كاتب تونسي وموضوع أسلمة المعرفة والهروب من الذات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كاتب تونسي وموضوع أسلمة المعرفة والهروب من الذات

    نشر موقع الجزيرة بالموقع التالي
    http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0044C307-8475-46AB-8CE5-BA06F281B10D.htm
    المقال التالي
    أسلمة المعرفة والهروب من الذات







    عادل لطيفي


    السياق العام لفكرة أسلمة العلوم
    منطلقات معرفية خاطئة
    مواجهة الغرب أم نفي للذات؟

    ما انفكت في السنوات الأخيرة تتعالى في العالم العربي والإسلامي بعض الأصوات المنادية بضرورة القطع مع ما تسميه بالعلوم الغربية، وإنشاء منظومة معرفية علمية إسلامية. وتحاول هذه الرؤية التي يتبناها بعض الأكاديميين، أن تبني شرعيتها من خلال التركيز على خصوصية العلم الغربي باعتبار ارتباطه النهائي بظروف نشأته، أي السياق الثقافي والاجتماعي الغربي.

    كما يخلص أصحاب هذا الرأي إلى استحالة تطبيق منهج محكوم بالخصوصية على سياقات أخرى مغايرة تماما للحالة الغربية، وهذا هو حال الإسلام.

    ويركز هؤلاء بدرجة أولى على مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تتخذ من الإنسان موضوعها الأساسي. ذلك أن هدفهم غير المعلن يتمثل في رفض مقنع للحفر في خبايا الذات تحت شعار أسلمة المعرفة.

    فالنقاش حول المنهج ليس إلا وسيلة لإخفاء الموضوع -أي الإسلام والإنسان المسلم- وإخراجه من دائرة الممكن التفكير فيه.


    السياق العام لفكرة أسلمة العلوم
    أعتقد أن مثل هذا الموقف الذي يحاول -دون وعي- خلق قطيعة إبستيمولوجية يبقى موسوما ببعض السذاجة المرتبطة بسطحية فهمه للثالوث المفهومي لنظريته، أي العلم والغرب ثم الإسلام.

    هذا زيادة على كون القول بغربية العلم يمثل إجحافا في حق دور الإسلام التاريخي في بلورة العقلانية الإنسانية. لكن قبل البرهنة على ذلك، لا بد من التوضيح أن المقصود بمصطلح المعرفة الوارد هنا هو المعرفة العقلانية التي عادة ما نختصرها بمصطلح العلم.

    "
    محاولة الأصوات المنادية في العالم العربي والإسلامي بضرورة القطع مع ما تسميه بالعلوم الغربية تبقى موسومة ببعض السذاجة المرتبطة بسطحية فهم الثالوث: العلم والغرب ثم الإسلام
    "
    فالمعرفة في مستواها المطلق تشمل كذلك مصادر أخرى مثل المعرفة النقلية أو المعرفة الحدسية التي تركز عليها المنظومات المعرفية الدينية المختلفة.

    هل يإمكان العالم الغربي أن يفكر في مجتمعات لم ينشأ فيها؟ السؤال ليس بجديد، وهو لا يقتصر على حالة المسلمين، فقد طرح خاصة في مجال علم الأنثروبولوجيا الذي ما زال إلى اليوم يدفع ثمن الظروف التاريخية لنشأته، أي ارتباطه الثابت أو المزعوم بالمد الاستعماري الأوروبي.

    وليس أدل على ذلك النقاش الطويل خلال التسعينات من القرن الماضي، والذي أثاره كتاب الباحث الأميركي من أصل سريلانكي غاغاناث أوبيسيكيري في رده على عالم الأنثروبولوجيا مارشال ساهلينز حول أسطورة المستكشف الإنجليزي توماس كوك.

    فقد رأى الأول أن ساهلينز غير مهيأ لفهم عقلية الشعوب التي تعامل معها المستكشف لأنه لا يفهم ثقافة جزر هاواي التي قتلت النقيب الإنجليزي كوك بعدما اتخذته إلاهها في البداية.

    ويرى أوبيسيكيري أن فكرة تأليه السكان المحليين للبحار الإنجليزي ليست إلا عينة تثبت عملية إنتاج الآخر -غير الأوروبي وغير الأبيض- في المخيال الغربي. وهو يذهب أكثر من ذلك عند نقده لما يمكن تسميته بالسلوك المعرفي الغربي الذي يستبطن الغرب كنموذج وكمرجع لفهم سياقات أخرى.

    في نفس هذا السياق يمكننا أن ننزل كتاب إدوارد سعيد حول الاستشراق، رغم أنه سابق للسجال حول قصة النقيب كوك. لقد كان الهدف الرئيسي لعمل سعيد تفكيك الخطاب الاستشراقي حول الشرق وإبراز أن هذا الشرق لا يعد في نهاية الأمر إلا صورة مبتكرة توهم -اعتمادا على جاذبيتها المعرفية- بأنها الشرق ذاته بعناصره الثقافية والاجتماعية الحقيقية.

    لقد ندد سعيد في الحقيقة بالسلوك المعرفي الذي لم يتخلص من عائقه الإبستيمولوجي الرئيسي أي ذاتية الباحث. كما أنه ثار ضد تلك الصورة المغلوطة عن الشرق والمتولدة حتما عن ذاتية البحث كممارسة مرتبطة بسياق غربي.

    يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك في تقفي أثر الأدبيات التي خصصت لنقد العلم الغربي. وفي هذا الإطار لابد من الرجوع إلى ثلاثة أسماء سخرت جهدها لهذا الهدف: الألماني نيتشه والفرنسيان ميشال فوكو وجاك دريدا.

