دينيس جونسون ديفيز: أول مترجم للأدب العربي الحديث إلى الإنكليزية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • JHassan
    عضو مؤسس، مترجم مستقل
    • May 2006
    • 1295

    دينيس جونسون ديفيز: أول مترجم للأدب العربي الحديث إلى الإنكليزية


    «أنا أول مترجم للأدب العربي الحديث الى الانكليزية» ...
    دينيس جونسون ديفيز: الجهل مشكلة، والبلاد العربية لا تعرف أين هي
    أبو ظبي – عبد الحي محمد

    ...

    يترجم دينيس جونسون ديفيز (84 عاماً) الأدب العربي المعاصر الى الانكليزية منذ أربعينات القرن العشرين. ترجم محمود تيمور على نفقته الخاصة. وكان أول من ترجم نجيب محفوظ الى الانكليزية. «الحياة» التقته في أبو ظبي حيث زارها لأيام لإنجاز أحدث أعماله «مختارات مبوبة من القرآن الكريم» وهي فهرسة وتصنيف لآيات القرآن الكريم مع ترجمتها الى اللغة الإنكليزية.


    > لك باع طويل في الترجمة من العربية إلى الإنكليزية، ما الذي دفعك إلى الترجمة، هل هي الرغبة الشخصية، أم الاهتمام بالتبادل الثقافي، أم تلبية لحاجة سوق النشر؟

    - لم أفكر في بداية حياتي أن أكون مترجماً، وعشت طوال سنوات عمري خارج إنكلترا التي زرتها للمرة الأولى وعمري 12 سنة، ولم أكن مسروراً في الحياة فيها بسبب البرد الشديد هناك، والتحقت بإحدى مدارسها لكنني لم أنسجم فيها، وبعد عامين ولحسن حظي تركت المدرسة. ثم خطرت لي فكرة وشجعني والدي على تنفيذها، وهي أن أتعلم اللغة العربية حيث كنت سابقاً أعرفها وأنا في السودان أفضل من الإنكليزية، لكن عندما بدأت التعلم واجهت صعوبة. خلفيتي عن اللغة العربية لم تكن كافية. دخلت جامعة لندن وعمري 15 سنة لدراسة اللغة العربية، ثم جامعة كامبردج، وكنا أيامها في «عز» الاستشراق. كان المستشرقون يعتقدون بأن العربية لغة ميتة، وكنت قد درست في المدرسة اللاتينية واليونانية ولم أكن أرغب في دراسة لغة ميتة أخرى، وكان المستشرقون لا يتكلمون اللغة العربية. أذكر أن المستشرق نيكلسون (من أكبر المستشرقين في أيامنا وهو ألف كتباً كثيرة عن التصوف الإسلامي) لم يكن يتقن العربية ولم يكن يلقي السلام باللغة العربية على أحد منا، وكان الإقبال على تعلم اللغة العربية ضعيفاً جداً، أذكر أن عدد الطلبة الذين كانوا يتعلمون اللغة العربية في الجامعة لم يزد على 3 أفراد أنا أولهم ثم أبا أبيان الذي تولى وزارة الخارجية الإسرائيلية ومواطن إنكليزي. واشمأززت كثيراً من دراسة اللغة العربية في كامبردج وتركتها، ثم التحقت بهيئة الإذاعة البريطانية BBC على أساس أنني أعرف اللغة العربية، وفي الحقيقة لم أكن أعرفها، وأتذكر في أول يوم أدخل فيه استوديو الأخبار في العام 1940حينما استمعت إلى نشرة الأخبار باللغة العربية، ولم أفهم كلمة واحدة منها، لكن زملائي في الإذاعة وكان معظمهم من المصريين احتضنوني وشعرت أنني دخلت جامعة ثالثة كانت أشبه بكوخ فيه 30 عربياً وأنا البريطاني الوحيد بينهم. بدأت أتعلم منهم الفصحى والعامية، وقد علمني أحد الأصدقاء المصريين الزجل والأمثال الشعبية، وتدريجاً بدأت أفهم وأعبّر عن نفسي باللغة العربية.

