في سبيل الجبن - رواية مترجمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 3961

    #16
    المشاركة الأصلية بواسطة hisam مشاهدة المشاركة
    أحسنت القول
    الافراط في العامية من شأنه أن يضعف من سلاسة السرد
    ورغم الصبغة الكوميدية التي يضفيها على النص
    إلا أنه ليس الكل سيفهمون المعنى
    ومع ذلك لك الشكر ..

    شكر الله مرورك وتعليقك.
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

    تعليق

    • محمد آل الأشرف
      عضو منتسب
      • Jun 2018
      • 212

      #17
      المشاركة الأصلية بواسطة ahmed_allaithy مشاهدة المشاركة



      حياك الله يا أستاذتنا الفاضلة.
      أسئلة مشروعة، ولكن حركة الترجمة في العالم عمومًا ضعيفة ولا تتسم بالمنهجية، بل هي في أغلبها انتقائية. والجهات الداعمة للترجمة قد يبدو في ظاهرها وجود منهجية ما، ولكن الحقيقة غير ذلك. ولذا يصبح العمل الترجمي مبني على حسابات أخرى غير موضوعية في أغلبها. فمنها ما يتخير الأعمال لشهرتها، ومنها ما تكون سوقه رائجة فأهم عنصر في الطباعة والنشر على الإطلاق هو الجانب المالي.

      أما من ناحية الجذب للقارئ من عدمه فهذه مسألة فيها نظر بوجه عام لأن اختلاف الثقافات يعني عدم الاتفاق في جوانب متعددة، منها ما قد يراه بعض القراء من ثقافة ما جاذبا ويراه غيرهم طاردًا. فتعرُّف الآخر عمومًا غرض من أغراض الترجمة.
      أما الأعمال العربية المتميزة بغرض ترجمتها للغات أعجمية فهذا معتمد في المقام الأول على الجانب المالي ومدى قبول الموضوع في الغرب خاصة. فمثلا رواية بنات الرياض من أتفه الأعمال التي شهدتها البشرية، ومع ذلك ترجمت ولقيت رواجا في الغرب لأن موضوعها فضائحي عن مجتمع مستهدف بذاته. وكذلك روايات أخرى أسباب ترجمتها أيديولوجية. ومن العناصر المهمة كذلك المترجم. فليس في العالم العربي من يترجم من العربية إلا قليل جدًا. والكثرة الكاثرة مدَّعون لا يجرؤ واحد منهم أن يقدم ترجمته لناشر أجنبي لأنه حتمًا سيرفض رفضًا قاطعًا، بما في ذلك من يسمون أنفسهم مترجمين محترفين، ومنهم أساتذة للترجمة في الجامعات.

      والشاهد على ذلك وجود عدد من المواقع التي "تدَّعي" الاهتمام بالترجمة، ويشارك فيها عاملون في مجال الترجمة، وحين ينظر المرء في ترجماتهم من العربية تحدث له صدمة؛ فأخطاؤهم لا تحصى. والعجيب وجود جوقة، أو طابور ثانٍ، جاهز بالتصفيق والتطبيل لمجرد أن كلمات النص العربي تحولت إلى حروف غير عربية. والنظر في هذه الترجمات وتوجيه المترجمين مما تنقضي فيه الأعمار ولا ينتهي، ولا فائدة منه.

      وأذكر على سبيل المثال أننا أردنا نشر كتاب يحتوي ترجمات لقصص قصيرة عربية، وطلبنا ممن لديهم أعمال أو من يرغب في المشاركة أن يراسلنا بترجمته. والحقيقة وصلنا عدد كبير من هذه الترجمات. وكانت الصدمة أنه لم يوجد عمل واحد مما تلقيناه كان يستحق النشر إما لسوء الترجمة، وإما لسوء اللغة، أو لغير ذلك من الأسباب. ولكن كان الغالب كثرة الأخطاء في اللغة والترجمة. وكان من ضمن من راسلونا أساتذة كبار من نوعية من تصفق لهم الجوقة المذكورة. وحين أرسلنا بعض النصوص لمراجع أجنبي لضبط اللغة جاءنا الرد بأنه لا يصلح أي منها للتعديل لكثرة الأخطاء.

      مع الأخذ في الاعتبار أن عبء الترجمة من العربية يقع على غير العرب مثلما يقع عبء الترجمة إلى العربية على عاتق العرب.

      ونسأل سؤالاً: ماذا أنتج العرب من أعمال في مختلف المجالات تستحق الترجمة لغير العربية عبر عقود وعقود؟
      ربما ظهر عمل هنا أو هناك، ولكن هذا لا يكفي لأن يُنظر إليه على أنه نتاج ثقافي عاكس للثقافة العامة للعرب. والأغلب أن لدى الغرب ما يتفوق على هذه الأعمال بمراحل. مع العلم بأن الغرب أنتج أعمالا ساقطة كثيرة وترجمها العرب واعتبروها أعمالا عظيمة. لكن لهذا بحث آخر.
      والخلاصة آليات العمل في مجال الترجمة تتحكم فيها عناصر متعددة، ومن جانب آخر لا ينبغي أن يعمل المترجم بالمجان أو التطوع طول حياته، وإن تكون النظرة للترجمة نظرة متدنية.
      وحين ننتج أعمالاً ذات قيمة، ونوجه التمويل الترجمي لترجمة أعمال يستفاد منها، يمكننا ساعتها أن نقول إن لدينا حركة ترجمة، وأن ما نترجمه من العربية وإليه مؤثر ذو قيمة لغيرنا.
      حياك الله.
      عرض محكم جاء من علم من أعلام المترجمين المعاصرين -الدكتور أحمد الليثي - لخص فيه أزمة الترجمة عند العرب في هذا العصر، وبخاصة الترجمة من العربية إلى غيرها من اللغات، ومع قلة وندرة وجود مثل هذه الترجمات إلا أن أكثرها - مع الأسف الشديد - حقها الاستبعاد من أسواق الكتب، هذا إن لم تكن الأرضة قد أتت عليها بعد، حيث تخزن!
      وقد قامت قديما ومؤخرا مؤسسات حكومية وشبه حكومية في محاولة للنهوض بهذا الجانب ورأب الصدع الذي يعتري هذا المجال الثقافي والفكري الهام جدا، إلا أن آثارها في ذلك لا نكاد نلمسها، فهل اتسع الخرق على الراقع؟ أم أن الخرق حيث الراقع!
      شكرا للدكتور أحمد على كل مايبذله في هذه السبيل.