    كان نيتشه قد ثار على النظم المعرفية في عصره وبين قصورها وطالب بتجاوزها. لقد قدم هذا الفيلسوف أول محاولة لتجاوز عقل الأنوار، فمثّل بذلك جذور ما بعد الحداثة في زمن ما زالت فيه الحداثة منبهرة بأولى فتوحاتها.

    وبدوره نحا ميشال فوكو نفس المنحى وأنجز عملا نقديا رائعا معتمدا على النبش في السياق الإبستيمولوجي العام لولادة المعرفة في الغرب، وقد لخص جهده وطريقته في مفهوم أركيولوجية المعرفة، وهو منهج قادر على الخروج من يقينية عقل الأنوار.

    لقد تبلور هذا المنهج النقدي أكثر مع أعمال جاك ديريدا الذي مثلت تفكيكيته إعلانا مباشرا عن ضرورة تجاوز المعرفة الفلسفية للحداثة المؤسسة على عقل الأنوار.

    هذا هو إذن السياق النظري العام لما يمكن تسميته بأدبيات نقد المعرفة العلمية في السياق الغربي، وكما أسلفنا فهي تعود إلى جذور سابقة للجدال الحالي في العالم العربي والإسلامي حول أسلمة المعرفة العلمية. فهل يمكننا أن ننزل التوجه نحو أسلمة المعرفة العلمية في نفس هذا السياق؟


    "
    من بين الأدلة على محدودية وخطأ المنطلقات المعرفية للدعوة إلى أسلمة العلم، ذلك الخلط المفهومي والتاريخي الذي انبنى عليه هذا الموقف، فهو لا يميز بين مختلف مستويات العلم، أي النظرية والمنهج والممارسة
    "
    منطلقات معرفية خاطئة
    لا أعتقد بأن رفض ما يسمى العلم الغربي في بعض الأوساط التي تنادي بأسلمته يتنزل ضمن نفس التوجه الإبستيمولوجي النقدي الذي تم استعراضه، رغم أن بعض الطروحات تقدم نفسها على أنها كانت سباقة إلى مثل هذا العمل النقدي.

    فقد غاب على هؤلاء أن العلم في السياق الغربي ليس مجرد وسيلة منهجية لإنتاج المعرفة، وإنما يشكل موضوع هذه المعرفة كذلك. إن القدرة الإبداعية لهذا العقل تكمن في قدرته على التفكير في ذاته، وهو ما يعطيه إمكانات التجدد والحيوية.

    فنفس هذا العقل الذي أنتج نظرية النشوء والارتقاء أنتج كذلك علم الوراثة الذي كشف عن بعض قصور نظرية داروين. كما أن هذا العقل الذي أنتج التحليل النفسي أفرز أيضا العديد من النظريات في العلوم الاجتماعية التي حدّت من يقينية فرويد.

    ثغرات العلم ليست جديدة على العلم الغربي طالما أنها مثلت موضوعا فلسفيا مزمنا كان غاستون باشلار قد خصص له حيزا هاما من أعماله.

    أقول هذا كي أفنّد الادعاء بأن الدعوة إلى تجاوز العلم الغربي ناتجة عن عجزه عن فهم الإسلام والمسلمين كموضوع، فهناك حدود لهذه المعرفة بالطبع لكنها مرتبطة أكثر بنسبية المعرفة العلمية، وهي ليست مرتبطة بعلاقة هيكلية بين الشرق والغرب أو بخصوصية الشرق.

    نضيف إلى هذا أن الثغرات والحدود ليست متعلقة فقط بالإسلام وبالمسلمين والعروبة، فهي ماثلة كذلك في حالة دراسة المجتمع الغربي نفسه.

    من بين الأدلة كذلك على محدودية وخطأ المنطلقات المعرفية للدعوة إلى أسلمة العلم نذكر ذلك الخلط المفهومي والتاريخي الذي انبنى عليه هذا الموقف. فهو لا يميز بين مختلف مستويات العلم، أي النظرية والمنهج والممارسة.

    لقد انتقد إدوارد سعيد وأوبيسيكيري نظريات الاستشراق والمعرفة الأنثروبولوجية الاستشراقية كممارسة وليس كمنهج، وذلك لسبب بسيط هو أنهم انتقدوا ذاتية الممارسة المعرفية اعتمادا على صرامة المنهج وموضوعية النظرية، وهم لم يطالبوا قط بتأسيس علم إسلامي وآخر هندي أو صيني.. لقد ميزوا بين ذاتية العالم وموضوعية العلم.

    يبدو الأمر على نحو أخطر إذا أضفنا إلى هذا الخلط المفهومي خلطا تاريخيا يتجنى ليس على الغرب فقط وإنما على الإسلام أيضا. فالقول بغربية العلم فيه الكثير من التجني على التاريخ وعلى الإسلام لما فيه من تناس لمحتوى ثري من العلم ومن المعرفة العقلانية العربية الإسلامية التي يتضمنها العقل الغربي.

    يقول الأوروبيون ويساندهم في ذلك المثقفون التقليديون في البلاد العربية والإسلامية، بأن أصل العقلانية الغربية يعود إلى الفلسفة الإغريقية. لكن إلى أي مدى يمكننا اعتبار العقل الفلسفي عقلا إغريقيا محضا؟ وحتى وإن كان الأمر كذلك هل يمكن اعتبار بلاد الإغريق في العصور القديمة جزءا من أوروبا أم من الشرق؟ الإجابة بسيطة فأوروبا كفضاء حضاري لم تكن موجودة وقتها، هذا ما يفسر اتجاه فتوحات الإسكندر المقدوني شرقا وليس غربا، أي نحو العالم الكلي لتلك الفترة، بلاد الفراعنة والرافدين وفارس والهند.