    أثناء عملي في الإذاعة البريطانية وخلال أيام الحرب العالمية الثانية شعرت أن هناك نهضة في البلاد العربية خصوصاً في الأدب وقرأت قصصاً لمحمود تيمور وروايات لتوفيق الحكيم. عندما انتهت الحرب سافرت إلى مصر (1945) وكنت الأجنبي الوحيد المهتم بالحركة الجديدة، وساهم لويس عوض الذي تعرفت إليه في جامعة كامبردج في تعريفي الى الأدباء الكبار من أمثال طه حسين ويحيى حقي ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، وتأكدت أنه لا يوجد أجنبي غيري مهتم بالحركة الأدبية الجديدة، حيث كان كل المستشرقين يهتمون بالماضي. صممت أن أفعل شيئاً جديداً، وترجمت ونشرت مجموعة قصصية لمحمود تيمور على نفقتي الخاصة، وطبعتها دار النهضة في مصر عام 1947، ومن يومها وأنا مهتم بصورة كبيرة جداً بالأدب العربي. بدأت أفكر في عمل مشروع كبير لمجموعة قصصية من شتى البلدان العربية، وخلال السنوات من 1947 إلى 1967 كنت أجمع المادة اللازمة لها، وترجمت من العراق لعبدالملك نوري وفؤاد التكرلي، ومن لبنان ليلى بعلبكي، ومن سورية عبدالسلام العجيلي، ومن السودان الطيب صالح (ترجمت له «عرس الزين» و «الهجرة إلى الشمال»). وكان الادباء المصريون هم الأكثرية في تلك المجموعة. توالت ترجماتي ولم أتكسب من الترجمة، كما لم أضعها مصدراً رئيساً لدخلي المادي لأنها «لا تؤكل عيش» وقد عملت محامياً وموظفاً للعلاقات العامة في شركات نفط.


    > هل ترى أن الترجمة الأدبية من العربية إلى الإنكليزية تقدمت في العقدين الأخيرين؟ وهل تعتبر أن الكتب المنتخبة للترجمة غطت فعلاً الواقع الثقافي العربي؟ ألا ترى أن اختيار الكتب للترجمة يخضع لاعتبارات حكومية أو صداقات شخصية أو اهتمامات إعلامية بقضايا محددة مثل المرأة والجنس والأقليات؟

    - هناك شيء من التقدم الملموس في السنوات الأخيرة، ففي الأربعينات والخمسينات والستينات كان مستحيلاً أن تجد أحداً ينشر أي شيء مترجم عن اللغة العربية. ولكن الوضع تغير اليوم إلى حد ما، وعندما بدأت الترجمة لم يكن هناك مترجمون، فأنا أول مترجم للأدب العربي الحديث إلى اللغة الإنكليزية، والمجموعة القصصية التي أعددتها في أوائل الستينات واجهت مشكلة كبيرة، هي عدم وجود ناشر حيث ان الأدب العربي لم يكن معروفاً أو معترفاً به. وكان يحيى حقي «ينكت» علي دائماً عندما أذهب إليه فيقول لي بسخرية: ما هي أخبار مجموعتك؟ فأرد عليه: جاهزة لكن لا يوجد ناشر، فيرد بسخرية «ما زلت تبحث عن ناشر»!

    وفي إنكلترا كنت بحاجة إلى «واسطة» كبيرة لكي أنشر ترجماتي، ولحسن حظي تعرفت الى مسؤول كبير كانت لديه علاقة صداقة قوية مع موظف كبير في «مطبعة جامعة أوكسفورد» وشرحت له فكرتي بإصدار مجموعة قصصية عربية، واستحسنها، وقال لي، لم يفعل أحد غيرك سابقاً مثل ما فعلت. بالفعل نشرت تلك المجموعة في 1967 في لندن، وكانت «مطبعة جامعة أوكسفورد» من أفضل دور النشر في إنكلترا، وضمت تلك المجموعة القصصية قصة زعبلاوي لنجيب محفوظ وهي قصة ممتازة جداً، وقصصاً ليحيى حقي. وبعد صدور المجموعة أتى مسؤول يعمل في دار نشر مشهورة في لندن اسمها «حينما» وكان يعد لنشر سلسلة قصص وكتب تحت عنوان «كتاب أفريقيون»، واقترحت عليه أن أنشر ضمن تلك السلسلة أعمالاً لكتاب وأدباء من العرب، كما طلبت منه أن أضم كتاباً وأدباء من سورية، لكنه تحفظ وقال إن هذه السلسلة ستكون مخصصة لكتاب أفريقيين، وطورت اقتراحي، وقلت له إنني مستعد لأعد له مجموعة قصصية تحت اسم «مؤلفون عرب» ووافق، وحمّلني المسؤولية تجاهها من أولها إلى آخرها، فلم يكن هو وجميع موظفيه يعرفون شيئاً عن اللغة العربية. بدأت النشر بمجموعة قصصية للطيب صالح، وترجمت مجموعة شعرية لمحمود درويش، واستمرت تلك المجموعة في الصدور لمدة عامين إذ أفلست دار النشر بعد ذلك.

