الترجمة والعمليات الذهنية- حسام الدين مصطفى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    الترجمة والعمليات الذهنية- حسام الدين مصطفى

    الاستماع والقراءة بوابتي الترجمة.. فعندما تسمع أو تقرأ يبدأ عقلك في التعامل مع العديد من المهام بصورة فائقة السرعة حتى أنك لا تشعر بها وهي تتم بشكل تلقائي... فعندما تقرأ تطالع عيناك الأحرف والمقاطع والكلمات والجمل والعبارات عبر عملية تغذية العقل البيانات ليبدأ في التعامل معها واستيعابها ... لذا فإن أول شرط من شروط الترجمة الجيدة لأي نص أن تقرأ النص بصورة جيدة وبالتالي تفهمه جيداً، وتسعى بعد ذلك إلى ترجمته بصورة جيدة عبر نص يمكن للمتلقي قراءته وفهمه جيدا، وهذا ما ينطبق أيضاً على عملية الاستماع حيث يتم تحويل الأصوات المفردة إلى تراكيب صوتية تحدد منطوق الكلمة وتستدعي معناها المختزن في العقل أو تدفع المستمع إلى البحث عن معناها. وكما هو الحال في القراءة فإن الأحرف المفردة كالأصوات المفردة لا تحمل أي معنى، وقد يمكنك أن تكون صورة عامة عن محتوى النص ومضمونه من خلال قراءتك –أو سماعك- للفقرات الافتتاحية منه أو بداياته.
    وعملية القراءة ليست بسيطة أو لحظية بل إن لها مراحل تبدأ من تجميع الأحرف المكونة للكلمة وتحويلها إلى صورة شكلية يدركها العقل، ولكن ذلك لا يعني أنه بمجرد تحديد شكل الكلمة فإن ذلك يمكننا من التوصل إلى معناها. لقد اعتدنا حتى وقت قريب أن نطالع نصوصاً من لغتنا العربية مذيلة صفحاتها بقائمة تضم معاني المفردات (مثل: يم = بحر)، وعلى أساس هذه المترادفات تبدأ عملية تحديد المعنى واستدعائه من ذاكرتنا عند قراءة النص، ويجب أن نلاحظ هنا أن ثمة فارق كبير بين تحديد الكلمة من خلال تجميع أحرفها بصورة بصرية مرئية أو سمعية وبين إدراك معنى الكلمة وهما عمليتين منفصلتين حتى وإن كانتا تتمان بسرعة فائقة فلا نلحظ وجود فترة زمنية فاصلة بينهما.
    إن أول عملية يقوم بها المترجم هي عملية "قراءة" النص وتتضمن هذه العملية نشاطين أحدهما إدراكي معرفي والآخر نفسي شعوري... والقراءة في حد ذاتها عملية ترجمة عقلية شعورية تتم بصورة تلقائية، وعندما نقرأ الكلمات فإننا لا نحفظها أو نخزنها في عقولنا ومع استمرارنا في القراءة تتولد لدينا بعض من التأثيرات الشعورية فنجد أن هناك جملاً وعبارات بعينها قد التصقت بعقولنا نتيجة للأثر النفسي الذي أحدثته فنحفظ كلماتها، لكن ما بقي من النص يتحول داخل عقولنا إلى علامات ومعان باستخدام لغة خاصة هي اللغة العقلية.
    كلما ازداد ما يمارسه الفرد من عمليات القراءة أو الاستماع، ازدادت الحصيلة الموسوعية للكلمات والمعاني عنده كما أن وقت التعرف على الكلمات من خلال أحرفها سيختصر ويقل فلا يعد القارئ في حاجة إلى قراءة كافة أحرف الكلمة في كل جملة بل يمكنه أن يتخطى ذلك من خلال قراءة بعض الأحرف وربطها برسم الكلمة. إن عملية الربط بين تركيبة معينة من الأحرف أو الأصوات ومفهوم معين وإدراك ما تحمله من معاني وفق سياق استخدامها هي ما نطلق عليه " تحديد المحتوى المفاهيمي " Defining The Conceptual Content" وهذا لا يقتصر على مزيج الأحرف والأصوات بل قد نصل إليه من خلال رسم الكلمة أو الصورة.
    ربما يمكننا إدراك مدى أهمية قراءة النص إذا عرفنا أن القراءة في مجملها هي عملية ونشاط عقلي يقوم من خلاله القارئ بإعادة بناء للأفكار التي سعى المؤلف أن يوصلها من خلال علامات مرسومة وهي الأحرف أو أصوات مسموعة وبالتالي يجتهد القارئ هنا في السعي إلى إعادة صياغة هذه الأفكار باستخدام الأحرف أو الأصوات بهدف توصيل محتواها الأصلي سواء لنفسه أو لغيره، وهنا لب الموضوع وجوهره فلابد أن نركز على أن المترجم الجيد هو في الأساس قارئ جيد، وعندما يشرع المترجم في قراءة النص الأصلي (باللغة المصدر) تتحول الأفكار والمعاني إلى مجرد فروض وتخمينات غير مترابطة فينتقل بعدها إلى عملية أخرى وهي الربط بين المفاهيم والمعاني والدلالات من خلال سياق النص، وهذا يدفعنا إلى ضرورة التنبيه على أن الكلمة الواحدة قد تحمل أكثر من معنى وترسم أكثر من فكرة تختلف بطبيعتها وفق محتوى النص وموضوعه، ومثال بسيط على ذلك في لغتنا العربية استخدام كلمة (عين) فهذه الكلمة قد يضع لها البعض مرادفاً واحداً أساسياً هو أن (العين أداة البصر) بينما نجد أن كلمة عين قد تعني عين الإنسان التي يبصر بها، أو عين ماء أو قد تعني جاسوس وذلك وفقاً للسياق الذي استخدمت فيه.
    إننا هنا لا نتحدث عن المعنى المجازي للكلمة أو استخدامها الرمزي وإنما نتحدث عن معنى أصلي لا سبيل إلى تحديده إلا من خلال فهم واستيعاب النص عبر عملية قراءة متأنية.
    بعد أن ننتهي من عملية القراءة وتحديد المعنى وفقاً للسياق ننتقل إلى مرحلة أعلى وأدق وهي مرحلة التحليل وفيها يقوم القارئ/ المترجم بالبحث في المحتوى الموسوعي المعرفي المختزن في عقله والمفترض أنه كونه من خلال قراءاته ودراساته وخبراته النظرية أو العملية فيبدأ في ترسيم دائرة عامة تحدد قالب الموضوع. إن تمييز قالب الموضوع عملية لا تقل في الأهمية عن سابقتها فهي العملية التي على أساسها يبدأ المترجم في تحديد النمط اللغوي واللفظي المستخدم، والأسلوب الذي يستعين به والذي لابد وأن يتفق مع أسلوب المؤلف، وبكلمات أخرى فإن المترجم عندما يوكل إليه ترجمة بيان عسكري، فلا سبيل أمامه إلى استخدام صياغات أدبية مفرطة، كما أنه لا يمكن للمترجم أن يستخدم الأسلوب الأدبي الساخر عند ترجمة مأساة تراجيدية، وكلما اتسعت دائرة القراءة لدى المترجم كلما تيسر له أن يربط بين الكلمات الواردة في النص الأصلي والمعاني العامة التي تشير إليها الكلمات في اللغة الهدف.
    لعلنا الآن قد ندرك السبب الذي دفعنا للحديث عن القراءة، والتأكيد على أنها ليست مجرد " فك شفرة" كلمات وعبارات مكتوبة بلغة المصدر، وإنما هي أيضاً ربط لتلك الكلمات بثقافة أهل لغة المصدر، ويليها بعد ذلك تحويلها إلى ما يماثلها لدى ثقافة أهل لغة الهدف، وتبزغ أهمية هذه الجزئية بشكل واضح عند التعرض لترجمة النصوص الدينية فعلى سبيل المثال فهناك فارق بين اللثام والحجاب، وإن كانت الكلمة الموازية لكليهما في اللغة الإنجليزية وهي (veil) ، إلا أن الدلالة الدينية تجعل هناك فارقاً كبيراً بين اللثام والحجاب.كذا وهناك مثال آخر ربما يزيد الصورة إيضاحاً ويبين لنا ضرورة الربط بين المعنى اللفظي والمضمون الثقافي للكلمة ... ففي اللغة الإنجليزية هناك تعبيري boyfriend أو girlfriend واللذان يترجمهما البعض إلى العربية خطأ بلفظي صديق أو صديقة، ولكن العارف بثقافة الغرب يدرك أن هناك ثمة فارق كبير بين المفهوم الغربي والعربي لهذا النوع من الصداقة.
    تلخيصاً لما سبق فإن أول خطوة على طريق ترجمة عمل ما، هي أن نقرأه قراءة جيدة متأنية نربط من خلالها بين التراكيب المختلفة للأحرف أو الأصوات بمعاني ومفاهيم تتحدد وفق أسلوب وطبيعة النص وثقافة أهل اللغة التي كتب أو قيل بها، وبمجرد أن يستجمع العقل هذه التراكيب المكتوبة أو المسموعة يسعى إلى تحويلها إلى صور ودلالات مختزنة في ذاكرته، وليس بالضرورة أن يكون لكل لفظ صورة عقلية واحدة، بل يمكن أن تكون هناك عشرات الصور المكافئة لمعنى اللفظ، فتأتي بعد ذلك عملية الانتخاب والاختيار لأفضل الصور العقلية، وأحيانا قد نعجز عن إيجاد أو تحديد أي صورة عقلية يمكن ربطها باللفظ سواء لخطأ في كتابة اللفظ أو نطقه أو لكونه مستحدثاً جديداً على محتوانا المعرفي، وفي هذه الحالة يعمل العقل بصورة سريعة للبحث عن أقرب شبيه أو مثيل لهذا اللفظ الغامض، فعلى سبيل المثال قد تقرأ نصاً إنجليزياً تضمن كلمة مثل (classrom) وهذه الكلمة قد كتبت بطريقة خاطئة -متعمدة- فتجد أن عقلك ينتقل بمجرد الانتباه إلى هذا الخطأ إلى استحضار أقرب شبيه للكلمة وهو (classroom) " حجرة دراسة" ... وهنا ينبغي أن ننبه إلى أن ما يحدد صحة تخميننا هو محتوى النص ذاته وما سبق هذه الكلمة من كلمات وما بني على وجودها من عبارات ... وهذا أمر خطير ... فالترجمة لا تقوم على تخمينات معاني مرسلة بل هي تخمينات تقوم على مبدأ "الترجيح" من خلال فهم العبارة التي تضمنت الكلمة الغامضة أو وضع احتمالات تصويبها وبيان موافقة كل احتمال لطبيعة ما نترجمه
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    #2
    إن أول صعوبة تواجه المترجم عند قراءة أو سماع نص معين هي فهم المعنى الذي عناه المؤلف أو المتحدث وربطه بصور عقلية ذات دلالات ثقافية في اللغة الهدف .... وأشد الأمور خطراً أن يتعجل المترجم ويسعى لخلق هذا الربط، ويقوم بتفسير ما قرأه أو سمعه وفقاً لخبراته الشخصية أو مجال تخصصه، والسبب في ذلك هو أنه مهما اتسعت دائرة الخبرات والمعرفة الشخصية، إلا أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتضمن كافة الخبرات والعلوم والدلالات الثقافية، وإذا حصر المترجم مفهوم ومعنى النص الذي يقوم بترجمته في دائرة معرفته الخاصة، فإننا لا نحصل على نص مترجم وإنما نص "مُقَولَب" وفق خبرة ومعرفة المترجم، فإذا ما تعرض مترجم دارس للأدب إلى ترجمة نصوص علمية، فإنه لا يمكنه أن يستخدم التعبيرات المجازية والحيل الأسلوبية التي درسها، و إلا فإننا سنجد نظريات فيثاغورث وإقليدس قد تمت صياغتها على هيئة أبيات شعرية، وأصبح الحديث عن إنشطار النواة أشبه بمناجاة شعورية... هنا تظهر لنا قيمة وضرورة انتخاب اللغة واختيار الألفاظ التي تفرضها طبيعة الموضوع، ويجدر بنا هنا أن نشير إلى أن المترجم يمثل فئة خاصة من القراء ... بل يمكننا القول أن قراءته للنص يجب أن تكون قراءة " نقدية تحليلية" يسعى من خلالها فهم النص وتحديد الروابط والسمات الأسلوبية سواء التي استخدمها المؤلف الأصلي أو التي ينبغي عليه أن يستخدمها عن قيامه بالترجمة، وما دمنا قد تحدثنا عن عملية القراءة وأهميتها فإن ذلك يقودنا إلى الحديث عن عملية أخرى وثيقة الصلة بعملية القراءة ألا وهي عملية الكتابة.
