وعـدتُ ملاكـاً ..... للشاعر محمد حسين بزي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بنده يوسف
    عضو منتسب
    • Jun 2009
    • 17

    وعـدتُ ملاكـاً ..... للشاعر محمد حسين بزي

    [align=justify]
    لأيام ونحن فى غرق التفتيش عن نجم شاعرنا " محمد حسين بزى " ، استهلك البحث قوتنا ، وبعدها دلتنا الظنون انه ربما هجر البيت، فتحققنا ؛ فعرفنا أن العلوم أخذته عن نفسه ، فأشفقنا وترحمنا على حال كان لنا مؤنس بطلعته .
    راقبنا منازله ، فعرفنا أنه يمتنع عن السفور والظهور ، ولكن نادت الطيور بكشفه عن نقاب ، بعدما فقد ملاذه وراح يفتش عنه بين حروف المنثور ، وراحت جريدة السفير اللبنانية تنشر هذا البوح ، فشرعنا بمحبتنا على كسر عزلته ومشاركته حنينه بوصلة حرف توحد آلام الأنا .[/align]

    [align=center]
    وعدتُ ملاكاً
    هاربة ٌ تِلكَ الصُّوَرْ
    من بوَّابةِ البَوحِ العتيقة ْ
    لا تشغلُني عنْها كلُّ داناتِ(1) البحرِ
    ولا ثرثراتِ الأزمنة ْ
    ولا تُشعلُني آخرُ القبلاتْ
    ولا رِضَابُها المَاسي
    بوابة ُ البَوحِ شرّعتْ أسرارَها
    ولا حقيبة َ
    ولا خبزَ!
    ولا أُسافرُ
    ولا تُسافرْ ..
    أنا.. سأَمكثُ هُنا
    خلفَ الرِتاجْ
    بين الدانةِ والقُبلة ْ
    أحتقبُ الماضيْ مِنْ زَمَني
    والفصولَ المنزوعةَ مِنْ حضنِ أُمي
    وبعضَ خُبزِها القديمِ في كينونتي..
    وقليلاً مِنْ دُعَاءْ
    سأَبقى هُنا..
    أنتظرُ مواسِمَ العَصْفِ
    بين الشعرِ والحضنِ السَّماويْ..
    أنتظرُ انبلاجَ الصُّفرةِ مِنْ لونِ الخريفْ
    علها تحتضنُ بقايا زنبقةٍ مُسَافرة ْ
    عبرَ الفصول.. حيثُ عُمْريَ الآخرْ..
    عُمْريَ.. الذي أنتظرُهُ مُذ كنتُ كبيراً
    أنا هُنا..
    أحتطبُ للشتاءِ القادمِ بِضعَ ياقاتْ
    أُدَثّرُ بها وجهَ السَّماءِ
    الذي يُقابلُني بنورٍ باردْ..
    سأَبقى هُنا..
    أُمسكُ الغروبَ بينَ الشفقِ والماءْ
    الفجرُ الجديدُ لا يُبشِّرُ بالوصولْ..
    مِنْ هُنا..
    سأُطلُّ على عُمري من شرفةِ الخريفْ
    وأسعى بمسافةٍ فريدة ْ
    لا تتعدى لحظةَ الياقةِ اليتيمة ْ
    قد تنخلعُ البوابةُ فجأةً
    ويعبرُ البوحُ بِلا مسافة ْ
    بِلا قيامة ْ
    وأنتشرُ هناكْ
    حيثُ عُمري المنتظِرْ
    في يقينِ أُمِّي
    في عينِ أُمِّي
    مِنْ كفَّيها نحو السَّماء ْ
    يُطلُّ ربيعُ الملائِكْ
    وتدلفُ مِنْ عيني منازلُ القَمَرْ
    والزيتُ الأَزَليْ
    يطفو على الشاطِئِ الأيمنْ
    مِنْ سراجِ أُمِّي
    مِنْ وَجْهِها المِشكاة ْ..
    هُنا..
    بحضنِ أُمِّي صلاةٌ لا تنقطِعْ:
    سبحانُكَ ربِّي.. رجعتُ صغيراً
    وعدتُ مَلاكاً بحُضِن أُمِّي.
    .
    .
    محمد حسين بزى

