الفردوس الأبيض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • fato0oma
    عضو منتسب
    • Oct 2007
    • 2

    الفردوس الأبيض

    كانت تمشي وبيداها الناعمتين كتاب أصدر لفنان يحكي قصة الرسام"فان جوخ"الذي لم يعرف الأسى واليأس يوما وعلى وجهها ابتسامة انوثية في رقتها،رجولية في إصرارها،طفولية في حلمها.
    كانت تمشي ويحجب شعرها وشاحا أبيض ألا كطرحة عروس في ليلة زفافها وبطلعتها ثوب أبيض ألا كملاك وخفها الصغير الأبيض كحذاء من الفردوس الأبيض.
    كانت تمشي وتفوح منها رائحة الملاك المستحم بماء الفردوس الأبيض المتجمد.
    كانت ابتسامتها بيضاء ولا يشوبها أو يعكرها أي شيء وباردة كبرودة الجليد في شتاء كندا وعينيها مملوءتان بالعطف والحنان وقلبها المتجمد في الفردوس الأبيض وقد خرج لتوه منه أبيض كبياض أسنانها...كانت ذكرياتها بيضاء مملوءة بالسعادة لأنها بداخل الفردوس الأبيض وقد منحها جليده وزهره الأبيض لونا لشفتها..لونا شفافا ورائعا...حالما..لونا زهريا.كل شيء كان فيها أبيض عدا جدائلها الشقراء النحاسية كالذهب وقزحيتها الزرقاء كسماء الربيع وشفتاها الملهمتان......كانت حلمي الموعود..
    رأيتها وهي تقترب مني خلتها ستقول لي:"أحبك"وستبادر بتقبيلي وتمسح على شعري كما كل الفتيات.
    لكنها كانت عفيفة النفس أكثر من اللازم.
    نعم إنها هي....نعم..هي.....هي.....حلمي الموعود.
    فاقتربت مني وقالت:"مرحبا أنا طالبة جديدة هنا وأبحث عن مدربي الدكتور جون برايدي أيمكنك أن تدلني عليه أيها الأخ".
    كانت روحها روح شاعرة وغرائزها تجمدت في الفردوس الأبيض.
    كانت لوحة أبدع الخلاّق رسمها فاختارها ملاكا في هيئة إنسان،كانت الزهرة البيضاء الندية الزكية وسط الزهور الذابلة الملحة،كانت شمسا تنير لي قدري،كانت قمرا يضيء دربي،كانت شمعة أمل في تاريخي،كانت النسمة التي تداعب خصلات شعري،كانت رسامة ترسم لي حلمي،كانت كاتبة تكتب لي قدري،كانت شاعرة تطربني بأعذب الأشعار،كانت عصفوري الهائم في حب الحياة،كانت كل شيء بالنسبة لي.
    فأجبتها بعد طول التفكير والتأمل:"نعم"..آه من لا يمكنه أن يدلك عليه أيتها العذراء؟!......فقدتها إليه وبعد هنيهة حصلت على رقم الغرفة التي كنت أنتظرها.
    دخلت الغرفة فأشار لي الطبيب بالجلوس.
    فقالت لي ملهمتي:"أهذا أنت؟!يالها من صدفة!".
    قلت لها مبتسما:"نعم إنها صدفة رائعة، حقا!".
    وعندما بدأ الطبيب بتدريبنا لاحظت براعتها المبهرة حتى أن الطبيب سألها:"هل أنت متأكدة من أنك لم تتدربي من قبل على هذه المهنة؟!!؟!".قالت له بصوتها الرخيم وهي تضحك بضحكتها المغرية:"طبعا، أنا متأكدة من ذلك يا دكتور".
    كنت أحاول لمس يداها لذا كنت أزعم أن يدانا كانتا تتلامسان بحجة العمل...بعد أن انتهينا من التدريب منعتها من الذهاب لنتحدث سويا فبدأت أنا بالتحدث فقلت لها:"
    لقد كنت بارعة في ذلك يا........."قالت لي:"ميساء".قلت:"ميساء اسم رائع....أنا أسمي نسيم".قالت:"إذن استأذنك يا نسيم، المعذرة".
    حاولت منعها من الذهاب قائلا"لا،لا،أرجوك انتظري يا ميساء"فوقفت مكانها ثم استدرات نحوي وقالت بمكر وغضب:"لا ترجوني".