    "
    من الواضح أن إقصاء الآخر الغربي ومعرفته يخفي عملية إقصاء جزء من الأنا عبر قراءة انتقائية للتاريخ وللهوية والتراث، قراءة تستند إلى هواجس السياق السياسي العام أكثر من استنادها إلى معرفة تاريخية رصينة
    "
    مواجهة الغرب أم نفي الذات؟
    يقدم الداعون إلى أسلمة العلم أفكارهم على أنها تندرج ضمن رؤية لتحقيق الذات العربية والإسلامية بعيدا عن هيمنة الآخر الغربي. غير أن المنطلقات النظرية الخاطئة لهذا الرأي تجعل الموقف من الغرب المزعوم يخفي موقفا آخر تجاه الذات، أي تجاه الإنسان في السياق العربي والإسلامي.

    إن القول بغربية العقل والمعرفة العقلانية فيه تجنٍّ كبير على علم الكلام العربي الإسلامي وعلى المعتزلة الذين أسسوا البعد العقلي للإيمان في الإسلام. كما فيه تجنٍّ كبير على أعلام مثل ابن سينا والرازي والجاحظ والفرابي وابن رشد، هؤلاء الذين لم يكتفوا بأطروحات أفلاطون وسقراط بل أضافوا إليها الكثير من عمق إبداعاتهم.

    لقد بقيت هذه الأسماء لأزيد من قرنين البوابة الرئيسية لاطلاع أوروبا على المعرفة العقلانية. لا يمكننا أن ننكر في هذا السياق أن مبدأ القياس كأصل من أصول الفقه الذي أسسه الشافعي، هو في الحقيقة مبدأ أرسطي أدخله بعض رواد الفكر المعتزلي مثل أبو الهذيل العلاف والجاحظ وإبراهيم النظام.

    قد لا تعني أسماء هؤلاء الفلاسفة شيئا لبعض المنادين بأسلمة العلم، ذلك أنهم محكومون بطبيعة فهمهم الضيق والإقصائي للإسلام، لأنهم عادة ما يحصرونه في البعد القيمي الإيماني (التوحيد) وفي البعد الإجرائي العملي (الفقه) دون النظر إلى السياق الثقافي العام.

    من الواضح هنا أن إقصاء الآخر الغربي ومعرفته يخفي عملية إقصاء جزء من الأنا عبر قراءة انتقائية للتاريخ وللهوية والتراث، قراءة تستند إلى هواجس السياق السياسي العام أكثر من استنادها إلى معرفة تاريخية رصينة.

    لا بد من التذكير هنا أن علما بوزن ابن خلدون الذي يعتبره دعاة أسلمة العلم نموذجا لرؤيتهم، بقي ينتظر علماء أوروبا للخروج من طي النسيان في وطن استسلم لسذاجة القول بمرجعية السلف الصالح.

    نذكر كذلك أن أرنست غلنر درس قبائل الأطلس المغربي انطلاقا من فكرة العصبية القبلية ومن مبدأ التعارض الهيكلي بين عالم المدينة وعالم البداوة، أي انطلاقا من أفكار ابن خلدون.

    "
    ما زال الكثيرون في الفضاء العربي والإسلامي ينادون بشعارات فارغة من أي مضمون مثل أسلمة العلم أو كذلك أسلمة الحداثة، شعارات تهدف أصلا إلى إبعاد الإنسان في هذا الفضاء عن الحداثة الحقيقية
    "
    إن الخط الفاصل بين العلم من ناحية وبين السياقات الثقافية والدينية ليس على تلك الدرجة من الوضوح التي تمكننا من تبني قراءة للمعرفة العلمية غارقة في الخصوصية.

    فهذه المعرفة في بعدها المطلق تمثل إفرازا لتجربة إنسانية تاريخية راكمت على إثرها شعوب عديدة وبدرجات متفاوتة تجاربها لتصيغ ما نسميه اليوم بالعلم.

    وعلى الذين يحاولون تأسيس علم إسلامي محض وبالمعنى الفلسفي لمفهوم العلم، الاقتناع باستحالة ذلك لأن أي ربط للمعرفة العقلية بالخصوصية الدينية هو في النهاية نفي للعلم ذاته.

    يمكننا الذهاب أبعد من ذلك لأن قضية تحديد نوعية المعرفة التي يحتاجها الإنسان في السياق العربي والإسلامي، تتجاوز حدود السجال الأكاديمي لترتبط بفكرة النهضة.

    فقد حققت اليابان نهضتها كما بدأت الصين والهند تشق نفس الطريق لأن شعوب هذه البلدان انخرطت في مسار المساهمة في خلق الحداثة الإنسانية الوضعية من منطلق وعيها بضرورة الاستفادة من تراكم التجربة الإنسانية.

    على عكس هذا الخيار ما زال الكثيرون في الفضاء العربي والإسلامي ينادون بشعارات فارغة من أي مضمون مثل أسلمة العلم أو كذلك أسلمة الحداثة، شعارات تهدف أصلا إلى إبعاد الإنسان في هذا الفضاء عن الحداثة الحقيقة.


    * الكاتب تونسي



  • #2
    الرد على الكاتب التونسي

    أساتذتنا العائدين من الخارج مشكلة المشاكل في منظومتنا التعليمية

    وأظن أن الكثير سيسيء فهمي من العنوان الذي اخترته ولا ألومهم على ذلك، وهنا يجب أن أعلن هنا أنها ليست دعوة لمقاطعة إرسال أي شخص لكل أرجاء المعمورة لطلب العلم أو غير ذلك، بل بالعكس أنا من مناصريها ما دامت في توفير ما ينقصنا من علوم وباحثين في أي مجال من مجالات الحياة، ولكن هي دعوة للاستفادة منهم لكي يكونوا حجر بناء في صرح تطورنا بدل أن يكونوا معول هدم من حيث لا يشعرون.