    إننا من خلال ما سبق أوضحنا أن القراءة -أو الاستماع- هي في جوهرها عملية ترجمة أولية للكلمة أو اللفظ وربطها بصورة عقلية معينة ... وهذه العملية تتم داخل العقل، فهي عملية ترجمة عقلية داخلية (internal mental translation) اعتماداً على ما يمكن أن نسميه اللغة الداخلية (inner language) وهي اللغة التي يتضمنها المحتوى المعرفي الخبراتي المختزن في عقولنا، وتتم هذه العملية على مستويين: إما من خلال ترجمة اللغة الأم إلى اللغة الأم (وذلك بالبحث عن المعاني والمفاهيم التي تتضمنها كلمات وألفاظ اللغة الواحدة مثل البحث عن معنى كلمة " حول" في اللغة العربية)، والمستوى الآخر هو ترجمة اللغة المصدر إلى لغة الهدف (وذلك بالبحث عن المعاني والمفاهيم التي تتضمنها كلمات وألفاظ لغة ما واستخراج ما يكافئها في اللغة المترجم إليها مثل البحث عن مكافئ معنى كلمة " حول" في اللغة الإنجليزية).
    بعد عملية الترجمة العقلية الداخلية، تأتي عملية أخرى هي عملية الصياغة اللفظية، وتحويل المعاني والمفاهيم التي توصل إليها العقل إلى صور يمكن للمتلقي فهمها وإدراكها باستخدام الكتابة أو النطق ... فلا يمكن أن يقوم المترجم بفهم وترجمة نص ما داخل عقله ويطلب من المتلقي أن يستشعر ما استقر في عقله الداخلي!! .. وكأنه يقول للمتلقي: أنا كمترجم فهمت واستوعبت وترجمت النص وعليك أنت كمتلقي أن تدخل إلى عقلي وتقرأ ما اختزنته فيه من ترجمة على غرار المثل السائر (المعنى في بطن الشاعر فإن الترجمة في عقل المترجم!!!!)
    لذا فإنه لا سبيل إلى توصيل النص بعد أن تتم ترجمته داخلياً إلى المتلقي، إلا من خلال استخدام أدوات مرئية -كالكتابة- أو مسموعة -كالكلام- فوحدها هذه الأدوات هي التي يمكننا من خلالها نقل الترجمة وتوصيلها للمتلقي...
    عملية الكتابة –ومثلها الحديث المسموع- هي ما نطلق عليه الترجمة الخارجية (outer translation) وذلك باستخدام علامات signs ورموز codes وأصوات sounds يفهمهما المتلقي ويمكن بواسطتها توصيل الرسالة التي يريدها المؤلف.
    وقد ضربنا فيما سبق مثالاً حول ما يؤدي إليه الخطأ في الكتابة أو النطق وما يقتضيه من إرهاق المتلقي في البحث عن أقرب شبيه للفظ الذي شابه الخطأ ... لذا فلابد وأن يعني المترجم ويهتم إلى أقصى حد بعملية الكتابة، ويسعى إلى تنقيتها من كل ما قد يشوبها من أخطاء سواء كانت طباعية أو أسلوبية أو استخدام كلمات يكتنفها الغموض وغير واضحة المعاني، ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى قاعدة بديهية وهي أن إدراك الأفراد وفهمهم للمعاني ليس متطابقاً بصورة تامة فمهما كانت التقارب في فهم وإدراك المعنى، إلا أن هناك ثمة فوارق ناتجة عن الفروق الشخصية والثقافية ... لذا فعندما يشرع المترجم في إخراج ما توصل إليه خلال عملية الترجمة الداخلية من خلال نص مكتوب أو مسموع، فإن عليه أن يستخدم ألفاظاً وعبارات تقلل من مساحة هذه الفوارق، و تخلق حالة من الاتفاق بين جمهور المتلقين على المضمون الكلي للنص وأفكاره الأساسية وجوهره ...
    يمكننا أن نستخلص من ذلك أمراً هاماً متعلقاً باللغة وهو أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بين الأفراد فحسب، وإنما يتخطى دورها ذلك إذ أنها نظام متكامل يمكن من خلاله تصنيف وتمييز المدركات والأفكار والتصورات والشعور .
    لا شك أنك -كمترجم- قد مررت بتجربة تحويل الترجمة العقلية الداخلية إلى ترجمة خارجية مكتوبة، فوجدت أن ما كتبته يختلف عن ما استقر في ذهنك، ونحن هنا لا نتحدث عن قدرتك التعبيرية، ولا عن مدى مهارتك في استخدام أدوات اللغة وإنما نوضح إلى أن اللغة الداخلية تختلف عن لغة التعبير الخارجية ... وكم من مرة وجدت نفسك تضرب جبهتك بيدك تكابد كي تتذكر أي كلمة تلك التي يمكنها أن تعبر عن المعنى الموجود في عقلك ... فأنت قد فهمت المعنى والمضمون ولكن عليك أن تجد اللفظ المناسب للتعبير عن هذا المعنى ... وهذا يوضح لنا أن للكتابة بوصفها أداة تعبير لها لغة متميزة لا مجال فيها إلى ترك الأمر مشاعاً يشكله المتلقي حسبما يتراءى له.
    قد يتعسر على المترجم إيجاد لفظ يحمل ذات الدلالات والمعاني التي استقرت في عقله لذلك فلا ضير في أن يستخدم أقرب الألفاظ تعبيراً وأن يورد حاشية توضيحية تتضمن شرحاً موجزاً للمعنى لإزالة أي لبس أو غموض لدى المتلقي، ورغم أن تحويل النص المترجم داخل عقولنا بلغة العقل غير المكتوبة إلى نص مكتوب مقروء أو حديث مسموع قد تؤدي إلى سقوط بعضاً من الصورة العقلية التي تكونت لدى المترجم -وهذه صعوبة أخرى- إلا أن تمكن المترجم من أدواته التعبيرية واتساع حصيلته المعرفية قد يسهم في التغلب على هذه الصعوبة، وبينما ترغمنا الكتابة على التضحية بالنذر القليل من الترجمة العقلية الداخلية إلا أنها في المقابل توفر لنا فرصة للتحكم في الصياغة والقبض على زمام التعبير حتى وإن كان ذلك على حساب توصيل المحتوى الشعوري داخل النص ....
    إن عملية ترجمة اللغة الداخلية غير المكتوبة " inner nonverbal language "إلى لغة خارجية ملفوظة أو مكتوبة " outer verbal language " هي جزء من المنظومة الكبرى لعملية الترجمة الاحترافية ... ونحن هنا لا نقف عند المعنى الساذج للترجمة الذي يرى فيه البعض أن الترجمة هي مجرد نقل من لغة إلى لغة، وأن الكتابة هي مجرد أداة لتوصيل مضمون النص المترجم ... بل إن الترجمة الحقيقية تستخدم الكتابة لتوصيل رسائل أبعد من ذلك تتضمن الأسباب التي دفعت المؤلف لكتابة النص، وما الذي كان يدور بخلده لحظة كتابته، وما المشاعر التي اعترته أثناء عملية الكتابة ..... والمترجم الحاذق هو من يستطيع أن ينقل للمتلقي قارئاً كان أو مستمعاً هذه الرسائل حتى دون أن يخصص لها جزء مستقلاً أو يسهب في شرحها وإنما يتم ذلك من خلال "الانتخاب اللفظي verbal selection" وانتقاء الكلمات التي يمكن تضمين مثل هذه الرسائل بداخلها.
    يمكننا الآن أن نصرح بأن الترجمة في جوهرها عملية عقلية تقوم على دعامتين أساسيتين أولهما التلقي من خلال القراءة أو السمع و الإرسال من خلال الكتابة أو الكلام وذلك بهدف توصيل رسالة المؤلف الأصلي... وأوضحنا أن هناك جزء خفياً لا يمكننا صياغته بصورة مباشرة عند القيام بعملية الترجمة الخارجية وهو ما تناولناه بشأن شعور وإحساس وهدف الكاتب وغير ذلك من الأمور المعنوية التي لا سبيل إلى توصيلها إلا من خلال الانتقاء أو الانتخاب اللفظي وطريقة تركيب الجمل ... لكن... هناك بعض أمور لا يمكن ترجمتها مهما اجتهدنا وهذا ما سنناقشه لاحقاً عند تعرضنا لموضوع القابلية للترجمة ، Translatability .، وكما هو الحال عند قراءة النص فإن الأمر لا يختلف عند إخراج ترجمته عبر نص مكتوب، فالقراءة الاحترافية لها مستويين أولهما القراءة الاستيعابية وثانيهما القراءة التحليلية، وهكذا هي أيضاً عملية الكتابة فهناك كتابة تعبيرية إجمالية –دون إغفال لأي جزء أو لفظ من النص الأصلي-، وهناك كتابة تحليلية تتناول كل وأدق تفاصيل النص الأصلي حتى أن المتلقي يستشعر من خلالها أن هذا النص ما كان ليترجم إلا بهذه الطريقة، وأن هذه الترجمة ما كانت تصلح إلا لهذا النص وهي أعلى مراحل التعبير المكتوب وهي التي تجعلنا نفاضل بين الترجمات المختلفة للنص الواحد وتجعلنا نشهد للمترجم بالمهنية والحرفية والتميز.
    وعطفاً على ما سبق فإنه يجدر بنا أن نشير هنا إلى واحدة من أهم النظريات التي تناولت علم الترجمة وهي نظرية خريطة الترجمة " mapping theory"، وتشير هذه النظرية إلى أن عملية الترجمة هي عملية متعددة المراحل multi-level process ، فبينما نقوم بترجمة النص الأصلي داخل عقولنا ، فإننا نرسم خريطة تقودنا إلى كيفية نقله إلى اللغة الهدف، بل إننا في واقع الأمر نرسم خريطتين الأولى منها تقودنا إلى ترجمة محتوى لغة المصدر وفق لغة المصدر ذاتها ومن ثم نرسم خريطة ثانية هي الطريق الذي يقودنا إلى نقل ما فهمناه من لغة المصدر إلى لغة الهدف.
    إن عملية الترجمة هي عملية أكثر تعقيداً مما قد يظن البعض، وهذه العملية تمر بعدد من المراحل هي القراءة ثم الفهم ثم المعالجة العقلية الداخلية ثم الانتخاب اللفظي ثم التعبير الكلامي مكتوب أو منطوق. إن المترجم الذي لا يضع نصب عينيه خطة واضحة لترجمة النص غالباً ما يكون عرضة للتشتت والضياع بل وأحياناً الانحراف والخروج عن قالب النص الأصلي لذا لابد للمترجم أن يضع فرضيات وخطط ترشده خلال رحلته مع العمل المترجم وأن لا يختصر مراحل عملية الترجمة، و عندما يشرع البعض في ترجمة نص ما فإنهم لا يستشعرون أن هناك ثمة مراحل تمر بها عملية الترجمة وذلك لأنهم يقومون بها بصورة تلقائية إلا أن هناك مراحل متتالية مترابطة وسوف نتناول فيما يلي تلك المراحل وصفاً وتحليلاً وساعتها يمكننا أن نستشرف تلك العمليات التي يقوم بها المترجم حتى وإن لم ينتبه لها.
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]

