أطفال الفرن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • drtokal
    عضو منتسب
    • May 2009
    • 17

    أطفال الفرن

    شغلتني مشكلة الأطفال بعالمهم العجيب، بمغامراتهم الكثيرة، بأجسامهم الضئيلة، بأحلامهم الكبيرة، بجباههم التي تلاقت فيها أضواء النور والنيران، بوجناتهم التي حفر سوط الشمس عليها آثارًا لا يمحوها زمان. بأيديهم التي رسمت حرارة الفرن عليها لوحة فنان.
    أطفال الفرن ما عادوا كالأطفال، ما عادت لهم أحلام الأطفال، ولا تصرفات الأطفال، ولا كلمات الأطفال، ولا حركات الأطفال، ولا تعبيرات الأطفال، ولا صوت الأطفال، ولا براءة الأطفال! <O></O>
    أنضجهم الفرن كما يُنضِج العجين، سابقًا الزمن، وسابقًا السُّنَن، فيه يعرفون الدفاع عن حقهم! حقهم في الدور! ولو كان من يسبقهم أو من يليهم شباب أو كهول أو شيوخ، نساء أو رجال، أقوياء أو ضعفاء، غلاظ أو رقاق، مبتسمون أو عابسون، متعصبون أو متسامحون، أسوياء أو منحرفون.<O></O>
    اكتسبوا القوة، والجَلَد، تحملوا الشمس الحارقة بابتسامة، صبروا على مطر السماء، وزمهرير البرد في الشتاء. في الفرن تعلموا التعاون، وفي الفرن اتحدوا ضد الغريب والسمج، وفي الفرن اكتسبوا الأنانية، وقسوة القلب.<O></O>
    أطفال الفرن صارت لهم أخلاق الكبار، فيهم الطفل الصادق، والطفل الكاذب، والطفل المجامل، والطفل المتصلف، والطفل الطيب، والطفل الشرير، ومَنْ يقلد تصرفات البلطجي. <O></O>
    أطفال الفرن يخططون عندما تشتد الأزمة ويطول الطابور، فتراهم لأدوارهم يحجزون، ثم الكرة في شارع الفرن يلعبون، للفِرَقِ يشكلون، ثم يلهون، فتنشب بينهم مشاجرات، لكنهم سرعان ما يتصالحون، ثم يرجعون ويبدأون، وأحيانًا كثيرة على الأرض يسقطون، فتصيب الجراح أجسادهم الغضة والعيون، وهم راضون يضحكون. يتمازحون أو يمرحون. <O></O>
    كثيرًا ما لجئتُ إليهم لاقتراض قفص أحمل عليه خبزي إذا أنا نسيت حقيبتي، وكثيرًا ما تدخلت بينهم لفض شجار، أو للحكم على الأدوار. كانوا أحيانًا يتقبلون، ويسكتون، وأحيانًا يرفضون، ويصرون، كثيرًا ما رجاني بعضهم أن أحضر له بربع جنيه من الخبز معي على خبزي، متعللًا بأن عائلته كبيرة، ولن يكفيَها عشرون رغيفًا. وكثيرًا ما تدخلوا في مناقشات كرة القدم، وأصروا على مواقفهم من المباراة، والـحَكَمِ، وأداء اللاعبين. <O></O>
    غريب عالمهم، لقد ألقاهم قساة القلوب في طريق الطابور الطويل، ما ذنبهم أن يقفوا ساعات طوال؟! أليس مكانهم الطبيعي في ناد فيه يلعبون أو أمام تلفزيون لقنواته يشاهدون؟ مثل كل أطفال العالم المتحضر!
    من المجموعة القصصية: طابور الفرن
    د. خالد توكال
    dr.tokal
يعمل...
X