      تعليق

      • أ.حسيان نجوى
        عضو منتسب
        • Jun 2018
        • 2

        #18
        السلام عليكم،
        ترجمة موفقة، يحس المرء من خلالها انه يقرا الرواية في لغة متناسقة قريبة من الاصل بعيدة عن النقل و الترجمة الحرفية وهذا ما اضنه ينقص في عدد من الترجمات التي قراتها سابقا

        تعليق

        • عبدالرحمن السليمان
          عضو مؤسس، أستاذ جامعي
          • May 2006
          • 5732

          #19
          بورك يراعك يا دكتور أحمد على هذه الترجمة الفصيحة.


          لا حرمَ الله قراء العربية من إبداعك في الترجمة.


          متعَك الله بالصحة والقوة والمزيد من الإبداع.

          تعليق

          • عبدالرحمن السليمان
            عضو مؤسس، أستاذ جامعي
            • May 2006
            • 5732

            #20
            المشاركة الأصلية بواسطة rima_alkhani مشاهدة المشاركة
            جهد مشكوردكتور، وسؤال:
            هل شهرة العمل خارجا، تجعلنا نتقبل كل مافيه؟
            وهل سنجده مشوقا سلسا؟
            فبعض من الأدب الغربي يصيبه النمش البيئي، بحيث يفقد عنصر التشويق الذي يشدنا حتى النهاية خاصة لو كان عملا طويلا جدا مسهبا.
            لماذا لا نبحث عن عمل عربي مميز فنترجمه للغربية؟ سؤال لم أجد جوابا شافيا له من سنوات.

            [align=justify]الأستاذة الفاضلة أم فراس حياك الله.

            رواية (في سبيل الجبن) مشهورة لدى الناطقين بالهولندية (حوالي عشرين مليون في بلجيكا وهولندا). ولاختيارها للترجمة إلى العربية أسباب عديدة أهمها ضرورة أن يتعرف العرب على آداب الشعوب الناطقة بغير الإنكليزية أو الفرنسية. فنحن منذ عهد الاستعمار الإنكليزي والفرنسي لا نعرف من الدنيا إلا ما يصلنا عبر الإنكليزية والفرنسية. أما آداب الأمم الأخرى من هند وسند وصين ويابان ودول إسكندنافية ودول إفريقية وجنوب أمريكية وغيرها فلا نعرف عنها شيئا يذكر، اللهم إلا ما ترجم منها عبر الإنكليزية أو الفرنسية! بكلام آخر: نحن نرى العالم بعيون المستعمر الذي استعمر أوطاننا ولا يزال!

            العرب غير مهتمين بترجمة أعمالهم القديمة أو الحديثة إلى لغات أخرى. ما ترجم من روائع الأدب العربي القديم يعود الفضل في ترجمته إلى المستعربين والمستشرقين فقط. العرب ينفقون أموالهم في ثلاثة قطاعات: (1) شن الحروب على بعضهم بعضا ليهنأ عدوهم، و(2) بناء مشاريع مجنونة ليستفيد غيرهم من عملية بنائها و(3) تبذير المال على المقتنيات الغالية والفساد الأخلاقي.

            وما ترجم من أعمال قليلة كان معظمه بجهود فردية. من ذلك: منشورات الجمعية باللغة الإنكليزية (حوالي عشرة كتب) التي أنجزت بمجهودات فردية. وحتى موقعنا هذا وموقع المجلة المحكمة - (دراجومان) - يمولهما أعضاء مجلس الإدارة.


            تحياتي الطيبة.
            [/align]

            تعليق

            • ahmed_allaithy
              رئيس الجمعية
              • May 2006
              • 3961

              #21
              المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحمن السليمان مشاهدة المشاركة
              [align=justify]الأستاذة الفاضلة أم فراس حياك الله.

              رواية (في سبيل الجبن) مشهورة لدى الناطقين بالهولندية (حوالي عشرين مليون في بلجيكا وهولندا). ولاختيارها للترجمة إلى العربية أسباب عديدة أهمها ضرورة أن يتعرف العرب على آداب الشعوب الناطقة بغير الإنكليزية أو الفرنسية. فنحن منذ عهد الاستعمار الإنكليزي والفرنسي لا نعرف من الدنيا إلا ما يصلنا عبر الإنكليزية والفرنسية. أما آداب الأمم الأخرى من هند وسند وصين ويابان ودول إسكندنافية ودول إفريقية وجنوب أمريكية وغيرها فلا نعرف عنها شيئا يذكر، اللهم إلا ما ترجم منها عبر الإنكليزية أو الفرنسية! بكلام آخر: نحن نرى العالم بعيون المستعمر الذي استعمر أوطاننا ولا يزال!

              العرب غير مهتمين بترجمة أعمالهم القديمة أو الحديثة إلى لغات أخرى. ما ترجم من روائع الأدب العربي القديم يعود الفضل في ترجمته إلى المستعربين والمستشرقين فقط. العرب ينفقون أموالهم في ثلاثة قطاعات: (1) شن الحروب على بعضهم بعضا ليهنأ عدوهم، و(2) بناء مشاريع مجنونة ليستفيد غيرهم من عملية بنائها و(3) تبذير المال على المقتنيات الغالية والفساد الأخلاقي.

              وما ترجم من أعمال قليلة كان معظمه بجهود فردية. من ذلك: منشورات الجمعية باللغة الإنكليزية (حوالي عشرة كتب) التي أنجزت بمجهودات فردية. وحتى موقعنا هذا وموقع المجلة المحكمة - (دراجومان) - يمولهما أعضاء مجلس الإدارة.


              تحياتي الطيبة.
              [/align]

              أحسنت أستاذنا الدكتور عبد الرحمن، أحسن الله إليك.
              د. أحـمـد اللَّيثـي
              رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
              تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

              فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

              تعليق

              • ahmed_allaithy
                رئيس الجمعية
                • May 2006
                • 3961