    كل من ذهب للغرب كمثال في حالنا هذا قد ذهب للدراسة في منظومة فكرية مبنية على الصراع بين الأضداد وعدم وجود خالق وكل شيء وجد بالصدفة ولذلك كل شيء مبني على المشاهدة ومن لصق المعنى أو الاسم الدلالي به.

    وكل موادهم التعليمية مبنية على ذلك، فيشرب منها وينهل مناهل العلم وفق هذه المنظومة، وإن دخل في سلك التعليم هناك بعد أن يتخرج منها تكون كل كتاباته لكراسات التدريس لطلاب تلك المنظومة يجب أن تكون وفق نفس مفاهيم تلك المنظومة بالضرورة إلا من رحم ربي في العادة.

    عندما يعود إلى مناطقنا والتي المفروض هي مبنية على منظومة فكرية أخرى تعتمد على التكامل وأن هناك خالق وكل شيء مخلوق ولذلك كل شيء يجب أن يكون مبني على الاستقراء ثم الاستنباط.

    في العادة وربما بسبب الكسل أو الظن بأن هذا أفضل أسلوب في خدمة الصرح التعليمي الذي ألتحق به، يقوم باستخدام نفس كراساته للتدريس التي استخدمها في المنظومة الغربية، وإن تعب يقوم بترجمتها حرفيا.

    أظن هذه العملية هي التي زرعت التشوه المنظومي الفكري في أجيالنا في القرن الماضي وإن لم ننتبه ونصلح هذه المشكلة ستنتقل للقرن الحالي حيث أدى ذلك إلى ضبابية واضحة في المفاهيم والتفاسير والتصرفات في كل شيء تقريبا. وبالتالي أدت إلى الكثير من التشوهات الاجتماعية والصراع السياسي والفكري والغربة وتحطيم الكثير من المضادات الحيوية للمجتمع في مواجهة الكثير من الأمراض التي يمكن أن تهاجمه بين الحين والآخر.

    فلذلك أنا أنصح أن يخضع كل من يعود من الخارج لدورة تأهيل قبل التحاقه بمنظومتنا التعليمية أو دوائر ومؤسسات وشركات المجتمع للاستفادة من الخبرات التي حصل عليها من دراسته ويكون عون في تطور المنطقة.

    وأقترح أن تشمل التالي تلك الدورات:

    تنبيهه على المنظومة الفكرية التي كان يدرس فيها وما مقدار الاختلاف بين تلك المنظومة والمنظومة الفكرية العربية،

    وفي مثالنا المنظومة الفكرية الغربية كمثال وهي منظومة مبنية على الصراع بين الأضداد وعدم وجود خالق وكل شيء موجود بالصدفة ولذلك منظومتهم التعليمية مبنية على المشاهدة ثم لصق المعنى الدلالي أو الاسم بها. في حين أن منظومتنا الفكرية مبنية على أن هناك خالق وكل شيء مخلوق ولذلك منظومتنا التعليمية مبنية على الاستقراء ومن ثم الاستنباط.

    التأكد من إعادة صياغة كل كراساته التعليمية لكي تشرح المادة العلمية وفق منظومتنا الفكرية العربية.

    إعطاءه دورة في مفهوم التدريس وفق المنظومة الفكرية التعليمية العربية لكي ينتبه على الفرق بين المنظومتين.

    تحضير قائمة بالكتب والمصادر العلمية التي تم سبق أن عالجت موضوع تخصصه ساهم بها من سبقه من أجدادنا أو معاصريه في المنطقة أثناء فترة غيابه لكي يتعرف عليها وربما يستخدمها أو يحتاجها أو يستنير بها في مجاله.

    وهنا يجب أن أنبه على ضرورة أن يكون المسئولين عن هذه الدورات المتغيرة آنيا حسب الحاجة والتخصص، يجب أن يكونوا مؤهلين لذلك علميا، وممن يماثلوه كفاءة ولهم خبرة في مجاله، فالموضوع ليس تقليل قيمة ولكن الهدف الأساس هو الاستفادة من خبراته العلمية ولكي تكون حجر بناء حقيقي يفيد في تطوير المجتمع.

    وختاما أقول إن طرحي لأفكاري ليس من باب الصراع أو التقييم أو التهجم أو الفصل بيننا وبين الغرب فكلنا بشر ولكن هي مدارس،

    طرحي للموضوع من باب المعرفة بالخصائص لكي نستطيع أن نرى الصورة بوضوح لكي نفهم ونحلل ونقتبس بوعي إن احتجنا أي موضوع، أنا تكلمت عن المنظومة الفكرية الغربية وعن المنظومة الفكرية العربية وليس عن المجتمع الغربي أو المجتمع العربي فعند كلامي عن المجتمع فيجب أن أضيف عليه، وسيكون قولي

    المجتمع الغربي وحدته الأساسية الفرد ومنظومته الفكرية مبنية على الصراع بين الأضداد وعدم وجود خالق وكل شيء وجد صدفة ولذلك هم يعتمدوا المشاهدة ومن ثم التصديق بالمعنى الدلالي أو الاسم وبهم لوثات ثقافية مبنية على تراث مستخرج من كتب العهد القديم والجديد

    أما المجتمع العربي وحدته الأساسية الأسرة ومنظومته الفكرية مبنية على التكامل ووجود خالق وكل شيء مخلوق ولذلك يعتمدوا على الاستقراء ومن ثم الاستنباط وبهم لوثات ثقافية مبنية على ما ورد من المنظومة الغربية


