نحن واللغة في زمن العولمة بقلم الدكتور تركي بني خالد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Aziznael
    عضو منتسب
    • Dec 2008
    • 70

    نحن واللغة في زمن العولمة بقلم الدكتور تركي بني خالد

    ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨بقلم الدكتور تركي بني خالد

    هذا بحق زمان العولمة، ولقد أصبحنا جميعاً عولميين دونما منازع. وها هو العالم بأكمله يجلس أمامنا يتربع على مكاتبنا من خلال ما أسميناه "سطح المكتب" بل إننا بتنا نجلسه في أحضاننا عندما نستعمل ما اصطلح على تسميته " لاب توب" ، يعني سطح الحضن.
    وها هو العالم يختبىء وراء شاشة الحاسوب ينتظر منا زيارته واكتشاف معالمه العديده. وها هي الكرة الأرضية تتقزم لتصبح قرية عالمية نطل عليها من خلال نوافذ الشبكة العنكبوتية.
    وها هو " الماكدونالدز" ينتشر في كل زوايا الأرض ولا ينافسه في ذلك إلا "بيرغركنج"، وربما عدد أخر من سلسلة مطاعم الوجبات السريعة العالمية بالطبع.
    وتستمر العولمة تلتهم كل شيء لدينا كالنار في الهشيم تبحث عن المزيد. فمن منا لا يحمل هاتفاً متحركاً أو أكثر؟ ومن منا لم يعد لديه بريد اليكتروني؟ ومن منا لا يستنجد بالانترنت عند كل طارئ؟
    وبدون ان ندري تحولنا جميعاً إلى أدوات في خدمة العولمة. وبات سلوكنا وتفكيرنا عولمياً إلى حد كبير نكاد ان ننسى معه من محن. وغدت ممتلكاتنا متعددة المصادر لا نجد بينها ما هو محلي أو وطني إلا فيما ندر. وتقهقرت السنتنا امام لغة العولمة فلم نعد ندري أو نعي ما نقول حين اعوجّت أساليب نطقنا لما كنا نفاخر به بأنه اللغة الأم.
    تعالوا إلى أي مدينة عربية وشاهدوا أسماء المطاعم التي تعلن عن نفسها. وراقبوا كيف تسللت الكلمات الأجنبية إلى قواميسنا ان كان لدينا قواميس وتأملوا كيف أن التسميات للمأكولات لم تعد عربية، فالمشوي أصبح يكتب ويعلن عنه هكذا " جريل" والدجاج المشوي أصبح ينادى عليه بمصطلح يكتب بحروف عربية .. تشكن تكا" وما دمنا بصدد الحديث عن الطعام، تعالوا نتمعنن بالأسماء "العربية" أو المعربة التالية: بوفيه ، بيبسي، لازانيا، صب ميل، كريم كراميل، بيتزا، جالكسي، فيتا، بروستد، لتر، كوفي شوب، وابر، تشيكن رويال، سايدز، ايس كريم، كيلو، جيلي، كافيه… ومن المؤكد أن هذا فقط غيض من فيض كما يقال لأن قائمة الكلمات الأجنبية التي تكتب بحروف عربية أو لاتينية وتتصدر موائدنا ستزيد وربما سيحتاج أحدنا مستقبلاً قاموس خاص حين يدعى إلى احد المطاعم من أجل أن يتمكن من معرفة نطق أو معنى هذه الكلمات التي تدل على عالم الطعام.
    وإذا طالعنا الصحف اليومية أو الأسبوعية فإننا نلاحظ انها تغص بالمسميات الأجنبية مكتوبة بحروف عربية، فهناك مثلاً ستالايت، ميكرووف، فل اوتوماتيك،موديلات، فورمات، كمبيوتر، لاب توب، أباجور ، فلتر، كولرات، منكير، بدكير، كوافير، بويلرات، اكسسورارات، باركيه ، رولات، رديترات، سوبرديلوكس، فلل، كرت فزت، الريموت، ديكور، سنتر، مول، ماستر، إلى غير ذلك من الكثير الكثير مما يقتحم حياتنا بفعل العولمة وتيارها الجارف.