    وأعتقد أن الفضل وراء التقدم الملموس في ترجمة الأدب العربي ونشره باللغة الإنكليزية في السنوات الأخيرة يرجع إلى الجامعة الأميركية في القاهرة، ودخلت الجامعة إلى هذا المجال عندما كنت مستشاراً لها، وتصادف مع بداية عملي فيها تعيين مدير جديد لفرع النشر، وكان اسمه «موجلن» وهو أميركي من أصل ألماني، وكان يحب الأدب العربي ويريد أن يفعل له شيئاً، واقترحت عليه أن تستحدث الجامعة الأميركية جائزة باسم نجيب محفوظ بعد أن حصل على جائزة نوبل، وتقوم الجامعة بنشر العمل الأدبي الفائز بالجائزة، وقد اصطحبت موجلن للقاء نجيب محفوظ الذي أعجب بالفكرة وقال إنها ممتازة، ونجح هذا المشروع على مدار الـ12 سنة الماضية، وتصدر الجامعة حاليا الكتاب الذي يفوز بالجائزة سنوياً إضافة إلى كتب أخرى متميزة شاركت في المسابقة لكن لم تفز، ويصل عدد القصص المترجمة والمنشورة حالياً إلى 6 قصص سنوياً، وأي مترجم يرغب في ترجمة قصص أو روايات مصرية أو عربية يذهب الى الجامعة الأميركية ويتفق معهم على الترجمة والنشر.

    وبكل تأكيد، فإن الأعمال المترجمة حالياً إلى اللغة الإنكليزية ليست لها اعتبارات حكومية، بل هي رغبات وأهواء شخصية في المقام الأول، وقد سألني البعض لماذا لا أذهب إلى وزارة الثقافة في مصر، وأحصل منها على عناوين الكتب التي ترغب في ترجمتها، ولكنني لم أفعل هذا ولا أؤيده ولو كنت فعلته فلن أنشر الكتاب الذي أرغب فيه، بل الكتاب الذي يرغب فيه المسؤول في وزارة الثقافة، وعادة سيطلب مني ترجمة أعمال لصديق مسؤول الوزارة، وإذا كانت الوزارة لن تدفع لي أي أموال فلماذا أذهب إليها؟

    أعتقد أن الاعتبارات الحكومية في حركة الترجمة والنشر ليست موجودة، وهناك مترجمون كثيرون كانوا يرغبون في ترجمة كتب الجنس، وفي إحدى المرات جاءني صديق يطلب إلي ترجمة كتاب عن «الختان» ولكنني رفضت وقلت له لماذا نركز على الظواهر السلبية في المجتمع المصري ونظهرها للقارئ الأوروبي، وأعتقد أن الغالبية سيرفضونه، ونحن نريد أن نزيل الإشاعات التي تقول إن الأجانب يريدون إظهار الظواهر السلبية عن العرب، وليس معقولاً أن يقضي الإنسان سنوات طويلة من عمره في تعلم الترجمة ثم يسيء إلى البلاد العربية وأنا لا أؤمن بذلك.


    > ينظر إليك باعتبارك أول من قدم نجيب محفوظ إلى قراء اللغة الإنكليزية، وتحمس له، ما هي العناصر الأبرز في رواية نجيب محفوظ، هل هي العنصر الاجتماعي، أم تصوير الأبطال، أم تشريح الأحياء الشعبية، أم ماذا؟