    تعليق

    • حسام الدين مصطفى
      عضو منتسب
      • Feb 2012
      • 50

      #3
      في الجزء التالي بإذن الله تعالى
      الترجمة البين سيميائية Intersemiotic Translation
      القراءة والترجمة البينية
      القراءة والإدراك
      القراءة عملية ذهنية عصبية جسدية
      الدماغ والمخ والعقل
      [align=center]حسام الدين مصطفى
      مترجم وباحث وكاتب
      رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
      www.egytrans.org
      active5005@yahoo.com
      [/align]

      تعليق

      • ahmed_allaithy
        رئيس الجمعية
        • May 2006
        • 3961

        #4
        حياك الله أخي الفاضل الأستاذ حسام، وشكر جهدك.
        ونحن في انتظار إسهاماتك الجميلة.
        د. أحـمـد اللَّيثـي
        رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

        فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

        تعليق

        • حسام الدين مصطفى
          عضو منتسب
          • Feb 2012
          • 50

          #5
          [align=center]الأخ العزيز الدكتور أحمد الليثي
          شكر الله لك ولإخواننا جميعة في الجمعية الدولية لمترجمي العربية
          أن أتحتم لي نشر هذه المقالات على صفحات منتديات جمعيتكم الغراء
          وأدعو الله أن يكون فيها الفائدة وأرحب بتقييكم وتقويكم
          بارك الله فيكم وفي جهودكم
          [/align]
          [align=center]حسام الدين مصطفى
          مترجم وباحث وكاتب
          رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
          www.egytrans.org
          active5005@yahoo.com
          [/align]