    تعليق

    • amshahbawy
      عضو منتسب
      • May 2006
      • 255

      #3
      الرد على الكاتب التونسي

      فلذلك أنا أنصح أن يخضع كل من يعود من الخارج لدورة تأهيل قبل التحاقه بمنظومتنا التعليمية أو دوائر ومؤسسات وشركات المجتمع للاستفادة من الخبرات التي حصل عليها من دراسته ويكون عون في تطور المنطقة.
      الأستاذ الفاضل
      كلامك من الناحية النظرية ممتاز ومقبول لأبعد الحدود ولكن على أرض الواقع الامر يختلف. فالعرب مازالوا غارقين فى عقدة الخواجه فلن يرضى اى استاذ درس بالخارج وحصل على الدكتوراة او حتى حصل على اى شهاذة جامعية من الخارج أن يخضع أو ان يلتحق بدورة فى بلده العربى لانه سيعتبر هذا إنقاصا من قدره. غير ان الكليات والجامعات تستقبل العائدين من الخارج بعد الدراسه إستقبال - أستغفر الله- الوحى من السماء ولا تستطيع ان تعترض على اى منهم ولو فعلت يقال لك( ايه ياسيدى ده دارس بره, ده مخه متفتح)
      على الرغم من أن العديد منهم يفرغ سموم الغرب فى بحار المعرفة لينهل منها طلاب الشرق المسلمين. أرجوا الا يضيق صدرك من ملاحظتي هذة.

      همم الرجــــال
      أعلى من قمم الجبال

      تعليق


      • #4
        الأصل في طرح المواضيع في المنتديات هو المناقشة وتمحيص الآراء



        عزيزي أحمد

        الأصل في طرح المواضيع في المنتديات هو المناقشة وتمحيص الآراء، وأنا أصلا أكتب من أجل أن يتم مناقشة ما أكتب بدون أي رهبة من الأسم الذي خلف الكلمات، حتى أنا أستفيد من سماع وجهات نظر وتصويبات الآخرين هذا أولا.

        ثانيا نحن المفروض علينا أن نكتب عما لدينا من خبرات من أجل أن يستفيد منها الجميع وياريت يصل إلى أهل الحل والعقد لكي يفيدوا به الأمة إن كان فيها صالحا وفي مصلحة الأمة، فهم أولا وأخيرا أفراد مثلي ومثلك ويحتاجوا إلى جميع خبراتنا وآرائنا في كل شيء.

        أم أنت تظن هم من طينة ثانية؟

        ;-)

        تعليق


        • #5
          كاتب تونسي آخر ومناقشة أسباب تخلفنا من جريدة القدس العربي

          نشرت القدس العربي في الموقع التالي المقالة التالية
          http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\06\06-29\qpt1.htm&storytitle=ffمحاولة%20للجواب%20علي%20س ؤال%20مقلق:%20لماذا%20تخلفت%20الثقافة%20الاسلامية؟ fff


          [/color][/size][/b]محاولة للجواب علي سؤال مقلق: لماذا تخلفت الثقافة الاسلامية؟



          د. عزالدّين عناية
          يعدّ اللاّهوتي الالماني السويسري هانس كونغ (1928م)، من بين ثلّة من المفكّرين الغربيين المعاصرين، المقتدرين علي معالجة مسائل الاجتماع الاسلامي ضمن رؤية حضارية شاملة، لذلك تري الرّجل ينأي بنفسه بعيدا عن موجة الاتهامات الفجّة للاسلام الشائعة في الاوساط الغربية، الاعلامية منها والاكاديمية علي حد سواء.
          وبمناسبة منحه الدكتوراه الفخرية في الفلسفة من جامعة جنوي الايطالية، سنة 2004، قدّم خطابا بالالمانية بعنوان: الميلاد المتأخّر للمفكّر في العالم الاسلامي ، نشِر اخيرا باللّغة الايطالية، في دار نشر دياباسيس بريجيو ايميليا، نوافي القارئ العربي بأهمّ ما جاء فيه من نقاط.
          دار الخطاب حول قناعتين:
          ـ ان تراجع الحضارة الاسلامية، هو جرّاء عطب في الاشتغال الداخلي وليس بفعل تعطيل خارجي، يعود امره لعدم توافق بين الفكر المطروح والاطار الحاوي له.
          ـ التفويت في التعامل الموضوعي مع اشكاليات الحياة في المجتمعات الاسلامية، ياتي جرّاء غياب توظيف العقلانية في التسيير المجتمعي.
          حامت كلتا القناعتين، حول المفكّر واشكالية حضوره في المجتمعات الاسلامية، ودوره الرّيادي من عدمه، اضافة الي اثره من غيابه في الحراك المجتمعي، باعتباره نقطة المرجع والمنطلق في الفعل الحضاري. وفي اثناء تحليله ينزل كونغ بكافة عتاده المعرفي، لاقناع مخاطَبيه بتحميل المسلمين حيثيات واقعهم المعيش. فما مدي صواب تلك النظرة؟
          ينطلق كونغ في توصيفه لاشكالية المثقّف المسلم من نواة ازمة، تستبطن الصّعود والانحدار. ففي الآن التي كان فيها الاسلام العثماني يزحف عسكريا علي منطقة البلقان، ترافق في الاثناء مع بداية انحدار القوة العالمية الاسلامية. فتاريخ 1453، تاريخ فتح القسطنطينية، تضافر ايضا مع حدث 1492، تاريخ طرد المسلمين من الاندلس والاستعادة المسيحية لغرناطة، وما رافقته من حملات تطهير لشبه الجزيرة الايبيرية من الموريسكيين الذين ابوا التنصّر. جري في الاثناء اكتشاف الجنوي كريستوف كولمبس امريكا، التي كانت بادرة لتشبيب اوروبا وتمديد قوتها.
          تواصل تقدّم الاسلام مع الاتراك عسكريا، علي جناح المتوسّط الشرقي، كما تمدّدت هيمنته التجارية الي المحيط الهندي حتي جافا. لكن خلال بضعة عقود، وبدون تنبه، انفلق التجاوز الغربي في المجال العلمي التقني والاقتصادي والثقافي. مختتَما ذلك الانحدار الاسلامي بالاستعمار الاوروبي في القرن التاسع عشر، وحتي منتهي القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين لم يوضع حدّ بعد لذلك الانحدار.
          السؤال المقلق هو بالاساس سؤال حضاري، يتلخّص في: ما الذي حدث للثّقافة الاسلامية، التي تجاوزت الثقافة المسيحية بقرون سابقا حتي تبقي متخلّفة؟ ومتي بدأت حالة الرّكود الاسلامية وما هي مسبباتها؟
          يحاول كونغ معالجة السؤال والاجابة عنه من خلال عناصر اساسية، رابطا بينها فلسفيا.