    - قبل أن يحصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل كتب مقدمة لكتابي الذي أصدرته الجامعة الأميركية في القاهرة عن قصة حياتي وتجاربي، وذكر فيها أنني أول من ترجمت له، وكان ذلك العام 1946 بترجمة قصة من «همس الجنون»، وقد نسيت عنوان تلك القصة، وكنت في يوم من الأيام مع نجيب محفوظ، وسألني أحد الأصدقاء عن أول قصة ترجمتها له فقلت قصة زعبلاوي، لكن نجيب محفوظ قاطعني قائلاً: «لقد ترجمت قصة زعبلاوي في الستينات وقبل ذلك قمت بترجمة قصة من «همس الجنون» في الأربعينات»، فقلت له أنا لا أذكر اسم تلك القصة. وبعد ذلك قمت بترجمة مجموعة كاملة لقصص نجيب محفوظ، وبعد أن حصل على الجائزة ترجمت له قصصاً أكثر، علماً أنني ترجمت لأدباء مثل الطيب صالح قبل نجيب محفوظ، وكان ذلك في بداية 1946 وأعتقد أن أبرز ما تميزت به رواية نجيب محفوظ هي اهتمامه بالعنصر الاجتماعي بصورة كبيرة.


    > هناك تجارب لمجلات أدبية عربية صدرت في بريطانيا مثل مجلة «أصوات» التي توليت مسؤوليتها، ومجلات بريطانية عن الأدب العربي باللغة الإنكليزية مثل مجلة «بانيبال»، ما رأيك؟

    - أصدرت مجلة «أصوات» في الفترة من 1960 إلى 1963 باللغة العربية، ونشرت فيها لعدد كبير من أصدقائي الأدباء العرب مثل بدر شاكر السياب، وغسان كنفاني، وزكريا تامر، وكانت المجلة فصلية تنشر الشعر والقصة والنقد، أما مجلة «بانيبال» فتصدر باللغة الإنكليزية، ومهمتها تقديم الأدب العربي للقارئ الإنكليزي، وقدمت تلك المجلة وتقدم خدمة كبيرة للأدب العربي، كما كانت هناك مجلة «آزور» أي «الأزرق» أصدرتها السفارة الليبية، ومجلة «أور» أصدرتها السفارة العراقية في لندن وكنت أكتب فيها بصورة دائمة وكانت مجلة جميلة، وجيدة جداً.


    > تهتم منذ فترة بترجمة نصوص إسلامية، لماذا اتجهت إلى هذا النوع من الترجمة؟

    - السبب الرئيس وراء نزوعي الى ترجمة النصوص الدينية هو علاقة صداقة نشأت بيني وبين المستشار الثقافي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الدكتور عز الدين إبراهيم الذي التقيته بالصدفة أثناء سفري في الطائرة المتجهة إلى قطر في الستينات حيث كان يقيم هناك قبل أن يتولى مسؤولية الشؤون الثقافية للشيخ زايد. كنت ذهبت إلى قطر مع مدير شركة إعلان إنكليزية كمترجم له حيث كان يتعاقد مع حاكم قطر على إعداد فيلم وثائقي عن قطر، وفوجئت حينما أكد لي الدكتور عز الدين إبراهيم أنه قرأ لي ترجمة مسرحية «يا طالع الشجرة» لتوفيق الحكيم، وذكر أنه أعجب بها في شكل كبير، وعرض عليّ أن نتعاون معاً في الترجمة، ووعدته خيراً. لكن سافرت إلى مصر، ومضت سنوات طويلة إلى أن زرت الإمارات والتقيت بالدكتور عز الدين إبراهيم، وفي بيته التقيت مع أحد تلامذتي في جامعة القاهرة واسمه علي رياض الذي شجعني على ترجمة النصوص الإسلامية. وأعطاني الدكتور إبراهيم كتاب «رياض الصالحين»، وأمهلني فرصة لقراءته وبعد أيام كرر عرضه عليّ أن نتعاون معاً في ترجمة الأحاديث القدسية والنبوية، وفكرت في الأمر بصورة عميقة، لأنني لم أعتد على إعداد ترجمة مشتركة مع أي أحد منذ بداية حياتي، ولم أحبها، ورفضت عروضاً لترجمة روايات نجيب محفوظ حيث طالبت الجهات الراغبة في الترجمة أن يقوم شخص عربي بإعداد ترجمة أولية للروايات، ثم أقوم أنا بتصحيحها وتنقيحها، وأكدت لهم أنني أتحمل مسؤولية الترجمة من أولها إلى آخرها، وقلت لهم إذا كان لا يوجد لديكم لجنة تأليف كتاب فلماذا تصرون على وجود لجنة لترجمة كتاب؟ وكنت دائماً ضد الترجمة المشتركة لكن مع الدكتور عز الدين إبراهيم غيرت رأيي بعد أن أقنعني بسمو مشروع ترجمة الأحاديث القدسية والنبوية، فضلاً عن أن ترجمتها تحتاج إلى دقة متناهية ودراية كبيرة باللغتين، كما أن الدكتور عز الدين متمكن من اللغة الإنكليزية ومرجعية إسلامية كبيرة في منطقة الخليج، وأنجزنا معاً تراجم لثلاثة كتب حول الأحاديث القدسية والنبوية و «الكلم الطيب» لابن تيمية، ونقوم حالياً بإعداد دراسة مبوبة وغير مسبوقة لآيات القرآن الكريم باللغتين العربية والإنكليزية ستحقق فائدة كبيرة للإسلام في العالم أجمع، وأؤكد ان توجهي الى ترجمة النصوص الإسلامية لم يكن تلبية لحاجة قارئ اللغة الإنكليزية لمعرفة أوسع عن الإسلام، لأن هذا القارئ غير مهتم بالمرة بالإسلام، كما أن اهتمام العالم الغربي بالإسلام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ينصب على معرفة التطرف الإسلامي، وهناك جهل كبير لديه بالإسلام والمسلمين، كما أن هناك جهلاً من العرب والمسلمين بالعالم الغربي.