          تعليق

          • حسام الدين مصطفى
            عضو منتسب
            • Feb 2012
            • 50

            #6
            الترجمة البين سيميائية Intersemiotic Translation:
            إن أول نشاط يقوم به المترجم هو القيام بالترجمة البينية أو "البين سيميائية" " intersemiotic" ، والترجمة البين سيميائية هي ترجمة نظام ذو علامات خاصة إلى نظام آخر مختلف في تكوينه وعلاماته كأن نقرأ الكلمات بصوت مسموع، فنحن هنا حولنا المضمون المرئي (الحروف) إلى نظام منطوق (الأصوات) أو كما تترجم أحرف الطباعة في جهاز الحاسب إلى لغة الآلة الالكترونية... وما يحدث عندما نقوم بقراءة النص المراد ترجمته أو الاستماع إليه هو أننا نقوم تلقائياً بتحويل الأشكال المرسومة في الحروف أو الأصوات المسموعة للألفاظ إلى معان إدراكي مختزنة بعقولنا، ونقوم بتحويل الكلمات إلى مواد عقلية إدراكية والأمر هنا يختلف عن "التخيل" فهذه العملية ليست رسم صورة تخيلية، فالخيال قد يجعلنا نرسم شكلاً أو نتصور حدثاً، أما المواد العقلية التي نقصدها هنا فنادراً ما تكون ضمن عملية التخيل، فنحن لا نتخيل الكلمات ولا الأحرف، ونحن هنا نتحدث عن ترجمة صيغة لفظية إلى صيغة عقلية أو العكس ورغم تعقيد هذه العملية الأولية إلا أننا لا نستشعرها حينما نشرع في القراءة كواحدة من مراحل الترجمة، ومهما كانت خبرة القارئ فإنه يمر بالمرحلة التي تحدثنا عنها بنفس الصورة التي يمر بها المترجم وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة أخرى تتسم بطبيعتها التفسيرية وذلك بأن نسعى إلى تخمين أو إحساس المعنى وفي ذلك تلعب شخصية الفرد دوراً هاماً في صياغة المعنى.
            ويمكننا أن نعتبر القراءة بمثابة عملية ترجمة غير مكتوبة، وهذا الأمر قد يمثل تحدياً من التحديات التي تواجه المترجم القارئ، إذ أنه لا يتعامل مع النص كقارئ أو متصفح عادي بل يتوغل داخل النص ومعانيه وما يحمله من إيحاءات وتعبيرات، ويسعى إلى ربطها بمعان وكلمات ودلالات اللغة التي سيترجم إليها. إضافة إلى هذا فإنه وخلال عملية القراءة تبدأ شخصية المترجم وذاته في اتخاذ أولى خطواتها نحو الظهور من خلال السمات الشخصية للمترجم وما يرتبط بها من ذائقة ومحتوى معرفي ولغوي ومشاعر وهذا أمر غير محمود في صنعة الترجمة ... وقد تزداد المشكلة تعقيداً إذا علمنا بأن إنكار المترجم لذاته تماماً وسعيه إلى انتزاعها من النص المترجم قد يؤدي إلى إخراج ترجمة سيئة جامدة عندما يقمع المترجم ذاته خاصة عند عملية القراءة الأولية للنص، والحل هنا يكمن في القراءة الموضوعية والنظرة الحيادية للنص وفقاً للمعايير المعتدلة التي تخرج عن نطاق "الشخصنة"
            القراءة والترجمة البينية:
            القراءة هي مرحلة أولية جوهرية من مراحل الترجمة، وفيها يقوم المترجم بتحويل النص المراد ترجمته إلى نص يصاغ بلغة قد تغلب عليها ذاتية المترجم وشخصيته، لذلك فإنه يتعين على المترجم المحترف أن يتبع المراحل التالية عند قراءته للنص الذي ينوي ترجمته.
             القراءة العامة: وفيها يقرأ المترجم النص كعموم القراء والمتلقين العاديين ذوي الثقافات الوسطى.
             القراءة الذاتية : وفيها يقرأ المترجم النص وفقاً لخبراته المعرفية واللغوية الإدراكية.
             القراءة البَعدية: وفيها يقرأ المترجم النص متسائلاً طوال الوقت عن المعنى والمفهوم والمضمون الذي يريد المؤلف الأصلي أن ينقله إلى المتلقي.
            تلي تلك المراحل مرحلة أخيرة بالغة الأهمية وهي مرحلة القراءة "النقدية التحليلية"، فيبدأ المترجم في تحليل لغة النص وتراكيبه ومضامينه وصياغته وتوجهاته والبعد النفسي للكاتب أو المتحدث، وبذلك يكون المترجم قد انتقل من مراحل القراءة السطحية الإجمالية إلى القراءة المتعمقة، وهذا قد لا يتوافر في فرع الترجمة الفورية، لذا فإننا سنتحدث فيما بعد عن السمات والخصائص التي لابد أن يمتاز بها المترجم الفوري، ومن ضمنها اتساع المحتوى المعرفي العام والتخصصي المحدد وسرعة إتمام مراحل معالجة النص المترجم، وعندما يبلغ المترجم هذه المرحلة من مراحل ترجمة النص وهي مرحلة القراءة المتعمقة فإنه يبدأ في استخدام أدوات الترجمة السيميائية
            القراءة والإدراك
            إن أول دور تقوم به القراءة هو خلق ربط إدراكي Perceptive Connection مع النص المراد ترجمته، وهنا لابد وأن نركز على أن إدراك المعنويات ليس بنفس سهولة إدراك الماديات، فإدراكنا لوجود "القلم" ، يختلف عن إدراك معنى كلمة "قلم" في النص، فقد يختلف القصد الذي من أجله استعمل الكاتب لفظ "قلم" عن ما يتبادر إلى إدراكنا المادي، والذي يحدد ذلك هو سياق النص ومضمونه... كذلك فبالنسبة لإدراك الماديات فإنه لا يمكننا ترجمة هذا النوع من الإدراك، بينما يمكننا ترجمة إدراكنا للكلمة والمعنى المشيران إلى هذا العنصر المادي... لذا فإن إدراكنا لمعنى الكلمة يعتبر مرحلة أخرى من مراحل الترجمة تقودنا إلى مرحلة أخرى جديدة. إننا حينما ننظر للـ"قلم" فإننا ننظر إلى شيء مادي محسوس، ولكن عندما نكتب كلمة "قلم" فإننا بذلك نحول ما أدركناه حسياً إلى لفظ مكتوب أو منطوق، وبالتالي نكون قد خرجنا به من منظومة إدراكية حسية إلى منظومة أخرى لغوية لفظية تلعب في صياغتها الخلفية المعرفية والثقافية دوراً كبيراً..
            القراءة عملية ذهنية عصبية جسدية
            الإنسان بطبيعته يسعى دوماً إلى إدراك الأشياء المحيطة به، والمترجم حينما يتعامل مع النص إنما يسعى إلى إدراك ما يتضمنه هذا النص من أفكار وصياغات، وهذا يتأتى من خلال المراحل المختلفة لعملية القراءة، بداية من القراءة الإجمالية إلى القراءة المتعمقة، ويصبح الأمر ساعتها أشبه برسم صورة، تبدأ برسم الإطار العام، وتأخذ تفاصيلها في الوضوح رويداً رويداً حتى تكتمل معالمها.
            إننا لا نغالي إذا قلنا بأن المراحل الأولى للترجمة تتضمن أنشطة عقلية- عصبية- جسدية retino-neuro-muscular activities ويتمثل ذلك في الأنشطة المرتبطة بالرؤية أو السمع وبعدها الفهم والتحليل ثم التفاعل ... وتبسيطاً لهذا الأمر فإن حركة العينين أثناء عملية القراءة سعياً إلى استكمال قراءة باقي الكلمات، لكي يتم الوصول إلى معنى كلمة بعينها تتم خلاله الأنشطة التي أشرنا إليها أعلاه،وعندما يبدأ المترجم رحلته في عالم الترجمة، فإنه قد يلقى صعوبة في تخيل هذه العمليات، أو الالتزام بها ولكن لا يمكن له يبلغ التميز الذي يرجوه إن لم يتبع هذا الخطوات ،بغض النظر عن المدة التي قد يستغرقها في بدايات احترافه للترجمة، والتي ستأخذ في التضاؤل والقصر مع تمرسه وإطلاعه المتزايد.
            ربما يكون للمترجم التحريري حظاً أوفر ،ويملك وقتاً أكبر من ذلك الذي يمتلكه المترجم الفوري (وإن كان كلاهما يقوم بنفس الأنشطة ويمر بنفس المراحل)، إلا أن الوقت لا يمثل عنصراً ضاغطاً على المترجم التحريري، ويعطيه فسحة تتيح له أن يلج إلى أعماق النص وبنيته، ولكن يتعين علينا أن نؤكد على ضرورة خلق التوازن الإدراكي لدى المترجم التحريري، فالوقت وإن كان في صالحه، إلا أنه قد يأخذ المترجم التحريري إلى غياهب الشطط، من خلال رسم وتكوين انطباع ذاتي عن النص المراد ترجمته، وهذا ما نحذر منه دوماً، فلا ينبغي للمترجم أن يغرق في رسم تصور ذاتي أو شخصي للنص، فيخرج به عن مضمونه، ويخرج لنا (مؤلفاً) جديداً ، حتى وإن حافظ على الأفكار الأساسية للنص الأصلي، فالترجمة ليست نقلاً لغوياً إلى لغة أخرى اعتماداً على الإدراك الفردي الشخصي الذاتي للمترجم...
            وفيما يلي فإننا سنعرض إلى بعض العمليات الذهنية غير اللفظية التي يتضمنها الإطار العام لعملية الترجمة، ومن خلالها يتضح لنا البعد الذهني للترجمة، وما تتضمنه من أنشطة تتطلب قدرات عقلية وذهنية وفكرية عالية، فالترجمة عملية معقدة، وليست كما يراها البعض مجرد معرفة بلغات أجنبية أو قدرة على إجراء استبدالات لفظية، بل إن عملية الترجمة تتضمن العمل على المستويين:
            - المستوى اللغوي اللفظي.. فالمترجم يتعامل مع ألفاظ يتشكل منها النص الأصلي أو الهدف.
            - المستوى الذهني غير اللفظي.. العمليات التي تتم في العقل البشري ولا تظهر عند المعالجة والمخرجات اللغوية النهائية.
            عندما نقوم بعملية الترجمة يحدث نوع التفاعل مع النص الأصلي، ينتج عنه وضع فرضيات وتصورات لشكل ومحتوى ودلالة النص الهدف، وهذا يتم في إطار العقل البشري الذي يصبح هو بيئة ومسرح عمليات هذه الأنشطة الذهنية، وهذه الأنشطة تتم في مستوى الوعي واللاوعي، وتخضع لتحكم العقل البشري، وأحيانا تخرج عن نطاق السيطرة الكلية للعقل الواقعي الواعي، وعندما تتم العمليات الذهنية في إطار غياب التحكم العقلي الكامل، فإن ذلك يفقد عملية الترجمة جوهرها، ويأخذ المترجم إلى مسارات بعيدة عن عملية الترجمة، وقد تصل به إلى مستوى إعادة التأليف، أو وضع مصنف جديد قد يشابه أو يشترك في بعض أفكاره مع ما قصده المؤلف في النص الأصلي.
            تقوم الترجمة في أساسها على منظومة من العمليات الذهنية التي تتم داخل عقل المترجم، وهذه الأنشطة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
            • مرحلة ما قبل الترجمة: وهذا يشمل تعلم لغتي المصدر والهدف، والإطلاع على مجال التخصص المعرفي، و معرفة ثقافة لغتي المصدر والهدف
            • مرحلة الترجمة: وهذا يتضمن تحليل الخصائص اللغوية والدلالية للنص في لغة المصدر، وإنشاء العلاقات الدلالية والبحث عن المكافئ لها في اللغة الهدف.
            • مرحلة ما بعد الترجمة: وتتضمن عمليات المراجعة والتوفيق اللغوي والثقافي
            ويمكن توصيف العمليات التي يقوم بها المترجم على المستوى الذهني بأنها عمليات الإدراك، والتوليد اللغوي، والتحليل، والبناء، والتركيب، والاستيعاب، والتفسير، ومن الإجراءات الذهنية المرتبطة بعملية الترجمة:
            • القراءة والكتابة.
            • إدراك المعنى في اللغة المصدر وتحديده.
            • تحديد العمق الدلالي للألفاظ.
            • تحديد الأبعاد الاصطلاحية للمصطلحات والمفاهيم.
            • تحديد الاختلافات اللغوية والدلالية بين لغتي المصدر والهدف.
            • تحليل التركيب النحوي للنص المصدر.
            • التمعن في صياغة المعاني والدلالات بلغة الهدف.
            • التمييز بين الاستخدامات الاصطلاحية والعامة للفظ.
            • تخيل واستحضار الحالة الفكرية والشعورية للمؤلف الأصلي.
            • تخيل واستحضار رد فعل المتلقي وقياس مدى نجاح توصيل رسالة المؤلف
            وهذا ما يستدعي أن نتناول بعض النقاط المتعلقة بالعقل والعمليات الذهنية
            [align=center]حسام الدين مصطفى
            مترجم وباحث وكاتب
            رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
            www.egytrans.org
            active5005@yahoo.com
            [/align]

            تعليق

            • حسام الدين مصطفى
              عضو منتسب
              • Feb 2012
              • 50

              #7
              الدماغ والمخ والعقل
              الدماغ البشري
              هو العضو الذي يتحكم في بالجهاز العصبي المركزي (Central Nervous System CNS) للإنسان، وهو المنظم لمعظم أنشطة الانسان اللاإرادية مثل نبض القلب ، التنفس، والهضم، ينقسم الدماغ إلى ثلاثة أجزاء : الدماغ الأمامي Prosencephalon أو forebrain، الدماغ المتوسط midbrain ودماغ خلفي Rhombencephalon أو hindbrain
              يبلغ وزن الدماغ حوالي (1.4 كيلوغرام)، ونسبة كتلة الدماغ البشري إلى جملة وزن الإنسان تعد نسبة عالية بالنسبة مقارنة بباقي الكائنات، إذ يشكل وزن الدماغ نحو 2% من وزن الجسم ، ويتألف من خلايا عصبية يترامح عددها بين 12-14 مليار خلية وننقل الخلايا العصبية إشارات كهربائية عن طريق شبكة من الألياف العصبية الملايين، ويستهلك الدماغ حوالي 15% من الدورة الدموية التي يضخها القلب، ويمكن للدماغ البشري أن يختزن في ذاكرته ما يزيد على 125 مليار وحدة معلومات ( وحدة المعلومات الواحدة = إجمالي المعلومات التي جمعت وسجلت عبر التاريخ)، ويفقد الدماغ حوالي 500 مليون خلية خلال عمر الإنسان، ولا يؤثر ذلك على عمل الدماغ ويبقي في حالة عمل دائم.
              يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسية؛ هي: عنق الدماغ، والمخيخ، والمخ. وتتحكم كل منطقة أو جزء من هذه الأجزاء في أنشطة فسيولوجية منفصلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن تضافر جهود هذه الأجزاء، وليس استقلاليتها في عملها، هو الذي يضفي على الدماغ تلك الكفاءة العالية والفريدة التي تميز نشاطه الفسيولوجي. تشير الدراسات العلمية إلى أن الدماغ البشري ينفذ المهام بطريقة متسلسلة، كما أن الدماغ البشري يمتلك إمكانيات محدودة تجاه التعامل مع مؤثرات متعددة في ذات الوقت، ولكنه قد يستقبلها جميعها ثم يصنفها وفق أولويات ليعيد التعامل معها بصورة متسلسلة..