    [/align]
    ([align=right]1) مفردها دانة، وهي اللؤلؤة الكبيرة.[/align]
    [align=justify][/align]
    رابط النثرية بجريدة السفير :
  • بنده يوسف
    عضو منتسب
    • Jun 2009
    • 17

    #2
    الحنين ...... شرارة إشعال تحرك وجدان الشعراء

    الحنين ...... شرارة إشعال تحرك وجدان الشعراء


    [align=justify]الحنين شرارة إشعال تحرك وجدان الشعراء، بحرقة الحنين ينبعث الشوق، وبالشوق ترسم الغربة ويتشكل الاغتراب.

    في محيط الشعر العربي ؛ كان الحنين مفجرا لحالات شعر الوجدان ومرسلات الذات.
    ففي الشعر الجاهلي ظهر شعر البكاء على الأطلال، حينها لم يتشكل كما رأينا في المراحل المتأخرة ما يسمى بالوطن والانتماء له؛ إنما كان الشاعر يبكي على الطلل لذكرى واشتياق أحبة اعتاد مؤانستهم له، والمحل الذي يبكيه كإشارة لذكراهم، كبكاء قيس على حي ليلى " حي بني عامر ".

    كانت هذه الصورة الأولى لبوادر شعر وجداني يبتنى على الحنين.
    بعد ذلك في محيطنا العربي شكلت السياسة أداة ألم للإنسان العربي، فباستيلاء العدو على الأرض، وإراقة الدماء، واتهام الدين؛ ظهر لنا مرحلة متقدمة من أشعار تبنى بباعث الحنين لتتشكل الغربة، حالة فيها يخرج الشاعر خارج وطنه بعلة التهجير؛ فيصاب بفصام في ألفة المكان الجديد، ويكون الحنين دافعه لاشتياق المكان الأول، وهذا يتضح في أشعار الرسائل الأخوانية. وحالة أخرى يعيش الشاعر في محله ولا يهجره، ولكن يكون كيانه وذاته غريبة عن ما يحيط به من أطر حياتية، وما يعانيه من ظلم وتضييع وهضم، وينتج هنا حالة اشتياق لإطار كان والآن مفقود، أو سيكون والآن نأمله؛ فهنا الحالة نتجت من تغير الإطار الذي آلفه الشاعر، كاحترام الناس مثلاً لشعره وأفكاره وبوحها بكل تصريح وصريح؛ لكن بعد انقلاب حال الشاعر كتغير نظام حكم طرأ على مجتمعه، ولم يعد هو يتكيّف مع الإطار الجديد؛ تبدل الأمر وعاش حنين؛ دفعه للاغتراب.

    والحنين مفجر الغربة والشوق، لم يعد يقتصر على نمط بذاته، بل يتجلّى في كل شيء طالما أصاب حياتنا التعقيد والأطر الحياتية المركبة والمعقدة، فهناك شاعرة ينبثق في شعرها إشارات حنين لشخص مجهول تفتقد هي صورته في الرجل التي تبحث عنه، وهذه الحالة النفسية تعد حالة من حالات الحنين والغربة.

    الحنين أداة وصول، طالما استخدمها كافة تيّارات الشعراء للوصول إلى شيء مفقود - شعراء العرفان يتجلّى الحنين في أشعارهم للبحث عن سر مفقود، به الوصول لمملكة مفقودة، تاه عنها الإنسان.

    شعراء الرومانسية، يكون الحنين لديهم أداة وصل واتصال بكيان حبيب يؤنس وجدانهم وذاتهم، ونرقب هذا الاتجاه عند شاعر حديث كنزار قباني مثلاً حين يقول: أتراها تحبني ميبسون ........ أم توهمت والنساء ظنون، ويكمل في بيت آخر: هل مرايا دمشق تعرف وجهي ……من جديد أم غيرتني السنون – فهنا يصنع نزار تعريفات معقدة لمفهوم الغربة والحنين، فالوطن والشوق له ممزوج بعاطفة المحبة والوصل بالحبيب .