    قلت لها:"كما تشائين"قالت لي:"الآن ماذا أردت مني؟"
    قلت لها:"أردت أن أسألك عن سر خبرتك في مجال العمل وفي تعاملك مع المرضى وكأنك كنت اختصاصية إذن وأنف وحنجرة،حقا!؟!"
    قالت لي بنبرة هادئة ورزينة وبصوت خافض وأنوثي:"هذه قصة طويلة وأعتقد أنه لا يجدر بك سماعها".
    وذهبت مسرعة خارج المشفى وقد لاحت لي دمعة حزن وأسى تنذرف من عينيها الزرقاوان....فخرجت من المستشفى وذهبت لتعقبها لمعرفة مكان معيشتها وعندما رأيت المنزل الذي تعيش فيه أصابتني الدهشة والصدمة.......يا للهول...انه منزل متوسط وبسيط لكنه جيد.خلتها تعيش في فردوسها الأبيض.
    وفي اليوم التالي جاءت للمستشفى وكأنها لا تتذكر أي شيء مما حدث بالأمس...بالفعل ذكرياتها جمدها الفردوس الأبيض.
    ألقيت عليها التحية فحيتني وكأنها لا تتذكر شيئا مما حدث بالأمس.دخلنا الغرفة ودربنا الطبيب وبعد الانتهاء من التدريب خرجت هي وما هي لحظات حتى خرجت أنا فذهبت للكفتيريا لأنني جئت مسرعا ولم أتناول فطوري...فرأيتها جالسة في إحدى زوايا الكفتيريا وهي تشرب عصير الفراولة المثلج فأسرعت نحوها وقلت لها:"يصدف أن تلاقينا هنا يا ميساء"..فلم تتحدث إطلاقا
    فقلت لها:"في الواقع أريد أن أحدثك".
    فقالت لي وهي تشير لي بالجلوس ملوحة بأصبعها:"تفضل يا نسيم"،قلت لها:"شكرا"...جلست بقربها صامتا ومترددا بعض الشيء..فقالت لي:"قلت لي منذ قليل أنك تريد أن تحدثني وها أنت لم تتحدث بعد".
    قلت:"في الواقع يا ميساء............."فأكملت كلامي قائلا:"نعم في الواقع...الجليد سيذوب في أوانه وكل شيء سيحدث كما يشاء القدر...أريدك أن...أن...أن تكوني........"
    فبدأ وجهي بالاحمرار وجبيني بالتعرق حينها،فقالت لي وهي تمسح العرق عن جبهتي بيداها الباردتان:"أن أكون ماذا يا نسيم؟"
    فأخذت العصير من يدها ووضعته جانبا ومسكت بيداها محدثا إياها:"منذ أن رأيتك للوهلة الأولى شعرت بشعور ينقي قلبي ويجعله أكثر بياضا...شعور يثير الروح في جسدي...شعور يمنحني المزيد والمزيد...انه الحب....الحب يا ميساء"
    قالت لي:"وهل تعرف الحب أنت على حقيقته أم تعرفه كما يعرفه الآخرون؟"
    قلت لها:"وما هو الحب برأيك؟"
    قالت لي:"الحب هو شعور نقي وخالص.الحب ليس عيبا أو مشينة أو خطأ....الحب أبيض ونقي كالبلور في نقائه وصاف كصفاء صفحة السماء....لكن هنالك من يستغلونه لإشباع غرائزهم...سوى كانت غرائزهم الجنسية أو غيرها....فماذا هو الحب الذي تكنه لي يا نسيم؟"
    قلت لها:"أنا أحبك وأعشقك...لأنك ميساء.فهل تبادليني أنت مثل هذا الشعور؟"
    فلم تجب على سؤالي وحاولت تغيير الموضوع وقدا بدا الاحمرار تحت عينيها...انه الخجل بل انه الحياء.
    فغيرت الموضوع لأنها استحيت من سؤالي قائلا:"لم لم تبوحي لي بسرك يا ميساء.....أقصد لم تجيبي على سؤالي....ما سر خبرتك المبهرة هذه؟"
    قالت وقد أطرقت رأسها للأرض ولمته بيداها وقد بدا عليها الحزن والأسى:"لأنني كنت واحدة من مرضى الأذن والأنف والحنجرة"
    فضميتها إلى صدري وأنا أمسح دموعها قائلا:"لا تحزني يا ميساء كان هذا ماض وقد مضى ولا تدعيه يطاردك على المدى"
    فاستأذنت مني ميساء بالرحيل وهي تنتشل جسدها مني وكأنها تحاول أن تشرد مني ولا تريد أن تقترب مني هكذا..
