محطات في تاريخ الترجمة العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • amattouch
    عضو منتسب
    • May 2006
    • 971

    محطات في تاريخ الترجمة العربية

    www.saaid.net
    محطات في تاريخ الترجمة العربية
    عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، ولقد أشار الدكتور عبد السلام كفافي في كتابه "في الأدب المقارن" إلى أن العرب كانوا "يرتحلون للتجارة صيفاً وشتاءً ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، لقد عرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم... وانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية، وظهرت في شعر كبار الشعراء، وكان الأعشى من أشهر من استخدموا في شعرهم كلمات فارسية. كذلك عرف البعض جيرانهم البيزنطيين"‏

    إذن احتك العرب منذ جاهليتهم بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم، وهي الروم في الشمال والفرس في الشرق والأحباش في الجنوب، ومن الصعب قيام مثل هذه الصلات الأدبية والاقتصادية دون وجود ترجمة، وإن كانت في مراحلها البدائية.‏

    وفي زمن الدولة الأموية، تمت ترجمة الدواوين، واهتم بحركة الترجمة الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان


    1-الترجمة في العصر العباسي: وبعد الفتوحات العربيّة، واتساع رقعة الدولة العربيّة نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة وفي مقدمتهم الفرس واليونان ولا سيما في العصر العباسي، ازدادت الحاجة إلى الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة والنقد.‏

    وبلغت حركة الترجمة مرحلة متطورة في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي يروى أنّه كان يمنح بعض المترجمين مثل حنين بن اسحق ما يساوي وزن كتبه إلى العربية ذهباً، ومن المعروف أنّ المأمون أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط عمل الترجمة، ومن المعروف أن حنين بن اسحق ترجم وألف الكثير من الكتب وفي علوم متعددة، وتابع ابنه اسحق بن حنين بن اسحق هذا العمل.‏

    ففي القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات ارسطو، وهناك مؤلفات كثيرة ترجمت عن اليونانية إلى العربيّة، وضاع أصلها اليوناني فيما بعد، فأعيدت إلى اللغة اليونانية عن طريق اللغة العربية أي أنها فيما لو لم تترجم إلى اللغة العربيّة لضاعت نهائياً.‏

    وكان المترجمون من أمثال حنين بن اسحق وثابت بن قرة يتقنون اللغة العربية والسريانية وكذلك‏ العلوم التي يترجمونها. وكان حنين بن اسحق قد عاش فترة في اليونان بهدف دراسة اللغة اليونانية، وكان يترجم الجملة بجملة تطابقها في اللغة العربية، ولا يترجم كل مفردة على حدة، كما ترجم يوحنا بن البطريق وابن الحمصي وغيرهما. وكذلك فإن الطريقة التي اتبعها حنين بن اسحق هي الأفضل. من بين الكتب التي ترجمها حنين بن إسحق كتاب "الأخلاق" لأرسطو، وكتاب "الطبيعة" للمؤلف نفسه. وكان العرب في العصر العباسيّ يهتمون بدقة الترجمة ولهذا ظهرت عدة ترجمات لنص واحد، فعلى سبيل المثال ترجم أبو بشر متى بن يونس كتاب "الشعر" لأرسطو (384-322) ثم ترجمه مرة ثانية يحيى بن عدي. فتكرار الترجمة يدل على الحرص على دقتها.‏

    2-ترجمة كتاب "كليلة ودمنة": ترجمه ابن المقفع حوالي 750م، ألف كتاب "كليلة ودمنة" باللغة السنسكريتية الفيلسوف الهندي بيدبا وقدمّه هدية لملك الهند دبشليم الذي حكم الهند بعد مرور فترة من فتح الاسكندر المكدوني لها، وكان ظالماً ومستبداً، فألف الحكيم بيدبا الكتاب من أجل إقناعه بالابتعاد عن الظلم والاستبداد، وبهدف إسداء النصيحة الأخلاقية. والكتاب مجموعة من الأمثال على ألسنة الحيوانات.‏

    وقام الطبيب الفارسي برزوية بنقل الكتاب من بلاد الهند وساهم بترجمته من السنسكريتية إلى الفارسية في عهد كسرى أنو شروان ووزيره بزرجمهر، الذي له دور كبير في تأليف وترجمة الكتاب.‏

    وقام عبد الله بن المقفع وهو فارسي الأصل في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور بترجمته من الفارسية إلى العربية وأضاف إليه بعض الأشياء، وكان هدف عبد الله بن المقفع من ترجمة "كليلة ودمنة" تقديم النصيحة للمنصور للكف عن ظلم العباد، فأراد ابن المقفع من كتابه الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والنصح الأخلاقي. ولكنه نفسه لم ينج من الظلم فقتله الخليفة.‏

    ولقد حدث أن أعيدت ترجمة كتاب "كليلة ودمنة" إلى اللغة الفارسية عن النص العربيّ، لضياع الترجمة الفارسية وهو الأمر نفسه الذي حدث لبعض النصوص الإغريقية وكانت لغة عبد الله ابن المقفع جميلة بعيدة عن الابتذال وتمت الترجمة، كما هو معروف عن لغة وسيطة، لأن الكتاب بالأصل كتب باللغة الهندية القديمة، وليس باللغة الفارسية.‏

    وجرت على الكتاب بعض التعديلات قام بها الطبيب الفارسي برزوية أثناء الترجمة إلى الفارسية وكذلك أضاف الوزير الفارسي بزرجمهر بعض الأشياء إلى الكتاب مثل ما يخص بعثة برزوية إلى بلاد الهند، وأثناء الترجمة من الفارسية إلى العربية أضاف عبد الله بن المقفع بعض الأشياء، ولقد أشار إلى هذه الأمور فاروق سعد في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة وبالوقت ذاته بدأت الترجمة في العصر العباسي من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، ولقد أشار المستشرقون إلى دور العرب في الحضارة الأوروبية، في هذه الفترة. كما أشار بعض الأدباء الغربيين إلى فضل علوم العرب على الغرب نذكر من هؤلاء الأديب الألماني غوته (1749-1832).‏

    وفي القرن الثالث عشر قام الفتح بن علي البنداري بترجمة ملحمة "الشاهنامة" للفردوسي من الفارسيّة إلى العربيّة. وهو عمل كبير وعظيم.‏

    4-الترجمة في القرن التاسع عشر: إذا كان المأمون لعب دوراً هاماً في تاريخ الحضارة العربية بإحداثه دار الحكمة في بغداد فإنّ محمد علي حاكم مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، (1805-1849)، قد لعب دوراً إيجابياً في نهضة العلم والأدب في مصر، وبالتالي في الوطن العربي فأسس مدرسة الألسن عام 1935 وتولى الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801-1873) الإشراف عليها، وثم أنشأ قلماً للترجمة عام 1841.‏

    كما لعب الخديوي إسماعيل دوراً هاماً في تنشيط حركة الترجمة التي كانت نشيطة في مركزين الأول في مصر والثاني في بلاد الشام. ونذكر بعض الأعلام الذين بذلوا جهداً مشكوراً في هذا المجال مثل بطرس البستاني ولد (1819) وإبراهيم اليازجي (1847-1906) ونجيب حداد الذي نقل إلى العربيّة مأساة شكسبير (1564-1616) "روميو وجولييت".‏

    سليمان البستاني (1856-1925) مترجماً: ولد في لبنان عام 1856 وحصل على الشهادة الثانوية في المدرسة الوطنية ببيروت، وكان يتقن اليونانية والألمانية الإنكليزية والفرنسية والإيطالية وتوفي في نيويورك عام 1925. ترجم "الإلياذة" مستنداً إلى لغات خمس هي الإنكليزية والفرنسية والألمانية واليونانية والإيطالية، وعمل بترجمتها ثمانية أعوام من عام 1887-1895 ثم شرحها وعلق عليها وكتب مقدمة لها خلال سبعة أعوام أي من عام 1895-1902، وصدرت عام 1903 عن دار الهلال بالقاهرة. وتقع المقدمة التي كتبها سليمان البستاني للإلياذة في مئتي صفحة، وقام البستاني بترجمة الإلياذة شعراً.‏

    يقول البستاني عن طريقته في الترجمة: "عمدت إلى ترجمة فرنسيّة منها، كانت بين يدي، إلى جانب ترجمة إنكليزية، وأخرى إيطالية..." وأخذ البستاني يدرس اليونانية ويدرس الكتب النقدية عن الإلياذة وكان أثناء إقامته بالأستانة يستعين بأصدقائه اليونان في مساعدته في الترجمة.‏

