يوكيو ميشيما:نبض يابان ما بعد الحرب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    يوكيو ميشيما:نبض يابان ما بعد الحرب

    يوكيو ميشيما:نبض يابان ما بعد الحرب

    محمد زعل السلوم

    لم يكن كاتب "اعترافات قناع"التي تعد تحفته الروائية السوداء و"الجناح الذهبي"تحفته الحمراء, فضلا عن تحفة الصفاء"صخب الأمواج", وكذلك "ثلج الربيع"و"خيول هاربة"و"معبد الفجر",لم يكن يوكيو ميشيما إلا نبض اليابان ما بعد الحرب حيث جسد أبطاله شخصية الإنسان الياباني المليئة بالتألم والتمرد والعذاب والقلق المتأ ثر بأحداث اليابان بشكل أو بآخر حيث خاض معركة تمرّده من خلال (خيول هاربة ) وهي معركة داخلية ضد الفساد والجوع باليابان كما أنها معركة خارجية لإعادة الإلوهية للإمبراطور 0ومع أن يوكيو ميشيما يمثل شخصية معقدة متمردة فإنها تجسد ثورة ذاتية على أوضاع اليابان حيث لجأ في (خيول هاربة ) لذكرى انقلاب 1935للقضاء على المتنفذين في مناخات التضخم و البؤس الفلاحي و الانتفاضات المسلحة والاغتيالات السياسية التي شهدتها اليابان فعلا عام 1932 عندما كان عمره ستة سنوات لتأخذ تلك الأحداث مكانها الكافي لتظهر من جديد من أعماق وعي رجل أربعين أي يابان ما بعد هيروشيما . لقد جرت الأمور وكأن كل الأحداث التي سبقت أو رافقت أو تبعت هزيمة بلاده اليابان والتي قال أكثر من مرة أنها كانت أبعد من أن تؤثر على مراهقته ,كانت مجرد صدمات لم يدركها أو لم يتقبلها ذكاء الشاب العشريني وحساسيته الواعية المقابر الجماعية والأنتحارات الجماعية للجنود والمدنيين في الجزر المحتلة وهيروشيما التي يأتي على ذكرها بشكل عابر, وقصف طوكيو الذي وصف في (اعترافات قناع ) كما لو أنه هزة أرضية أوعاصفة هوجاء مضت بطريقها,والمحاكمات السياسية التي كانت تسودها دائما (عدالة المنتصر )ولم تكن تضحيات (الكاميكاز ) الذين كانوا يوجهون طائراتهم إلى مداخن وعنابر المحركات في السفن المعادية نتيجة فقدانهم الأرض الصالحة لهبوطهم, لتؤثر,آنئذ,على ميشيما الذي خرج مبتهجا من مكتب (التجنيد )بصفته غير صالح للخدمة مصحوبا بوالده المبتهج أيضا, رغم مشاعره الوطنية وكذالك كان ردّ فعله على الخطاب الإذاعي الذي ألقاه الإمبراطور معلنا تخليه عن صفته لسلالة الشمس وكان مؤثرا بالنسبة للجماهير اليابانية ,وقد ساهمت الرغبة الملحة في إنهاء الحرب بالتخفيف من وطأة الصدمة على الكاتب الشاب وعلى الجماهير اليابانية ,ولن يعود ميشيما إلى ذكر ه الحقبة إلا في أولى كتاباته السياسية الواضحة عام 1966 في( أصوات الأبطال الموتى )عندما أدرك أو جاهر على الأقل أنه,في أجواء اليابان القديمة التي عاشوها,يمكن القول إن الكاميكاز ماتوا عبثا لان تخلي الإمبراطور عن دوره كرمز الهي قد افقد هذه النهايات البطولية أي معنى ليقول ميشيما:"لقد مات الجنود الشجعان لان ألها قد أمرهم بالقتال وبعد مضي اقل من ستة أشهر,توقفت هذه المعركة الوحشية فجأة لان ألها أعلن وقف النار.لكن جلالته صرح:- في الحقيقة,إنا نفسي فاني-وقد حدث هذا بعد انهمارنا كالقنابل اليدوية ضد هياكل سفن العدو في سبيل امبراطورناالذي كان بمثابة اله!لماذا أصبح الإمبراطور إنسانا؟" فهل الإله بالنسبة لميشيما هو رمز الحرية والوطنية اليابانية و بتحول الإمبراطور لإنسان تبددت تلك الحرية وتقيدت في شخصية فانية وتلك هي صدمة ميشيما المتأخرة في هذا النص النثري الذي أثار حفيظة اليسار كما اليمين المتطرف بسب النقد الموجه لشخص الإمبراطور وقد كتب ميشيما في نفس الفترة قصيدة تشتّهر ب (يابان ) عصره ( ذات البطن المتخم ) وتبين أن((اللذة نفسها فقدت طعمها )) وأن (البراءة معروضة للبيع في الأسواق) منذ أن تخلى الناس عن المثال الإمبراطوري القديم رمز عنفوان اليابان وعظمتها ولو أن ميشيما لايصرح بها فهو لايخفي مشاعره الوطنية فالأصوات الكبيرة في حياة البشر غالبا ماتخترق بقاع الصمت قبل الوصول إليهم فبالنسبة للكاتب الذي يشعر بالنفور من رداء عصره كانت أصوات الكاميكاز الفتية والعائدة من أكثر من عشرين سنة من الزمن قد أصبحت في هذه الأثناء عبارة عن أصوات من عالم آخر تهز مسامع ميشيما بعنف وتملئ قلبه اضطرابا دون هوادة.. ويبدو أن فترة الاحتلال الأميركي وما تبعها من مراحل ومعاهدات أبقت اليابان في دائرة النفوذ الأمريكي,لم تترك هي أيضا إلا أثرا متأخرا عند ميشيما. إذ لم يأت على ذكر الاحتلال إلا في "ألوان ممنوعة",وبطريقة لا تتعدى تسليط الضوء على بعض الشخصيات التي هي عبارة عن دمى فاسقة.وفي "الجناح الذهبي"تنحصر هذه الإشارة بالمشهد التدميري حقا حيث صورة العملاق الأمريكي في زيه العسكري وقد ذهبت الخمرة بثلاثة أرباع عقله يجبر المترهبن الشاب على أن يطأ بطن فتاة ويكافئه بعلبتي سكائر إلا أن هذه الحادثة قد لا تكون بالضرورة تعبيرا عن نزعة الحقد على الأجانب خصوصا عند روائي يهوى المشاهد المؤثرة ,وفي" معبد الفجر"التي كتبت عام 1952 يظل الاحتلال نفسه في خلفية السياق الروائي ولا تبرز إلا المكاسب البديهية التي يجنيها منه أولئك الذين يجيدون التعامل مع الوضع القائم,وكذلك مشهد"فتيات اللذة"اللواتي يتضاحكن عندما ينظرن عبر قناة نهر"سوميدا"الجاري بتلوثه في طوكيو الملذات والصفقات الحديثة ,ويرين حديقة مستشفى أمريكي تنتشر في أرجائها مقاعد الميدان الطويلة حيث يجلس عرجان ومشوهو حرب كوريا.