          ما الذي انحرف؟

          منذ ستينيات القرن الماضي، بدا يلوح تجاوز العالم الاسلامي، من بلدان محاذية سائرة في طريق النمو، باستثناء افريقيا ما وراء الصّحراء. ومع مستهل القرن الواحد والعشرين تبين جليا، حتي مع عديد العرب، تخلّف العالم العربي عن سباق التنمية الدّولي. فبحسب تقرير التنمية الانسانية العربية، المنشور في برنامج الامم المتحدة لسنة 2002، والموجود علي صفحة الويب:www.undp.org، يتّضح انه برغم التطوّرات الهائلة في الميدان التّربوي والصحّي، ان تلك البلدان تحوز آخر المراتب العالمية في مؤشّرات النماء. اذ لا تزال الحريات المدنية والاقتصادية متدنّية، ولا يزال التردّي يضرب قطاعات هامة، ذات صلة بالتكوين والبحث والانتاج المعرفي. اضافة للمشاركة المحدودة للمراة في المسؤولية العامة والنشاط الانتاجي، اذ 50% من النساء لا زلن رهن الامية. ورغم الريع الناتج عن الثروة البترولية، فان مستوي انتاج كل البلدان العربية جمعاء، ساوي 530 مليار دولار خلال سنة 1999، ما لم يتجاوز مستوي دولة اوروبية بمفردها، مثل اسبانيا. وفي حين، كان معدّل الدّخل الفردي في البلدان العربية، خلال 1960، يماثل مستويات بلدان سائرة في طريق النمو، عرفت الاقلاع، لكن منذئذ انفتحت فجوة، خصوصا بالمقارنة مع دول آسيا الشّرقية وجنوب شرق آسيا، جعلت العرب يحوزون ادني المراتب.
          فنظريات المؤامرة، التي تحلّل الاوضاع بتعليلات خارجية، بحسب هانس كونغ، لا تساعد سوي الانظمة السّلطوية، التي تتخفّي عن مظاهر القمع والفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ولذلك، ودائما حسب رايه، من غير المجدي البحث واللّهاث وراء تعليلات التردّي في: الصليبيين والمغول والاسبان والفرنسيين والانكليز والامريكان، لتبرير تحوّل حضارة بمجموعها، الي مئات الملايين من الهياكل الخائرة سياسيا، والفقيرة اقتصاديا، والراكدة ثقافيا.
          ويواصل اللاّهوتي قوله: ولحسن الحظ، بعيد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001، تكاثر عدد المسلمين الذين صاروا يتأملون بشكل جاد اوضاع التنمية السلبية في عالمهم، كما يدعمون ضرورة قلب بنية السؤال اين الخطأ؟ ، الذي صاغه مختصّ الاسلاميات الانكليزي برنار لويس، الاستاذ في جامعة برنستون، في مؤلّفه الصادر بلندن سنة
          2002 What went wrong? The Clash between Islam and Modernity East.
          اذ مما لا ينبغي، طرح التساؤل بحسرة ذاتية: من اقترف كلّ ذلك؟ ، بل قلب السؤال، وبنقد ذاتي، ليصير: ما الذي اقترفناه من خطأ؟ ، للبلوغ بشكل بنّاء لـ كيف الســبيل لإتيان الافعال بشكل صائب؟ . ويواصل كونغ قوله: برغم بعض اعتراضاتي علي مقول برنار لويس، فان بعض طروحاته تبدو جديرة بالاهتمام منها قوله ان:
          ـ تخلّف الاسلام لا ينبغي ان يفسّر سطحيا، بعوامل عسكرية واقتصادية وسياسية، لكن الامر يستدعي النظر في العمق الثّقافي والفكري، المتجلّي في الفلسفة والعلوم الدّينية والتشريعية والتصوّف. فالتطلّع الي مقدرة عسكرية ورفاه اقتصادي وحرية سياسية، كلّها انجازات مرتبطة فعلا بتطلّعات للفهم والمعرفة والادراك، وبنشوء افكار جديدة ومبتكرات تقنية، لا يمكن ان تنغرس وتنمو الاّ ضمن ثقافة مهووسة بالشّغف المعرفي والعقلي.
          ـ لم ينطلق تخلّف الاسلام مع الفترة الحديثة، بل كان ذلك منذ القرن الثاني عشر، عندما عزلت الفلسفة، وتوارت استقلالية العلم المدني، التي بقيت حاضرة وممكنة في العالم المسيحي.