    وكان يعرض على أصدقائه ترجمته قبل طباعتها ليستأنس بآرائهم. وتعلم اليونانية لأنّه وجد خلافاً بين الترجمتين الفرنسية والإنكليزية، فرأى ضرورة الترجمة عن الأصل من أجل الأمانة والدقة. وبما أنّ الإلياذة غير معروفة للقارئ العربي، ولن تكون مفهومة قرر كتابة مقدمة مطولة لها، وأجرى فيها مقارنة‏ بين الأدبين العربي واليوناني وكتب شروحاً خاصة كافية لفهم ملحمة الإلياذة التي يزيد عدد أبياتها عن 15 ألف بيت.‏

    وبذلك فإن البستاني بذل جهداً كبيراً وكان شاعراً كبيراً، ومطلعاً على لغات كثيرة، وذا معرفة واسعة بالأدب العربي والآداب العالمية.‏

    6-سليم قبعين- مترجماً (1870-1951) سليم قبعين- خريج دار المعلمين الروسية بمدينة الناصرة بفلسطين، يعّد من أنشط المترجمين العرب في مطلع القرن العشرين، الذين نقلوا مؤلفات تولستوي عن اللغة الروسيّة إلى اللغة العربية مباشرةً.‏

    تعلق سليم قبعين بأفكار تولستوي، وبشّر بفكرته حول الكمال الروحي، وحاول أن يقيم مزارع جماعية، على طريقة كومونة تولستوي، التي انتشرت آنذاك في روسيا.‏

    ترجم سليم قبعين ثلاثية تولستوي "الطفولة" (1852) و"المراهقة" (1854) و"الشباب" (1856) وذلك بعنوان "مذهب تولستوي" إلا أنّ هذه الترجمة التي صدرت عام 1901 لم تكن دقيقة، فأضاف المترجم أشياء كثيرة ليجعل تولستوي في شبابه مثالاً للأخلاق الحسنة، وحذف أشياء كثيرة، علماً بأن تولستوي كان في شبابه إنساناً عادياً، ولم يبشر بعبقرية فذة، كما اتضح فيما بعد.‏

    وترجم سليم قبعين عام 1904 قصة تولستوي "لحن كريتسر" (1889) وأيضاً في هذه الترجمة لجأ إلى الحذف والإضافة، فأراد المترجم أن يسخّر هذه القصة من أجل الدعوة إلى تحرير المرأة، تلك الدعوة التي أطلقها قاسم أمين (1865-1908) والتي عبّر عنها في كتابيه "تحرير المرأة" (1899) و"المرأة الجديدة" (1901)، ولقد أشار إلى هذه النقطة المستشرق الروسي الأكاديمي كراتشكوفسكي (1883-‏ (1951يقول: "إنّ الصحفي الجيد سليم قبعين، الذي قدّم الكثير للأدب العربيّ المعاصر في مجال تعريف القراء العرب بالأدب الروسيّ، والذي قام عام 1904 بترجمة قصة تولستوي "لحن كريتسر"، وبذلك وسع أفق المسألة، التي طرحها قاسم أمين حول تحرير المرأة".‏

    كما ترجم عام 1904 كتاب تولستوي بعنوان "إنجيل تولستوي وديانته" وترجم عام 1909 كتاباً لتولستوي بعنوان "هدم مملكة جهنم وتجديدها" وترجم عام 1912 كتاباً لتولستوي بعنوان "حِكَم النبي محمد"، ومن بين الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في الكتاب: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه". وبذلك فإن سليم قبعين كان يترجم عن الروسية مباشرة إلا أنّه عن عمد وقصد كان يزيد ويحذف وهو من أوائل المترجمين العرب الذين عرفوا القارئ العربي بالأدب الروسي لأنه أحب هذا الأدب ولأنه رأى ضرورة ترجمة الأدب الروسي الذي لم يكن معروفاً بالشكل المطلوب في البلاد العربية مع أنه أدب غني وعالمي إذْْ أن الأدبين الإنكليزي والفرنسي هما اللذان كانا منتشرين في الأقطار العربية.‏

    8-كبار الأدباء العرب يعملون في الترجمة: نذكر من هؤلاء الأدباء العرب أحمد حسن الزيات، خليل مطران، الدكتور طه حسين، مصطفى لطفي المنفلوطي.‏

    شهدت حركة الترجمة في القرن العشرين نشاطاً ملحوظاً. ولاسيما عن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وكانت معظم الأعمال الروسية والألمانية والإسبانية تترجم عن هاتين اللغتين لعدم وجود مترجمين عن هذه اللغات مباشرةً.‏

    من الأدباء الذين مارسوا الترجمة أحمد حسن الزيات (1885-1968). إذ قام عام 1919 بترجمة رواية "آلام فرتر" 1774 للشاعر والروائي الألماني غوته (1749-1832). وقام بترجمة أعمال أخرى مثل "روفائيل" للشاعر الفرنسي لامارتين، وقام بترجمة قصيدة "البحيرة" للشاعر نفسه نثراً، علماً بأن الدكتور نقولا فياض، ترجمها شعراً، وكذلك فعل علي محمود طه، وأجرى الدكتور جمال شحيد مقارنة بين الترجمات الثلاث وتوصل إلى أنّ ترجمة أحمد حسن الزيّات ترجمة أمينة.‏

    د. طه حسين مترجماً:‏

    ومن بين الذين عملوا في حقل الترجمة الدكتور طه حسين (1889-1973) فلقد ترجم مأساة. "أوديب- ملكاً" للشاعر الإغريقي سوفوكليس (496-406) ق. م وكتب مقدمة لها، وكذلك ترجم مأساة "أوديب في كولونا" للشاعر الإغريقي ذاته، وكتب أيضاً مقدمة لها، وترجم مأساة "الكترا" ومأساة "فيلوكتيتيس" ومأساة "أنتيغونا" ومأساة "أندورماك" وبالتالي فلقد ترجم مؤلفات سوفوكليس كلّها التي وصلت إلينا.‏

    وترجم د. طه حسين لفولتير قصة "القدر" وكتب مقدمة لها وقام بترجمة أعمال إبداعية لأدباء فرنسيين آخرين.‏

    بالإضافة إلى ترجماته الكثيرة عن الأدبين الإغريقي والفرنسي قام الدكتور طه حسين بوضع مقدمات لبعض الترجمات التي قام بها مترجمون آخرون، وكان الدكتور طه حسين يرى أنّنا بحاجة ماسة إلى معرفة الآداب الأجنبيّة وتقوم الترجمة بدور أساسي في هذا المجال. ورأى ضرورة معرفة الأدب الأغريقي، فإذا كان سليمان البستاني قد ترجم "الإلياذة" عام 1903، فقد عمد د. طه حسين إلى إتمام هذا العمل فقام بترجمة مآسي سوفوكليس لأنّها من الأعمال المسرحية الهامة في تاريخ المسرح العالمي، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان فلقد كتب عنها أرسطو (382-322) ق. م في كتابه "فن الشعر" وكتب عنها فرويد وغيره كثيرون.‏

    وإذا كان الدكتور طه حسين قد ترجم الأعمال الإبداعية الإغريقية معتمداً على اللغة الفرنسية، التي كان يتقنها إذ حضّر رسالة الدكتوراه في فرنسا وكانت زوجته فرنسية. فإن الدكتور عماد حاتم قد ترجم كتاباً بعنوان "أساطير اليونان" عن اللغة الروسية عام 1988، إلا أنّ كتاب د. حاتم هو دراسة أكثر مما هو ترجمة لأعمال إبداعية وإن كان يسرُد لنا مضمون هذه الأعمال.‏

    ومن المعروف أن هناك ترجمات كثيرة لمؤلفات شكسبير منها والتي قام بها محمد عوض محمد، وهو الذي قام بترجمة "فاوست" لغوته وكان الدكتور طه حسين قد كتب مقدمة لها، وظهرت ترجمة أخرى لفاوست عام 1980 قام بها سهيل أيوب الذي أيضاً قام بترجمة أعمال كثيرة.‏

    وإذا تحدثنا عن ترجمة الأدب الألماني فلابد لنا من الإشادة باسم مصطفى ماهر، الذي ترجم كتاب "صفحات خالدة من الأدب الألماني" عن اللغة الألمانية مباشرة وشارك في ترجمة "قصص ألمانية حديثة"، ونشر دراسة بعنوان "الرواية الألمانية في القرن العشرين" وترجم رواية "المحاكمة" لكافكا، وله ترجمات أخرى. كما نقل محمود إبراهيم الدسوقي رواية توماس مان "آل بودنبروك" وهي رواية ضخمة، وهامة وكانت أحد أسباب نيل صاحبها جائزة نوبل للآداب.‏

    ومن الترجمات الهامة في النصف الثاني من القرن العشرين هي تلك التي قام بها الدكتور سامي الدروبي, ولا سيما من الأدب الروسي.

