بينهم – لذا فإن من أهم ما قاربته هذه الدراسة قياس المدى الفاصل قربا وبعدا بين العقيدة النقدية لجماعة الديوان والممارسة الفنية لكتابة الشعر عندهم .
    وفاء كامل فايد


    د. وفاء كامل فايد
يعمل...
X