          عطالة الفلسفة العربية الاسلامية

          تدشّنت تلك الاستقالة منذ ابعاد الخطّ العقلي الرّشدي، بعد ادانته من طرف محكمة مدينة قرطبة، وما لحقه من منع كتبه وحرقها، علي اثر ظهور مؤلّفه تهافت التهافت . فقد كان حصار الفلسفة ضمن تحالف وفاقي بين الفقهاء والمتصوّفة. كان انقلاب السّلطة الموحّدية علي ابن رشد، جرّاء حاجة الخليفة لولاء الشرائح الفكرية النافذة، من فقهاء وعلماء شريعة ومتصوّفة، لردّ تهديدات الغزو الكاثوليكي الخارجي، ما ساهم بحدة في محاصرة تطور النهج العقلي.
          فلم تتوفّر للفلسفة فرصة تطوير هياكل ومؤسّسات فاعلة ودائمة في المجال الجامعي. وبرغم ان الفلسفة العربية الاسلامية لها تاريخ حافل، فهي لم تصنع تاريــــخ الاسلام، حيث لم تعبُر تمثلات العقل الي مستوي التجلّيات المؤسساتية الاجتماعية الفاعلة، كانت تلك العطالة حدثا مصيريا في خنق نسق التطوّر العقلي للاسلام.

          انطلاق الفلسفة الوسيطة المسيحية

          بعد عقود قليلة من رحيل ابن رشد (1198م)، اتاحت مدارس الترجمة في توليدو للمسيحية اللاّتينية فرصة التعامل مع شروحات ابن رشد الاساسية لاعمال ارسطو. فقد نشطت ترجمة مؤلفات ابن رشد في البلاط الملكي بصقلية، ثم في جامعة باريس، التي كانت مركز المسيحية البارز. وان لم يتيسر لابن رشد اقامة مدرسته في حضن دار الاسلام، فقد شُيِّدت بعد وفاته في حضن المسيحية، وحفظت اعماله في نصوصها اللاّتينية والعبرية.
          فتلك الفلسفة الغربية، المدفوعة بالترجمات الارسطية وشروحاتها العربية، والممارسة من طرف رجال اللاهوت، بشكل مستقل عن علم اللاهوت، كانت المسؤولة عن مولد المفكّر ، الحدث الذي خصّص له المؤرخ الفرنسي لوغوف كتابه الهام المثقفون في القرون الوسطي ، المنشور في دار ساي الفرنسية سنة 1957.
          ظهور هذا النمط الاجتماعي المهني من المثقفين، كان لحظة حاسمة في التطور الغربي، حيث ان الطراز الجديد من الشلّة العاملة، المتكونة من المدرّسين الجامعيين، والتي تؤدّي عملها الفكري الجديد في الاشتغال بالبحث والتعليم في الفضاء المواطني وليس في الفضاء الدّيري ، والكلام للوغوف (ص 176)، هو الذي كان وراء تلك الانطلاقة الثورية.
          اذ من خلال معالجة مسائل فلسفة العرب، صاغ العاملون بالجامعات تجربة الفكر المستقل، لذلك، ان مثّل ابن رشد نقطة ختم ووقف في الفلسفة العربية الاسلامية، فهو نقطة ابتداء وانطلاق في الفلسفة الوسيطة المسيحية.
          هكذا ورثت المسيحية الفلسفة العربية للاسلام. صار ابن رشد ذائع الصّيت، حتي انه في منتصف القرن الثّالث عشر كان ذكره بتجاوز اسمه، فقط، عبر ذكر لقب شارح ارسطو، لفرط استعمال المدرسيين شروحه لتجاوز مصاعب النّصوص الارسطية، مستعينين بشروحاته الدّقيقة لفك ما غمض منها. وبرغم تلك الحظوة، صار ابن رشد يمثّل خطر الاختراق في اللاّهوت المدرسي المسيحي، ولئن حاز لقب الشارح الكبير فقد مثّل ايضا الخطر الاسلامي الهرطوقي في الداخل المسيحي.

          غياب النهضة وتواصل القرون الوسطي

          عامل مواز لم ينل اهتماما جيّدا من المسلمين، فعلي اثر فتح القسطنطينية سنة 1453، حدث فرار عديد العلماء البيزنطيين الي ايطاليا، مما جعلها تحوز في القرن الخامس عشر الرّيادة الفنّية والثقافية في كافة اوروبا، معلنة بذلك انطلاق الحركة المسمّاة بالنهضة، في مقابل ذلك، كان الرّكون للانتصار العسكري، من جانب المسلمين. وهو ما يوعز ان التاريخ الكوني لا يتقرّر في ميادين الحروب فحسب، بل في دراسات المفكّرين، ومبتكرات المبدعين والمهندسين والفنّانين، وفي عمليات صقل المعارف في المدارس الدنيا والعليا.
          كان انطلاق النهضة الاوروبية باحياء دراسة اللاتينية والاغريقية الكلاسيكية، مع المراجعة التاريخية النقدية لكتابات القدماء. كما خلّف الشغف بفنون الرّسم في ايطاليا روحا جديدة للابتكار التقني وسعيا نحو الرّفاه المادي، كانا من حوافز التطوّر التجاري والصّناعي، الذي صار مورد الثراء الرئيسي حتي عوّض الفلاحة، مانحا الفرصة لاشكال جديدة من الاستثمار والمؤسّسات البنكية. في حمي تلك التحوّلات، بقي الاسلام معزولا عما دبّ في اوروبا، وما اجتُرح باتجاه الفردانية والحرّية والطبيعة والعالم المدني. وحتي مع القرون اللاحقة، فقد بقي الاسلام ذهنيا، ضمن الاطار القروسطي لرؤي العلماء والمتصوّفة. ولم تدرك نخبته الاّ اخيرا ان اوروبا شهدت حدث تغير كلّي. فالاوضاع في العالم الاسلامي ما كانت تسمح بظهور مفكّرين مستقلّين وعقلانيين، لذا لم تتوفّر ظروف نشأة نهضة او اصلاح او تنوير.
          خلال القرون الوسطي، بعد سيطرة الفقهاء وجحافل المتصوّفة علي السّاحتين السياسيّة والاجتماعية، متجلّ الامر في قمتي ارباب ذلك الفكر: ابن تيمية (1263 ـ 1328م)، المتلخّص فكره في مؤلّفه السّياسة الشرعية ؛ وابن عربي (ت 1240م) من جهة اخري، الذي روّج لطروحاته العرفانية عبر مجمل مؤلّفاته. تدعّمت استحالة انبعاث حرية الفكر والفعل والانتاج، وتقلصت كذلك سبل طرق المسارات الجديدة للعيش. تم كبح الديناميكية الثّقافية المحرّكة للعلوم والتقنية، وبالتالي جري منع نهضة المفكّر وتاخيرها في عالم الاسلام عدّة قرون. لم تكن العوامل الخارجية سبب انحدار الاسلام خلال القرون الوسطي وما تبعها، بل كان الجفاف داخليا، حيث انهزمت الفلسفة والشريعة واستعيض عنهما بارثوذكسية معادية للعقل والحرية، كانت سبب التعطيل الجوهري لتطوّر العلم والتقنية الحديثة في عالم الاسلام. باتت مؤسّسات التّدريس رهينة تكرار علوم السّلف وتلخيصها، وهو ما لم يسمح باي نقاش فكري او نقد ذاتي.