    المصدر: www.alnadawi.com

    الى أعلى
    قضايا المترجم
    مهنة الترجمة
    بقلم : روجر كريس
    ترجمة محمد سليمان موسى
    جدة ـ السعودية

    إذن ماذا نعني بمهنة الترجمة؟ من هو المترجم وما هو المترجم؟ و كيف يصبح الشخص مترجما؟ و ماذا يحدث في مهنة الترجمة ؟

    من خلال هذا المقال والمقالات الثلاثة عشر الأخرى سنلقي نظرة عن كثب على هذه الأسئلة و المسائل الأخرى المرتبطة بها. فهذا المقال الأول هو لمحة عما سيأتي في السلسلة المتبقية، بالرغم من أنه ليس تلخيصاً أو موجزاً بأي حالٍ من الأحوال للمقالات الثلاثة عشر المتبقية. فإذا كنتَ مترجماً متمرساً، فربما تكون في حاجةٍ للاطلاع على هذا المقال ومن ثم الدخول في المناقشات الأكثر ثراءً بشأن التقنيات الحالية والقادمة، وبشأن المسائل المالية والقانونية الصعبة، والمشكلات الأخلاقية المثيرة للضيق. وإذا كنتَ جديداً على المهنة، أو كنت تفكر في الترجمة كمهنة محتملة فأرجو أن تعطي وقتاً لقراءة هذا المقال لكي تتعرف على بعض الأساسيات عن المترجمين وعن عملهم.

    تعريف المترجم

    المترجم هو الشخص الذي يترجم المواد المكتوبة مثل مقالات الصحف والمجلات، والكتب والكتيبات والوثائق من لغة إلى أخرى. و يجب ألا يلتبس هذا التعريف بما يقوم به المترجم الفوري والذي ينقل المواد الشفهية كالأحاديث والخُطب والعروض، والشهادة أمام القضاء وما شابهها من لغةٍ إلى أخرى. و على الرغم من أن هناك بعض الصلة الغامضة بين القدرات التي تقتضيها الترجمة التحريرية والترجمة الفورية، لا يستطيع المترجمون التحريريون بالضرورة أن يقوموا بترجمةً فورية ولا يستطيع المترجمون الفوريون أن يقوموا بالترجمة التحريرية.

    وعلاوة على ذلك، فإن أفضل المترجمين التحريريين ليسوا (بالضرورة) مترجمين فوريين جيدين؛ وبالمثل فإن المترجمين الفوريين العظماء لا يجيدوا الترجمة التحريرية. و إذا كان ثمة الكثير من برامج التدريب المهني التي تلزم المترجمين الفوريين بأن يُنَمّوا بعض المهارات في الترجمة التحريرية، فغالبا ما لا يطلب من المترجمين المدربين من الناحية المهنية أن يظهروا مهارات في الترجمة الفورية.

    ولتوضيح ما يتعلق باللغات التي يستخدمها المترجمون، سأشير إلى لغة المترجم القومية بالحرف (أ) وإلى اللغة غير القومية بالحرف (ب) أو (ج). فاللغة (ب) هي اللغة التي يتحدثها ويكتبها ويقرأها المترجم بصورة فعلية على غرار ما يقوم به صاحب اللغة القومية. أما اللغة (ج) فهي اللغة التي يستطيع المترجم أن يقرأها ويفهمها كصاحب اللغة القومية ولكن لايتحدثها أو يكتبها بالضرورة بصورة جيدة جداً. ومن البديهي أن لدينا جميعاً اللغة (أ)، ومن البديهي أيضاً أن لدى جميع المترجمين اللغة (ب)، و لدى الكثير من المترجمين أكثر من لغة (ب) وبعض منهم لديهم لغات (ج) أيضاً. أما ما تتميز به قلة قليلة من الناس فهو توفرها على لغتين (أ). وحتى إذا كنت من هذه الفئة، فاحذر من ادعاء ذلك، لأن كثيراً من الناس سيشككون في ذلك.

    كما سأستخدم المصطلحات التالية : النص الأصلي أو اللغة الأصلية وتشير إلى اللغة التي صدرت بها المادة أولاً، وهي في العادة اللغة (ب) بالنسبة للمترجم. أما النص المستهدف أو اللغة المستهدفة فتشير إلى اللغة التي ستُتَرْجَم إليها المادة، وهي عادةً اللغة (أ) بالنسبة للمترجم. وعلى العموم، يترجم المترجمون من لغتيهم (ب) أو )ج) إلى لغتهم القومية (أ)، بالرغم من أن مهارات المرء واحتياجات السوق قد تغير هذه القاعدة.

    الثنائية اللغوية

    إن المترجم الجيد هو بالتأكيد الذي يكون ثنائي اللغة. ومع ذلك فالعكس ليس بالضرورة صحيحاً. فالشخص الذي يولد ويُنَشَّأ ثنائي اللغة سيحتاج إلى أمرين لكي يكون مترجماً : أولاً المهارات والخبرة الضروريتان للترجمة، وثانياً معرفة المجال الذي سيترجم فيه. وتشمل المهارات والخبرة التي تتطلبها الترجمة : المقدرة على الكتابة باللغة المستهدفة بصورة جيدة، والمقدرة على قراءة وفهم المواد باللغة الأصلية بشكلٍ تام، والمقدرة على استعمال أحدث أجهزة وبرامج معالجة النصوص والاتصالات.

    وهذا يثير تساؤلاً مهماً : هل الشخص الذي يولد ويُنَشَّأ ثنائي اللغة يكون مترجماً أفضل من شخصٍ تعلم اللغة (ب) في وقتٍ متأخر من حياته ؟ لا توجد إجابة محددة عن هذا السؤال ولكن المسائل التالية هي على درجةٍ من الأهمية. أولاً : إن الشخص الذي يولد وينشَّأ على النطق بلغتين غالباً ما يعاني من كونه لا يعرف أية لغة منهما بصورة جيدة ليقوم بترجمتها، هذا مع وجود أشخاص آخرين يعانون زيادة على ذلك ما يُسمى بالعجز اللغوي وهي حالة لا يجيد فيها الشخص أية لغة بشكل تام و لا يكتسب ناصيتها إلى حد الطلاقة. ثانياً الأشخاص الذين يولدون ويُنَشَّأون على الثنائية اللغوية لا يعرفون في الغالب ثقافة اللغة المستهدفة بشكلٍ جيد ليقدموا ترجمةً ذات جودةٍ عالية أو لا يستطيعون أن يحددوا جوانب اللغة الأصلية وثقافتها التي تتطلب عناية خاصة، لأنهم إلى حدٍّ ما حبيسون للغتهم بصورةٍ كبيرة جداً. وأخيراً، فهم غالباً ما يفتقرون إلى المهارات اللغوية التحليلية التي تمكنهم من الاشتغال على نصٍ صعب.

    ومن جهةٍ أخرى، من الممكن ألا تكون للشخص ذي الثنائية اللغوية المكتسبة نفس المعرفة العميقة بالتعبيرات العامية واللغة المحلية التي يتوفر عليها الشخص المولود ثنائي اللغة. كما أن الشخص ذا الثنائية اللغوية المكتسبة لن يكون قادراً على الترجمة بسهولة في كلا الاتجاهين من اللغة (ب) إلى اللغة (أ) ومن اللغة (أ) إلى اللغة (ب). و أخيرا،ً فإن المولودين الناطقين بلغتين يكون لديهم في الغالب إدراك أكبر للفوارق الدقيقة الخاصة بلغتيهم من الشخص الذي يتعلم اللغة (ب) في وقتٍ متأخر من حياته والذي لن يأمل أن تكون لديه مثل هذه الخاصية.تعليم المترجم ينتمي المترجمون إلى كل الخلفيات، فبعض منهم يحملون درجات ماجستير في الترجمة من معهد منتيري للدراسات الدولية أو من جامعة ولاية كينت، وقسم آخر منهم يحمل شهادات من جامعة جورج تاون، أو من مؤسساتٍ أخرى في الولايات المتحدة، وآخرون لديهم شهادات من كليات في أوروبا كتلك التي في لندن أوباريس أو جنيف) أو كليات في آسيا )كأكاديمية سيمول في طوكيو أو وينزاو بتايوان)، و لدى الكثير من المترجمين شهادات في مجالٍ عام كالأدب أو التاريخ. و إذا كان التوفر على شهادة متخصصة في الترجمة مسألة مفيدة، فإنه ليس أمرا ضروريا. فالأهم هو المقدرة، إذن من أين تأتي هذه المقدرة؟

    ربما تكون التنشئة، ولكن أشك في أن التنشئة تساعد بصورة كبيرة. فمعظم المترجمين هم أناسٌ لهم اطلاع واسع في لغتهم القومية ويستطيعون أن يكتبوا بصورة جيدة. فالبعضٌ منهم كُتَّاب (مؤلفون) يتخذون من الترجمة وسيلةً للكتابة من أجل العيش. وآخرون لديهم افتتان باللغة ويجعلون من الترجمة وسيلة تقربهم من المادة التي يفضلونها، لكن البعض الآخر هم خبراء في مجالات معينة ويستخدمون مهاراتهم اللغوية ليعملوا في هذا المجال.

