هل كان العثمانيون يحتلون الدول العربية وهل كانوا وراء تخلفها؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منذر أبو هواش
    Senior Member
    • May 2006
    • 769

    هل كان العثمانيون يحتلون الدول العربية وهل كانوا وراء تخلفها؟


    هل كان العثمانيون يحتلون الدول العربية وهل كانوا وراء تخلفها؟

    حينما انتهت الحرب العالمية الأولى بتقهقر جيوش الدولة العثمانية، واضطرارها للانسحاب إلى خط الدفاع الأخير داخل الأراضي التركية، ومن ثم قيام ما تبقى منها بقيادة حرب الاستقلال التي أسفرت عن تحرير معظم الأراضي التركية التي تكونت منها دولة الجمهورية التركية الحديثة، كانت أنظار العرب والمسلمين الواقعين تحت احتلال القوات الغربية الصليبية في البلاد العربية تنظر بعين الأمل إلى القيادة الجديدة التي انبثقت من بقايا الجيش العثماني المتقهقر، والتي كانت تحقق الانتصارات تلو الانتصارات على الأراضي التركية، وكان الكثيرون منهم يتوقعون من قائد القوات التركية في ذلك الوقت مصطفى كمال أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين، وأن يواصل قيادة الجيوش العثمانية في حرب استقلال طويلة تستمر حتى استعادة آخر قطعة أرض من أراضي الدولة العلية العثمانية المحتلة.

    وتلك التوقعات لم تأت من فراغ، بل جاءت من أرض المعركة في تركيا مع أخبار الانتصارات المتتالية، لأن مصطفى كمال الذي تولى قيادة القوات التركية أقنع الاتراك منذ البداية باتجاهه الاسلامي وأعلن الجهاد، وصدقه الناس في تركيا وفي البلاد العربية، لدرجة أن أمير الشعراء أحمد شوقي امتدحه بقصيدة عصماء جاء فيها:

    الله أكبر كم في الفتح من عجـب يا خالد الترك جدد خالد العرب

    المعركة الرئيسية كانت بين الجيوش العثمانية والجيوش الغربية الصليبية، أما الحديث عن غدر عرب هنا وخيانة هنود هناك فهو كلام شاعري مبالغ فيه، لأن فيه تضليلا لم تكن الغاية منه سوى التفريق بين المسلمين، وشق صفوفهم، والحيلولة دون تعاونهم واتحادهم، كما أن فيه مغايرة للحقيقة، وتقليل من شأن القوات الغربية المليونية الغازية. واتهام المسلمين بالقضاء على دولة الإسلام إتهام باطل، فيه تجن كبير، وتبرئة لساحة المجرم الحقيقي والعدو الطامع الصليبي.

    لقد استمرت الدولة الاسلامية في التوسع والتمدد حتى شملت كافة المناطق الاسلامية، ودخلت أمم كثيرة في الإسلام، وتعددت الدول الاسلامية وتنوعت وتداخلت، والحكم الاسلامي تناقلته وتداولته وتوارثته جماعات اسلامية كثيرة كان آخرها آل عثمان، فالحكم الاسلامي انتقل إلى آل عثمان، والدولة الاسلامية في نهاية الأمر أصبح اسمها الدولة العثمانية، ولو أن بقايا الجيوش العثمانية المنتصرة في تركيا استمرت في حرب الاستقلال التي بدأت وانتهت في تركيا، لكانت تمكنت من قيادة الشعوب العثمانية العربية أيضا في حرب تحرير كافة البلاد العربية من براثن الاحتلال الاجنبي.

    أما تهمة الاحتلال والتخلف التي يحاول بعض المغرضين إلصاقها زورا بالعثمانيين، فهي تهمة خطيرة وكبيرة، ومع ذلك تبقى تهمة ضبابية، مائعة وغير محددة، ناهيك عن كونها تلقى هكذا جزافا، وبدون أية أدلة أو براهين. ومن يحتاج الأدلة، والمتهم ميت لا وجود له، ولا نصير له، ولا مدافع عنه؟

    القول بتخلف العالم العربي، يعني تخلف كافة البلدان التي يتكون منها العالم العربي، من خليج البصرة شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن جبال الاناضول شمالا حتى المحيط الهندي جنوبا، فهل كان العثمانيون مسيطرين على كل هذه البلاد حتى يكونوا بالتالي مسؤولين عن تخلفها كلها؟

    وإذا كانت مسؤولية التخلف في البلاد العربية التي سيطر عليها العثمانيون دون البلاد التي لم تكن تحت سيطرتهم، تقع على عاتق العثمانيين، فعلى من تقع مسؤولية التخلف في البلاد العربية الاخرى التي لم تكن بحال من الأحوال تحت سيطرتهم؟

    وإذا كانت مسؤولية التخلف في البلاد العربية التي سيطر عليها العثمانيون خلال فترة حكمهم التي انتهت عام 1918 تقع على عاتق العثمانيين، فعلى من تقع مسؤولية التخلف في تلك البلاد العربية بعد انفصالها الذي مضى عليه لغاية الآن ما يزيد على السبعة عقود؟

    وإذا كانت مسؤولية التخلف في البلاد العربية بعد رحيل العثمانيين تقع على عاتق الدول التي استعمرتها بعد رحيلهم، فعلى من تقع مسؤولية التخلف في البلاد العربية التي مضى على استقلال معظمها لغاية الآن فترة تتجاوز الثلاثة عقود؟

    إن استمرار التخلف المخزي المشترك للبلاد العربية التي سيطر عليها العثمانيون وتلك التي لم يسيطروا عليها، بعد كل هذه السنين من الانفصال، وخلال هذه المدة الطويلة من الاستقلال، والتي تقدمت خلالها الأمم الأخرى لهو الدليل الاكيد على أن العثمانيين لم يكونوا السبب في هذا التخلف.

    عزاؤنا أن دولة الاسلام دولة موجودة أبدا في الوعي الاسلامي، وأنها قائمة دائما وباستمرار منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى ولا تزال، وأنها دولة قائمة منذ نداء (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)، وأن هذه الدولة الإسلامية دولة قائمة بالمسلمين المؤمنين، وليس بالإطار الجيوبوليتيكي (كما عرفها أحد المفكرين)، وأنها كيان مفتوح، تتعين حدوده وفق معيار ديني غير سياسي، وأن الانضواء تحت لوائها يتم عبر الايمان بالقيم الاسلامية، لا بل إنها قائمة على كل مكان يقف فوقه مسلم مؤمن، وأنها سوف تبقى قائمة كذلك دائما وأبدا، وإلى قيام الساعة، بمصداق المقولة الاسلامية الخالدة: (دولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة).

    منذر أبو هواش
    منذر أبو هواش
    مترجم اللغتين التركية والعثمانية
    Munzer Abu Hawash
    ARAPÇA - TÜRKÇE - OSMANLICA TERCÜME

    munzer_hawash@yahoo.com
    http://ar-tr-en-babylon-sozluk.tr.gg
يعمل...
X