          هل الاشكالية الحضارية بسبب الاسلام؟

          الي اي شيء يعود سبب توقّف الانتاج الفكري في العالم الاسلامي في الفترة الحديثة؟ يجيب هانس كونغ علي السؤال بقوله: المسألة ليست في الاسلام، وليست في الاطار الحضاري الحاوي، ما دام مسايرا لعصره، المسألة في تمديد تاريخية الاطار الحامل خارج الفترة المناسبة له. فاطار الفقهاء والمتصوّفة مناسب لاسلام القرون الوسطي، كشأن الاطار الحامل، الكاثوليكي الرّوماني، المناسب لمسيحية القرون الوسطي. لكن الاصرار علي تأبيد الاطار الحامل، في ظلّ ظروف زمنية متبدّلة، هو ما يقود الي الاختلال وعدم التوافق، وهو ما يسبب اللاّانتاج الفكري. فلا بد من التنبه ان الاطر الدّينية لها قدرة كبيرة علي التماسك والاستمرار، خصوصا في ظلّ تشكّل مَاْسَسة قوية للحياة الدّينية.
          تلك بعض الطروحات التي صاغها هانس كونغ بشان المفكّر في الاسلام ، وبرغم خاصيات الاحاطة الشاملة عند المعالجة، يبقي مسيطرا النّظر للتبدّلات الحضارية لديه، في سيرها ضمن ميكانيزماتها الداخلية، دون الاعتراف بترصّد الحضارات بعضها لبعض. وكان الامر يخفي تبريرا وتسترا، لما اقترفه الغرب وما يقترفه، من آثام في العالم الاسلامي علي مدي القرون الاخيرة. فذلك الترصّد، صار بيّنا بشكل لافت منذ مطلع القرن السّالف، منذ تثبيت اصوله، عبر مسميات القانون الدّولي ومحافله الرّاعية له. والذي صار اطارا لشرعنة هيمنة شلّة الاقوياء علي الضّعفاء واغتصاب حقوقهم. ضمن ذلك الجدل، بيْن انحباس سير الداخل وسعي الخارج لتعطيله، يبقي العالم الاسلامي متحمّلا بشكل اساسي ومحوري مسببات تراجعه وثباته، فالاعتراف الكياني بتحمّل دواعي انحباسه، وحده الكفيل بخلق عوامل انطلاقه.
          وفي مقابل تجميع كونغ ازمة المفكّر المسلم ضمن العامل الداخلي اساسا، نجده بالمثل ينحاز الي رسم مسار التقدم الحضاري، ضمن نسق غربي فحسب، جاعلا من الغرب حربته المتقدمة لا غير.
          فمثلا عندما يستند كونغ في تحليله لتردّي العالم الاسلامي وأزمة الفكر فيه، علي توصيفات بعض المثقّفين العرب المتواجدين في الغرب: مثل السّوري بسّام الطّيبي، والتّونسي عبد الوهاب المؤدّب، يتغافل عن حقيقة سوسيولوجية وهي ان المثقّف العربي في الغرب في الزمن الحالي، ليس مسموحا له التفكير في الشأن الاجتماعي السياسي للمجال الحضاري الوافد منه، بطريقة مغايرة عما هو سائد في الخطاب الغربي الشائع. لذلك يلاحظ في توصيفات الكاتبين المذكورين لاشكالية التخلّف في العالم الاسلامي، عبــر مقاربتيهما، متابعتهما الشائع الغربي واهتدائهما بمقوله بشكل ارثوذكسي، رافعين اياه لدرجة القول الفصل، الذي طالما لاكته الالسن خلال القرن السالف، والمتلخّص في ان علّة العرب والمسلمين في عدم فصل الدّيني عن المدني.
          فعدم الخروج من هذا المأزق التصوّري، يخفي تحقيرا للتجارب الحضارية الاخري، وعدم اعتراف ان كل حضارة تصنع وعيها بتاريخها وتتجادل مع اشكالياتها الاجتماعية، وتفرز لها حلولها، ضمن عراكها المباشر مع واقعها، فلا حضارة لها حق املاء نمطها علي غيرها.

          ? استاذ من تونس بجامعة لاسابيينسا بروما
          tanayait@yahoo.it


          تعليق


          • #6
            كاتب تونسي آخر ومناقشة أسباب تخلفنا من جريدة القدس العربي

            ملاحظات عامة للقراء
            في موقع القدس العربي لا يوجد تفريق بين الياء والألف المقصورة كلها تظهر ياء
            :hammer: :hammer: :hammer:

            تعليق

            يعمل...
            X