    و تلقى أغلب المترجمين المحترفين في الولايات المتحدة تعليماً جامعياً على الأقل، و لدى البعض منهم شهادات عليا إما في الترجمة وإما في مجال تخصصه (وقلة منهم لديها الاثنان معاً). إن معظم المترجمين تلقوا تدريباً لغوياً على المستوى الجامعي في لغتيهم (ب) و(ج)، في حين بدأ البعض منهم دراسة اللغات في مرحلةٍ مبكرة، وآخرون بدأوها في مرحلةٍ متأخرة، ولكن قلة قليلة من المترجمين هي التي لم تتلقى أي تدريب لغوي على الإطلاق. و قد يعني التدريب اللغوي الاستفادة من دورات متخصصة من مختلف المدارس.

    و فضلا عن ذلك، عاش المترجمون بصورة عامة في الدول التي يتم التَحَدُّثُ فيها بلغاتهم. وأعرف مترجمين أمضوا سبع أو حتى عشر سنوات في الدول التي يُتَحدَّثُ فيها بلغتهم (ب). وبعض المترجمين أمضوا وقتاً أطول في بلد لغتهم (ب) من بلد لغتهم (أ.( والاستثناء الواضح في هذا المجال هو اللغة الأسبانية في الولايات المتحدة واللغة الإنجليزية في الخارج. فبما أن اللغة الأسبانية تستعمل على غرار اللغة الإنجليزية بشكلٍ واسع في كثيرٍ من أنحاء الولايات المتحدة، فإن بعض المترجمين يتعلمون اللغة الأسبانية ويشتغلون في مجالها دون أن يكونوا غادروا الولايات المتحدة. كما أن بعض المترجمين في الدول الأخرى غالباً ما يترجمون من اللغة الإنجليزية إلى لغتهم القومية و الحال أنهم لا يتوفرون إلا على التدريب اللغوي الذي تلقونه في المدارس.

    و يتعين قبل كل شيء أن يكون للمترجمين اهتمام بالغ و شغف كبير باللغات التي يعملون بها. والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو الأشخاص الذين يترجمون مواد على جانب كبير من التخصص. وأعرف شخصاً لديه دكتوراه في الرياضيات وترجم كتاباً في الطوبولوجيا {الهندسة اللاكمية أو اللامقدارية : فرع من الرياضيات يُعنى بدراسة موقع الشيء بالنسبة إلى الأشياء الأخرى (لا بالمسافة أو الحجم) } من الفرنسية إلى الإنجليزية، فمهاراته في اللغة الفرنسية مشكوك فيها ولكن طالما أن قلة من الناس في العالم تفهم هذه المادة فإنه كان شخصاً مناسباً. ومع ذلك فإن على المترجمين أن يحرصوا في كل الأحوال تقريباً على تحسين وصقل مهاراتهم اللغوية طوال فترة حياتهم المهنية.

    و غالبا ما يهمل المترجمون ومن يشغِّلونهم معرفة المجال الذي يعمل فيه المترجم. فالمترجمون بحسب التعريف هم محترفون لغويون، ولكن ينبغي عليهم أيضاً أن ينموا معرفتهم بالمجالات التي يعملون فيها. فقلة من المترجمين تدَّعي القدرة على ترجمة كل ما هو مكتوب بلغاتهم شأنها في ذلك شأن القلة من الناس التي تدعي أنها خبيرة في كل شيء. و يتعين على معظم المترجمين أن يتخصصوا و ذلك بأن يعملوا في مجالٍ واحد أو مجالات قليلة مترابطة فيما بينها، كالمجالات القانونية أو المالية أو الطبية أو الحاسوب أو الهندسة الكهربائية وما إلى ذلك.

    فكل مجال يتميز بمفرداته الخاصة وبتراكيبه اللغوية وأسلوبه الخاص، الأمر الذي يحتم على المترجم أن يجتهد كثيراً لكي ينمي المعرفة الضرورية التي تساعده على التعامل مع هذه المواد. وتشمل المعرفة المطلوبة أيضاً عاملين آخرين مهمين. أولا، يتعين على المترجم أن تكون لديه معرفة مسبقة بالعمل في ذلك المجال، و لا يعني ذلك أنه يجب أن تكون للمترجم الطبي شهادة في الطب أو أنه يتعين على مترجم كتيبات برامج الحاسوب أن يكون مبرمجاً، ولكن التوفر على بعض المعلومات أو الخبرة أو التعليم (أو الثلاثة معاً) هو مسألة ضرورية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال دورةٍ، أو خبرة عملية أو تَعَلُّم ذاتي. و ليس ثمة اهتمام كاف بالكيفية التي ينمي بها المترجمون معرفتهم طالما أنهم في الواقع يتمتعون بهذه المعرفة. و على الرغم من أن للمترجمين شهادات في مجال تخصصهم، فالغالبية لا تتوفر عليها.

    ثانياً : يتعين أن تكون للمترجم الموارد الضرورية التي تساعده في التعامل مع المادة، ونعني بذلك القواميس و المسارد وأية وسائل أخرى. ويمكن أن تشمل هذه الموارد مواقع الإنترنت المخصصة للترجمة أو المصطلحات، ومجموعات المناقشات المتعلقة بالترجمة، و الأصدقاء أو الزملاء الذين يزاولون نفس المهنة والمجلات والصحف. ويجب على المترجمين أن يعملوا دون كلالٍ للمحافظة على معرفتهم إن لم يكن تحسينها في المجالات التي يعملون فيها وذلك بقراءة المواد المرتبطة بها. ويجب أن يستثمروا الوقت والمال في الاحتفاظ بمكتبةٍ خاصة بالمراجع المطلوبة.

    وبعبارة أخرى، فإن المترجمين المحترفين هم في حالةِ تعلمٍ دائم. فأنت لا يمكنك أن تغمض عينيك و تفتحها وتقول : " أنا مترجم"، كما لا يمكنك أن تكتسب اللغة بكل بساطة في بضعة أشهر من خلال عيشك في مكانٍ ما ثم تبدأ بالترجمة. قد يكون هينريتش شلمان تعلم قراءة كلٍ من لغاته في ستة أسابيع، ولكنه لا يستطيع أن يكتبها أو يتكلمها (ولا هو يحتاج لذلك). وعلاوة على ذلك، كانت للغات في ذلك الوقت مفردات جد محدودة مما هي عليه الآن. وبالطبع فإن القراءة والترجمة هما أمران مختلفان.

    و بالتالي، ما الدرجة التي تكون فيها جاهزاً لبدء الترجمة ؟ الأمر في غاية البساطة، وهو عندما تشعر بأنك متمكن من قدراتك في التعبير والفهم بلغتيك (أ) و (ب (بما فيه الكافية لأداء العمل بصورةٍ جيدة ووفقاً للأجل الذي حدده الزبون. إن المدة التي يستلزمها تطوير هذه القدرات تتوقف على الشخص واللغة .. فالمتحدثون الأصليون للغة الإنجليزية يتعلمون اللغات الناشئة عن اللاتينية والجرمانية في وقت أقصر لأن قواعد هذه اللغات وتراكيبها ومفرداتها مألوفة نسبياً، أما لغات أخرى كالصينية أو اليابانية فإنها تتطلب وقتاً أطول لتعلمها و ذلك لسبب بسيط و هو أنه يتعين عليك أن تتعلم قراءة وفهم آلاف الحروف والرموز، بالإضافة إلى التعامل مع قواعد وتراكيب وبنيات لا تمت البتة بأية صلة لما تجده في الإنجليزية.

    أخيرا،ً ينبغي عليك أن تكون قادراً على أن تبرهن على المهارات التي تدعي امتلاكها. فخبرة العيش والعمل والدراسة في بلد لغتك (ب) هو نوع من أنواع ذلك البرهان .. و التوفر على شهادة في لغتك أو في الترجمة هو برهان كذلك، و اجتياز اختبار مثل تلك الاختبارات التي تجريها رابطة المترجمين الأمريكيين (آتا) ووزارة الخارجية (الأمريكية) أو الأمم المتحدة هي برهان آخر أيضاً. ولكنني سأترك اعتماد الشهادات لمقالٍ منفصل.