                #22
                منهج الترجمة
                لا بدَّ قبل الولوجِ إلى تفصيلِ المنهجِ أو الطريقةِ التي اتبعتُها في ترجمةِ هذه الروايةِ البارعةِ من العودةِ إلى الوراءِ لسنواتٍ أؤرِّخُ فيها مَعْرِفَتِي بإلشْخوت وبالأدبِ الفلمنكيِّ. ففي أوائلِ النصفِ الثاني من تسعينياتِ القرنِ العشرين، وبالتحديدِ سنة 1996، أهدتْني سيدةٌ هولنديةٌ اسمُها ماريان دوميس Marianne Dommisse (1927-2014) روايةَ "فيلا الزهورِ" لإلشخوت باللغةِ الإنجليزيةِ. ولم أكنْ أعلمُ حينَها أن ماريان دوميس هذه هي المصوِّرةُ الهولنديةُ ذاتُ الشهرةِ الواسعةِ. وكانتْ ماريان قد حضرتْ إلى مصرَ لزيارة المناطقِ الأثريةِ ضِمْنَ مجموعةٍ سياحيةٍ. أما الروايةُ فكانتْ من إصدارِ دارِ النشرِ البريطانيةِ بنغوين Penguin، وهي الترجمةُ التي قامَ بها پول فنْسِنْت PaulVincent.
                وأخبرتْني السيدةُ ماريان أنَّ تلك الروايةَ من بينِ أفضلِ نتاجاتِ الأدبِ الفلمنكيِّ. وحتى تلك اللحظةِ لم أكنْ قد سمعتُ بإلشخوت بالمرةِ، بَلَهَ أنْ أكونَ على علمٍ برواياتِه أو بالأدبِ الفلمنكيِّ قاطبةً. فقد كنتُ على معرفةٍ يسيرةٍ بالأدبِ الهولنديِّ من خلالِ بعضِ الأعمالِ التي صادفتُها في حياتي، وكانتْ مترجمةً إلى الإنجليزيةِ. ولم يكن معلومًا لديَّ في تلك الآونةِ ذلك الفرقُ بين الأدبِ الهولنديِّ عامةً والفلمنكيِّ خاصةً، فكلاهما بالنسبةِ لي كان أدبًا مكتوبًا بالهولنديةِ، وكان سبيلي لمعرفتِه مُقْتَصِرًا على الترجماتِ الإنجليزيةِ له.
                وعلى كلِّ حالٍ كانت تلكَ الروايةُ هي بدايةُ التعارفِ الحقيقيِّ بإلشخوت، وإن ظلتِ الروايةُ في مكتبتي لسنواتٍ طويلةٍ دونَ أن أُتِمَّ قراءتَها، إلى أْن سَنَحَتِ الفرصةُ لتقديمِ الأدبِ الفلمنكيِّ للقارئِ العربيِّ، وأنْ تكونَ البدايةُ روايةً لإلشخوت، فَعُدْتُ أُنَقِّبُ في مكتبتي عن ذلك الكتابِ القديمِ الذي كنتُ قد نسيتُ اسمَ مؤلفِه، فإذا هو إلشخوت نفسُه.
                ولعلَّ القارئَ يسألُ عن علاقةِ هذه المقدمةِ بالطريقةِ التي اتَّبَعْتُها لإخراجِ هذه الروايةِ إلى العربيةِ. والعلاقةُ ببساطةٍ هي أنني لم أَتَعَرَّفِ ابتداءًا على الأدبِ الفلمنكيِّ إلا من خلالِ الترجماتِ الإنجليزيةِ له؛ إذْ أن هذه هي اللغةُ التي أجيدُها إجادتي للعربيةِ؛ أما الهولنديةُ فلم يكنْ لي علمُ بها. وَيَعْمَدُ أغلبُ المترجمين -بطبيعةِ الحالِ- إلى تجاهلِ الأعمالِ التي لا تكونُ بلغةٍ يجيدونها. وَإِنْ تَجَاسَرَ واحدٌ لترجمةِ عملٍ بلغةٍ لا يعرفُ منها قليلًا أو كثيرًا فليس أمامَه إلا التعاملُ مع لغةٍ وسيطةٍ، وهذا بدورِه له مشاكلُ ترجميةٌ بحتةٌ لا يتنازعُ في إشكالِها اثنانُ. ومع الإقرارِ بأن النظرَ في ترجمةٍ ما مِن لغةٍ وسيطةٍ ومقارنتُها بترجمةٍ من اللغةِ الأصليةِ هو بابٌ من أبوابِ البحثِ العلميِّ قلَّ أنْ يوجدَ مَنْ يَتَصَدَّى له، وهو كذلك واقعٌ في مجالِ اهتماماتي الترجميةٍ إلَّا أن تقديَم أوَّلِ عملٍ فلمنكيٍّ للقارئِ العربيِّ لم يكن لِيَتَوَازَنَ في مخيلتي ما لم يكن النصُّ بلغتِه الأصليةِ واضحًا وضوحَ الشمسِ عندي. وقد يكونُ الحلُّ الأمثلُ في هذه الحالةِ هو أنْ أَتَعَلَّمَ اللغةَ الهولنديةَ قبل الشروعِ في الترجمةِ. أو لعلَّ الأيسرَ من ذلك هو تركُ الترجمةِ ليؤديَها مترجمٌ من مترجمي الهولنديةِ. أما هذا الحلُّ الأخيرُ فإنَّ الحقيقةَ الواقعةَ حتى يومِنا هذا هي أنه منذُ نشأةِ فكرةِ ترجمةِ إعمالٍ من الأدبِ الفلمنكيِّ لدي الجمعيةِ الدوليةِ لمترجمي العربيةِ سنة 2009 لم ينهضْ أحدٌ لهذه المهمةِ، ولم يُترجَمْ أيُّ عملٍ لإلشخوت ولا لغيره، فيما أعلمُ. ولذا فَتَرْكُ المسألةِ للمترجمين من الهولنديةِ لَمْ يَكن هو الطريقةُ الأمثلُ، ولا يزالُ الأمر على حالِه حتى وقتِنا هذا. أما الطريقةُ الأولى فهي طريقةٌ صعبةٌ طويلةُ المدى، وتحتاجُ لتكريسِ وقتٍ وجهدٍ كبيريْن لم يتوافرا لي في أيِّ وقتٍ من الأوقاتِ. ومن ناحيةٍ أخرى لم أكنْ لأكتفيَ بلغةٍ وسيطةٍ خاصةً مع أوَّلِ عملٍ أُقَدِّمُهُ للقارئِ العربيِّ. ولذا لم يكنْ هناك سبيلٌ إلا تَنَكُّبَ طريقٍ ثالثةٍ تجعلُ الترجمةَ من الأصلِ ممكنةً، دون الحاجةِ إلى إنفاقِ سنواتٍ لِتَعَلُّمِ الهولنديةِ، وفي الوقتِ نفسِه يمكنُ إخراجُ ترجمةٍ دقيقةٍ للنصِّ الأصليِّ. ويبدو هذا عند النظرةِ الأولى مستحيلًا. وتحقيقًا لهذا الغرضِ اخْتَرَعْتُ الطريقةَ التاليةَ اختراعًا ولَّدَتْهُ الحاجةُ، ودَعَتِ إليه الضرورةُ، واضْطُرِرْتُ إليه اضْطِرَارًا تَحدوني فيه الرغبةُ إلى إخراجِ عملٍ مُتْقَنٍ. وكنتُ أذكرُ قصةً قديمةً قرأتُها –ولا أدري مدى صِحَّتِها- عن أستاذِ الأساتذةِ، العبقريِّ المصريِّ عبَّاس محمود العقَّاد، حيثُ يُقال إنه عَلَّمَ نفسَه عِدَّة لغاتٍ تعليمًا ذاتيًّا دون مُعلِّمٍ، فأخذَ تلك اللغاتِ من الكُتُبِ، دونَ العنايةِ بالنطقِ الصحيحِ للألفاظِ، إذْ يكفي الكَاتِبَ أن يتمكنَ عند مطالعةِ كتابٍ أو مقالةٍ أو بحثٍ بلغةٍ أعجميةٍ أن يعرفَ المقصودَ دون الحاجةِ لِلَفْظِ الكلامِ لفظًا صحيحًا. وهذا عملٌ لا يستطيعُه إلا الجهابذةُ من أهلِ العلمِ. وكانتْ هذه القصةُ -رغم غرابتِها وبِغَضِّ النظرِ عن صحتِها- بمثابة مفتاحٍ لأحدِ المغاليقِ التي جعلتْ من هذه الترجمةِ أمرًا ممكنًا. أضفْ إلى هذا أن تاريخَ الترجمةِ لم يخلو من جهابذةٍ نقلوا أعمالًا أدبيةً من لغاتِها الأصليِة دون علمٍ لهم بتلك اللغاتِ، وكان النقلُ عن طريقِ مَنْ نَقَلَ لهم نَقْلًا حرفيًّا -أو ما أَشْبَهَ- ما تقولُه تلك النصوصُ. وَأَصْدَقُ مِثالٍ على هذا ما أنتجتْهُ يدُ الفذِّ مصطفى لطفي المنفلوطيِّ الذي كان لا يجيدُ الفرنسيةَ ولكن هذا لم يمنعْه من أن يُخرجَ للعالمِ روائعَ ترجميةً وتعريبيَّةٍ أَثْرَتِ الحياةَ الأدبيةَ في زمانِه، ولا تزالَ. فقد كان المنفلوطيُّ يستعينُ بمن يجيدُ الفرنسيةَ من أَصْدِقَائِه، فيترجمون له، ثُم يُعِيدُ هو الصياغةَ ليُخرجَ لنا نصوصًا بديعةً في لفظِها ووقعِها وجمالِها وإبداعِها. وعليه فقد ابتكرتُ الطريقةَ التاليةَ التي اتبعتُها في ترجمةِ روايةِ "في سبيلِ الجبنِ"، وهي ببساطةٍ لا تخلو من صعوباتٍ شديدةٍ، وجهدٍ بالغٍ لكنَّه طريقٌ وَسَطٌ يتمثلُ في التعاملِ مع الممكنِ، وَتَرْكِ المستحيلِ دون الإخلالِ بالأمانةِ الترجميَّةِ، وأخلاقِ المهنةِ. فَقُمْتُ أولًا بقراءةِ النصِّ في ترجمتِه الإنجليزيةِ، ثم أردتُ اختبارَ دقةِ تلك الترجمةِ، ومدى مطابقتِها للأصلِ، فاستعنتُ بالترجمةِ الآليةِ لترجمةِ النصِّ الهولنديِّ جملةً جملةً إلى الإنجليزيةِ، ثم أخذتُ هذا الترجمةَ الإنجليزيةَ الْمُتَوَلِّدَةَ وَأَعَدْتُ ترجمتَها إلى الهولنديةِ، ثم طابقتُ بين النصِّ الهولنديِّ الأصليِّ، والترجمةَ الهولنديةَ من الإنجليزيةِ، وقارنتُ بينهما لِتَعَرُّفِ الفروقِ إن وُجِدَتْ، وتحديدِ مدى تأثيرِها على النصِّ والمعنى المرادِ. وأخذت كذلك الترجمةَ الإنجليزيةَ المطبوعةَ لپول ع¤ِنْسِنْت وترجمتُها آليًّا إلى الهولنديةِ، ثم قارنتُ بين النصِّ الهولنديِّ الأصليِّ، والنصِّ الهولنديِّ الْمُتَوَلِّدِ من الترجمةِ الإنجليزيةِ، ثم أَعَدْتُ ترجمةَ هذه الترجمةِ الهولنديةِ إلى الإنجليزيةِ وقارنتُ بين الترجمتين الإنجليزيتين، وهكذا دَوَالَيْك.
                ثم أخذتُ النصَّ الهولنديَّ الأصليَّ ثانيةً وترجمتُه ترجمةً آليَّةً إلى العربيةِ، ثم أخذتُ هذه الترجمةَ العربيةَ فَأَعَدْتُ ترجمتَها آليًّا إلى الهولنديةِ، ثم فعلتُ مثلما فعلتُ مِن قبلُ حيثُ طابقتُ بين النصِّ الهولنديِّ الأصليِّ، والترجمةَ الهولنديةَ من العربيةِ، وقارنتُ بينهما لِتَعَرُّفِ الفروقِ إن وُجِدَتْ. وَظَلَلْتُ هكذا إلى نهاية الترجمةِ.
                د. أحـمـد اللَّيثـي
                رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                تعليق