    أريد أن أتساءل عن مصير اللغة العربية امام هذا السيل من كلمات تحمل معها مفاهيم العولمة، وأريد أن أعرف لماذا تقف عاجزة هذه اللغة، التي نتباهى أنها رمز من رموز هويتنا، أمام هذه الأمواج العولمية؟ وأود أن أتساءل بأي شيء ينشغل القائمون على اللغة العربية وماذا هم فاعلون أزاء عولمة اللغة العربية؟
    إذا أردت أن تشتري كاميرا على سبيل المثال فعليك ان تستخدم كلمات مثل زوم، اوبتكال، ديجتال، سوني، جيجا، والا فإنك أمام حالة من الفشل اللغوي إلا إذا طوعت أذنك ولسانك لاستيعاب هذه الألفاظ.
    وإذا قررت أن تبتاع بيتاً أو شقة فما عليك إلا أن تبحث عن ألفاظ ومعان تغطي مفاهيم مثل تراس، فيرناد، بالكوني، دكت، سوبرديلوكس، كورنيش، كاونتر، ماستر، جاكوزي، كتشنت، وحتى اسم الشارع قد يشار إليه بأنه الجاردنز والويل والثبور لمن لا يعرف الانجليزية كي تسعفه للاستدلال على شارع "الحدائق" إن كان هناك شيء من ذلك.
    ولو سألت طالباً جامعياً ماذا تدرس؟ سيقول لك بكل فخر ماركتنج في حين تجيب زميلته بأنها تدرس جرافيك ديزاين وربما بي أي اس؟
    وحين تطلب من أحد أن يرد عليك فإنه يقول لك بعثت لك إس إم إس وأرسلت لك مسج على الموبايل وبإمكانك مشاهدة التفاصيل على الويب سايت.
    وحين تريد الاسماع إلى ال إف إم فإنك ستسمع حتماً مخلوقات غريبة تتحدث العربية بلهجات عامية مبتذلة تتخللها عشرات الكلمات الأجنبية مثل ميرسي وثانكيو على كل شيء خاصة إذا كان لديك أي ميل.
    إن ظاهرة العولمة اللغوية تحمل معها عولمة فكرية وثقافية قد تترك أثاراً سلبية على مسقبل أجيالنا. لكن المؤسف والمحزن أننا لا ندري ماذا سنصنع نحوها.
    إن انحسار اللغة القومية تدريجياً يشبه إلى حد ما انحسار البحر الميت الذي يقال أنه مهدد بالموت الحقيقي بسبب التبخر وربما عوامل بشرية أاخرى، وعليه فأنه لا بد من محاولة لانقاذه. فماذا نحن فاعلون تجاه التبخر اللغوي الذي تتعرض له لغة الضاد؟
    يمارس أولادنا ونحن وكثيرون التواصل بواسطة الشات وفي هذا يستخدمون حروفاً لاتينية لكلمات عربية أو العكس، ويذهل المرء عندما يرى النص مكتوباً بلغة كهذه.
    وباتت المسجات تكتب بلغة عامية كما تلفظ تماما مما يعني الانقراض المحتم لكلمات اللغة العربية وأساليب الكلام الذي نتعلمه من الكتب في المدارس والجامعات.
    وها هي الأسماء لا تنسجم مع المسميات، فالبقالة الصغيرة أصبحت سوبرماركت، والسوق ذات الدكاكين تحول إلى مول، ومخبز أبو محمد على زاوية الشارع أصبح مخابز كذا الدولية. لاحظوا أسلوب الجمع بدلاً من المفرد، فالمدرسة ذات الغرفتين صارت مدارس وهي إما نموذجية او عالمية أو انترناشيونال بالطبع.. وصيدلية بنت الجيران كتب عليها الصيدلية الدولية، وطبعاً جميع المؤسسات والشركات دولية هي الأخرى ، فلا مكان لمن لا يحمل مؤشراً دولياً. وحتى عندما يسمى أحد نفسه شركة كذا الأردنية أو العربية فإنه سرعان ما يضيف لها كلمة الدولية أو العالمية أو عبر البحار. وحين يتخرج حموده من جامعة في الغرب يسارع بالإعلان عن تخرجه من جامعات اميركا وليس من جامعة واحدة. وإذا حصل أبو علي على ترقية فإنه بروفيسور ويغضب إذا قيل له أستاذ.
    نحن إذن مع الجمع وضد المفرد، ونحن مع العالم وضد أنفسنا على ما يبدو. نحن دوليون وعالميون إلى درجة إننا ننسى من نحن والخشية أن لا يقبلنا العالم بعد أن نكون قد فقدنا أنفسنا.
    عاشت العولمة ولنذهب نحن إلى الجحيم!
يعمل...
X