    تعريف الترجمة (ما الترجمة ؟)

    في نهاية القرن الماضي قال مترجم روسي إن " الترجمة كالمرأة الجميلة إن كانت جميلة فإنها غير مخلصة وإن كانت مخلصة فإنها غير جميلة ". آمل أن تتجاهل هذا التشبيه الجنسي الصارخ في هذه العبارة و أن تنظر بدلاً من ذلك إلى إحدى الحقائق الجوهرية في الترجمة إذ ينبغي على المترجمين أن يحققوا توازناً بين الأمانة للنص الأصلي والمقروئية في اللغة المستهدفة. و سبق لنا جميعا أن رأينا مواد تدل بوضوحٍ كبير على أنها مترجمة لأنها تبدو غريبة في لغاتنا القومية و لأنها تحمل في بعض الأحيان سمات مميزة من اللغة الأصلية مما يساعد بسهولة على معرفة أنها متحدرة منها. إن أفضل ترجمة هي تلك التي لا يعرف أي أحد بأنها ترجمة. وبعبارة أخرى، ينبغي أن تبدو الوثيقة المُتَرْجَمة عند القراءة كأنها كتبت في الأصل باللغة المستهدفة. وهذا يعني ضمناً بأن زمن المترجم وجهده ينبغي أن يكونا واضحين بينما يكون المترجم محجوبا. وبعبارة أخرى، إنك تتقن عملك على أحسن وجه في الوقت الذي لا يدرك أي أحد بأنك قمت بأي شيء.

    إن بلوغ مثل هذا المستوى من الترجمة أمرٌ أقل ما يقال عنه إنه يبعث على التحدي: تخيل أنك تمشي على حبلٍ مشدود وأنت مغمض العينين أثناء عاصفةٍ هوائية و أناسٌ يرمونك بأشياء ثقيلة وهم يهزون الحبل .. فهذا يمثل العمل المتوازن المطلوب منك. والآن أضف إليه الأجل المحدد الذي تلزم به الوكالاتُ المترجمين و الذي يكون في الغالب غير معقول، وهو ما يشبه الوضع التي يكون فيه شخص ماٌ وراءك على الحبل يَكِزُك بمِذراةٍ من الخلف .. تبدو صورة مثبطة للعزم أليس كذلك ؟ قد تكون كذلك، ولكن لو أنك تستمتع بالتحدي وتعرف كيفية التعامل مع لغاتك، فالأمر ليس بهذه الدرجة من السوء و أنت تقوم بعملك (أعتقد أنه يمكن أن يقال الشيء نفسه بالنسبة للمشي على الحبل المشدود).

    ومن البراعة أن تترك زبائنك يقرروا ما يريدون، فطالما أنهم سيعملون وفقاً لنتائج عملك، دعهم يختارون. و وضِّح لهم بأناةٍ وصبر الخيارات المتاحة أمامهم، و المدة التي سيستغرقها كل واحد منها و كلفته، و من ثم سيقرروا ما إذا كانوا يريدون ترجمة حرفية حتى وإن كانت غير مقروءة أو كانوا يريدون ترجمة على شاكلة النص الفائز بجائزة بوليتزر. و إذا كان زبونك لا يستطيع أن يقرر، أو لا يعرف (أن يقرر) أو سوف لن يخبرك بذلك، فاتبع نصيحة بوذا واسلك الطريق الوسط. وهذا الأمر أسهل مع بعض اللغات وبعض المجالات المعرفية من غيرها. و على الرغم من أن معظم الناس يظنون بأن المواد الفنية تكون أكثر سهولة لاعتبارات أسلوبية، فأرجو أن تفكر ملياً في ذلك. فالأسلوب الأكاديمي يختلف من أمةٍ لأخرى. ففي اللغة الإنجليزية نقدم بوجه عام فرضيتنا ثم نأتي بالبرهان، ونطور الحجة ثم نتوصل إلى النتيجة النهائية. أما في اللغة اليابانية، فعادةً ما نقدم فرضية مبهمة، ثم نقدم البرهان بتمهلٍ مصحوباً بكثيرٍ من المناقشة ثم نصل إلى نوعٍ من العرض غير النهائي بشأن الفرضية في شكل استنتاج. و ثمة اختلافات أخرى بين الأزواج اللغوية الأخرى، و عليك في جميع الأحوال أن تتعامل مع هذه الاختلافات.

    و المأزق الآخر المحتمل فيما يتعلق بالترجمة الفنية هو أن الزبون غالبا ما لا يتركك ترى أو تلمس الشيء المطلوب ترجمته. فلو كنت تترجم كتيباً عن نظام حاسوب، فمن المفيد جداً أن ترى أو تشتغل قليلاً على النظام، و ينسحب الأمر نفسه على ألعاب الفيديو (الحاسوب)، والأجهزة السمعية المنزلية و على مجهر المسح الإلكتروني الذي أدرك أنه من الصعوبة بمكان أن ترغب في وجوده في بيتك، ولكني ترجمت كتيبات ومواصفات فنية خاصة بمثل هذه التقنية. و في بعض الأحيان يتعذر رؤية المنتج المطلوب ترجمته، فقد يكون النظام أو البرنامج في طور الإنشاء، ولذلك تكون في هذه الحالة كمن يطير وهو أعمى محاولاً الهبوط في مكان لم يره من قبل. فربما يتعين عليك وضع مصطلحات للنظام، ولكن تفاجأ بأن الزبون يريد شيئاً آخر. وعليه، يتعين عليك أن تعود وتغير كل ما قمت به.

    أما أصعب مشكلة فهي عندما تواجه شيئاً في لغةٍ ما لا يوجد في اللغة الأخرى. فالاتفاقات المالية والإجراءات القانونية والنُظم الحكومية والتجارية و غيرها تختلف من دولةٍ إلى أخرى ومن ثقافةٍ إلى أخرى. و على الرغم من وجود مسارد قياسية خاصة بمعظم هذه الأشياء المألوفة، أو بعبارةٍ أخرى، تلك التي قد تسمع عنها في عناوين الأخبار، فغالبا ما يتعامل المترجمون مع مواد أو معلومات جديدة أو متخصصة، فلذلك قد تتردد باختراع شيء خاص بك أو تتركه كما هو في لغته (أ) وتضع في الهامش شرحاً لما يعنيه ذلك المصطلح.

    و ثمة مثلث ذهبي في كل ضربٍ من ضروب العمل. إنه مثلث متساوي الأضلاع (يعني أن الأضلاع الثلاثة هي متساوية في قياساتها) حيث يمثل الضلع الأول الجودة، والثاني الزمن والثالث السعر. فإذا اعتبرت أن المشروع المثالي هو الذي يمثل توازناً بين الأضلاع الثلاثة، ومن ثم فإنه يتركز في وسط المثلث، يمكنك أن ترى ما يحدث عندما تريد أن تخفض التكاليف (تخيل أن عملك يتحرك باتجاه ضلع السعر)، فالجودة ستنخفض والزمن يبقى كما هو. وإذا أردت عملاً بأرخص التكاليف و في أسرع وقت، فإن الجودة ستقل بدون شك. و على العكس من ذلك، إذا أردت عملاً ذا جودة ممتازة، فإن السعر والزمن كلاهما سيزيدان. ضع هذا نصب عينيك عندما تفكر في السرعة التي يتعين عليك أن تنجز فيها ترجمتك وكلفتها إذ يتعين عليك أن تتحلى بالمرونة في كلا المجالين لتقدم لزبائنك ما يريدونه.
    ما الشيء الذي تتم ترجمته ؟

    إن أغلب المواد التي يودُّ الناسُ ترجمَتَها لا تصنف تحت مسمى الثقافة العالية، فقد ترجمت مواد تتراوح ما بين موضوعات في المجلات الطبية عن الخُثار الوريدي إلى السندات والأوراق المالية. وأطول ترجمة أنجزتها في حياتي كانت عبارة عن كتابٍ من 65.000 كلمة، أما أقصر ترجمة فكانت عبارة عن كلمتين.

    و تعتبر الترجمة بوجه عام بالنسبة لمن لا يزاولها عمليةً بطيئة ومكلفة تتجنبها معظم المؤسسات التجارية والمنظمات. فقد أخبرني أحد الزبائن بأن الترجمة هي " ألم بغيض"، فهم يفضلون عدم مكابدة عملية الاتصال بوكالةٍ ما وإرسال المادة إليها وانتظار العرض المقدم والمساومة والمماحكة حول السعر، وشكل وتاريخ التسليم، ومن ثم الانتظار لرؤية ما إذا كانوا سيحصلون على شيء يستطيعون الاستفادة منه. و القليل مما تقوم به المؤسسات التجارية يستحق الترجمة، لذا، فالعمل الذي تود هذه المؤسسات ترجمته لا بد أن يكون مهماً لشخصٍ ما في مكانٍ ما. و بالتالي، ينبغي أن يكون مهماً بالنسبة لك لتنجزه بصورةٍ صحيحة، خصوصاً إذا كنت تريد أن تتلقى المزيد من العمل من ذلك الزبون.