    وعـدتُ ملاكـاً :

    في نثرية محمد حسين بزي " وعـدتُ ملاكـاً " رغم أنها مليئة بفنيات وصور تخرجها من صراع النثر والشعر، وترفعها إلى درجة الإبداع، إلا ننظرها بفنية موضوعها، ففيها تجتمع كل موحيات الصور السابقة، فالذكرى موحية بدفع الحنين، والشوق موحي بدفع انتظار أحبة، والغربة تتجلّى في التنحي عن كل وطن مزور، ففيها يجتمع حنين الجسد، وحنين النفس.

    فالشاعر يفتش عن كيان يتملكه بعد الوصال بأمه، والآن هو يفتقده لعلة ربما هي فقده الملاذ
    " أمه "، وربما لغلبة وقهر الزمان عليه وإبعاده عن الملاذ.
    يشرع الشاعر نثريته الرائعة بعنوان: وعدت ملاكاً ، وكأنه الآن غير ما أراد أن يكون، والآن عاد إلى ما كان يجب أن يكون عليه.

    [align=center]هاربة ٌ تِلكَ الصُّوَرْ
    من بوَّابةِ البَوحِ العتيقة ْ
    لا تشغلُني عنْها كلُّ داناتِ البحرِ
    ولا ثرثراتِ الأزمنة ْ
    ولا تُشعلُني آخرُ القبلاتْ
    ولا رِضَابُها المَاسي
    بوابة ُ البَوحِ شرّعتْ أسرارَها
    ولا حقيبة َ
    ولا خبزَ!
    ولا أُسافرُ
    ولا تُسافرْ ..[/align]

    ثم يشرع في فتح بوابة الإفصاح بالحقائق، فتندفع منها صور عالمه المفقود الذي يحن إليه، ويبدأ الوصل بهذا العالم الذي وحده يؤنسه، حتى أنّ الشاعر يقر شيء؛ وهو: أن لا بديل عن هذا العالم؛ فهو وحده من يجد فيه كيانه، فهو منه ولا بديل عنه. وكأن محمد حسين بزي ينظر حقائق حول مفاهيم الأم، فليس لكونها أنثى يغني عنها أنثى، بل القواعد هنا ترتفع عن الشكل والمادة. فالأم وطن للإنسان لا بديل له في عالم الخلق إلا به نفسه.
    حتى أنّ آلام الفقد للوطن يمكن أن ينساها الإنسان طالما وجد البدائل كأمتعة الحياة وزخرفها أو أن يجد بدائل لما فقد؛ تعطيه لذة ما كان يملك.

    لكن مع وطن الأم تتغاير الموازين، فلا الزخرف ولا حتى القبلات الساحرة، قبلات الشفقة أو المحبة، من أي مصدر كانت من حبيبة أو من مشفق أو من رحيم، كل هذه البدائل لا تطفئ الحنين إلى حضن الأم، الملاذ الأوحد. فليس لأن كل الأحضان التي يملأها الدفء تتساوى؛ ففي حضن الأم تقبع الأسرار التي لا تفسير ولا معنى لها إلا هناك .

    وبعد أن يصل الشاعر لإقرار حقائق وكشف أسرار الصور التي تخبر شيء عن ملاذه " أمه " ، يقر حقيقة جديدة: أن لا السفر ولا الترحال، ولا استعدادات سفر التفتيش والبحث من حقائب ومتاع طريق؛ سيوصله لملاذه المفقود وينتهي حنينه، فطالما الملاذ لا بديل له، فالتفتيش والبحث لن يفيد ولا حيلة به.