    > من هم أكثر جهلاً تجاه الآخر، ولماذا هذا الجهل المتبادل؟

    - هم سواسية، والجهل الذي تراه في إنكلترا وأوروبا تراه أيضاً في البلاد العربية، وللأسف الجهل مشكلة كبيرة جداً كما أنها صعبة للغاية وتستفحل، والبلاد العربية لا تعرف أين هي، وماذا تريد بالضبط؟ وماذا تفعل؟ ولماذا؟ وهي غير مهتمة مطلقاً بأوروبا وأميركا، وأعتقد أن الجهل في أفريقيا أكبر، والمشكلة الأكبر هي أن هذا الجهل يزداد اليوم كثيراً عن الماضي، ففي الأربعينات عندما ذهبت إلى مصر لم يكن الجهل في هذا الشكل. كان هناك أمثال لويس عوض ويحيى حقي ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وطه حسين، واليوم لا يوجد أمثال هؤلاء، كما اختفى نظام البعثات، ولا توجد صدقية في مكافأة المبدعين، ورفض صنع الله إبراهيم جائزة الدولة، وقال: لا توجد فيها صدقية. وأعتقد أن القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى على رغم دورها المهم في متابعة أخبار العالم، إلا أن دورها في علاج هذا الجهل محدود لغاية، ونحن نحتاج إلى أناس من لحم ودم يتحاورون. وأخيراً صدر كتاب عن القاهرة لجون رودنبرغ بالإنكليزية، وكتب فيه أنه يتجول يومياً بين المعادي ومناطق متفرقة من القاهرة فلا يرى شخصاً واحداً يحمل كتاباً غير المصحف. الإقبال على معرض القاهرة الدولي للكتاب ليس لشراء الكتب بل للزيارة، ولا أحد في القاهرة يقرأ، حتى أن الكتّاب المعروفين يدفعون أموالاًَ لكي تنشر دور النشر أعمالهم الإبداعية، وأعتقد أن مبيعات كتب الأدباء قليلة للغاية. أديب بارز مثل محمد البساطي لا يبيع من مجموعته القصصية إلا 500 نسخة، وتدني مستوى التعليم له دور كبير في هذا الصدد، ومن النادر اليوم أن تجد أديباً يتكلم ارتجالاً باللغة العربية الفصحى، كما أن غالبية الأدباء المحدثين لا يعرفون اللغة الإنكليزية عكس القدامى، وأتذكر عندما جئت إلى القاهرة في العام 1945 للتدريس في جامعة فؤاد الأول، فإن كل الأساتذة كانوا من إنكلترا ما عدا لويس عوض، أما اليوم فإن أساتذة الجامعات المصرية مصريون جميعاً، وقابلت أخيراً أساتذة كباراً لا يتقنون النطق باللغة الإنكليزية.


    > هل تزور إنكلترا، وهل لك علاقة بمؤسساتها الأكاديمية؟

    - لا توجد لي علاقة مع إنكلترا مطلقاً منذ زمن طويل ولم أحبها منذ طفولتي.