    فمن الممكن أن يكون ما قد يبدو مُمِلاً في نظرك أمرا ذا قيمةٍ كبيرة لشخصٍ آخر. فقد ترجمت تقارير عن شيكات سياحية مفقودة، ومراسلات بين المكاتب، ونسخاً دعائية عن منتجات للعناية بالسيارات، و الحال أنه لا مادة من هذه المواد تصنف تحت مسمى الثقافة العالية ولكن ثمة مَنْ كان يريدها ولذلك بذلتُ قصارى جهدي. و لتتذكر بأن السبيل الوحيد لكي تظل مترجما هو أن تؤدي عملاً جيداً، إذ سيتم الحكم عليك من خلال عملك بشكلٍ رئيسي إن لم يكن على أساسه لا غير.

    إن المواد التي يراد ترجمتها ترد بجميع الأحجام والأشكال. وغالباً ما يتعين عليك التعامل مع مواد مكتوبة بخط اليد. فقد حدث أن شخصا ما خَرْبَشَ رسالةً إلى شخص آخر و تُعرض في الوقت الحالي هذه الورقة المحتوية على 25 كلمة بلغتها (أ) ضمن دعوى دولية حول تعدٍ على براءة الاختراع. فمن المحتمل ألا تتعرض لمثل هذه المواقف ولكن قد تحدث لك. فعندما كنتُ أعمل مترجماً لمدينة كواساك اليابانية، ترك المشرف رسالةً قصيرة على مكتبي فقمت بترجمتها. وفي وقت لاحق اكتشفت بأن رئيس الوزراء تاكيشيتا حمل هذه الرسالة إلى الرئيس ريغان خلال اجتماع مؤتمر القمة عام 1988. فأنت لا تدري ما سيحدث.

    و عندما تقوم بالترجمة لا تتجاهل أية مشكلة مهما كانت صغيرة و لا أية عبارة مهما كانت بسيطة. فالناس الذين يقرأون ترجمتك لا يعرفون اللغة الأصل. ولو كانوا يعرفونها لما كلفوك بالترجمة. فمن السهل أن تدرك لِمَ يتعين عليك أن تقوم بترجمة دقيقة للمقال الذي يصف إجراء جراحيا، لكن من الممكن ألا تدرك مدى أهمية تعليقات تلميذة يابانية بمعهد مختلط على مسحٍ لشركة خطوط جوية، و لكن من الممكن أن تؤثر على السياسة المستقبلية لتلك الشركة. فعليك أن تتعامل مع ترجمتك بجدية إذا أردت أن يعاملك زبائنك بشكلٍ جدي.

    دور المترجم

    المترجمون هم حرفيون لغويون. فهم لغويون تطبيقيون، وكُتَّاب مؤهلون، ودبلوماسيون، وهواة مثقفون، إذ يتعين على المترجمين مثلهم في ذلك مثل علماء اللغة أن يكونوا قادرين على تمييز الفوارق الدقيقة في لغاتهم، و البحث في المصطلحات واللهجات العامية والتعامل مع التطورات الجديدة في لغاتهم؛ و يتعين على المترجمين على غرار الكتاب أن يكونوا متعودين على العمل لساعات طويلة لوحدهم في مادة تروق لقليلٍ من الناس وبلغةٍ يعرفها قليل من الناس حولهم؛ كما يتعين على المترجمين شأنهم في ذلك شأن الدبلوماسيين أن يكونوا فطنين بشأن الفوارق الثقافية والاجتماعية التي توجد في لغاتهم ويكونوا قادرين على مواجهة هذه المسائل عندما يقوموا بالترجمة؛ و ينبغي على المترجمين كذلك أن يعرفوا على غرار الهواة المثقفين الأساسيات وبعض التفاصيل عن الموضوعات التي يتناولونها.
    إن ما ذكر سابقا هو بمثابة وضع صورة مثالية للمترجم، و هي صورة يطمح إليها المترجمون المحترفون ويحققونها بدرجات متفاوتة. و لا يحتاج كل المترجمين لأن يطفحوا بكل هذه الخاصيات، بل ينبغي أن تكون لديهم هذه المَلَكَات بدرجة كافية تمكنهم من ترجمة موادهم بطريقة يقبلها زبائنهم.

    و من المحتمل أن يواجه المترجم خلال عملية الترجمة جميع هذه المسائل. فعندما أترجم وثائق فنية أو طبية، أُضطر إلى التعامل مع تعقيدات الكتابة الفنية باللغة اليابانية والإنجليزية والبحث عن مصطلحات جديدة أو غامضة (وفي بعض الأحيان أخترع مصطلحاتي الخاصة بي)، فأبذل مجهودات كبيرة بغرض صقل لغتي الإنجليزية و تحسينها حتى يرى الزبون المادة طبيعية دون علامات تشي بأنها ترجمة من اليابانية، كما أعالج مسألة الفوارق بين الثقافة الأمريكية والثقافة اليابانية و لا سيما عندما أترجم كتيبات عن الحاسوب. ففي أمريكا نقدم التعليمات والإيضاحات بصورةٍ تختلف بشكل كبير عما تقدم عليه في اليابان.

    و يتعين على المترجمين أن يظلوا على غرار كل حرفي في قمة تميزهم بالنسبة لمجالات تخصصهم. فأنا أُكرِّسُ الكثير من وقتي لتصفح المجلات كمجلة "بي سي ماكازين" و" ماكورلد" و" ساينتفك أمريكان" و "مجلة الرابطة الطبية الأمريكية " و"المجلة الطبية لنيو إنجلاند"، و أقرأ كتباً كثيرة عن التطورات التي تحدث في الطب و علوم الحاسوب. فالقاعدة الأساسية هي أن تسأل عندما لا تكون متأكداً من كلمةٍ أو عبارةٍ ما. فعندما تكون لديك شكوك أو أسئلة حول الترجمة، اتصل بالزبون، اطرح سؤالك ثم تلقَّ الإجابة. و إذا كنتَ لا تزال غيرَ متأكدٍ، سجل ملاحظة عن ذلك في الترجمة النهائية. ومما يثير الدهش أن الزبائن يتقبلون هذه الملاحظات وغالباً ما يتوقعونها، بل إنني سمعت أن الزبائن يخالجهم في بعض الأحيان إحساس بالريبة عندما لا يرون هذه الملاحظات. و على الرغم من كل ذلك، ما مدى معرفة المترجم بالإجراءات الجراحية الجديدة المستخدمة في فتح انصمام رئوي ؟

    العمل الوظيفي ضد العمل الحر

    يعمل المترجمون إما لحسابهم بوصفهم مترجمين أحرارا و إما موظفين في وكالة ترجمة على سبيل المثال أو في مؤسسة خاصة بتوطين برامج الحاسوب. فالمجموعة الأولى يُطلق عليها مسمى "مترجمون أحرار"، فيما يطلق على المجموعة الثانية مسمى " مُتَرْجِمُون موظفون". فإذا التحقتَ لِتَوِّكَ بهذه المهنة أو إذا كنت تفكر في اتخاذ الترجمة مهنة لك، فعليك أن تتفحص مليا في هذين الخيارين لتقرر أيهما أنسب بالنسبة إليك. فإذا اخترت أن تكون مترجما حرا، فأنت صاحب العمل، وستكون مسؤولاً عن التسويق والفواتير والحسابات الدائنة والحسابات المدينة والضرائب ومشتريات المعدات وصيانتها وما إلى ذلك. و قد يكون متوسط دخل المترجمين الأحرار في العام أكثر من المترجمين الموظفين إلا أن دخلهم يكون متقلباً بصورة كبيرة جداً، إذ ينبغي عليهم أن يتحملوا جميع مصروفاتهم بما في ذلك جميع أنواع الضرائب، وأموال التقاعد، والتأمين الطبي وأنواع التأمين الأخرى وتكاليف الإدارة والتشغيل.