              المخ:
              المخ فهو أكبر جزء من الدماغ، وهو ما يمثل 85 في المئة من وزنها، ويشكل الجزء الأكبر منه وهو عبارة عن عضو كروي الشكل، يتكون من قسمين متماثلين تماماً؛ كل منهما على شكل نصف كرة تقريباً، وينفصل نصفا كرة المخ طولياً، لكنهما يتصلان من أسفل عن طريق الجسم الجاسي Corpus Callosum.، والمخ هو المسئول عن إدراك جميع الأحاسيس ومعرفتها، إذ تستقبل خلايا المخ الإشارات من أعضاء الإحساس المختلفة الموجودة في شتى أنحاء الجسم، ثم تحللها، كذلك فهو مسئول عن تنسيق جميع الحركات العضلية الإرادية التي يقوم بها الجسم، وهو المنفذ لجميع الوظائف العقلية المميزة للإنسان من إدراك، وتفكير، وفهم، ومعرفة للأشياء، وإيجاد حلول للمشاكل، والتذكر، والإبداع، وهو أيضاً مركز حدوث الانفعالات وتمييز الوقت والمكان، وهناك دراسات حديثة تشير إلى أن بعض مناطق المخ تلعب دوراً مؤثراً في قدرة الإنسان على انتقاء الكلمات الصحيحة والمناسبة عند الكلام
              الأساس العصبي للعمليات اللغوية:
              اللغة هي إحدى ركائز الحضارة الإنسانية، وهي وسيلة التواصل بين البشر وأداتهم للتعبير عن أفكارهم، وتقوم الدماغ بتحليل الرموز اللغوية لتقوم بعمليات الفهم والقراءة والكتابة بطريقة سريعة ودقيقة، فعندما يتحدث الإنسان تتحول الفكرة الموجودة في عقله إلى حركة الفم والفكين واللسان والحنجرة وأجهزة نطق أخرى تعمل خلال جزء من مليون جزء من الثانية، و ينطق الإنسان حوالي ثلاث كلمات في الثانية، أو صوت واحد لكل جزء من عشرة أجزاء من الثانية، وتكاد نسبة الخطأ لا تتخطى صوتاً واحداً خطأ لكل مليون صوت، وكلمة واحدة خطأ لكل مليون كلمة، واللغة هي الوظيفة الرئيسية الثانية للدماغ، ويقوم بها النصف الأيسر حيث يقوم جزء من لحاء المخ وهي المنطقة المسئولة عن لغة الإشارة وكذلك اللغة المحكية، لكن اللغة المكتوبة تخضع للمناطق الأقرب إلى اللحاء البصري.
              مناطق المخ وعلاقتها باللغة :
              تتفق معظم الدراسات على أن الفص الجبهي في النصف المهيمن من المخ هي المسئولة بشكل رئيسي عن إنتاج الكلام، وحفظ الكلمات، والأجزاء المستخدمة في إنتاج الكلمات، ويشار إلى هذه المنطقة باسم منطقة (بروكا Broca )، والتي تسيطر على الكلام المحكي والمكتوب والإشارة أيضاً.. وأثبتت هذه الدراسات أن المخ الحركي هو المنطقة المسئولة عن الحركات العضوية للفم وأجهزة النطق المستخدمة في إنتاج الكلام، وهو المتحكم في عضلات الوجه والفم، وهناك أيضاً منطقة (فيرنيك Wernicke) المسئولة عن تعيين معنى الكلام، وهي المرتبطة بالتعرف على الكلام وإنتاجه واستيعاب اللغة، أو التعامل مع اللغة الواردة إلى الدماغ سواء كانت مكتوبة أو محكية، ومهيمنة على بعض من وظيفة السمع، والتعرف على الأشياء، ومنطقة (فيرنيك) تعمل مع منطقة (بروكا)، حيث تتعامل منطقة (فيرنيك) مع الكلام الوارد، أما (بروكا) فتتعامل مع الكلام الصادر
              أما اللحاء السمعي فمسئول عن نطق الكلمة المسموعة، فعند نطق أي كلمة مقروءة تصل المعلومات أولا إلى القشرة البصرية الرئيسة، فترسل المعلومات إلى منطقة الكلام الخلفية بما فيها منطقة (فيرنيك)، لتنتقل المعلومات إلى منطقة (بروكا) ، ثم تنتقل إلى منطقة إلى لحاء الحركة الرئيس، لذا فالدماغ هي المسئولة عن التعرف على الصوت، واستقباله والمناطق المحيطة باللحاء السمعي، وترتبط منطقة (فيرنيك) أيضا بالذاكرة قصيرة المدى عند سماع اللغة، وتتكررها باستمرار في الدماغ لكي تحافظ على وجود اللغة في الذاكرة، بينما يتحكم اللحاء البصري في الإبصار والرؤية ونطق الكلمة المكتوبة ، فهو المسئول عن قراءة الكلمات والمفردات والتعرف على الأشياء كخطوة أولى لتسمية الأشياء، وتتم في المناطق البصرية في الدماغ القراءة وتسمية الأشياء وقراءة المفردات، لذا فإن التكامل بين اللحاء البصري و اللحاء السمعي يقوم بالعملية الأولى للاستيعاب اللغوي.
              العقل:
              يعرف العقل بوصفه ''فعلا غريزيا'' فطريا ''غير مكتسب''، هو الذي يُكسِب الإنسان إنسانيته، وهو فعل يقوم على وجود مسلمات موجودة فيه كونها ''علمًا ضروريًّا''
              توصيفات للعقل:
              - العقل الواعي : هو المسئول عن إدراك المعلومات الواردة من البيئة المحيطة ومن داخل الإنسان يقوم العقل الواعي بالعمليات الإدراكية والتحليلية والتقييمية، وهو المسئول عن اتخاذ القرارات، وهو القادر على استيعاب أكثر من سبع معلومات ( ايجابية،سلبية) في لحظة ما.. أي أن سعة العقل الواعي محدودة، والعقل الواعي مفكر ومنطقي ومحلل يعي الأحداث، وسعته وتركيزه محدودين، قابل للتطوير ويتحكم في توجيه العقل الباطن.
              - العقل اللاواعي: يخزن الذكريات، ويحرك العواطف والمشاعر، ويتحكم في الحواس والأفعال اللاإرادية ويظل يعمل حتى وإن غاب الإنسان عن الوعي، ويمتاز بإمكانية استيعاب من مليونين إلى سبعة ملايبن معلومة في الثانية
              - العقل الشرعي: وهو ما يميز به بين الحق والباطل، والصواب من الخطأ، والنافع من الضار، وسبب تسميته شرعياً لأنه هو الذي يعتبر شرطاً في التكليف والخطابات الشرعية، وترتب الأحكام القانونية عليه في التشريعات الوضعية.
              - العقل الفلسفي: و هو المبادئ العقلية (الفلسفية) التي يلتقي عندها العقلاء جميعاً، وهي: مبدأ العليّة، ومبدأ استحالة التناقض، واستحالة الدور، واستحالة التسلسل، وسمي فلسفياً لأنه هو الذي يقول ببداهة وضرورة هذه المبادئ، وهي مما يدرس ويؤكد عليه في الفلسفة، وعليه يقوم المنهج العقلي الذي يتخذ من الدرس الفلسفي مجالاً له.
              - العقل الاجتماعي: ويقصد به المبادئ العقلية التي تطابقت، واتفقت عليها آراء الناس العقلاء جميعاً في مختلف مجتمعاتهم، وشتى أزمانهم وأماكنهم، كقبح الظلم، وحسن العدل، ووجوب ما لا يتم الواجب إلاّ به، واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده، وهو ما يعرف في لغة أصول الفقه بسيرة العقلاء.
              - العقل الأخلاقي: وتقسمه الفلسفة الأخلاقية إلى قسمين: نظري وعملي. العقل النظري الذي يتجه إلى ما ينبغي أن يعلم، فينصب على الإدراك والمعرفة، والعقل العملي الذي يتجه إلى ما ينبغي أن يعمل، فينصب على الأخلاق والسلوك.
              - العقل الجمعي :هو التصوّرات الجمعية المشتركة بين الشعوب وبين الأجيال التي تؤثر في سلوكهم، دون وعي مباشر بها ،ويتكون وفق الموروث العقدي والثقافي المشترك للإنسانية، وعمليات العقل الجمعي خارجة عن الشعور الفردي. ويتآلف من تصورات الأفراد في المجتمع وترابطها وتكاملها النسبي، ومع مرور الزمن وتراكم التجارب تتحول التصورات الجمعية إلى "ضمير جمعي" يعبر عن الأمة
              العقل الباطن:
              هو مجموعة من العناصر التي تتألف منها الشخصية، بعضها قد يعيه الفرد كجزء من تكوينه، والبعض الآخر يبقى بمنأى كلي عن الوعي، وقد ظهر مصطلح العقل الباطن في الكثير من كتابات الفلاسفة ولو بمسميات أخرى، إلا أن تداوله بلغ أوجه مع ظهور ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية ،Neuro-linguistic programming.وهي نظرية تستخدم مبادئ علم النفس لتغيير سلوكيات معينة، واستبدالها بسلوكيات أخرى، وذلك بتغيير المعتقدات والأفكار والقيم المخزنة في العقل الباطن للإنسان، ويرى مؤسسو علم البرمجة اللغوية العصبية أن العقل الباطن-أو العقل اللاواعي- يختلف عن العقل الواعي بأنه يحتفظ بالمعلومات، والذكريات دون أن نتحكم نحن في ذلك ودون رغبة منّا، وأنه مَركز الشعور والإحساس والعاطفة، متحكم بالحب والكراهية، متطبع ومقتبس من الآخرين بدون تحكم، يعمم آخر ما تلقاه، وينفي ما قبله، فإن حدث وأحببت شخصا ما، ثم صدر منه أمر مزعج قبيح، يعمم العقل الباطن هذا القبيح وينسى كل ما قبله، ويحتوي العقل الباطن على المحركات والمحفزات الداخلية للسلوك، كما أنه مقر الطاقة الغريزية الجنسية والنفسية بالإضافة إلى الخبرات المكبوتة.
              كيف يعمل العقل الباطن ؟
              يشبه العقل الباطن البرمجيات التي نستخدمها على أجهزة الحاسوب، فنحن لا نلمس هذه البرامج، ولا نرى طريقة أدائها للعمليات التي تقوم بها، ولكن هذه البرمجيات تستقبل المدخلات التي نمررها إليها عبر وسائل الإدخال البشرية المتمثلة في الحواس، ويكون العقل الواعي هو المسيطر على طريقة تعامل العقل الباطن مع المدخلات، ويعهد إلى العقل الباطن السيطرة على كافة العمليات اللاإرادية التي يقوم بها الإنسان.
              [align=center]حسام الدين مصطفى
              مترجم وباحث وكاتب
              رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
              www.egytrans.org
              active5005@yahoo.com
              [/align]

              تعليق

              • حسام الدين مصطفى
                عضو منتسب
                • Feb 2012
                • 50

                #8
                في الجزء التالي بإذن الله تعالى
                الذكــــــــــاء
                أنواع الذكاء
                التفكير والترجمة
                أنواع التفكير
                مهارات التفكير
                [align=center]حسام الدين مصطفى
                مترجم وباحث وكاتب
                رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                www.egytrans.org
                active5005@yahoo.com
                [/align]

                تعليق

                • حسام الدين مصطفى
                  عضو منتسب
                  • Feb 2012
                  • 50

