أين تجاربنا الإنسانية العربية في العالم؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إدارة الجمعية
    الإدارة
    • May 2009
    • 214

    أين تجاربنا الإنسانية العربية في العالم؟

    "تري فوكس 2009".. أين تجاربنا الإنسانية العربية في العالم؟

    بقلم الدكتور غسان شحرور ghassan.dr@gmail.com

    [align=justify]شهدت قلعة دمشق في العشرين من هذا الشهر تشرين ثان/نوفمبر 2009 سباق "تري فوكس" الخيري السنوي، وكما هو الحال في العديد من المدن والعواصم العربية والأجنبية يحقق سباق "تري فوكس" العالمي انتشاراً جديداً مع اقتراب الذكرى السنوية الثلاثين لانطلاق هذا العمل الخيري الإنساني، وازدياد عدد الدول التي احتضنته وشاركت به عن ثمانين دولة، وفي كل عام تعيد هذه المناسبة إلى الأذهان تلك التجربة الإنسانية الفريدة للشاب "تري فوكس"، التي أبرزت، وبكل وضوح قوة الإرادة، والأمل والتحدي لدى الإنسان، وهو في أشد لحظات الضعف والعجز والألم.

    بدأت القصة المثيرة لهذا الشاب في عام 1977 عندما أصيب بمرض السرطان في عظام ساقه الأيمن، وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، ورغم ما بذله الأطباء من جهود كبيرة في معالجته إلا أنهم اضطروا أخيراً إلى بتر ساقه في محاولة منهم لوقف زحف هذا المرض الفتاك.

    خلال وجود الشاب في المشفى لتلقي العلاج، تعرف إلى الكثيرين من المرضى الذين سقطوا ضحايا هذا المرض، وعاش معهم أياماً طويلة من الألم واليأس والشقاء، فلمس بأم عينه ما يعانيه مرضى السرطان وذووهم صحياً واجتماعياً ونفسياً، كما لمس الحاجة الماسة إلى علاجات جديدة ناجعة، تعيد لهم ما فقدوه من صحة وعافية.

    لم تدفعه هذه التجربة الأليمة إلى اليأس والقنوط كما يفعل الكثيرون، بل زادته تصميماً على فعل شيء يساعد مرضى السرطان، ويخفف معاناتهم، فكيف يكون ذلك وهو لا يملك شيئاً لتحقيق هذا الهدف الكبير؟ لقد دفعته إرادته وعزيمته التي لا تلين، إلى التفكير بطريق جديدة، ألا وهي القيام بحملة كبيرة لجمع التبرعات من أجل تأسيس صندوق أبحاث السرطان، هذه الأبحاث المتخصّصّة في دعم وتعزيز الوقاية والكشف المبكر وتقديم العلاجات المتعددة، فقرر أن يسير، وبمفرده، في حملته تلك على ساقه الصناعية عبر مساحات كندا الشاسعة، من المحيط الأطلنطي شرقاً إلى الساحل البعيد على المحيط الهادي غرباً مروراً بالمدن والقرى الكندية، عبر آلاف وآلاف الأميال، داعياً الناس جميعاً إلى التبرع والمشاركة وتحمل المسؤولية، مستقطباً بذلك اهتمام وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى المؤسسات والأفراد الذين تحمسوا لهذه الفكرة النبيلة واستجابوا لها.

    عندما تبين للأطباء المعالجين أن مرضه الخبيث قد أخذ يزحف وينتشر إلى رئتيه، حاولوا ثنيه عن القيام بحملته تلك، لكنه صمم على القيام بها، وتحقيق حلمه في فعل شيء، يسهم في التصدي لهذا المرض، الذي أثقل كاهل الحكومات والأفراد وعائلاتهم، فانطلق في حملته من الساحل الأطلنطي في الثاني عشر من شهر نيسان / أبريل 1980، يسير ويجري هنا وهناك، ماراً بالشوارع والساحات العامة، وسط إقبال وتشجيع الناس ومواكبة وسائل الإعلام والمتطوعين الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وأخذ يجمع بمساعدة المشاركين معه التبرعات لصالح صندوق الأبحاث رغم تدهور حالته الصحية، وظل كذلك في تحديه لمرضه القاتل حتى قطع نحو 5373 كيلومتر، عندها لم تمكّنه حالته من الاستمرار، فنقل إلى المشفى يصارع الموت.