                • ahmed_allaithy
                  رئيس الجمعية
                  • May 2006
                  • 3961

                  #23
                  ولكنني لم أعتمدِ الترجمةَ الآليَّةَ على الإطلاقِ عند ترجمتي الشخصيةِ للنصِّ، إذ كان دورُها محصورًا فقط في تبيُّنِ دقةِ الترجمةِ الإنجليزية من جانبٍ، ومطابقةِ الترجماتِ الإنجليزيةِ والآليَّةِ للنصِّ الأصليِّ الهولنديِّ من جانبٍ آخر.
                  وبعد أَنِ اطْمَأنَنْتُ لفهمِ النصِّ، وما أراده المؤلفُ، كنتُ أصيغُ الترجمةَ إلى العربيةِ بعد ذلك صياغةَ الكاتبِ الذي يَتَّخِذُ من النصِّ الأصليِّ دليلًا ومرشدًا في إيصالِ المعنى المرادِ، والفكرةِ للقارئِ بالعربيةِ. فَحَرَّرْتُ "النصَّ" العربيَّ من غَلْوَاء هَيْمَنَةِ الأصلِ الهولنديِّ؛ حتى لا يشعرَ القارئُ أنه أمامَ نصٍّ تُقَيِّدُه أغلالُ قواعدِ لغتِه الأعجميةِ الأصليةِ وتراكيبِها المخالفةِ للطبيعيِّ السَّلِسِ في العربيةِ، وهي الآفةُ التي كثيرًا ما نراها في النصوصِ المترجَمةِ التي لا تخضعُ للتدقيقِ أو التمحيصِ اللغويِّ على يدِ المتخصصينَ.
                  د. أحـمـد اللَّيثـي
                  رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                  تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                  فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                  تعليق

                  • ahmed_allaithy
                    رئيس الجمعية
                    • May 2006
                    • 3961

