الحفرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • RamiIbrahim
    Rami Ibrahim
    • Apr 2007
    • 302

    الحفرة

    الحفرة<O


    كانت سنة قحط وجفاف، وقد أثر ذلك بشكل كبيرعلى المحاصيل والمراعي، وما لبث أن شكّل ذلك أزمة لسكان إحدى قرى الريف السوري، فمؤونة العام الفائت قد نفذت ومحصول العام الجديد بالكاد يكفيهم فترة الصيف. أتت الماشية على النباتات البريّة والأزهار وكل ما قلّمه المزارعون من أشجارهم وكل شيء. اعتاد القرويون على تقديم الشعير لمواشيهم في حال عدم توافر أي شيء آخر، ولكن الحال قد تغير بعد أن أصبح الشعير بمكانة القمح كغذاء للقرويين، وصاروا يخلطونه بالقمح لصنع خبزهم اليومي، سعياً منهم في إطالة أمد المؤونة أطول فترة ممكنة.لجأ معظم سكان القرية إلى ذبح مواشيهم كالأغنام والماعز للاستفادة من لحومها كغذاء من جهة، وللتخلص من منافستها لهم على الشعير من جهة أخرى. لم يكن ذلك خياراً سهلاً بالطبع، لأنه كان يعني أيضاً حرمانهم من الحليب ومشتقاته المختلفة. هذا ما كان من أمر الأغنام والماعز، أما الحمير وبعد أن أنجزت القسم الأكبر من عملها أوائل الصيف بنقل المحصول إلى البيادر، ومن ثم نقل الحبوب إلى البيوت، لم يكن هناك مفر من التخلص من منافستها على تلك الحبوب الثمينة. لم يكن قتل الحميرأو ذبحها مألوفاً على الإطلاق فلحمها بحسب شرائع سكان القرية محرّم. ابتدع القرويون طريقةً وجدوها رحيمة بعض الشيء في التخلص من حميرهم، إذ عصبوا أعينها واقتادوها إلى بئر جاف يقع على الطريق الترابي الذي يقسم أراضي القرية نصفين نصف شرقي ونصف غربي. لم تعترض الحمير على عملية تعصيب الأعين ربما بسبب العشرة الطويلة والثقة بأناس تقاسمهم في المسكن والمأكل والعمل: فهي تعيش بقربهم وأحياناً معهم، وتأكل طعامهم وتقوم بنفس الأعمال التي يقومون بها، فهي ربما تشعر معهم بوحدة الحال أو على الأقل تعرف أنها مهمة ومفيدة بالنسبة لهم. رجّح شيوخ القرية وحكماؤها أنّ الأمر يعود إلى حالة الإذعان والاستسلام لمشيئة البشر، لاسيما وأنه لم تسجل حالات كثيرة لتمرد الحمير، وإن كانت حالات كهذه تحدث عندما ينطلق حمار ما في الدروب والبساتين ويرفس ذات اليمين وذات الشمال ويركض ويركض ولكنه يعود عند المساء إلى حظيرته ويتناول وجبته ويقبل حتى بالعقاب إن وجد، ولا يعود إلى تكرار تلك الفعلة الحمقاء لفترة طويلة هذا إن تكررت. لم يقتصر إذعان الحميرعلى تعصيب العيون فحسب، ولكن استجاب الحمار أو الحمارة أيضاً لعملية الجر التي قام بها أحد مالكيه أو غيره من القرويين. لم تظهر الحمير أي معارضة أو تمرد طوال ذلك الطريق الترابي، ولم تبدِ اي ممانعة في السير قبل الوصول إلى البئر، ولكن عند الوصول إلى البئر وحتى قبله بقليل توقفت عن السير. لم يجدِ معها الجذب نفعاً، ولا أجدى الضرب نفعاً كذلك، فبالرغم من أنها حيوانات غيرعاقلة، وبالرغم من كونها معصوبة الأعين ولكنها أدركت الخطر وامتنعت عن الاستمرار في سير يؤدي إلى حفرة. اقتضى الأمر أن يتعاون معظم شبان القرية لتوفير قوة جسدية تقهر مقدرة الحيوان المسكين على التصدي لعدم الوقوع في الحفرة.ردم القرويون الحفرة بعد أن نفقت جميع الحمير خشية من انتشار الرائحة والأمراض في ذلك الصيف الحار، وبالرغم من عدم وضع أي علامة على المكان ولكن بقيت الحادثة موجودة في ذاكرة الفلاحين وأقاصيصهم حتى أنهم قلّما مروا من فوق تلك المقبرة، وإن مروا فلا يطيب لهم المكوث أبداً. كان ذلك البئر من المعالم الرئيسية التي يستخدمها أهالي القرية للدلالة على أراضيهم كأن يقولوا مثلاً: "غرب البئر القديم" (هكذا كان يعرف قبلاً) أو "على مسافة مئتي متر من البئر القديم"الخ... ولكن بعد تلك العملية( التي تطلبت منهم جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً كانوا يسمعون فيها نهيق الحمير واستغاثاتها قبل نفوقها من أثر الجوع أو اليأس أو ربما من القهر والخيبة) صاروا يقولون: "غرب مقبرة الحمير" و"على مسافة مئتي متر من مقبرة الحمير". مرّت الأعوام والسنون وجاء إلى حكم ذلك البلد شخص من أصول