    أما إذا اخترت أن تكون مترجما موظفا، فستعمل لحساب شخصٍ آخر حيث تذهب إلى مكتبك في الصباح و تجلس في غرفتك الصغيرة خلال اليوم وتترجم كل ما تحتاجه الشركة، وتحضر الاجتماعات لتناقش المشروعات الكبيرة المتعلقة بالترجمة أو المصطلحات أو المعدات، وتحضر دورات التدريب لتتعلم استخدام نظام الشبكة المحلية الجديد أو برنامج المات (MAT) ثم تعود إلى بيتك في المساء. و ستستفيد كما هو الحال في جميع الوظائف من إجازةٍ براتب، وتأمين، ومن أداء نصف ضمانك الاجتماعي وضرائب القانون الفيدرالي للمساهمة في التأمين (فيكا)، وشكلٍ من أشكال التقاعد.
    و على الرغم من أن المقالات المتبقية ستتناول ما ذكر أعلاه من اختلافات بين المترجم الحر والمترجم الموظف كما أنها ستُقَدَّم اقتراحات عن الأشخاص المناسبين لكل خيار منهما، فأود أن أقول إنَّ الشخصية وأسلوب العمل لا صلة لهما في الغالب بذلك. فالمسألة الأولى والأهم تكمن في المال، فهل تتوفر على القدرة المادية لتكون مترجماً حراً ؟ فلكي تبدأ عملك مترجما حرا، ستحتاج إلى عدة آلاف من الدولارات لتشتري جهاز الحاسوب و البرامج التي تحتاج إليها ولتقوم ببعض النشاط التسويقي ولتنتظر طوال الأشهر القليلة الأولى والتي من المرجح أن يكون لديك قليلٌ من العمل خلالها، وستنتظر بفارغ الصبر أن تؤدى لك الفاتورة الأولى. ولذلك إذا كنت عازبا ولديك القليل من الالتزامات المالية وبعض المال الذي ادخرته، ولا تجد بأسا البتة في خوض المغامرة، فإن الإجابة بشأن مسألة المال ستكون بالإيجاب إذ يمكنك أن تتخذ من الترجمةِ الحرة مهنةً لك. أما إذا كنت متزوجاً ولديك طفلان و ملزم بالمصاريف الاعتيادية الخاصة بأقساط رهن عقاري وتكاليف العلاج الطبي و غيره، فيجب عليك أن تفكر مليا قبل البدء في العمل مترجما حرا.

    وثمة أيضاً حجة قوية بشأن ممارسة المهنة من خلال العمل لحساب شخصٍ آخر إذ يمكنك أن تعتبر ذلك تدريباً عمليا مؤدى عنه حيث ستعرف الكثير عن الترجمة من خلال ممارستها لا من خلال القيام بأي عملٍ آخر، و لن تكتسب فحسب كل تلك المهارات الثانوية كمعالجة النصوص والتفاوض و تعبئة النماذج الضريبية، بل ستكتسب أيضا الكثير من المعرفة العملية المتعلقة بهذه المهنة كالأسعار و الأزواج اللغوية أو مجالات المعرفة المطلوبة أكثر من غيرها و التقنيات التي يتوقع أن تؤثر على مجال الترجمة في المستقبل القريب. و يمكنك كذلك أن تنمي علاقات يمكن أن تتحول إلى تعاملات بغرض عمل حر. إذن، لتفكر في أن تبدأ العمل مترجما موظفا خصوصاً إذا كنت غير مرتاح للنواحي المالية المتعلقة بالعمل لحسابك أو غير متأكد بخصوص ما سيعتريك من إحساس عند العمل بمفردك في المنزل.

    مفارقة

    إن الخصائص الفعلية التي يبدو أنها تجعل من المرء مترجماً جيداً مثل الاهتمام بالتفاصيل والولع باللغات والبحث والعناية بالكتابة و حذقها، هي نفسها التي تجعل منه مفاوضاً ضعيفاً أو مسؤول تسويقٍ ضعيفا. إذن كيف يستطيع المرء التغلب على هذه المفارقة ؟ أولاً ، أجبر نفسك على ولوج السوق حتى وإن كنت لا ترغب في ذلك، و ألزم نفسك بإرسال 100 رسالة إلى الوكالات في هذا الأسبوع، و بالاتصال بخمسة من زبائنك الكبار و محادثتهم قليلاً، وبدفع الضرائب السنوية قبل الأول من أكتوبر بعد أن طلبت مهلة إضافية في الخامس عشر من أبريل، فأنت الآن في صلب العمل التجاري (السوق) فلا تنس ذلك.

    ويتعين عليك أن تُذَكِّر زبائنك بأنك محترفُ عملٍ تجاري. فالمترجمون ينبغي أن يُعَامَلُوا بوصفهم حرفيين، و من ثم عليهم أن يتصرفوا على هذا الأساس. و أمهل نفسك الوقت الكافي لتعرف ما يحيط بمهنتك، و لغاتك، و التخصصات المعرفية، و التكنولوجيا التي تستخدمها في أداء عملك. فثمة في كل مهنة أناس كثيرون يريدون القيام بالعمل المراد القيام به، ولكن ثمة قلة تستطيع القيام بهذا العمل على الوجه الأكمل. و يجب عليك بوصفك مترجما أن توضح لكل فرد بأنك من الفئة الأخيرة وليس من الفئة الأولى.

    وعلاوة على ذلك، فأنت بصفتك مترجماً تقف بين شخصين أو منظمتين، واحدة أوجدت المادة والأخرى تريد قراءتها. فأنت تمثل الحل بالنسبة إليهم فيما يتعلق بهذه المسألة الصعبة و إلا استعصى حلها. وتذكر أننا نعيش في عصر المعلومات وهناك معلومات كثيرة متوفرة وبلغات شتى، والمترجمون هم الذين يقدمون هذه السلعة النفيسة للناس الذين يريدونها.

    السيرة الذاتية للأستاذ محمد سليمان موسى


    المصدر: [ www.arabicwata.org ]
    الى أعلى
    أخطاء الترجمة
    ‎أخطاء شائعة في الترجمة العربية

    محمد حسن يوسف

    إن الترجمة حين يتولى أمرها من ليس أهلا لها، فإنها تجر في أذيالها آثارا سلبية لا تخطئها العين المبصرة. ونحن هنا بصدد ذكر أمثلة على ما تحدثه الترجمة المتعجلة السيئة من آثار سلبية على أساليب الكتابة العربية، وشيوع ألفاظ في اللغة ليست من طبيعتها، وذلك مما يرد كثيرا في الصحافة العربية والإذاعتين المسموعة والمرئية. من ذلك مثلا:

    أولا: إضافة أكثر من مضاف إلى مضاف إليه واحد. كالقول: " احتدام واشتداد القتال ". والصواب في ذلك: " احتدام القتال واشتداده "، وهذا يعني إضافة مضاف واحد إلى المضاف إليه، وإضافة المضاف الآخر إلى ضمير يعود على المضاف إليه الأول.

    ثانيا: تأخير الفاعل وتقديم ضميره عليه. كالقول: " في تصريح له عن الأحوال الأمنية في الخليج، قال وزير الدفاع الأمريكي ... ". والصواب في مثل هذه الحالة أن يقال: " قال وزير الدفاع الأمريكي في تصريح له عن الأحوال الأمنية في الخليج إن ... ".

    ثالثا: جمع عدد من الأسماء المعطوفة في جملة واحدة، وذلك دون أن يتبع كلا منها بحرف العطف " و "، كالقول: " ذهب أحمد إلى المكتبة واشترى كتبا، أقلاما، صورا، دفاتر "! وهذا أسلوب لا يصح الأخذ به في العربية لما في من فجاجة وعجمة، حتى ولو أخذت به لغة أخرى كالإنجليزية. إذن فالصواب في المثال السابق أن نقول: " ذهب أحمد إلى المكتبة واشترى كتبا وأقلاما وصورا ودفاتر ".

    رابعا: التخفف من استعمال المفعول المطلق في الترجمة، ليحل محل كلمات أو عبارات أخرى مترجمة، مثل: " بصورة – بشكل – لدرجة – على نحو "، كالقول: " مشيت بصورة جيدة "، و " سار بشكل حسن "، و " إن قامته طويلة لدرجة أنها تسد الباب "، و " ظهر على نحو واضح ". وهذه كلها استعمالات بعيدة عن العربية، والأصح منها أن يقال: " مشيت مشيا جيدا "، و " سار سيرا حسنا "، و " إن قامته طويلة طولا يسد الباب "، و " ظهر ظهورا واضحا ". أي استعمال المفعول المطلق للدلالة على الحالات التي ذُكرت.

    خامسا: تصبح الترجمة في مقدمة الأسباب التي تعمل على إشاعة أخطاء إذا قام بها من يترجم ترجمة حرفية:

    ( أ ) فمثلا يستعمل البعض كلمة " ضد " وهي ترجمة حرفية لكلمة against في اللغة الإنجليزية. فيقال: " حارب ضد الاستعمار "، و " ينبغي أن يسعى الآباء لتلقيح أبنائهم ضد الجدري "، و " صدر حكم ضد فلان "، وغير ذلك. وينصب الاعتراض على أن الأسلوب الذي يلجأ إلى استعمال هذه الكلمة، هو أسلوب يخالف طرق التعبير العربية. فالقول أن " فلان يحارب ضد الاستعمار " يُفهم منه أن هذا المحارب مخالف للاستعمار، أي أنه يحارب في جبهة أخرى غير الجبهة المعادية للاستعمار. والصواب في ذلك القول: " شن حربا على الاستعمار ". وبالنسبة لبقية الأمثلة: " يجب تلقيح الأطفال من الجدري "، و " صدر حكم بحق فلان أو عليه ".