    فعدت للمنزل وحدثت أمي وأختي عن ميساء وكم أنا أتوق للعيش معها تحت سقف واحد.....فوافقتا أمي وأختي لطلب يد ميساء لي وطلبوا مني أن أحدد لهم موعدا مع ميساء.
    وفي اليوم التالي رأيت ميساء في المشفى وقلت لها أن أمي وأختي تريدان التعرف عليها وعليها أن تحدد لهم ولي موعدا لأنني أيضا أريد التعرف على والدها فحددت لنا الموعد.
    وفي اليوم الموعود ارتديت أجود وأجمل مالديّ من ملابس وملأت جسدي بالعطور والزيوت.
    وعندما ذهبنا فتحت لنا ميساء الباب وبحلتها ثوب أبيض ووشاح أبيض...تماما كما رأيتها للوهلة الأولى وطلبت منا الدخول وأشارت اليّ بالذهاب الى أبيها فهو ينتظرني.عرضت أمي وأختي طلبي لميساء فأرادت مهلة للتفكير.وعرضت أنا على أبيها الأمر فقال أن الرأي الأول هو رأي ابنته.
    وفي اليوم التالي عندما ذهبت للعمل رأيت ميساء هناك وسألتها ان كانت وافقت عليّ؛فقالت لي:"نسيم أنا لاأنتمي الى هنا"
    قلت لها:"حبيبتي أعلم ذلك فأنا أفكر بكل ماتفكرين به أيتها الملاك".
    قالت:"اذن أنا موافقة على أن أكون شريكة حياتك"
    وعندما سمعت تلك الكلمات تبعث من فمها انطلقت في الأرجاء فرحا وكدت أصرخ لكن الفرح كان قد شل لساني.
    ومالبثت عدة أيام حتى أقمنا مراسم الزفاف في الكنيسة المقدسة.
    ومن ثم أكملنا دراستنا وحصلنا على شهادة الماجستير والدكتوراه وواصلنا الدراسة حتى أصبحنا جراحين...ومالبثت بضعة أسابيع حتى حبلت ميساء بطفلي انتظرنا ذلك الطفل كثيرا وفرحنا أكثر بعد ظهور نتائج الحمل.وبعد تسع شهور من المشقة والتعب حان موعد الولادة فجلست بقرب ميساء ومسكت يدها ومسكت هي الأخرى يدي بقوة،وقلت لها وأنا متصبب عرقا:"ادفعي بقوة ياميساء،كافحي ولاتستسلمي".
    فقالت لي:"نسيم أنا لاأنتمي الى هنا...نسيم هذا يسوع هذا ابنك....هذا ابن ملاك يانسيم".
    بعد ذلك خرج يسوع أخيرا وهو يصرخ بقوة وماتت ميساء على أثر النفاس.
    ماتت وهي تقول لي:"أحبك يانسيم،أنا لاأنتمي الى هنا اعذرني فقد طال انتظار أمي العذراء لي".
    بعد أن توقف قلبها عن الخفقان لم أصدق نفسي فاحتضنت يسوع بشدة ومن ثم تركته بجانب أمه.
    وسقطت على الأرض وأسلمت نفسي للبكاء واسوّدت الدنيا في عينيّ.
    واغرورقت عيناي بالدموع ومن ثم وضعت رأسي بين ركبتيّ وأجهشت بالبكاء لقد وجدت نفسي غير قادرا على فراق ميساء...فقد كانت كل شيء بالنسبة لي..بل انها تعني حياتي وسعادتي وتحمل معها أحلى ذكريات عمري وأزهى خاطرات حياتي.
    فقمت وأخذت يسوع ووضعته بين أحضاني وأسرعت للكنيسة لاقامة مراسم الجنازة ودخلتها وأنا أصرخ كانت ملاكا كانت ملاكا...كانت ملاكا"...وصليت لأجل عودة ميساء ولأجل يسوع وما ان انتهت مراسم الجنازة حتى عدت للمنزل وكنت قد كدت أجهش بالبكاء وأدع العاطفة تهزمني وبينما أنا أتأمل يسوع والا بالباب يطرق.
    فلم أستطع حتى الوقوف على قدميّ فزحفت ذاهبا لفتح الباب والابي أرى امرأة تملك ملامح ميساء المتجمدة في الفردوس الأبيض فقالت لي:"مالي أراك هكذا....عيناك مغرورقتان بالموع وقدماك لاتكادان تحملانك ووجهك الوسيم مصفّرا وكأنك على قارعة الموت".