                    #24
                    وَلمزيدٍ من التوضيحِ أَضَعُ بين يديِّ القارئِ ها هنا جدولًا تفصيليًّا يشتملُ على مِثَالٍ واحدٍ يُبَيِّنُ سَيْرِ الترجمةِ، ويعرضُ الخطواتِ التي مرَّ بها النصُّ الذي نجدْه الآنَ بين أيدينا، وليتعرَّف القارئُ كيف وصلَ إليه هذا العملُ، وما مرَّ به من مشاقٍ كان أدناها كفيلًا بتوقفِ الترجمةِ، وعزوفِ النفسِ عن الاستمرارِ فيها.
                    (لم يمكن إظهار الصورة)
                    ويظهرُ هنا مدى التطابقِ بين الترجمةِ الهولنديةِ الآليةِ للترجمةِ الإنجليزيةِ المطبوعةِ مع النصِّ المتولَّدِ من إعادةِ الترجمةِ إلى الهولنديةِ للنصِّ الإنجليزيِّ المترجَمِ آليًّا من النصِّ الهولنديِّ الأصليِّ. وهذا التطابقُ العجيبُ يُبَيِّنُ مدى دقةِ الترجمةِ ومصداقيتِها وإمكانيةِ الاعتمادِ عليها خاصةً عند وجودِ إشكالٍ في فهمِ النصِّ الأصليِّ، وهو ما كان نادرًا في واقعِ الأمرِ.
                    د. أحـمـد اللَّيثـي
                    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                    تعليق

                    • ahmed_allaithy
                      رئيس الجمعية
                      • May 2006
                      • 3961

                      #25
                      أما في العربيةِ فكان الأمرُ كما يلي:
                      (لم يمكن إظهار الصورة)

                      الأصل الهولندي
                      Eindelijk schrijf ik je weer omdat er grote dingen staan te gebeuren en wel door toedoen van mijnheer Van Schoonbeke.
                      الترجمة الإنجليزية المطبوعة
                      I am writing to you again at last because great things are about to happen, and it’s all Mr Van Schoonbeke's doing.
                      الصياغة العربية الأخيرة بناءً على النص بالهولندية
                      أخيرًا سنحتْ ليَ الفرصةُ لأنْ أكتبَ إليك ثانيةً، وأَوَدُّ أنْ أخبرَك عن تلك الأشياء الكبرى التي توشك أن تحدثَ، وكلُّها بسببِ ما فعله السيدُ فان شخونبيكه.

                      ولم يكنْ من الممكنِ بحالٍ الاكتفاءُ بالترجمةِ الآليةِ من الهولنديةِ إلى العربية لأنَّ مَن يعلمُ مثالبَ الترجمةِ الآليةِ عمومًا يدركُ أنه لا يمكنُ الوثوقُ بدقتِها، ولا الاعتمادُ على صحتِها؛ إذْ ليس الأمرُ قاصرًا على مجردِ تعديلِ تركيبٍ هنا أو هناك، أو إحلالِ لفظةٍ محلَّ أخرى، بل الخطأُ في الدلالةِ وانتقاءِ الألفاظِ المناسبةِ للسياق مِن أعقدِ المشاكلِ عند التعاملِ مع الترجمةِ الآليةِ التي بطبيعتِها تفتقرُ للحسِّ اللغويِّ البشريِّ؛ فلا يمكنُ للآلةِ مثلًا أن تقررَ عندَ تكرارِ لفظةٍ معينةٍ أنه تصحُّ لها ترجمةٌ واحدةٌ في كلِّ السياقاتِ، فلا تقدرُ الآلةُ على أن تتخيرَ بدقةٍ من بينِ المعاني المتعددةِ لِلَفْظٍ واحدٍ ما يَصْلُحُ في مكانٍ دون مكانٍ، فضلًا عن افتقارِ الآلةِ للذَّوْقِ اللغويِّ، والحسِّ الأدبيِّ، والسلاسةِ اللفظيةِ والسياقيةِ والتناغمِ اللغويِّ والرَّبْطِ بين الجملِ والفقراتِ، ومَلَكةَ الإبداعِ، وما إلى ذلك مما لا يَصْلُحُ فيه إلا التدخلُ البشريُّ.
                      والحقيقةُ إنَّ هذه الطريقةَ التي سبقَ وصفُها مُضْنِيَةٌ للغايةِ، وقد اسْتَهْلَكَتْ وقتًا طويلًا، وجهدًا كبيرًا، خفَّفَ مِن وَطْأَتِهِ الرغبةُ في الإتقانِ من جانبٍ، والاستفادةُ الكبيرةُ من المقارَناتِ اللغويةِ والترجميةِ التي كنتُ أقومُ بها من جانبٍ آخرَ، وهي استفادةٌ ممتعةٌ لا تعادلُها عند المهتمين باللغوياتِ المقارَنةِ متعةٌ أخرى.
                      وحين كان يَشْكُلُ شيءٌ في النصِّ الأصليِّ كنتُ أعود إلى ترجمةِ كلِّ مفردةٍ على حِدَةٍ، وأنظرُ في التراكيبِ المختلفةِ، وأقارنُ بين الهولنديةِ والإنجليزيةِ، وأبحثُ في التعبيراتِ والاصطلاحاتِ اللغويةِ الخاصةِ التي لا تخلو لغةٌ منها. وما أكثرَ ما وجدتُ من تشابهٍ بينهما! بل وما أكثرَ ما كان هذا التشابهُ يظهرُ لي في جوانبَ صوتيةٍ وتركيبيةٍ ودلاليةٍ. ولننظرْ مثلًا إلى هذه الجملةِ الهولنديةِ في الفصلِ الأولِ لروايةِ الجبنِ؛ وأمثالُها كثيرٌ. يقولُ المؤلفُ:
                      Je moet weten dat mijn moeder gestorven is.
                      وعند مقارنةِ هذه الجملةِ بالترجمةِ الإنجليزيةِ للمفرداتِ نجدُ أنهما لا تختلفانِ كثيرًا عن بعضهِما بعضًا كما هو موضَّحٌ فيما يلي:

                      (لم يمكن إظهار الصورة)
                      فالجملتانِ هنا متفقتانِ في كلِّ شيءٍ تقريبًا، بل وفي كثيرٍ من اللفظِ الصوتيِّ.

