تأملات فَيَضانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    تأملات فَيَضانية

    تأملات فَيَضانية آخر تحديث:الخميس ,26/08/2010




    سعد محيو


    صور ملايين الباكستانيين المُشردين تُثير تسونامي أسئلة من كل الأنواع: السياسية كما الاقتصادية، والفلسفية كما الوجودية .



    في النوع الأول، السياسي والاقتصادي، نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع لوحة إنسانية مُخزية، حيث لا الحكومة والمعارضة العلمانيتان، ولا الحركات الدينية المتطرفة بمعظم مشاربها، تبدو مهتمة حقاً بالكارثة أو على الأقل بتوحيد الصفوف لمجابهتها .



    فأرباب الحكم الحاليون، المُتهم العديد منهم أصلاً بالفساد، ينشطون على كل الجبهات إما لتحقيق مكاسب شخصية من المساعدات الدولية أو لتوظيف هذه المساعدات لأهداف سياسية . ومعارضو الحكومة العلمانيون يعتبرون أن هذه الفيضانات “هبة من السماء” ستساعدهم على اقتناص السلطة من خصومهم .



    لا أحد في الحكومة كما في المعارضة الرسميتين يتصرف كوطني باكستاني . ولا أحد يطرح الأسئلة الصحيحة للحصول على الإجابات الصحيحة: لماذا لم تنفّذ باكستان توصيات مؤتمر الأمم المتحدة عام 2005 في هيوغو باليابان لتقليص أضرار مخاطر الكوارث الطبيعية، والتي دعت إلى تحديد المخاطر المتوقعة، وتوعية السكان مسبقاً بها، وإقامة أجهزة إنذار، ثم توفير كل الإمكانات الضرورية لعمليات الإنقاذ والإغاثة؟



    وإذا ماقيل إن هذه الإجراءات لا تستطيع تنفيذها سوى الدول الغنية كالولايات المتحدة التي نجحت في خفض ضحايا الزلازل والأعاصير من عشرات الآلاف إلى مجرد عشرات، فالرد سيأتي من دولة غير غنية كالهند وبنغلاديش اللتين نجحتا في تحضير وتنفيذ برامج إغاثة شاملة وناجحة .



    التقصير الرسمي الباكستاني هنا واضح وجلي . وهو نابع من نقص الإرادة السياسية، إن لم نقل من فقدان الحس الوطني، والإنساني، وحتى الديني الذي أسفر في نهاية المطاف عن وضع البلاد بين مطرقة الجفاف وسندان الفيضان . هذا على الرغم من أن حسن الإدارة الرشيدة وعدالة توزيع المياه والثروات، كان يُمكن أن يحوّلا باكستان من بلد يتسول المساعدات إلى بلد مُصدّر لها .



    هذا على صعيد السياسيين الرسميين . أما على جبهة “الثوريين” الأصوليين، فلا تقلّ الصورة قتامة، إذ إن المنظمات المتطرفة، وبدلاً من الاتعاظ من كوارث الطبيعة ودراسة أبعادها وظروفها ودروسها، استأنفت عملياتها الانتحارية والعنفية وكأن شيئاً لم يحدث في البلاد . وهذا يدل على أن العمى الأيديولوجي الذي يغشى أبصار هذه المنظمات، جعلها غير مبالية بنداءات الاستغاثة وصرخات الألم التي تنطلق من حناجر 17 مليوناً من مواطنيهم . أو لعلها سعيدة لمعاناة هؤلاء، طالما أنهم ليسوا واحداً من فرقها “الناجية وحدها من النار” .



    كيف يمكن أن نصِف سلوك الحكومة والمعارضات بغير تعابير الجنون، أو الأنانية المفرطة، أو حتى السلوك المرضي العدواني ضد شعبهم؟ ألا يعني كل ذلك، فلسفياً ووجودياً، أننا نحن البشر لانزال نُفكّر بعقلية شريعة الغاب، ولانزال نحاول الإبحار في عصر الفضاء بعقلية العصر الحجري؟



    لقد اعتبر الفيلسوف روبرت روس أن السؤال الرئيس الذي يجب أن يطرحه الجنس البشري على نفسه هو: هل نحن نعيش على قاب قوسين أو أدنى من الجنّة، أم نحن على شفير السقوط في جهنم؟



    حسناً . محنة باكستان تدل على أننا غاطسون حتى آذاننا في جحيم تصطرع فيه شياطين الجشع والأنانيات والأحقاد، وأننا لا نقل بُعداً عن الجنّة من حُلُم إبليس . وهذه حقيقة يؤكدها تسونامي المشاعر الجمّة والتساؤلات الحارة الذي تثيره فيضانات باكستان .







    saad-mehio@hotmail.com
يعمل...
X