    ( ب ) ومن الكلمات التي تتداولها أجهزة الإعلام الأجنبية، كلمة cover الإنجليزية. فيضع لها المترجم الكلمة التي يحددها القاموس، وهي " يغطي ". ولكن في العربية لا يفيد هذا الفعل معنى نقل الخبر. ففي القول: " قام مراسل جريدة الأهرام بتغطية أنباء القتال الدائر في منطقة الخليج ". ليس هناك علاقة بين الغطاء أو التغطية وبين الأخبار. وتضع معاجم اللغة أفعالا غير هذا الفعل لدلالة نقل الخبر، فتقول: " نقل الخبر أو أبلغه أو سرده ".

    ( جـ ) ومن الكلمات التي يساء استخدام ترجمتها، كلمة reach بمعنى يصل. فعند وصف حدث وصول إحدى الشخصيات الرسمية، يقال: " وصل مصر مساء أمس وزير الاقتصاد في دولة الكويت ". وهذا الاستعمال خاطئ، لأن الفعل " وصل " بالإنجليزية متعدٍ، أي يحتاج إلى مفعول به. ولكنه في العربية لازم، لا يتعدى. فهو بذلك ليس بحاجة إلى مفعول، بل إلى حرف الجر " إلى ". فنقول: " وصل إلى مصر مساء أمس ... ".

    ( د ) ومن تلك الكلمات، كلمة via بمعنى عَبْرَ، فيقال: " عبر أجهزة الاتصال ". والأكثر صوابا من ذلك أن تقول: " بأجهزة الاتصال " أو " بواسطة الاتصال ".

    ( هـ ) ومنها أيضا كلمة " طبقا " المترجمة عن كلمة according، فهي ترد في أمثلة كثيرة. ومن ذلك مثلا القول: " سيتم نقل الأسرى يوم الأحد طبقا لوكالات الأنباء ". أما اللغة العربية فلا ترضى باستعمال " طبقا " في مثل هذا الموضع، وإنما تتطلب استعمال الكلمة الصحيحة لهذا الوضع، وهي " وفقا " أو " وفاقا " أو " على وفق ". فنقول: " سيتم نقل الأسرى يوم الأحد القادم وفقا لما ذكرته وكالات الأنباء "، هذا إذا أردنا التمسك بحرفية الترجمة. ولكننا نستطيع ذكر عدة جمل تؤدي المعنى بصورة سهلة واضحة، فنقول مثلا: " ذكرت وكالات الأنباء أن الأسرى سيُنقلون يوم الأحد القادم ".

    سادسا: ترجمة كلمة cancel بكلمة " لاغيا "،كالقول: " يعد الاتفاق لاغيا منذ مساء اليوم ". وينصب الاعتراض على كلمة " لاغيا "، فهي اسم فاعل من الفعل " لغا – يلغو "، أي كثر كلامه. ولكن السياق الذي تُذكر فيه كلمة " لاغيا " لا شأن له بكثرة الكلام أو قلته، بل بإبطال اتفاق مسبق. ولذلك فيجب استعمال كلمة " ملغي "، وهي اسم المفعول من الفعل " ألغى – يلغي ". فالصحيح إذن أن يقال: " يعد الاتفاق ملغيا منذ مساء اليوم ".

    سابعا: والبعض يترجم كلمة still بكلمة " لا زال ". فيقول: " لازالت الاجتماعات منعقدة في مجلس الأمن "، ويقول: " لازالت الجهود تبذل لإصلاح الوضع في لبنان ". وهذا استعمال خاطئ لكلمة " لا زال "، فهي تفيد الدعاء لا الاستمرار. يصح أن يقال: " لا زالت الديار قوية عزيزة بأهلها "، فهو دعاء للديار بدوام القوم والعز. أما ما يفيد الاستمرار فهو " ما زال "، كأن نقول: " ما زالت الاجتماعات مستمرة "، و " ما زالت الجهود مبذولة ". وكثيرا ما يختلط الأمر على من يقومون بالكتابة العربية، فيأخذون بالاستعمال الأول للدلالة على الثاني.

    ثامنا: وهناك كلمة by التي يترجمها البعض " مِن قِبَلْ "، ويدخلونها في الجمل دون استئذان، على الرغم من عدم صحتها. فيقال: " دُونت الملاحظات مِن قِبَلْ اللجنة ". وليس في استعمال " مِن قِبَلْ " أي ضرورة في هذا السياق، ذلك أنه يمكن القول: " دونت اللجنة الملاحظات ".

    تاسعا: وهناك كلمة شاع استعمالها شيوعا خاطئا، فلا تكاد تخلو منها جملة، وهي كلمة " بالنسبة "، التي يمكن التخلي عنها دون حدوث أي إخلال في الجملة، فضلا عن أن استعمالها يخالف الاستعمال العربي السليم. فيقال مثلا: " انخفضت أسعار العملات، وبالنسبة للمارك الألماني فقد انخفض مقابل الدولار ". وهذا تركيب غير صحيح للجملة، فأي نظرة للقاموس تدلنا على أن " النسبة " هي القرابة أو ما تعلق بها. ومن هنا فالصواب أن يقال: " انخفضت أسعار العملات، أما المارك الألماني فقد انخفض مقابل الدولار ".

    عاشرا: أما عن الخلط بين حرفي الجر " إلى " و " اللام " - عند ترجمة حرف الجر في الإنجليزية to - فهو كثير، رغم أن لكل منهما معنى واستعمال مختلف. أما عن المعنى، فهو أن " إلى " تعني انتهاء الغاية، في حين تستعمل " اللام " للدلالة على الملكية والتخصيص، ويتحدد استعمال كل منهما تبعا للمعنى الذي تدل عليه. يقال مثلا: " سلمت الملف كاملا إلى رئيس مجلس الإدارة "، وهذا غير صحيح، وصوابه: " سلمت الملف كاملا لرئيس مجلس الإدارة ". والسبب أن الملف سيوضع تحت تصرفه، كأنه ملك من أملاكه، ولم يكن الغرض سفر الملف من مكان معين ابتداء إلى مكان آخر انتهاء. ويقال أيضا: " سافرت صباح الجمعة الماضي للإسكندرية "، وهذا غير صحيح أيضا. والصواب القول: " سافرت صباح الجمعة الماضي إلى الإسكندرية "، لأن حرف الجر " إلى " في هذه الجملة يحدد انتهاء الغاية من السفر.

    حادي عشر: الإصرار على ترجمة بعض الكلمات الإنجليزية بكلمة واحدة مقابلة في اللغة العربية، مثل كلمة privatization، والتي وضعت لها ترجمات عدة، مثل: " الخصخصة " أو " التخصيص " أو التخصيصية ". وهذه كلها ترجمات غير دقيقة للكلمة، ذلك أن اللغة الإنجليزية تميل دائما لاستخدام الزوائد affixes – سواء كانت بادئة أم لاحقة – إلى الكلمة الأصلية حتى يتم مواءمة استخدامها في موقعها من الجملة. ولذلك فهي تعتبر أكثر من كلمة واحدة، وإن بدت في ظاهرها كلمة واحدة. ومن هنا فلا داعي للإصرار على ترجمتها بكلمة واحدة مرادفة في اللغة العربية. وبذلك تكون الترجمة الدقيقة للكلمة السابقة هي: " التحول للقطاع الخاص ". وكذلك كلمة Islamization التي يمكن ترجمتها: " تطبيق الشريعة الإسلامية ". وغير ذلك كثير مما يمكن القياس عليه.

    ثاني عشر: استخدام نفس المفاهيم التي يريد الغرب ترويجها وشيوعها عند الترجمة. فمثلا عند كتابة الغرب لما يدور من صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يقولون: Israel and the Palestinians. فهم يريدون أن يستقر في ذهن القارئ أن إسرائيل هي دولة لها كيان قائم، أما الفلسطينيون فهم أفراد بلا دولة. ولذلك فعلينا نحن حين نترجم، أن نقول " الفلسطينيون والإسرائيليون "، أو أن نقول: " فلسطين وإسرائيل "، لا أن نقع فيما يريدونه أن يستقر في أذهاننا، فنقول: " إسرائيل والفلسطينيون ".

    هذه كانت أمثلة من بعض الأخطاء الشائعة في الترجمة إلى العربية، ولكن ليست حصرا لها. وسوف ,نوالي بحث هذا الموضوع إن قدر الله وأعان.www.saaid.net
    د/ محمد عمر أمطوش
يعمل...
X