فيروز فوق التبولة اللبنانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    فيروز فوق التبولة اللبنانية

    فيروز فوق التبولة اللبنانية


    من ينظر الى احوالنا وظروفنا واوضاعنا الحياتية والسياسية والثقافية والفنية يقتنع بكل تأكيد ان التبولة صناعة لبنانية مئة في المئة.
    سيل جارف من المهرجانات التي تكاد تقفز وتضج في كل حي في لبنان – موسيقى طرب رقص سهر تسابق محموم لاستقطاب المشاهدين مقيمين وزائرين. من يتابع هذا المسلسل الصيفي السياحي يظن نفسه يقيم على كوكب آخر من هذا البلد. لان في المقابل موجة عارمة من الاتهامات والسجالات والمناكفات والحفلات الكلامية الاعلامية التي تحتل الشاشات ويتقنها جيدا اهل السلطة والسياسة، فلا يتركون شاردة او واردة الا ويعلقون عليها ويفلون جنباتها ومقاديرها، ولو امتهنوا علوم الكيمياء والفيزياء لأبدعوا. ويتناولونها جملة وتفصيلا ويشرحونها حتى العظام وكأن لا عمل لهم سوى الجراحة الكلامية والتجريح المبتذل. ساهين عن هموم الناس وأعبائهم المادية والحياتية واليومية. من قهر وفقر وبطالة وطرقات مأزومة تدرب المرء على يوم الحشر الاخير. وتقنين يجتاح كل مرافق الحياة من ماء وكهرباء وطبابة وتعليم وضمان وشيخوخة مهينة مذلة يتمنى كل من يعانيها تطبيق قانون الموت الرحيم. والناظر من بعيد الى هذا المشهد الانفصامي بين الافتتان والفتنة يدرك حقيقة كيف اخترعت خلطة التبولة.
    ويدخل على خليط هذه التبولة العصية على الفهم استهلاكية عبادة المال وبيع كل القيم والاخلاق والمبادئ سبيلاً للحصول عليه من بغاء ودعارة وتوسل كل المحرمات والموبقات وأخطرها شبكات عمالة وخيانة وتجسس تعمل لمصلحة العدو الاسرائيلي الذي يسعى جاهدا لتدمير لبنان على رؤوس اهله وضمه الى حلم صهيون الجديدة. وعلى هامش هذا الخليط تقوم التهديدات بالتدمير والاجتياح وحروب الابادة والمجازر على المقلب الآخر من الحدود الجنوبية. يصحو وينام الزعماء الاسرائيليون على التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور، لان احدا في هذا العالم من اقصاه الى ادناه، ومنذ صلب المسيح، استطاع ان يقف ويقاوم ويقول لها كفى عدوانا وظلما وتعسفا... وتقوم القيامة على المقاومة اللبنانية من الداخل والخارج لانها تجرأت على تحدي الغطرسة الاسرائيلية والتي عمي عنها بصر وبصيرة العالم الخاضع لها اقتصاديا واعلاميا اما خوفا وجبنا او دعما ومصلحة. لا بد لكل تسلق من دفعة الماسوني الصهيوني. وينبري العالم الغارق في الفساد حتى اذنيه في تلفيق التهم الباطلة وتلطيخ سمعة هذه المقاومة القابعة في ارضها وضيعها تدافع عن حقها وأهلها وبيوتها، ما دام العدوان الغاشم هو السمة الاساس في وجود اسرائيل وما دام العالم يعارض اي تسليح جدي وقادر لجيش لبنان... وتبقى هذه المقاومة البحصة الموجعة في عين اسرائيل تقض مضجعها ليلا ونهارا لان هذا الوجود الدفاعي المقاومة يشكل تهديدا مستجدا لسيطرتها العسكرية الكاملة في المنطقة. وهذا لن تبلعه بسهولة، لانه يشكل عائقا دون تدفق المهاجرين اليهود الحالمين بأرض الميعاد وينابيع اللبن والعسل وحلم الفرات والنيل. فالصهيونية التي زحفت نحو فلسطين جديا منذ العام 1880 قامت على استقدام ملايين اليهود وهي تحلم بالمزيد من هذا الخليط البابلي العجيب من الجنسيات والمعتقدات والنزعات لتثبيت وجودها.
    هذا موجز عن معمعة التبولة اللبنانية. اما الزيت الذي يصب عليها والذي صدم الجميع فهو الخلافات المادية الرحبانية الفيروزية والتي تشوه الرمز الاسمى للاغنية وتحبط اجيالا وأجيالا عربية تربت ونشأت على سماع الصوت الماورائي لأيقونة الاغنية الفنانة فيروز. منذ ما قبل منتصف القرن الماضي شد صوت فيروز الآذان والقلوب والضمائر وأدركت بالعقل والشعور سر عبقرية صوتها. فكان وعلى مدى ما يقارب النصف قرن المكون الوحيد الذي جمع الامة العربية حين اخفقت كل المعادلات لجمعها وتوحيدها. كم طفل من اليمن او لبنان او تونس... شبّ على صوت فيروز... كم من فنان وكاتب وشاعر استوحى من مجمل صوتها احلى اعماله واعظم اشعاره.
    وكم من الصور والالوان استطاعت انامل صوت فيروز خطها على لوحات الفنانين الكبار... وكم من كؤوس الزهر ونبضات قلوب الورد. كم من الحان المطر وهمسات العشب تلامسها قبلات الندى، يسمعها ثغاء الغدران ويشمها اريج البراري نحلق في رحابها مع آفاق الروح. كم وكم من الجمالات وشلالات النشوة صبتها فيروز في وجودنا...
    حرام... حرام ان تعكر صفوها هذه الخلافات المادية البحتة. حرام ان نشوه صورة هذا التكامل الجمالي بين الموسيقى الرائعة والصوت الفضائي البلوري.
    بمشادات ومساجلات... حرام ان يصاب هذا الفن الراقي بعدوى المناكفات التي تضج بها الساحة اللبنانية وكأن اللبناني مفطور على الخلاف وهو جزء من تركيبته وجيناته... الى الرحبانية وفيروز نقول ليكن زيتكم مقدسا كما عهدناه وأحببناه ونشأنا عليه وسنرحل على انغامه... لا تصبوا الزيت الحامي على خليط هذه التبولة... لا تشوهوا وصفتكم الراقية الجامعة السموية بمكونات تبولتهم... كفانا لقد شبعنا منها.

    بقلم اقبال الشايب غانم
يعمل...
X