
05-02-2018, 02:32 PM
|
 |
ملاح
|
|
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 1,814
|
|
تأملات في السياسة........................(14)
كلام للعقول الكبيرة التي تحلم بأعمال للتغيير
ما جاء في أول رسالة يمثل جزءً بسيطاً من توصيف ما تقاسيه غالبية البلاد العربية، و "داء الوهم" في مصر كما جاء مجرد توصيف لعلامات مرض حضاري - سياسي – ثقافي - اقتصادي – اجتماعي، له أسباب و جذور عملت في جسم المجتمع لمدد طويلة و تقبلت شعوب المنطقة نتائج الأمراض و صبرت عليها طالما وجدت لقمة العيش. ولكن محاولة وصف الداء لم تكمل التشخيص ببساطة لأن الأوهام لها أسباب نشأت و تطورت و تمكنت في النسيج العقلي و الفكري و الاجتماعي للمجتمعات و الدول في مسيرة زمنية طويلة.
و بالرغم من وجود عقليات كبيرة في العالم العربي إلا أنها لم تقدم الكثير في هذا المجال غير التنظير دون دراسات علمية للواقع، ولم تقدم النخب من مفكرين ومثقفين و عاملين في أعلي مراكز التأثير في الدولة تشخيصا للمرض ولا خطط ومراحل للعلاج ، ولم يصحح المسؤولون عن الدولة الأخطاء المتراكبة، فتراكمت الأخطاء و نمت و تفرعت وتشعبت في نسيج المجتمع أفراداً و جماعات، ووصل تأثير الأخطاء للعواطف في شكل ردود أفعال انفعالية لطبقات متعددة، و انعكست علي العقلية الجمعية لجماعات و أحزاب و مؤسسات متعددة في الدولة لها توصيفات مختلفة: " مدنية و عسكرية و ليبرالية و إسلامية و....."، وظهرت ردورد الأفعال في مظاهر متعددة منها تصورات غير صحية للعلاج تبنتها جماعات دينية، و خيالات و أوهام لنخب ثقافية و أحزاب ورقية. ولو فرضنا أن هناك جهازاً للمناعة للدولة فإن الجهاز لم يعد سليما ولا يعمل جيداً و عطبت أجزاء فاعله منه.
و لذلك لمن يريد تشخصياً يضمن علاج الأمراض ومنها "داء الوهم" ، كأمراض في نسيج الفكر و العقل و الثقافة للمجتمع و الدولة، فلابد أن يري الاتجاه العام لتغير المجتمعات و كيف يتم؟ فالعلاج لابد له من معرفة علمية بقوانين التغير ، و كيف تفعل في المجتمعات، ومن يقوم في المجتمع بتفعيل أو إعاقة التأثير و تأجيل التغيير؟
و لان الموضوع يخص أمراض في الدولة و المجتمع و الناس....أمراض مزمنة تمكنت أسبابها علي مدي عقود، فلابد من رؤية تؤسس للفهم أولاً، ومن ثم اقتراحات مختلفة لمخارج وحلول معتمدة علي نتائج بحوث علمية و ليست فلسفية أو دينية أو مقالات أدبية و قصائد شعرية ، ومع كل ذلك فالعلاج يحتاج وقتاً و صبراً و مثابرة ، مع ملاحظة أن أهم خطوات العلاج تعاون غالبية النخب والمواطنين و ضرورة وصولهم للاتفاق والوحدة ، رغم الاختلافات الكثيرة فكرياً و أيديولوجياً بينهم، من أجل أهداف كبري تجمع مواطني الدولة معا و تمنع وجود بؤر خلافية يمكن أن تستمر في التأثير مستقبلاً و التمدد مع الزمن، و بغير ذلك ستبقي الحلول مجرد أحبار علي أوراق مركونة علي رفوف مكتبات أو في مخازن الحاسبات، و تستمر و تتفاقم المشاكل و تتنوع الصراعات.
ولكن هل ممكن أن تقدم النخب العربية حلولا تعتمد عل بحوث فعلية و قياسات لتعدد عوامل و تعقد عناصر المرض في نسيج المجتمعات العربية، والوصول لفهم حقيقي لسيكولوجية الجماهير وما يحكم سلوك الغالبية؟ و فهم حقيقي لعقليات من يحكم و كيف يمكن التعامل معها و التأثير فيها؟
وهل يمكن أن تقدم النخب معرفة علمية لكيفية استفاد من يحكم من عقليات و عواطف الغالبية للتحكم في عقولهم، و التأثير علي سلوكهم و ردود أفعالهم، و تنويمهم بمخدرات و طنية و افيونات دينية و ثقافية وعاطفية تصل بهم لعدم الاهتمام الحقيقي بمصالحهم و علاج مشاكلهم؟
و بتأمل كل ذلك نجد انفسنا أمام داء آخر، يضاف لقائمة الأسباب التي جاءت في أول رسالة، و هذا الداء يخص فهم العاملين في مجالات العلم و النخب لمعني العلم و البحث العلمي و تطبيقات مناهج البحث و استعمالها لحل مشاكل دولتهم، و فهم من نطلق عليهم "مفكرون" وأساتذة الفلسفة في الجامعات لمعاني العلم وفلسفته وعلاقتها بالحياة و التطبيق لحل مشاكل الناس، و تذكيرهم بوظيفتهم لتوعية العامة و الخاصة بمعاني العلم.
( يتبع)
|