                      أما ترجمةُ پول فنسنت فتقولُ:
                      I should tell you that my mother has died.
                      وهو ما يعني حرفيًّا في كلتا اللغتين "يجبُ أن أخبرَك أنَّ أُمِّي قد ماتَتْ". وإذا أخذنا السياقَ والسردَ في الحسبانِ فإنَّ هذه العبارةَ تظهرُ في الترجمة التي بين أيدينا هكذا: "ولكن ينبغي أنْ أخبرَك أوَّلًا أن أُمِّي قد ماتَتْ." فإضافةُ "ولكن" إنما كان لغرضِ الربطِ بين ما سبقها وما يأتي بعدها، وإضافة "أوَّلًا" كان لاعتبارِ السياقِ العامِّ حيث وَرَدَ ذِكْرُ الإِخْبارِ قبلَ هذا في عبارةِ "وأَوَدُّ أنْ أخبرَك عن تلك الأشياءِ الكبرى التي تُوشِك أنْ تحدثَ ..."، ومن ثم فهذا إخبارٌ ابتدائيٌّ يسبقُ تلك الأشياءَ الكبيرةَ الأخرى التي سَيَرِدُ ذِكْرُها لاحِقًا. أما استعمالُ "ينبغي" عِوضًا عن "يجب" فلِخِفَّةِ وَطْأَةِ الأولى، خاصةً وأن هذه العبارةَ جاءتْ في بدايةِ الروايةِ فلا يستشعرُ القارئُ هذا الوجوبَ في البدءِ دون وجودِ داعٍ له، وهذا الفَهْمُ هو ما اتفقَ فيه كذلك صاحبُ الترجمةِ إلى الإنجليزيةِ. وعلى هذا المنوالِ سارت الترجمةُ إلى نهايتِها.
                      د. أحـمـد اللَّيثـي
                      رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                      تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                      فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                      تعليق

                      • ahmed_allaithy
                        رئيس الجمعية
                        • May 2006
                        • 3961