                  #9
                  الذكاء:
                  يعرف المعجم الوسيط الذكاء بأنه "قدرة على التحليل، والتركيب، والتمييز، والاختيار، وعلى التكيف إزاء المواقف المختلفة"، وهناك عديد من التعريفات لعل من أهمها:
                  • القدرة على القيام بأوجه من النشاط تتميز بالتعقيد و التجربة والصعوبة والاقتصاد والاحتفاظ بهذه الأوجه من النشاط تحت ظروف تتطلب تركيز الجهد ومقاومة العوامل الانفعالية.
                  • القدرة على التكيف العقلي مع الحياة وظروفها الجديدة .
                  • القدرة الكلية لدى الفرد على التصرف الهادف، والتفكير المنطقي، والتعامل المجدي مع البيئة
                  • القدرة على الاستفادة من الخبرة السابقة في حل المشكلات الجديدة .
                  • القدرة على التفكير المجرد. وهو ما تقيسه اختبارات الذكاء.
                  • قدرة الشخص على اكتساب المعرفة، تطبيق المعرفة، والانخراط في التفكير المجرد.
                  الذكاء في مجمله قدرة عامة تتكون من عدد من القدرات الخاصة منها ما يلي:
                  - القدرة على التكيف مع بيئة جديدة ‘أو تغيرات في البيئة الحالية.
                  - القدرة على المعرفة والقدرة للحصول عليها.
                  - القدرة على التفكير المجرد , والبحث في السبب.
                  - القدرة على فهم العلاقات .
                  - القدرة على التقييم والحكم.
                  - القدرة على التفكير الأصلي وما ينتج عنه.
                  أنواع الذكاء :
                  الذكاء الذاتي (التأملي) : هو قدرة الفرد على فهم نفسه ،والتعرف على أحاسيسه ومخاوفه ودوافعه ، وأفكاره وقيمه الذاتية ورسم نموذج فعال لشخصيته ،والقدرة على الاستفادة من إمكانياته ومعلوماته في تطوير ذاته. إن من يمتازون بهذا النوع من الذكاء تكون لديهم القدرة على تحفيز أنفسهم واتخاذ القرارات السريعة دون طلب العون من الآخرين ويميلون إلى الاستقلالية وتحقيق التميز المنفرد، والمتصف بالذكاء الذاتي يعرف نقاط القوة والضعف في شخصيته، ويتعامل مع البيئة المحيطة وفق رؤيته الخاصة، ويميل إلى الاستماع أكثر من الحديث وغالباً ما يشغل الأعمال المتعلقة بالبحث العلمي، والتاريخ وتقنية المعلومات و علم النفس والتنمية البشرية والأعمال الحرة.
                  الذكاء التفاعلي (الاجتماعي) : هو القدرة على فهم الآخرين و أمزجتهم وأذواقهم ورغباتهم،والقدرة على العمل معهم والتأثير فيهم ، والقدرة على التواصل وإقامة العلاقات، وأهل أهل هذا الذكاء يقبلون على المجتمع ويحبون الاختلاط والتواجد وممارسة الأنشطة مع غيرهم، وتتنوع دائرة علاقاتهم، ويكونون الصداقات والعلاقات سريعاً وتتجلى فيهم صفات القيادة والتعاون، وغالباً ما يعملون في مجالات تتعلق بإدارة الأعمال والموارد البشرية وعلم النفس والتربية والتعليم والتدريب.
                  الذكاء البدني (الحركي ) : هو القدرة على استخدام الجسم استخداما ماهرا للتعبير عن النفس أو تجاه هدف محدد، وهو التنسيق والمواءمة بين حركات الجسم من أجل تحقيق أهداف معينة. يهتم أصحاب هذا الذكاء بتطوير مهاراتهم الحركية وقدراتهم الجسدية لذلك فإن غالبية من يمتازون بالذكاء الحركي يهتمون بالرياضة والمهن اليدوية، ويمتز هؤلاء أيضاً بميلهم إلى الخروج والتريض وينامون في المتوسط أقل من ست ساعات، ويستخدمون أجزاء الجسم في التعبير وأثناء الكلام
                  الذكاء المنطقي (السببي- الرياضي) : القدرة على التعامل مع الرياضيات والمسائل المنطقية المعقدة، وهؤلاء هم الطلاب الذين يظهرون تفوقا في التعامل مع الأرقام وتفسير وتحليل وحل المشكلات، وإتمام العمليات الحسابية المعقدة ،والقدرة على التقصي والبحث العلمي ،والتعليل والاستنتاج والتفكير الناقد . لا يقبل أصحاب هذا الذكاء على الحفظ ولا يميلون إلى الحديث و التعبير بل يمتازون بالتفكير العميق وتحليل وتجربة الأمور والتخطيط والتجربة ويحولون العلاقات والروابط بين الأشياء إلى صيغ رياضية منطقية ويعتمدون على التحليل، وهذا الصنف من الأذكياء يهوى تصنيف الأشياء وعدها وإيجاد علاقات فيما بينها وعقد المقارنات، لذا نجد أنهم ينزغون إلى دراسة الرياضيات والمنطق والفلسفة والاقتصاد والهندسة.
                  الذكاء النغمي (الإيقاعي- الموسيقي): هو القدرة على أداء وتأليف وتقدير وفهم النغمات والنبرات والإيقاعات والتمييز بينها وتقليدها. القدرة على وتركيب الأنغام والإيقاعات، ولدى أصحاب هذا الذكاء ميل إلى تحويل النصوص والعبارات إلى ألحان مغناة، وكلمات منشدة ملحنة، ويمتازون بقدرتهم على الحفظ والتنغيم والتعامل مع الآلات الموسيقية، وغالبا ما تكون لديهم موهبة الصوت الجميل والحس الموسيقي.
                  الذكاء المكاني (البصري- التصوري): القدرة على الاستيعاب عن طريق الصور وتشكيلها، والقدرة على استيعاب العالم المرئي بدقة، وإعادة تشكيله بصرياً ومكانياً في الذهن، وهو القدرة على تقدير واستخدام المساحات والفراغات المكانية . أصحاب هذا الذكاء يرسمون صورا ذهنية لكل تجربة يمرون بها حتى وان كانت غير مرئية و يميلون إلى مطالعة الصور والرسومات وتجتذبهم الألوان، ولديهم القدرة على التمييز البصري السريع، والقدرة على تحديد الاتجاهات والمعالم المكانية وغالبا ما يستهويهم العمل في المجالات ذات الثلة بالرسم والعمارة والاعلان والتصميم
                  الذكاء الحيوي (الطبيعي -البيئي): هو القدرة على معرفة وتصنيف النباتات والحيوانات والمعادن والتعايش مع الطبيعة المحيطة. يمتاز هذا الصنف من الأذكياء بحبهم للطبيعة والاستمتاع بالبيئة من حولهم، ويعتنون بالنبات والحيوان ، لذا فإنه يمكنهم الجمع بين العمل والاستماع، ويناسبهم العمل في المجالات المتصلة بعلوم الأحياء والزراعة والبيطرة والطب والصيدلة والجيولوجيا.
                  الذكاء اللفظي (اللغوي): هو الحساسية للغة المنطوقة والمكتوبة،والقدرة على تعلم اللغات،واستخدامها في التعبير عن النفس وعن الأشياء الأخرى، وهو القدرة على التعبير اللفظي عن النفس، والأفكار، والمواقف، والقدرة على ترتيب عرض المعاني والكلمات،. أعطى العلماء والباحثين أهمية كبيرة للذكاء اللفظي واعتبروه أداة فريدة تضمن نجاح الإنسان في تحسين سلوكه المهني، والذكاء اللفظي هو النظام العقلي المسئول عن كل ما يتعلق بالكلام؛ فهو المسئول عن تذكرنا للكلمات وفهمها، والتفكير فيها واستخدامها في الحديث، والقراءة، والكتابة. يتميز أصحاب هذا الذكاء بقدرتهم على الحفظ، والاستماع، والكتابة، والتأليف، فصاحب الذكاء اللغوي يميل إلى الاستماع والتحدث، و البحث عن معاني الكلمات والقراءة ويقبل على دراسة اللغات الأجنبية، ويميل أصحاب هذا النوع من الذكاء إلى العمل في مجالات التعليم، والإعلام والموهوبون منهم قد يصبحوا مترجمين، أو أدباء، أو شعراء.
                  [align=center]حسام الدين مصطفى
                  مترجم وباحث وكاتب
                  رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                  www.egytrans.org
                  active5005@yahoo.com
                  [/align]

                  تعليق

                  • حسام الدين مصطفى
                    عضو منتسب
                    • Feb 2012
                    • 50