    نعم لا يملك المرء أمام هذه التجربة الإنسانية إلا أن ينحني احتراماً لهذه الشجاعة والعزيمة اللتين تحلى بهما "تري فوكس" ، وهو في مقتبل العمر، لقد قدم "تري" نموذجاً حياً للإنسان الذي يرفع راية الأمل في أحلك لحظات اليأس، واستطاع رغم ما أصابه أن يقدم الكثير والكثير لمراكز أبحاث السرطان من خلال رحلة الأمل التي قام بها.

    وتخليدا لرحلة الأمل تلك، أخذت المؤسسات الكندية الحكومية والأهلية تشجع قيام هذا السباق الخيري السنوي في مختلف أنحاء العالم، على أن ترصد الأموال التي يقدمها المشاركون من أفراد ومؤسسات لصالح أبحاث السرطان في البلد الذي يستضيف السباق، هذا بالإضافة إلى توعية كافة فئات المجتمع بأهمية مكافحة السرطان، وتكثيف الجهود المبذولة، في مجالات كشفه المبكر، وتقديم أنجع وسائل العلاج اللازم.

    في هذه الحملات السنوية، التي تحظى عادة بتغطية إعلامية واسعة، وتشارك فيها الهيئات الدبلوماسية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يجري المتسابقون في مواقع مميزة من بلادهم، وتوزع المطبوعات والملصقات هنا وهناك تحمل صورة "تري فوكس"، وهو يجري في حملة الأمل التي قادها، ويتم خلال فعاليات السباق الخيري جمع التبرعات من المشاركين لصالح الصندوق المخصّص للأبحاث.

    نعم... لم يتحقق ذلك النجاح الكبير، والانتشار الواسع لهذه الحملات الخيرية التطوعية بأهدافها المعنوية والمادية، والإعلامية لولا جهود المؤسسات الكندية الحكومية والتطوعية التي احتضنت وأطلقت هذه التجربة الإنسانية الكندية إلى العالم، من خلال قيام السفارات والبعثات الدبلوماسية الكندية، بدور مركزي في تنسيق ورعاية هذه السباقات وتنظيمها، لتكون رسائل محبة، وجسور مودة وتضامن بين الشعوب في مواجهة هموم إنسانية مشتركة، وهي لا تزال تسعى لإنجاح تجارب وإنجازات مواطنيها وتعميمها إلى شعوب العالم كافة.

    نجد أيضا العديد من الأمثلة الأخرى المشابهة، في بلاد العالم حيث تسعى الحكومات والمنظمات الأهلية، إلى إبراز تجارب مواطنيها وإسهاماتهم الإنسانية، في خدمة البشرية وإثرائها ، وليس أدل على ذلك من سيرة "هيلين كيللر" الأمريكية، و"سكركودوفا" الروسية، و"دونانت" السويسري، و "برايل" الفرنسي وغيرهم كثير وكثير ممن قدموا خدمات جليلة لمجتمعاتهم المحلية والإنسانية.

    وهنا يحق لنا أن نتساءل، ونحن نستعرض العديد من التجارب الإنسانية العربية البارزة على امتداد تاريخنا الطويل بين الماضي والحاضر، نتساءل ونحن نتذكر كل هؤلاء وغيرهم من المبدعين في حقول العلم والفن والأدب: ماذا فعلنا في سبيل إطلاع بعضنا البعض على هذه التجارب؟ وماذا فعلنا من أجل توثيقها وتقديمها للأجيال القادمة؟ بل وأكرر سؤالي الذي طرحته منذ سنوات طويلة، وفي أكثر من مناسبة، ماذا قدمت مؤسساتنا الحكومية والأهلية من أجل إطلاع شعوب العالم على تجاربنا الإنسانية؟

    إن هؤلاء الأفراد من أبناء مجتمعاتنا العربية يستحقون منا كل وفاء، لأنهم يمثلون قيماً إنسانية، وحق لهم وواجب علينا جميعاً أن نزهو بهم ونفخر، ونعمل على إيصال تجاربهم ورسائلهم الإنسانية إلى شعوب العالم الأخرى فحضارة الشعوب الحقيقية تكمن في احترام حقوق جميع أبنائها، والوفاء لهم، فالوفاء للإنسان من الوفاء للمجتمع والوطن، والوفاء للمجتمع هو حجر الزاوية في كل حضارة إنسانية تسعى نحو غد أفضل.

    منسق اليرموك للإعلام الخاص

    [/align]
يعمل...
X