    يؤسس ميشيما"جماعة كبش الفداء"أو"تاتينوكاي"في فترة انجازه للصفحات الأخيرة من رواية"خيول هاربة" وهي كنوع من العودة إلى تراث الساموراي في الدفاع عن حقوق اليابان خصوصا أمام الفساد والاتفاقيات المذلة لليابان مع الولايات المتحدة ليقول:"أن جماعة كبش الفداء هي جيش في حالة انتظار ,من غير الممكن أن نعرف متى يحين موعدنا.ربما لن يحين أبدا,وربما يكون غدا,وحتى ذلك الحين سنظل في حالة تأهب.لا استعراضات في الشوارع ولا يافطات ولا حتى خطب في الجمهور ولا صدامات بقنابل المولوتوف أو الحجارة.حتى اخرواصعب اللحظات سنرفض أن نعلن عن أنفسنا بالأفعال ذلك أننا نشكل اصغر جيوش العالم عددا وأكبرها روحا",وهو بذلك يعبر عن شعوره بالخيبة وثورته الصامتة,وبعد توقيع الاتفاقات لم يتحرك اليسار كما لم تتحرك جماعة كبش الفداء التي أسسها ميشيما والذي قرر بدوره اللجوء إلى (السيبوكو ) وهو انتحار يعبر عن موت استعراضي ومعبرا فيها عن ثورته على كل شيء وكأنها انتصاره الوحيد حيث اختار مساعديه الأربعة وفق تقاليد السيبوكو وعلى طريقة الساموراي القديمة ليقوم بعملية الانتحار في أحد مكاتب وزارة الدفاع للحصول على موت احتفالي تقليدي إرادي والى جانبه صديقه (موريتا ) فيما ينجو أصدقاءه الثلاثة الآخرين في يوم 25/11/1970.
يعمل...
X