                    #10
                    التفكير والترجمة
                    يأتي اهتمامنا بتناول موضوع (التفكير) وربطه بعملية صناعة الترجمة،لأن عملية الترجمة في أساسها هي عملية ذهنية عقلية، والتفكير هو الوسيلة الأساسية للوصول إلى المعنى والمضمون، ويتعين على المترجم إعمال فكره قدر ما يمكنه للوصول إلى ذلك، وعليه في الوقت ذاته أن يقلص عملية التفكير بما يخدم عملية الترجمة، فلا يذهب بها إلى حدود تبتعد به عن النص الذي يتعامل معه، ويحرص على تحقيق الموازنة بين توجهاته وعواطفه الشخصية دون إفراط أو تفريط.
                    لا غرابة في القول بأن المترجم هو مفكر ناقد، يقر بتواضعه الفكري وحدود معرفته وفق دراسته وخبراته، ولديه الشجاعة الفكرية ليقر بحاجته إلى الاستزادة المعرفية، ويضع نفسه مكان الآخر –صاحب النص- ليمكنه فهم أفكاره ومسبباتها ورسالته، ويتعامل مع النص بصورة استقلالية بعيدة عن التعامل الشخصي، ولديه أيضاً الإصرار على مواجهة التحديات اللغوية والفكرية والثقافية التي قد يطرحها النص. لذا فأن المترجم يعلي قيمة العقل ويقر بدوره في عملية الترجمة.
                    هناك من عرف الترجمة على أنها عملية اتخاذ قرار، ويمكن للمترجم أن يتخذ (القرار) الصائب، إذا ما أتقن تقنيات التفكير، وأن يختار أفضل البدائل على المستوى اللغوي والثقافي، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال التفكير العميق، والاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى المترجم، والتي حصلها من خلال دراسته وتدريبه وممارسته ، وهناك بعض أمور تتحدى المترجم وتعيقه عن ممارسته لهذا المستوى من التفكير، ومن أهم هذه المعوقات:
                    - الجهل بالموضوع : وذلك أن يكون المترجم جاهلاً بموضوع النص، لكن الأمر يتفاقم في حالة إذا ما غفل المترجم عن حاجته إلى معرفة المزيد حول النص، بل وتصل إلى أسوأ صورها حينما يعمد المترجم إلى ترجمة نص يجهله مكتفياً بما لديه من قدرات لغوية فحسب.
                    - خداع الذات: وذلك بأن يبرر المترجم لنفسه عدم القيام بعملية الترجمة الدقيقة السليمة، لصعوبة لغة النص أو محتواه أو أسلوبه، وإلقاء اللوم على اللغة المصدر أو صاحب النص.
                    - الانغلاق: ويعني عدم تفتح عقلية المترجم، وجمود تفكيره، وفق رؤى وتوجهات مسبقة تجعله غير قادر على الولوج بموضوعية إلى النص، فيتحرك المترجم ضمن أطر فكرية جامدة أو خاطئة.
                    - التحيز: ويعني ترجيح رأي معين، بغض النظر عن مدى موضوعيته وجديته، وتغليب المصلحة الخاصة مما يؤثر سلباً على فهم النص والتعامل معه.
                    - خطأ الاستدلال: من خلال تأويل المحتوى، بحيث يتخطى معناه الأصلي، وتحريفه من خلال الحذف، أو الإضافة، أو التعديل، أو ازدواج المعايير.
                    هناك من العلماء من خلص في تعريفه للتفكير إلى أنه ما جملة يحدث داخل العقل-لنلاحظ هنا أننا قلنا العقل لا المخ-وهذا تعريف واسع فضفاض.. وقد ينطبق على الإنسان والحيوان، فحتى الحيوان يمكنه أن يفكر، ويكون لتفكيره نتائج...
                    إلا أن غالبية العلماء استقروا على تعريف التفكير لدى الإنسان بأنه: العمليات العقلية العليا التي لا يمكن للحيوان أن يقوم بها، مثل إصدار الأحكام، والتجريد، والاستنتاج، والاستقراء، والتعميم...لذا يرى البعض أن التفكير هو القدرة على تقييم الواقع والحكم عليه من خلال الحواس وسابق المعرفة، عبر عقل يصلح لإصدار الحكم..والتفكير البشري عملية إنسانية مرتبطة بوجود الإنسان، وتتطور مع تطور حياته، وتنامي ثقافته وحضارته، فما كان يشغل بال أهل العصر الجليدي، يختلف عن ما سيطر على تفكير أهل العصر الحجري، وبالطبع فإن تفكير القدماء يعتبر مجرد نقطة في بحر الأفكار التي يعيشها إنسان العصر الحاضر، وهذا الاختلاف بين أنماط وحدود التفكير يجعلنا على يقين من أن الفكر الإنساني متطور مستمر مرتبط بعمر وجود البشر على الأرض..
                    مفهوم التفكير:
                    التفكير في اللغة : فكر في الأمر: أعمل العقل فيه ، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول ، وأفكر في الأمر: فكر فيه فهو مفكر ، وفكّر في الأمر: مبالغة في فَكَرَ وهو أشيع في الاستعمال من فَكَرَ ، فالفكر: إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى المجهول. والتفكير: إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها ، الفِكَر: جمع أفكار ، وهي تردد الخاطر بالتأمل والتدبر بطلب المعاني.
                    أما المعنى الاصطلاحي له: فهو العملية الذهنية التي ينظم بها العقل خبرات ومعلومات الإنسان من أجل اتخاذ قرار معين إزاء مشكلة أو موضوع محدد
                    من التعريفات التي تناولت مفهوم التفكير، أن التفكير هو:
                    • سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق حاسة أو أكثر من الحواس الخمس.
                    • مفهوم مجرد يضم نشاطات غير مرئية وغير ملموسة ، وما نلاحظه ، أو نلمسه هو في الواقع نواتج فعل التفكير سواء أكانت بصورة مكتوبة ، أم منطوقة ، أو حركية ، أم مرئية.
                    • فهمٌ مجرد كالعدالة والظلم والشجاعة لأن النشاطات التي يقوم بها الدماغ عند التفكير هي نشاطات غير مرئية وغير ملموسة، وما نلمسه في الواقع هو نواتج فعل التفكير.
                    • ليس عملية وصف لشيء ما عن طريق الإدراك أو الاسترجاع ، ولكنه استخدام لمعلومات حول شيءٍ ما للتوصل إلى شيءٍ آخر من خلال ما يسمى بالابتكار .
                    • الطريقة التي نحصل بها على معلومات جديدة ، وبها نفهم الموجود من الأفكار التي أنتجناها نحن أو أتتنا من غيرنا .
                    • المهارة العملية والاستكشاف المتبصر للخبرة من أجل الفهم أو اتخاذ القرار أو التخطيط وحل المشكلات.
                    • النشاط الذي يحل به الشخص المشكلة، أو هو العملية التي ينظم بها الفرد خبراته بطريقة جديدة أو إدراك لعلاقة جديدة بين موضوعين أو موضوعات مختلفة، أو هو تنظيمات جديدة بهدف الوصول إلى نتائج مرجوة.
                    أنواع التفكير:
                    - التفكير التفريقي: يرتبط هذا النوع بنتيجة المعلومات، وتطويرها، وتحسينها للوصول إلى معلومات وأفكار ونواتج جديدة من خلال المعلومات المتاحة ، ويكون التأكيد هنا على نوعية الناتج وأصالته ، ويعني أن الفرد يمكن ألا يصل إلى إجابة واحدة صحيحة ، لأنه ينطلق في تفكيره وراء إجابات متعددة ، وهذا النوع يقابل عمليات التفكير الإبداعي.
                    - التفكير التجميعي: يحدث هذا النوع من التفكير عندما يتم تنمية وإصدار معلومات جديدة من معلومات متاحة سبق الوصول إليها، ومتفق عليها، وينتج عن ذلك إجابة صحيحة واحدة لما يفكر فيه الفرد.
                    - التفكير الناقد : تفكير تأملي معقول يركز على ما يعتقد به الفرد أو يقوم بأدائه، وهو فحص وتقويم الحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء، وهو التفكير الذي يعتمد على التحليل والفرز والاختيار والاختبار لما لدى الفرد من معلومات بهدف التمييز بين الأفكار السليمة والخاطئة.
                    - التفكير التحليلي: يعرَّف التفكير التحليلي بالتفكير المركزي التجميعي التقاربي، حيث إن التفكير يركز على إجابة واحدة مفردة وبحدود ضيقة، كما أنه محكوم بالقواعد، فهو كالبناء كل حجر يعتمد على الذي قبله، و التحليل هو تفكيك أجزاء الشيء و معرفة عناصره. و يعد التحليل أحد أهم مهارات التفكير ، وهو عنصر أساسي في كثير من مهارات التفكير الأخرى، مثل مهارة حل المشكلات، و ترتيب الأولويات و الإبداع و التطوير و غيرها.
                    - التفكير التقاربي: يتضمن التفكير التقاربي التفكير المعرفي، والتفكير الإنتاجي التقاربي، وكلاهما يتطلب الوجهة التقاربية في حل المشكلات والفرق بين التفكير المعرفي والتفكير التقاربي، والتفكير التقاربي يعطي جل اهتمامه أو يعتمد في جوهره على الحلول الإنتاجية.
                    - التفكير التباعدي: ويقصد به القدرة على توليد بدائل منطقية، أو معقولة من المعلومات المكتسبة، حيث يكون التركيز على التنويع، والاختلاف، والندرة في الحلول والنتائج.
                    - التفكير الاستدلالي: ويقصد بالاستدلال ذلك النمط من التفكير الذي يتطلب أكبر قدر من المعلومات بهدف الوصول إلى حلول تقاربية إنتاجية أو انتقائية.
                    - التفكير الحدسي: يقوم التفكير الحدسي على استخدام مقادير قليلة من المعلومات، بهدف الوصول إلى حلول تقاربية إنتاجية، وهو بهذا المعنى يكون العملية المعرفية المقابلة للاستدلال.
                    - التفكير فوق المعرفي: عبارة عن عمليات تحكم عليا، وظيفتها التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد في حل المشكلة، أو الموضوع، و هو القدرة على التفكير في مجريات التفكير ، أو حوله، ويعتبر أعلى مستويات النشاط العقلي الذي يبقي على وعي الفرد لذاته.
                    مهارات التفكير :
                    المهارة لغة هي الحذق في الشئ وأدائه بصورة متقنة يقال: مهَرَ الشيء مَهارةً، أي «أحكمه وصار به حاذقاً. فهو ماهر. ويقال: مَهَرَ في العلم وفي الصناعة وغيرهما». ويقال: تمهّرَ في كذا أي: «حَذَقَ فيه فهو مُتمَهِّرٌ.. يقال: تمهّرَ الصناعة». والمهارة هي الإحاطة بالشيء من كل جوانبه، والإجادة التامة له. يُقال: الماهر، أي: «الحاذق بكل عمل والسايح المجيد»، وما يميز العمل ويجعله يتسم بالمهارة هو أن يتصف هذا العمل بالحذق والأداء المتقن.
                    وبالنسبة لمفهوم المهارة فإنه يشير إلى السهولة والدقة في أداء العمل والقدرة على القيام بهذا العمل بإتقان عال مع توفير الوقت والجهد وبصورة آمنة وهي أيضاً القيام بالعمل بشكل دقيق وبسرعة عالية وفي مجملها فإن مصطلح (المهارة) يشير الأشياء التي يعلمها الفرد من أجل القيام بالعمل بسهولة ويسر نتيجة لفهمه سواء كان ما يقوم به بدنياً أو عقلياً.
                    ومهارات التفكير هي عمليات محددة نمارسها، ونستخدمها عن قصد في معالجة المعلومات، كمهارات تحديد المشكلة، واستخلاص المحتوى الضمني للنص، ويمكن تقسيم هذه المهارات إلى مهارات التفكير (فوق المعرفية، و المعرفية، والأساسية).
                    مهارات التفكير فوق المعرفية :
                    مهارات عقلية معقدة، تعد من أهم مكونات السلوك الذكي في معالجة المعلومات ، وتنمو مع التقدم في العمر والخبرة ، وتقوم بمهمة السيطرة على جميع نشاطات التفكير العاملة الموجهة لحل المشكلة، واستخدام القدرات، أو الموارد المعرفية للفرد بفاعلية في مواجهة متطلبات مهمة التفكير، وتتضمن هذه المهارات مهارات التخطيط، والمراقبة، والتقييم، وتنمو مهارات التفكير فوق المعرفية ببطء بدءا من سن الخامسة وتتضمن المكونات التالية:
                    - المكونات الأسمى .وهي عمليات الضبط العليا التي تستخدم في التخطيط والمراقبة والتقييم لأداء الفرد أو نشاطاته العقلية أثناء قيامه بمهمة معينة .
                    - مكونات الأداء .وهي مهارات تفكير تتعلق بتنفيذ العمل وتطبيق استراتيجيات الحل.
                    مهارات التفكير المعرفية :
                    وهي مجموعة من المهارات تتضمن المهارات التالية
                    - مهارات التركيز : وتشمل تعريف المشكلة، ووضع الأهداف .
                    - مهارات جمع المعلومات:من خلال الملاحظة واستخدام الحواس و التساؤل.
                    - مهارات التذكر:وتتضمن القدرة على الترميز وتخزين المعلومات و الاستدعاء والاسترجاع.
                    - مهارات تنظيم المعلومات:وتضم القدرة على المقارنة، وملاحظة أوجه الشبه والاختلاف بين شيئين أو أكثر، والتصنيف والترتيب.
                    - مهارات التحليل : تحديد الخصائص والمكونات والعلاقات والأنماط .
                    - المهارات الإنتاجية / التوليدية: وتضم الاستنتاج والتنبؤ و التمثيل.
                    - مهارات التكامل والدمج: وتضم القدرة على التلخيص، وإعادة البناء
                    - مهارات التقويم: وتشمل القدرة على وضع المعايير والإثبات و التعرف على الأخطاء
                    المهارات الأساسية للتفكير:
                    يتطلب التفكير مهارات معينة تساعد المترجم على الوصول إلى النتائج السليمة..ويمكن تقسيم مهارات التفكير إلى ما يلي:
                    - الملاحظة : وتشير إلى قدرة الفرد على جمع البيانات والمعلومات من خلال حاسة أو أكثر من الحواس الخمس ، وذلك يتضمن المشاهدة والمراقبة والإدراك، وتنتج عن محفز قوي يدفع الإنسان للانتباه والملاحظة.
                    - التصنيف : ويشار به إلى القدرة على تصنيف المعلومات وتنظيمها وتقويمها وفق منظومات ذات ترتيب منطقي.
                    - المقارنة: ويشار به إلى توزيع الأشياء وفق نواحي الشبه، أو الاختلاف وتمييز هذه النواحي
                    - التفسير: ويشار به إلى استخدام الخبرات واستخلاص معان منها وشرح ما هذه المعان
                    - التنظيم: ويشار به إلى القدرة على البحث عن المعلومات وجمعها ومن ثم تنظيم هذه المعلومات.
                    - التلخيص: ويشار به إلى القدرة على استنباط وصياغة الأفكار الرئيسية والتعبير عنها بإيجاز ووضوح
                    - التطبيق: ويشار به إلى القدرة عى استخدام المفاهيم والقواعد والنظريات والحقائق لحل المشكلات.
                    - الترتيب: ويشار به إلى وضع المفاهيم والأفكار والأشياء في سياق متتابع وفقاً لمعيار محدد.
                    [align=center]حسام الدين مصطفى
                    مترجم وباحث وكاتب
                    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                    www.egytrans.org
                    active5005@yahoo.com
                    [/align]