ريفية وشرع بإنجازات من أبرزها تعبيد الطرق وإنارة الأرياف حتى البعيدة منها. رأى القرويون البسطاء أشخاصاً ببذلات أنيقة يشرفون على تعبيد الطرقات، وكان من بينهم مهندسون ومسؤولون ولكنهم لم يتعبوا أنفسهم بدراسات وحفر أنفاق أوغيرها ولكنهم وجدوا طريقاً شقته الحمير ودأبت على السير فيه عقوداً طوال حتى بدت معالمه واضحة فعبّدوه. في مكان البئر تماماً أو ماصار يعرف بمقبرة الحمير حفر العمال حفرة عميقة وانتصب فيها عمود كهرباء. مرّت الأعوام والسنون أيضاً وجاء إلى الحكم شاب عاش منذ نعومة أظفاره في المدينة وتلقى تعليمه العالي في إحدى الجامعات الأجنبية فشرع بإجراء إصلاحات من ضمنها إحداث البلديات في الأرياف. عملت االمجالس البلدية الجديدة على وضع مخططات تنظيمية تفصل بين الأراضي السكنية والأراضي الزراعية وتحدد الملكيات وغير ذلك من الأمور التنظيمية. كانت المنطقة المخصصة للسكن والعقارات هي بالطبع تلك التي تمتد على أطراف طريق الحمير قديماً والطريق المعبد حديثاً. امتنع صاحب الأرض التي تقع فيها مقبرة الحمير عن ادّعاء ملكيتها لعدم رغبته أو ذويه باستثمار تلك القطعة سواء للسكن أو الزراعة، كما لم يدعيها أحد آخر لنفسه وبالتالي فقد استملكتها الدولة كملك عام وأنشأت بالقرب منها مخفراً للشرطة على مسافة عشرة أمتار من مقبرة الحمير. امام التغييرات الجديدة كثيراً ما صار الناس يقولون: "غرب المخفر" أو " مسافة مئتي متر من المخفر" ولكن صار بعض الكارهين للمخفر و عناصر الشرطة يتهامسون:"غرب مخفر الحمير" و" على بعد مئتي متر من مخفر الحمير". حدثت بعض التغيرات في البلدان المجاورة ثم ما لبث أن هبّت رياح التغيير وشهدت البلد موجة من الإحتجاج ضد حكم ذلك الشاب. لم تكن القرية بمنأى عما يحصل وحاول بعض القرويين تنظيم انفسهم للخروج بمظاهرة احتجاج تمر في أحياء القرية وتتجه نحو المخفر. في البداية كانوا يسمعون أصوات إطلاق النار عند التجمع، ولكن فشلت هذه العيارات النارية في إخافتهم وثنيهم عن عزيمتهم. لقيت المظاهرة تأييداً من بعض أحياء القرية، ولكنها جوبهت بالصد من قبل أحياء أخرى، ومنعت من دخول تلك الأحياء التي انتشرت فيها لجان شعبية لحمايتها. صار الطريق إلى المخفر أصعب برفض مشاركة بعض أحياء القرية وحيلولتهم دون مرور المظاهرة. لم يثن ذلك عزيمة المنتفضين وإنما مضوا في طريقهم نحو المخفر، وفي طريقهم ذاك أصيب بعض المتظاهرين بعيارات نارية. كان ذلك حدثاً فارقاً بالنسبة للمتظاهرين، فقرر الكثير منهم مهاجمة المخفر بالسلاح والثأر لأقاربهم وذويهم، وبالفعل تمكنوا من مهاجمته ليلاً وتبادلوا إطلاق النار مع عناصر الشرطة وسقط قتلى من الجانبين، ثم سيطر القرويون الغاضبون على المخفر وشنقوا شرطيين بعد استسلامهما وعلقوهما على عمود الكهرباء في حين دفنوا القتلى من الشرطة في مقبرة الحمير. صارت القرية تغلي بعد تلك الحادثة وصار للطرففين ثأرعند الطرف الآخر، وانقسموا في تسميتهم لذلك الجزء من القرية، فبعضهم صار يسميها علناً وبصوت عالٍ "مقبرة الحمير" بينما صار الطرف الآخر يسميها "مقبرة الشهداء"، بل إن تلك العبارات بالذات صارت المعيار الذي يستخدمه الطرفان لتمييز "هل أنت معنا أم ضدنا؟" ولم يقبل كلا الطرفين من الأصوات القليلة المحايدة والمسالمة عبارات مثل "المخفر" أو"البئر القديم" إذ بدت هذه العبارات لكلا الطرفين المتصارعين من عهد قديم وقد تجاوزها الزمن. نشبت عدة معارك بين الطرفين المتصارعين للإستيلاء على المخفر، في كل مرة كان يسقط من الجانبين أشخاص عقلاء وغير معصوبي الأعين!

    رامي الابراهيم
    الأربعاء: 13/06/2012
    برنو، جمهورية التشيك<O

    <O
    التعديل الأخير تم بواسطة RamiIbrahim; الساعة 06-24-2012, 07:32 PM.
    Rami Ibrahim
  • Aya waheed
    weissherz
    • Jan 2010
    • 644

    #2
    قصة رائعة ولها تأثير في النفس..
    أري أنالحفرة ليس حفرة في سوريا وحسب، بل هي حفرة في قلب الوطن العربي!!

    تحياتي!
    [align=center]Ich bin verwirrt[/align]

    تعليق

    يعمل...
    X