                        #26
                        الفصـل الثـانـي
                        في ذاك المساءِ كنتُ ألعبُ الكوتشينةَ في حانةِ "الملوك الثلاثة" حتى منتصف الليل، وشربتُ ثلاثةَ أو أربعةَ أقداحٍ من الجعةِ؛ أي أنني كنتُ في أفضلِ حالةٍ للنومِ طيلةَ الليلِ دون حراكٍ.
                        حاولتُ أن أخلعَ ملابسي بهدوءٍ شديدٍ قدرَ استطاعتي، حيث كانت زوجتي قد نامتْ منذ ساعاتٍ، وأنا لا أحبُّ كلَّ ذاك التذمرِ منها عن العودةِ متأخرًا والشربِ والسهرِ حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليلِ.
                        ولكنني حين وقفتُ على رِجْلٍ واحدةٍ لأخلعَ أول فردةِ جوربٍ سَقَطْتُ على المنضدةِ بجوارِ السريرِ، فهَبَّتْ من نومِها وهي تقولُ: "عليك أنْ تخجلَ من نفسِك".
                        ثم دقَّ جرسُ البابِ، ليقطعَ الصمتَ المخيِّمَ على البيتِ، ما جعلَ زوجتي تنهضُ جالسةً.
                        إنَّ لِدقَّةِ جرسٍ في مثلِ هذا الوقتِ من اللَّيلِ وقعٌ يبعثُ في النفسِ التوجُّسَ والرهبةَ.
                        انتظرنا معًا حتى اختفى رَجْعُ الصدى المترددِ في بئر السُّلَّمِ، وتسارعتْ دقاتُ قلبي، وقد أُسْقِطَ في يدي.
                        همسَتْ زوجتي قائلةً: "مَن يمكنُ أن يكونَ هذا الطارقُ؟ اذهبْ وانظرْ من النافذةِ، فلا تزال مرتديًا نصفَ ثيابِك."
                        لم تكن هذه هي الطريقةَ التي ينتهي بها تذمرُها في العادةِ، ولكنَّ الجرسَ جعلها تحيدُ عن سبيلِها المعتادِ.
                        ثم أردفتْ مهددةً: "إن لَّم تذهب لترى من بالبابِ في الحالِ، فسأذهبُ أنا".
                        ولكنني كنتُ أعلمُ ما حدثَ. فماذا يمكنُ أن يكونَ الأمرُ غيرَ ما توقعتُه؟
                        وفي الخارجِ رأيتُ ظلَّ شخصٍ يقفُ على عتبةِ البابِ، وقال إنه أوسكار، وطلبَ مني أن أذهبَ معه بسرعةٍ لرؤيةِ أمِّي. وأوسكارُ هذا هو زوجُ واحدةٍ من أَخَوَاتي. إنسانٌ لا غني عنه في مثلِ هذه المناسباتِ.
                        أخبرتُ زوجتي بسببِ دقِّ الجرسِ، وارتديتُ ملابسي، ثم فتحتُ البابَ.
                        قال زوجُ أختي بلهجةٍ واثقةٍ: "ستكونُ ساعةُ الحسمِ الليلةَ؛ فهي في النزعِ الأخيرِ. توشَّحْ بكوفيةٍ، فالليلةُ باردةٌ."
                        فعلتُ ما طلبَه مني، وذهبتُ معه. كان الهدوءُ خارجَ البيتِ سائدًا، والليلةُ صافيةٌ. وهُرِعْنا كما لو كنا في طريقِنا إلى نوبةِ عملٍ ليليةٍ أو ما أشبه.
                        وحين وصلْنا إلى البيتِ، امتدتْ يدي تلقائيًّا لتدقَّ الجرسَ، ولكنَّ أوسكار أوقفَني، وسألني عما إذا كنتُ قد فقدتُ عقلي، ثم طرقَ البابَ طرقًا خفيفًا.
                        جاءتْ ابنةُ أختي، وهي ابنةُ أوسكار، وفتحتْ لنا البابَ، ثم أغلقتْه خلفَنا في هدوءٍ تام، وقالت لي إنه ينبغي أن أصعدَ لأرى أمِّي، ففعلتُ هذا وأنا أسيرُ خلف أوسكار. وكنتُ قد خلعتُ قبعتي، وهو ما لم أكن أفعلُه في العادةِ عند زيارةِ أمِّي.
                        كان أخي، وأخواتي الثلاثُ وجارتُنا من الدورِ العلويِّ قاعدِين معًا في المطبخِ، بجوار الغرفةِ التي كانتْ أمِّي لا تزالُ راقدةً فيها، فليس هناك مكانٌ آخرُ غير تلك الغرفةِ.
                        ومن تلك الغرفةِ التي كانتْ ترقدُ فيها أمي وهي على فراشِ الموت خرجَتْ -بهدوءٍ شديدٍ- راهبةٌ عجوزٌ -وهي واحدةٌ من بناتِ خالتي- فذهبتْ إلى المطبخِ، ثم عادتْ إلى الغرفةِ ثانيةً.
                        نظروا جميعًا إليَّ كما لو كنتُ في تحقيقٍ، وهمسَ أحدُهم مُرَحِّبًا بي.
                        هل من المفروضِ أن أجلسَ أم أنْ أظلَّ واقفًا؟
                        لو بقيتُ واقفًا فسيبدو الوضعُ كما لو كنتُ على وشكِ الرحيلِ في الحالِ، وإذا قعدتُ فسأبدو كما لو كنتُ غيرَ مهتمٍّ بالأمرِ، بما في ذلك ما يحدثُ لأمِّنا. ولكن لَمَّا كانوا جميعًا قُعودًا سحبتُ كرسيًّا وقعدتُ في الخلف بعيدًا عن ضوءِ المصباحِ. وكان الجوُّ متوترًا على غيرِ العادةِ. ربما لأنهم أوقفوا الساعةَ المعلقة على الجدارِ، وفقدوا الأملَ في نجاتِها؟
                        كان الحرُّ شديدًا في المطبخِ. وفوق هذا كان هناك مجموعةٌ من النسوةِ، انتفختْ عيونُهن كما لو كنَّ يُقَشِّرْنَ بصلًا قبل مجيئي.
                        لم أعرفْ ماذا أقولُ. ولم يكنِ السؤالُ عن حالِ أمِّي أمرًا ذا جدوى؛ فقد كنَّا جميعًا نعلمُ أن حالتَها في تدهورٍ سريعٍ. لم يكن هناك أفضلُ من البكاءِ، ولكن كيف يمكنُ أن أبدأَ في البكاءِ؟ هل أبدأُ بالنحيبِ فجأةً؟ أو أُخْرِجُ منديلي وأمسحُ عينَيَّ، سواء كانتْ هناك دموعٌ أو لا؟
                        وفي ذلك الوقتِ كان مفعولُ الجعةِ التي شربتُها قد بدأَ في الظهورِ أخيرًا؛ بسببِ الحرارةِ الشديدةِ في المطبخِ حتى أنَّ العرقَ بدأ يَتَفَصَّدُ من جبيني.
                        وحتى يبدو الأمرُ كما لو كنتُ أفعلُ شيئًا نهضتُ واقفًا. وقال لي أخي -وهو طبيبٌ-: "اذهبْ وأَلْقِ نظرةً".
                        حدثني بطريقةٍ طبيعيةٍ، ولم يكن صوتُه عاليًا، وإنما مرتفعٌ بما يكفي كي أرى أنَّ رحلتي في اللَّيلِ لم تكن عبثًا. استمعتُ إلى نصيحتِه؛ خاصةً وأني كنتُ أخشى أن أتقيأَ بسببِ كل تلك الجعةِ التي شربتُها، مع حرارةِ المطبخِ، والجوِّ العامِ الذي كان مسيطرًا عليه. يحتملُ أنهم كانوا سيظنون أنَّ السببَ هو جَيَشَانُ عاطفتي حزنًا على أمِّي، ولكن تخيلْ لو أنني بدأتُ في تقيُّئِ ما في جوفي بالفعلِ!
                        لحسنِ الحظِّ كان الجوُّ في تلك الغرفةِ أبردَ، وكانتْ شبهَ مُظلمةٍ. وعلى منضدةٍ بجوار السرير ِكانت هناك شمعةٌ وحيدةٌ، ولكن ضوءَها لم يصلْ إلى وجهِ أمي وهي راقدةٌ على سريرِها المرتفعِ، ومن ثم فلم أَرَ من وجهِها ما يحزنُني وهي تعالجُ سكراتِ الموتِ. وكانتِ الراهبةُ ابنةُ خَالَتِـي قاعدةً تُصَلِّي.
                        وبعد أن وقفتُ هكذا لبعض الوقتِ أتى أخي أيضًا، فالتقطَ الشمعةَ، ورفعَها كالكشَّافِ لِيُسَلِّطَ الضوءَ على وَجْهِ أُمِّي. لا بُدَّ وأنه كان قد سَمِعَ شيئًا؛ ذلك أنَّهُ ذهبَ للمطبخِ، وطلبَ من الجميع أنْ يأتوا.
                        وسمعتُ أصواتَ الكراسي تندفعُ للخلف، وما لبثتُ أن رأيتُهم جميعًا في الغرفةِ.
                        وبعد لحظةٍ قالت أختي إن الموتَ قد حلَّ، ولكن الراهبةَ عارضتْها بقولها إن الدمعتيْن لم تسقطا بَعدُ. هل كان من المفترضِ أنْ تذرفَهما أمي؟ أم غيرُها؟
