المقامة العربجية- ياسر خالد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ياسر خالد
    عضو منتسب
    • Jul 2009
    • 4

    المقامة العربجية- ياسر خالد

    المقامة العربجية بقلم ياسر خالد
    حدثنا حيدرة العربجي قال :
    سئمت العيش في بيوت الطين, وقسوة الحياة في الشتاء اللعين , حيث الماء من السقف ينساب, والبرد ينخر العظام والألباب , فقررت السكن في البيت ذي الطوابق الثلاثة، وجيرة كريمة تتصف بالدماثة، ودفعت ما فوقي وما تحتي، حتى استطعت شراء ذلك البيت، وتحريت أحلك الليالي، لا قمر فيها ولا حتى هلال، وفيها نقلت الزوجة والعيال،وأغراضي من الخروق والأسمال .
    وبعدها رحب بنا الجيران الكرام، إلا جاري الأستاذ المحامي، وعذرته عن التهنئة بالنزول، وقلت لابد انه مشغول والحقيقة انه من وجودنا امتعض، وكأنه لبقائنا رفض، لأنني بائع جوال، على عربة تناسب الحال، أبيع العرانيس في الربيع والمصيف، وكذلك التمر في الشتاء والخريف،
    ومرت فترة من الزمان ، لم ينعقد لسانه على لساني ، كلما صدفته من أمام ، لم يرد علي السلام ، حتى جاءني منه رسول ، بحديث غاضب عنه يقول : انزل إلي ياعربجي قبل أن أتصرف تصرفا همجي، فدعوت : أني أعوذ بالله من النوائب ، وابعد الله عني الشرور والمصائب ، وبعد أن نزلت إليه وألقيت السلام عليه هرول إلي مسرعا وصرخ في وجهي مقرعا : ابعد هذه العربة من أمام الدار فإنها متخلفة تسيء الأنظار تستوجب مني الممانعة والاستنكار,فنحن نعيش في العصر الذري وأنت لا زلت من العصر الحجري .
    فقلت اتق الله يا جار فإنني أجرها حتى جسدي يكاد ينهار وحفاظا على مدخل الدار لم استعن ببغل ولا حتى حمار.
    ومع ذلك تجنبا للمكاره والشرور سأجعلها تدخل إلى الناظر السرور فلونتها بألوان مفرحة ورسمت عليها الورود المتفتحة وفراشات بأجنحتها ملوحة , فلم يزده ذلك إلا استنكارا وعلا علوا واستكبر استكبارا ونعتني بالجهل سرا وجهارا , فقلت له : إن العربة التي تزدري فبميزاتها ربما لا تدري ، فلولاها لما انتصر الملك رمسيس على الغزاة في قتال حامي الوطيس ، وافتخر بها الأشراف والنبلاء واعتلتها الأميرات من النساء، فلا تبخسها فضلها ولا تمنعها حقها وأولى لك أن تجلها ، ثم قال : ما هذا الحشف الذي منه ارتاب، إنه يجلب الصراصير والذباب ، وكذلك العرانيس التي تبيع ، لا يأكلها إلا كل معوز أو وضيع ، فهي طعام للحيوان تجذب الفئران والجرذان ,
    فقلت له : إن التمر من الفاكهة ذات المقام ، فعليها يفطر كل من صام ، وخاصة في شهر رمضان ، هكذا أوصى بها النبي العدنان ، وكذلك العرانيس الطرية ، فهي أكلة شهية ، إن كانت في الماء مغلية ، أو كانت على الفحم مشوية .
    فقال : لا تتلاعب بالكلمات ، فزواري كلهم من الضباط والقضاة ، ولا أريدهم أن يروا هذه الترهات ،
    فقلت غاضبا : ألا يكفني مطاردة شرطة البلدية ، وسماع التأنيب من الموظفين والأفندية، وأنا افر كل يوم منهم ، وأنت تأتي بهم والى هنا تدعوهم ، فوقف واثبا على قدميه ، ورفع عاليا يديه ، وصاح بكل قوة لديه : أنا املك شهادة الحقوق فكيف تكون جاري وأنت لهذه العربة تسوق .... فتركته وذهبت وعلى من قال هذا الشعر ترحمت :
    الله ساوى بين عباده البشر وتساوى كل الناس البيض والسمر
    جاورت بعض كبار الناس جلهم فصاروا يفرقوا بين البدو والحضر
    لبسوا ثياب القز وقالوا انه لا فرق عندي بين الخيش والحبر
    يتشدقون بالرقي وأنهم لا يفرقون بين الدهن والهبر
    يا ليتني جاورت أناس غيرهم حتى ولو كانوا أقواما من الغجر
يعمل...
X