                    تعليق

                    • حسام الدين مصطفى
                      عضو منتسب
                      • Feb 2012
                      • 50

                      #11
                      كيف نفكر؟؟
                      التفكير نشاط ذهني مستمر يقوم به الإنسان طوال حياته، وهو من أعقد الأنشطة البشرية-إن لم يكن أعقدها على الإطلاق-، والعضو المسئول عن التفكير هو المخ، ووفق كل الدراسات الأحيائية التي أجريت، فإنه أعقد الأجهزة التي يتضمنها الجسد البشري، وهو المسئول عن عملية التفكير، والتفكير يتم عبر أربع خطوات أساسية:
                      - التحفيز: فلابد من وجود مثير يحفزنا ويدفعنا إلى التفكير، وغالبا ما يكون مدخل هذا المحفز، أو المثير هو الحواس، والعوامل المحفزة تأتي على وجهين، فهي إما داخلية تنبع من داخل الذات كالقيم والمبادئ والقناعات المعنوية، أو خارجية نابعة من البيئة المحيطة بالفرد، وتمتاز هذه المؤثرات باختلاف درجة قوتها، ورد الفعل تجاهها.
                      - الترجمة: حيث يقوم المخ بتحويل هذه المحفزات، والمؤثرات إلى رموز يقبلها العقل، ويفهمها ويدركها من خلال استدعاء الخبرات السابقة المختزنة في الذاكرة والقدرات التخيلية.
                      - المعالجة: وهي العملية التي يتم فيها التعامل مع الرموز التي تمت ترجمتها، والعمل على صياغتها ضمن نسق مقبول مترابط يمكن حفظه داخل الذاكرة، أو إخراجه عبر عمليات تعبيرية.
                      - التعبير: وهو ردة الفعل، والمخرج النهائي بعد إتمام عملية المعالجة العقلية.
                      الفرق بين الفكر والتفكير:
                      لقد أبنا أن التفكير نشاط إنساني مستمر، وحاجة ضرورية للبشر، والفكر نتاج للتفكير، فإذا ما قلنا بأن التفكير هو عملية التصنيع، فإن الفكر هو المنتج النهائي الذي تفرزه هذه العملية، والفكر غالباً ما يعبر عن مضمون الحلول تجاه مشكلات نعمل على معالجتها بالتفكير، ولولا المشكلات التي واجهت العقل البشري في إدراك وفهم المشكلات المحيطة بها، لما ظهرت العلوم والفنون والآداب والتي يمكن توصيفها بأنها النتاج الأخير لإعمال العقل والقيام بالتفكير، والتفكير هو الطريقة التي يعالج بها المخ ما يصل إليه من بيانات ومعطيات أما الفكر فهو الصياغة المعلوماتية النهائية نتيجة عملية المعالجة.
                      سمات تفكير المترجم:
                      بالنسبة لنمط التفكير الذي يتعين على المترجم الالتزام به فقد يمزج بين الأنواع المختلفة من أنماط التفكير، ولابد لتفكير المترجم أن يتسم بما يلي:
                      - تفادي التعامل مع النص وفق وجهة النظر الشخصية.
                      - التعامل الحيادي وعدم الانسياق وراء الآراء المسبقة للآخرين.
                      - التعامل مع النص بموضوعية والابتعاد عن المؤثرات العاطفية.
                      - تفادي طرح تصورات أو نتائج مسبقة قبل دراسة النص جيداً.
                      المترجم المفكر:
                      يتعين على المترجم قراءة النص واستيعابه، وتصور محتواه، وتحديد الأفكار والمفاهيم الأساسية، واستخلاص المضامين الخفية، والدلالات المعنوية، وتنظيم الاستنتاجات، وفرز المعلومات بطريقة متسلسلة ومنطقية، لذا فإن المترجم المفكر يمتاز بأنه يمتلك:
                      - القدرة على تحديد المعلومات المتعلقة بالنص.
                      - القدرة على صياغة أسئلة تساعد على فهم أعمق للنص.
                      - القدرة على تحديد الأفكار والمشكلات الرئيسية.
                      - القدرة على تمييز أوجه الشبه وأوجه الاختلاف وعقد المقارنات.
                      - القدرة على استخلاص معيار للحكم الملاحظات والاستنتاجات.
                      - القدرة على تقييم دلالة وتماسك وترابط الألفاظ وفق السياق العام للنص.
                      - القدرة على استنباط الاستنتاجات البديهية والأفكار الضمنية.
                      - القدرة على تمييز الاتجاهات الفكرية والتصورات الخيالية.
                      - القدرة على البحث اللغوي وإيجاد المكافئات بين لغتي المصدر والهدف.
                      ولكي يمكن للمترجم أن يؤدي مهامه بإتقان فإن عليه أن ينمي ملكات التفكير العليا وهذا يشمل تنمية المهارات التالية
                      - الاستجابة اللغوية السريعة: وهذا يمكن تحصيله من خلال الاستزادة من الإطلاع والدراسة وممارسة الأنشطة اللغوية المختلفة.
                      - المقارنة والمقابلة: المقارنة هي دراسة أوجه الشبة والاختلاف والعوامل المشتركة ، أما المقابلة فهي دراسة أوجه الاختلاف فقط، حيث يؤدي عقد هذه العمليات إلى زيادة التركيز و الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة.
                      - التقسيم والتصنيف: حيث يتعين على المترجم تقسيم، وتصنيف المفاهيم والأفكار والخبرات والمعلومات عن طريق المقابلة والمقارنة واستخلاص أوجه الشبه والاختلاف.
                      - التلخيص: وفيه يهتم المترجم بإدراك الفروق الجوهرية بين التفاصيل الهامة وغير الهامة، واستخلاص العناصر المشتركة وتكوين النظرة الكلية للموضوع.
                      - التفسير والتأويل: من خلال الاهتمام بما تعكسه الألفاظ بصورة واضحة وقراءة مابين السطور واستخلاص المعلومات الضمنية وفق سياقاتها.
                      - التخيل والتصور: فعلى المترجم أن يمرن نفسه على رسم الصور التخيلية للمواقف ويصورها في ذهنه و يرسم تصورات لتوقعاته المستقبلية.
                      - التقييم: من خلال دراسة قيمة المدخلات اللغوية، والدلالية ومعرفة نواحي القوة، والضعف في الأسلوب والبناء.
                      [align=center]حسام الدين مصطفى
                      مترجم وباحث وكاتب
                      رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                      www.egytrans.org
                      active5005@yahoo.com
                      [/align]

                      تعليق

                      • حسام الدين مصطفى
                        عضو منتسب
                        • Feb 2012
                        • 50

                        #12
                        في الجزء التالي بإذن الله تعالى:
                        المترجم والعمليات الذهنية
                        التفكير ومشكلات الترجمة
                        خطوات حل مشكلات الترجمة
                        نموذج تطبيقي لمشكلة ترجمة
                        معوقات التفكير السليم لدى المترجم
                        [align=center]حسام الدين مصطفى
                        مترجم وباحث وكاتب
                        رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                        www.egytrans.org
                        active5005@yahoo.com
                        [/align]

                        تعليق

                        • ahmed_allaithy
                          رئيس الجمعية
                          • May 2006
                          • 3961

                          #13
                          ونحن في الانتظار، وفق الله جهدكم الطيب.
                          د. أحـمـد اللَّيثـي
                          رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
                          تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

                          فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

                          تعليق

                          • هناءعباس
                            عضو منتسب
                            • Nov 2010
                            • 3

                            #14
                            شكر الله جهدكم د حسام الواضح علي جميع منتديات الترجمة
                            نتابع الموضوع ان شاء الله ونشكرك
                            الحقيقة ليست سوى وهم، لكنه وهم ثابت
                            سر الإبداع هو أن تعرف كيف تخفي مصادرك
                            العلم بدون علم أعرج, والدين بدون علم أعمى
                            هناء عباس
                            www.ritaj-eg.com
                            http://kenanaonline.com/ritajtranslatio
                            مترجمة,باحثة,مدربة الترجمة ومناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية

                            تعليق

                            • حسام الدين مصطفى
                              عضو منتسب
                              • Feb 2012
                              • 50

                              #15
                              الأخ العزيز الدكتور أحمد الليثي
                              الأخت الفاضلة هناء عباس
                              الإخوة والأخوات الزملاء في هذا المنتدى الأغر
                              سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
                              أعود لأستكمل مع حضراتكم باقي أجزاء هذه الدراسة
                              داعياً الله عز وجل أن تحمل لنا جميعاً نافع علم
                              وأعتذر عن التأخر وذلك لظروف قاهرة
                              للجميع تحيتي وتقديري
                              [align=center]حسام الدين مصطفى
                              مترجم وباحث وكاتب
                              رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                              www.egytrans.org
                              active5005@yahoo.com
                              [/align]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X