أبو جحش وأبو سليم _02

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ahmed_allaithy
    رئيس الجمعية
    • May 2006
    • 3961

    أبو جحش وأبو سليم _02

    وقفَ الحمارُ في صحنِ دارِ أبي سليمٍ، وأخذَ ينفرُ وينهقُ كأنكرَ ما يمكنُ لهُ، فأيقظَ كلَّ كائنٍ حيٍّ فيه حتى الهوامَ والحشراتِ والفئرانَ، وتجمعتْ حولهُ الديوكُ والدجاجُ والبطُ والأُوَزُّ والأرانبُ والنعاجُ والخرافُ والتيوسُ والبقرُ، بلْ وحتى ثورُ الحقلِ؛ لتتعرَّفَ منه سببَ كلِّ تلكَ الجَلَبَةِ. ثم اقتربتْ منه ذبابةٌ وطنَّت قائلةً: "يا أخي الحمار، لِمَ كل هذا الضجيج؟" رد الحمارُ وهو لا يزال متعصباً: "لقد قلتُ لأبي سليمٍ بالأمس إنه إِنْ لم يبنِ لي زريبةً تخصني فسينالُه مني ما لا يرضاه مما لا يخطرُ ببالِه قط. وها نحن اليوم ولمَّا يفعلْ ما أردتُه منه." فقفزَ برغوثٌ على ظهرِ أبي جحشٍ، وقال له: "يا مطربَ البهائمِ في البدو والحضر، وهل يفهمُ أبو سليمٍ لغة َالحمير؟" قال الحمار: "لقد أفهمتُه، فما كلفتُك أنت؟" ثم تنحنحَ، والتفتَ إلى جميعِ الحيواناتِ وأخذ يخطبُ فيها ويقول: "يا أبناء البهائم وأحفادها إني أنتظر خروجَه إليَّ حتى أرفسَه وأركلَه وأعضَّه وأنهقَ في أذنيه حتى يتفتقَ صوانُها. كيف يجرؤ هذا الناكر للجميل على الاستخفافِ بي؟ ألا يعلم أن ضربةً من حافري كفيلةٌ بأن ترديَه قتيلاً؟ أقسم بكل غالٍ ورخيص ليكونن اليوم يوم تعسه وشقائه، وليذكرنَّه كلما لفحت الشمسُ قفاه، وتشققت من المشي قدماه. وسأحرنُ وأَتاني وجحشُنا، وأهدمُ فوق رأسِه البيتَ والزريبةَ، وأشدخُ رأسَ ولده وامرأته، ولن ينالَ منا سوى كل عنتٍ وعصيانٍ. لقد مضى عهدُ الصَّغار، وحان عهدُ الفَخَارِ لبني الأتان والحمار. كيف يتنكرُ هذا المدَّعي لتاريخي في خدمتِه؟ ألم أحمل عنه أثقالَه؟ ألم يمتطِ ظهري كل صباحٍ لأذهبَ به حيث شاء؟ ألم أتحملْ عنه وعورةَ الطريقِ، ورضيتُ بردئ العيشِ والضِّيق؟ عجباً له من ناكرٍ لأفضالي التي لا يحصيها العدُّ! ألا ترون أخوتي من ذوات الأربع والأجنحة أني على حقٍ في دعواي؟" فتعالى صياحُ الدِّيَكَةِ، ونقنقةُ الدجاجِ، وزبيطُ الأوز، وبطبطةُ البط، وخوارُ الثور، وبربرةُ التيوس، وصغيبُ الأرانب، وثغاءُ النعاج، ونهيزُ الفئران، وكلها تؤكد صحةَ كلامه، ويذكر كلٌّ منها ما له من أيادٍ بيضاء على أبي سليم، حتى البعوض.
    وبينما هم كذلك إذ دخل أبو سليمٍ من البابِ الخلفي وهو يحملُ كيساً كبيراً، فاستدارتْ إليه كل الحيوانات إلا الحمار.
    فتح أبو سليم كيسَه فأخرجَ برسيماً وعلفاُ وحبوبًا ونثرَها من حولِهِ، وقبل أن تمسَّ الأرضَ كانتِ الحيواناتُ كلُّها قد انْقَضَّتْ على الطعامِ انقضاضَ الأسدِ الجائعِ على حَمَلٍ مُقَيَّدٍ، وانْفَضَّتْ من حولِ أبي جحشٍ الذاهلِ، الذي وقف مكانه وانتظرَ أن يقتربَ منه أبو سليم حتى يرفسَه برجليه الخلفيتين.
    وضع أبو سليم كيسَه على الأرضِ، ومشى نحو حمارِه المارقِ، ولمَّا لم يبقَ بينهما سوى مقدار ذراعٍ وضع يدَه في جيبِه وأخرجَ منه غصناً صغيراً. وحين همَّ الحمارُ برفعِ رجلِه عَاجَلَهُ أبو سليم بوخزةٍ مُنْكَرَةٍ في دُبُرِهِ، سَحَلَ منها الحمارُ وزَفَرَ، وانطلقَ مهرولاً من صحنِ الدارِ وهو لا يِلْوِي على شيءٍ.
    د. أحـمـد اللَّيثـي
    رئيس الجمعية الدولية لمترجمي العربية
    تلك الدَّارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلُوًّا فى الأَرضِ ولا فَسادا والعاقبةُ للمتقين.

    فَعِشْ لِلْخَيْرِ، إِنَّ الْخَيْرَ أَبْقَى ... وَذِكْرُ اللهِ أَدْعَى بِانْشِغَالِـي

يعمل...
X