    قلت لها:"من أنت؟".
    قالت:"أنا مكارم وقد جئت من الفردوس الأبيض وبحثت عن مكانا أبيت فيه الليلة فلم أجد مكانا يأويني على الأرض غير منزل ميساء"..فقلت لها:"أدخلي...تفضلي"....فأدخلتها مشيرا اليها بالذهاب الى غرفة المعيشة.فقالت لي وهي ترجوني:"أيمكنني رؤية يسوع ابن ميساء..أرجوك".
    فلبيت رجاءها وهرولت الى غرفة يسوع وطلبت مني أن تنفرد به فخرجت من الغرفة....وكنت قلقا على يسوع فتركت جوفة بالباب وأخذت أنظر اليه تارة وأنظر اليها تارة...فرأيت يسوع ينظر اليها وكأنها أمه ويمص ثديها وهو متيقن أنها أمه.
    فهرولت الى فراشي لأنم فلم تذق عينايّ طعم النوم فأشعلت شموع الغرفة وصليت لأجل عودة ميساء ولأجل يسوع.وبعد ذلك استقليت على فراشي وأنا أشعر بالتعب والانهاك كأني رجل طاعن في السن وقد جاءته سكرات الموت فغلبني النعاس.
    ورأيت في منامي ميساء وهي تقول لي:"حبيبي نسيم روحي هي روح مكارم وروح مكارم هي روحي يانسيم"،وطلبت منها أن تأخذني لزيارة الفردوس الأبيض.
    فعرفت من منامي أنها تطلب مني الزواج من مكارم ففعلت ماأرادت؛فرأيت ميساء وهي تمدحني في منامي....وقد لمحتها وهي تقترب مني وتشبك يدها في يدي وتأخذني الى حيث الفردوس الأبيض.
    فدخلت الفردوس الأبيض بعدما غسلت ميساء جسدي بماء الفردوس الأبيض المتجمد وأدخلتني اليه عاريا بلا ملبس.
    رأيت هناك حسناوات نواعس وحسناوات تشربن من دفق الرحيق وحسناوات سكارى بخمر الفردوس الأبيض........دخلت الفردوس الأبيض المتقارس وأخذت أخاطب ملائكته قائلا:"أنا والد يسوع،أنا الصّب الذي استباه رحيل ميساء.نعم أنا العاشق الذي ولهه الحب وأسر قلبه نوى وبعد ميساء فهفيت ووهنت.أنا هيمان بميساء....اسمعوني ياأيتها الناضرات ميساء هي روحي وأنا روح ميساء،فحافظوا عليها ولاتجرحوا قلبها الرخيم".
    فلوحت لي الحسناوات وبغمضة جفن عدت الى حيث كنت..عدت الى يسوع ولم أجد مكارم،كانت قد تجمدت في الفردوس الأبيض.
    وفي المنام رأيت مكارم وقد أتت اليّ وقالت لي:"ميساء تريد أخذ يسوع معها الى الفردوس الأبيض وعليك أن تثبت جدارتك بأن تكون والد يسوع وان لم تفعل أولم تنجح ستسلبك ميساء يسوع ليتجمد في الفردوس الأبيض".
    فحاولت اثبات جدارتي بأن أكون والد يسوع ونجحت.
    وزارني طيف ميساء في اليقظة وقد أتت لتقول لي:"ماكنت لأسلبك ابنك أنا كنت أحاول أن أيقظك فحسب".
    قلت لها:"لايمكنك ذلك فأنا حملته قبل أن تحملينه وشعرت بكل ركله يركلها ووضعته قبل أن تضعيه".
    عند ذلك اختفى طيف ميساء وأصبح يسوع ابني أنا....ملكي أنا وحدي.
    نعم لي وحدي..لقد رحلت أمه ورحلت مكارم ولم يبقى لي منهم سوى الذكرى أما يسوع فهو الذي جمد ذكراهما في عقلي فهو الذي يذكرني بهما.
    نَــذَرتُ قَصِـيـدي فــي هَـــواكَ مُـحــرَّرا فَـكــانَ نَـشِـيـدِي فِـيــكَ لَـحْـنًـا مُـطَـهَّـرا
    ونَغَّمْـتُ فــي رُوحِــي سَـنـاكَ فأَسْـفَـرَتْ عُيُـونُ القَوافـي تَـعْـزِفُ الـحُـبَّ أَشْـطُـرَا
    وطـافَــتْ عَـلَــى قَـلـبـي رُؤاك فـأَيـنَـع...
يعمل...
X