    > تعيش منذ فترة طويلة في مصر، فلماذا اخترتها؟

    - أحببت مصر منذ طفولتي، وقضيت فيها معظم سنوات عمري. سكنت في حي السكاكيني، وأعتقد انني شخصية أجنبية نادرة في حقل الترجمة، وسبب الندرة قد يرجع إلى أننى منذ طفولتي عشت خارج إنكلترا، وعشت مع العرب سنوات طويلة، وزرت بلادهم، وكنت وما زلت مبسوطاً جداً من الحياة معهم، عكس مستشرقين آخرين وعلى رأسهم نيكلسون وهو لم يزر بلداً عربياً واحداً في حياته على رغم أنه يعتبر من المستشرقين الممتازين الذين أعدوا دراسات متميزة وغير مسبوقة في التصوف الإسلامي، وترجم من اللغة الفارسية كتاب «المثنوي» لجلال الدين الرومي.


    > من لفت نظرك في الأدب العربي المعاصر؟

    - يحيى الطاهر عبدالله، وهو شخصية غير معروفة في شكل كبير، وله قصة معي، فقد ذهبت الى توفيق الحكيم وقلت له إنني أرغب في إصدار ترجمة لمجموعة قصصية ليحي الطاهر عبدالله بشرط أن تكون المجموعة في غلاف سميك وورق مصقول، وأرغب في أن تساعدني مؤسسات ثقافية مصرية بطلب نحو 200 نسخة منها حتى أستطيع طباعتها، وسألته هل يعرف أحداً من المسؤولين في وزارة الثقافة المصرية ليساعدني؟ فقال لي لا أعرف أحداً، لكن الفنان صلاح طاهر الذي حضر معنا اللقاء رد عليه بأن وكيل الوزارة يتمنى تلبية أي طلب لتوفيق الحكيم، وبالفعل أرسلني إليه وعندما التقيته، قلت له إن لدي مجموعة قصصية ليحي الطاهر عبدالله جاهزة للنشر، فسألني بسخرية، هل ترجمت ليحي الطاهر الصعلوك؟ فقلت له: نعم هو صعلوك لكنه موهوب، وهذا هو المهم في نظري ولم تُطبع المجموعة، ولم أطرق في حياتي أبواب الحكام والمسؤولين لمساعدتي في نشر ترجماتي لأنني أعتقد جازماً أنهم غير مهتمين بالثقافة وأن لديهم اهتمامات أخرى، واليوم أحب جداً محمد البساطي وهو في نظري كاتب قصة قصيرة موهوب، وكذلك إبراهيم أصلان وقد ترجمت لهما ولغيرهما من الأدباء العرب الكثير ولدي ترجمات لقصص أكثر من 80 كاتباً عربياً غالبيتهم من المصريين، وسيصدر لي خلال شهر أيلول المقبل كتاب ضخم عبارة عن أنطولوجيا (موسوعة مختارات) عن الأدب العربي المعاصر. ذهبت إلى إنكلترا لنشرها لكنني لم أوفق في الحصول على ناشر، وعدت إلى مصر حزيناً، وعلم مسؤول في الجامعة الأميركية بذلك وفوجئت به منذ أيام يؤكد لي أنه اتفق مع دار نشر أميركية لإصدارها، وقد اخترت تلك المختارات قصصاً قصيرة وأجزاء من روايات لـ 78 كاتباً عربياً، وكتبت نبذة تعريفية عن كل كاتب ودوره في الحركة الأدبية العربية المعاصرة. وخلال حياتي ترجمت 28 كتاباً في الأدب العربي المعاصر وأتمنى أن أكملها إلى 30 كتاباً، وأبحث حالياً عن مجموعة قصصية من الإمارات لكن المادة المتوافرة لي حالياً ضعيفة، كما ترجمت 40 كتاباً للأطفال صدر عدد كبير منها في مصر من طريق دار الشروق وبعض هذه الكتب من تأليفي وبعضها الآخر مأخوذ من التراث العربي وفيها كتب عن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) والصحابة وحكايات «ألف ليلة ولية» و «كليلة ودمنة» وأنا معجب بهذه الترجمات للأطفال لأنهم هم المستقبل.


    المصدر: صحيفة الحياة


    جميلة حسن
    وما من كاتـب إلا سيفنى ****** ويبقي الدهر ما كتبت يداه
    فلا تكتب بكفك غير شيء ****** يسرك في القيامة أن تـراه
يعمل...
X