    [align=center]أنا.. سأَمكثُ هُنا
    خلفَ الرِتاجْ
    بين الدانةِ والقُبلة ْ
    أحتقبُ الماضيْ مِنْ زَمَني
    والفصولَ المنزوعةَ مِنْ حضنِ أُمي
    وبعضَ خُبزِها القديمِ في كينونتي..
    وقليلاً مِنْ دُعَاءْ
    سأَبقى هُنا..
    أنتظرُ مواسِمَ العَصْفِ
    بين الشعرِ والحضنِ السَّماويْ..
    أنتظرُ انبلاجَ الصُّفرةِ مِنْ لونِ الخريفْ
    علها تحتضنُ بقايا زنبقةٍ مُسَافرة ْ
    عبرَ الفصول.. حيثُ عُمْريَ الآخرْ..
    عُمْريَ.. الذي أنتظرُهُ مُذ كنتُ كبيراً
    أنا هُنا..
    [/align]
    ويقرر الشاعر المكوث ومراقبة صور الماضي التي أطلت من بوابة البوح، بين كل ما يحيط به من زخارف، وأشياء يدعون أنها بدائل.

    وبدلاً من أن يعد الشاعر حقائب أمتعة السفر والبحث كما كان يفعل الباحثون عن مفقودهم وضالتهم؛ يبوح بأنّ ملاذه ليس في ما لا يعلمه من الأيام " المستقبل " بل هو في ماض لا حاضر له بقوانين الأرض، فيبدأ في تعبئة حقيبته بصور ينزعها من الماضي، ويلملم من كيانه، من ذاكرته؛ كل بقايا ملاذه المفقود، طعام أمه البسيط " الخبز " الذي لا تغني عنه أشهى مأكولات الدنيا، فهو أشهى وأقدس لتفرده أنه من أمه، بل حتى الدعاء لا يتساوى أمام بوابة السماء، فلأمه دعاء لا يتساوى مع دعاء يساويه في نفس الحروف والكلمات.

    فلا وصال بالسفر والترحال وشد الحقائب، بل ربما الوصال بالانتظار – فيعلن الشاعر الانتظار بين صور الماضي التي يفترشها في أشعاره، وبين نشوة حضن أمه السماوي الذي يطل عليه من صوره التي يجمعها، فكيانه ربما من هنا يعود، ففصول العمر كلها مرحلة خريف وانتظار لربيع وصال بالملاذ المفقود، فكما أنّ العمر هو لحظات توحد الذات بمن تحب أو بالملاذ، فلا عمر له إلا بعد انقضاء ذبول الخريف، وقدوم ربيع الوصل.
    [align=center]
    [align=center]سأُطلُّ على عُمري من شرفةِ الخريفْ
    وأسعى بمسافةٍ فريدة ْ
    لا تتعدى لحظةَ الياقةِ اليتيمة ْ
    قد تنخلعُ البوابةُ فجأةً
    .
    .
    .
    .
    بحضنِ أُمِّي صلاةٌ لا تنقطِعْ:
    سبحانُكَ ربِّي.. رجعتُ صغيراً
    وعدتُ مَلاكاً بحُضِن أُمِّي.[/align]
    [/align]
    ويستمر الشاعر في رسم مفارقاته وقوانينه التي تخرج عن المألوف في حس الشعراء، وكأنه يرسم حقيقة ولا مجاز، ويرسم مجاز ولا حقيقة. فمن عمره الذي يعده خريفاً رغم أنه يعد في العرف ربيعاً؛ سيطل مترقباً ساعياً أن يندلج للتوحد مع عمره المفقود هناك في مملكة الملاذ.

    ورغم طول المسافة بقوانين الوهم هنا، إلا أنها تعد قصيرة جداً، بل لحظة بقوانين مملكة ملاذه، فالانتظار لن يطول، وهناك سيركض بشغف ليلوذ بحضن أمه، فبه وحده الأسرار، ومنه وحده يمكنه أن يتواصل مع الملائك، وفيه العمر يبدأ حيث لا عدد، ولا كبير ولا شيخ، وفيه تتوقف القوانين، ويرتبط بملاذ السماء، وفي حضن الأم ما زلنا صغار، في درجات الملائكة.
    [/align]

    تعليق

    يعمل...
    X