                        ظل الحالُ هكذا مدةَ ساعةٍ، وكنتُ لا أزالُ واقعًا بشدةٍ تحت تأثيرِ الجعة التي شربتُها. ولكنْ في نهاية الأمرِ أُعْلِنَتْ وَفَاتُـهَا.
                        وكانوا على حقٍّ في ذلك. فعلي الرغمِ من رغبتي الصامتةِ الشديدةِ في أن تنهضَ أمي لتجعلَهم جميعًا يتفرقون بابتسامتِها المخيفةِ، إلا أنَّ هذا لم يحدثْ. فقد تلبَّسَها الموتُ، ولم تَبْدُرْ منها أدنى حركة ٍكما هو حالُ الأمواتِ جميعًا.
                        مَرَّ كلُّ شيءٍ بسرعةٍ كبيرةٍ حتى أنني كدتُ ألا أدركَ ما حدثَ بالضبطِ.
                        وَمَلَأَ البردُ الغرفةَ حين أَخَذَتِ النِّسْوَةُ في العويلِ والنحيبِ، ولم أستطعْ أنْ أُشاركَهُنَّ.
                        لستُ أدري من أين أَتَيْنَ بكلِّ تلك الدموعِ؛ فلم تَكُنْ تلك أولَ دموعِ يَذْرِفْنَها؛ وأنا أعلمُ هذا بالنظرِ إلى وُجُوهِهِنَّ. ولحسنِ الحظِّ لم يشاركْهن أخي في البكاءِ. ولكنَّهُ طبيبٌ، وكلنا نعلمُ أنه معتادٌ على مثلِ هذهِ المشاهدِ، ومن ثم كان الأمرُ لا يزالُ مُحْرِجًا بالنسبة لي.
                        حاولتُ التعويضَ عن كلِّ ما سبقَ بأن َضَمَمْتُ النسوةَ إلى صدري، وشَدَدْتُ على أيديهن بقبضةِ يدي. وكنتُ أفكرُ في أنَّ ما حدثَ أمرٌ فظيعٌ: أنْ تكونَ أمي بيننا منذُ لحظاتٍ وفي طرفةِ عينٍ تصبحُ لا وجودَ لها.
                        وفجأةً توقفتْ أَخَوَاتي عن البكاءِ، وَأَحْضَرْنَ ماءً، وصابونًا، ومِنْشَفَةً، وَبَدَأْنَ فِي غُسْلِهَا.
                        كان تأثيرُ الجعةِ الآن قد ذهبَ تمامًا، وهو ما يدلُّ على أنني تأثرتُ بموتِ أمي تأثرًا شديدًا، مَثلي في ذلك مَثل الآخرين.
                        عُدْتُ وجلستُ في المطبخ إلى أن انْتَهَيْنَ من تغسيلها، ثم دُعينا من جديدٍ لنكونَ بجوارِ فراشِها.
                        وبدا وكأنهن عَمِلْنَ بِجِدٍّ كبيرٍ خلال تلك الفترةِ الوجيزةِ؛ إذ كانتْ الجثَّةُ أَنْضَرَ مما كانتْ عليه وهي حيَّةٌ.
                        قالتْ ابنةُ خالتي الراهبةُ وهي تنظرُ نظرةَ رضًا إلى السريرِ حيثُ ترقدُ أمِّي: "تبدو خالتي جميلةً حقًّا".
                        ولا شكَّ أنها أشدُّ الناسِ معرفةً بهذا؛ فهي تنتمي إلى إحدى طرقِ الرهبنةِ في ليـر،[i] ويعني هذا إرسالَها -منذ أن كانتْ في ريعانِ شبابها إلى أن تلفظَ نَفَسَها الأخيرَ- من مريضٍ إلى مريضٍ. ومن ثم فإنها تقضي وقتَها كلَّه إلى جوارِ جُثَثِ الموتى.
                        ثم صنعتْ ابنةُ أخي بعضَ القهوةِ، واحتستْها النسوةُ عن استحقاقٍ لما قُمْنَ به من جَهْدٍ، وحصلَ أوسكار على إذنٍ بتكليفِ صديقٍ له للقيامِ بترتيباتِ الجنازةِ. وحسبما قال فقد كان هذا الصديقُ مثلَه مثل غيره في جودةِ العملِ ورخصِ السعرِ. وقالتْ له أختي الكبرى بإيماءةٍ متعَبةٍ: "لا بأسَ يا أوسكار". كما لو كانتْ غيرَ آبهةٍ بالمرة بمسألةِ السعرِ.
                        ورأيتْ أن الجماعةَ على وشكِ التَّوَجُّهِ كُلٌّ إلى سبيلِه، ولكنَّني لم أجرؤْ أن أكونَ البادئَ بالرحيل؛ فقد كنتُ آخِرَ مَنْ وَصَلَ.
                        وتثاءبتْ إحدى أَخَوَاتِـي وهي لا تزالُ تذرفُ بعضَ الدموع، فَلَبِسَ أخي عندئذٍ قُبَّعَتَهُ، وَسَلَّمَ على الجميعِ ثانيةً، ثم انصرفَ.
                        قلتُ وقتئذٍ: "ربما عليَّ أيضًا أن أذهبَ مع كاريل". أظنُّ أن هذه الكلماتِ كانت أولَّ ما تفوهتُ به. ربما أعطتْ هذه الكلماتُ الانطباعَ أنني سأذهبُ لأجل كاريل؛ فحتى الطبيبُ قد يحتاجُ إلى بعضِ المواساةِ، أليسَ كذلك؟
                        وهكذا استطعتُ الخروجَ من المنزل.
                        كانت الساعةُ قد بلغتْ الثالثةَ صباحًا حين عدتُ إلى غرفةِ نومي، وبيدي فردةُ حذاءٍ، وأخذتُ أخلعُ جوربي. كنتُ نائمًا وأنا لا أزالُ واقفًا، ولذلك فحتى لا أُضْطَرُّ إلى أنْ أحكيَ القصةَ بأكملِها لزوجتي اكتفيتُ بالقولِ بأنه لم يكنْ هناك جديدٌ.
                        ليس لدي الكثيرُ لأذكرَه عن الجنازة، فقد مَرَّ كلُّ شيء بطريقةٍ طبيعية، ولم أكن لأذكرَ شيئًا على الإطلاقِ لو لم يكن موضوعُ موتِ أمي هو ما أدَّى إلى معرفتي بالسيدِ
                        ڤان شخونبيكه.
                        فكما جَرَتِ العادةُ وَقَفْتُ أنا وأخي وأزواجُ أَخَوَاتي وأربعٌ من أبناءِ عمومتي فيما يُشْبِهُ نِصْفَ دائرةٍ حَوْلَ النَّعْشِ، قبلَ أنْ يزولَ عن مكانِه، وبعدها أتى بعضٌ ممن تربطُنا بهم قرابةٌ عائليةٌ أقلّ، وأصدقاءٌ، ومعارفٌ فصافحوا كلَّ واحدٍ مِنَّا، وعزَّوْه بكلمةٍ هامسةٍ، أو بنظرةٍ ثابتةٍ، العينُ في العينِ. كان هناك الكثيرُ منهم. في الحقيقةِ كانت أعدادُهم كبيرةً جدًا، ودَارَ بخلدي ساعتَها أنَّ العزاءَ لَنْ يَنْتَهِيَ.
                        وَضَعَتْ زوجتي شريطًا أسودَ حول ذراعي؛ ذلك أني كنتُ قد اتفقتُ مع أخي أننا لن نُفَصِّل حُلَّةَ حِدَادٍ خاصةٍ لهذه المناسبة، فالحاجةُ إليها بعدَ الجنازةِ قليلةٌ للغاية. وكان الشريطُ الأسودُ واسعًا جدًا حتى أنه كان كثيَر الانزلاِق، وكنت أُضْطَرُّ لرفعه ثانيةً بعد مصافحةِ كلِّ ثلاثةٍ أو أربعةِ أشخاصٍ. ثم أتى السَّيِّدُ
                        ڤان شخونبيكه -وهو من أصدقاءِ أخي- وواحدٍ من المرضى الذين يعالجُهم، ففعلَ مثلما فعلَ الآخرون. ولكنه كان أكثرَ رفعةً وتواضعًا في الوقتِ نفسِه وهو يقدمُ لنا تعازيَه. وكان من السهلِ أن أدركَ من طريقةِ تعاملِه أنه شخصٌ خبيرٌ بالحياة. وذهبَ معنا إلى الكنيسةِ ثم إلى المقابرِ، وَرَكِبَ إحدى العرباتِ مع أخي ومعي. ولَمَّا عَرَّفَهُ أخي بِـي دعاني لزيارتِه، فَفَعَلْتُ.


                        [i] ليـر Lier بلدية بلجيكية تتبع إقليم
                        أنتورﭖ، وتضم مدينة ليـر وقرية كونينشوِكت Koningshooikt، وتشتهر بصناعة الجعة، وبها مقر شركة Van Hool التي تعد من أكبر الشركات في صناعة الحافلات والباصات منذ سنة 1947م. وبها كنائس وأديرة قديمة تعود للقرن الرابع عشر، والقرن السابع عشر الميلاديين، وبها كذلك قبرُ آخِر كبير أساقفة الرومان الكاثوليك لنيداروس Nidaros أولاﭪ إنغلبرِكتسُن Olav Engelbrektsson.
                        د. أحـمـد اللَّيثـي
                        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                        تعليق

                        يعمل...
                        X