من تراث اللغة العربية في البوسنة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • amattouch
    عضو منتسب
    • May 2006
    • 971

    من تراث اللغة العربية في البوسنة

    <h1>من تراث اللغة العربية في البوسنة: «الفوائد العبدية» للشيخ مصطفى أيوبوفيتش </h1><h4>محمد م. الأرناؤوط      الحياة     - 26/01/08//</h4><p></p><p><table class="image" cellspacing="0" cellpadding="3" width="200" align="left" border="0"><tr><td><img alt="أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت (الأردن) " hspace="0" src="http://www.daralhayat.com/classics/01-2008/Item-20080125-b22e4e4e-c0a8-10ed-01ae-81abda56d647/book_17.jpg_200_-1.jpg" border="0" /></td></tr><tr><td class="caption">أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت (الأردن) </td></tr></table>مع انتشار الإسلام في البوسنة، حيث أصبحت غالبية السكان من المسلمين بعد حوالى قرنين من الفتح العثماني في 1463، دخلت المنطقة لغات جديدة (العربية والتركية والفارسية) وبرزت ثقافة جديدة بمشاركة أبناء البوسنة في تعلم هذه اللغات وتعليمها ، وفي المشاركة بالكتابة فيها في مختلف مجالات المعرفة الإسلامية (علوم اللغة وعلوم القرآن والحديث والفقه والأدب والتاريخ الخ).</p><p>ومع أن الحكم العثماني انتهى في البوسنة في وقت مبكر نسبياً (1878)، بالمقارنة مع المناطق الأخرى التي استمر فيها حتى 1912، وبدأ عهد جديد (الحكم النمسوي/المجري) يتسم بالانفتاح على بقية أوروبا، الا أن هذا التراث الشرقي (المكتوب في اللغات العربية والتركية والفارسية) أو «الإسلامي» (لارتباطه بالعلوم الدينية) أخذ يثير الاهتمام ويتحول الى موضوع للبحث والنشر على مدى أجيال عدة خلال المئة سنة الأخيرة (1910-2007).</p><p>وفي الواقع ان الاهتمام الأول به كان جزءاً من الاهتمام الاستشراقي الأوروبي، حيث ان الباحث الرائد في هذا المجال صفوت باش أغيتش (1870-1934) الذي كان قد درس في فيينا على خيرة المستشرقين النمساويين في مطلع القرن العشرين ونشر كتابه الرائد «البشانقة والهراسكة في الأدب الإسلامي : اسهام في التاريخ الحضاري للبوسنة والهرسك» (سراييفو 1912)، الذي عرض فيه لعشرات الكتاب البشانقة الذين ألفوا في اللغات العربية والتركية والفارسية. ويمكن القول أن الجيل الاول من الباحثين في هذا الموضوع انخرط فيه بدوافع دينية، وذلك للتعريف بعلماء المسلمين في البوسنة الذين ألفوا في مختلف المجالات. ومن ذلك يمكن الإشارة الى الكتاب المهم لمحمد الخانجي «الجوهر الأسنى في تراجم علماء وشعراء البوسنة» الذي صدر اولاً في القاهرة (1349هـ/1930م) ثم في سراييفو باللغة البوسنية (1939).</p><p>ولكن بعد تأسيس معهد الاستشراق وقسم الاستشراق في جامعة سراييفو، أصبح هذا المجال يدخل ضمن اهتمامات الاستشراق البوسني الجديد الذي يعتبر هذا الموضوع (أسهام كتاب البوسنة في اللغات العربية والتركية والفارسية) جزءاً من التراث الثقافي للبوسنة ويدرسه على هذا الأساس. وفي هذا السياق يمكن ان يشار الى ما صدر من كتب عديدة لحازم شعبانوفيتش وسليمان غروزدانوفيتش وأمير لوبوفيتش وأسعد دوراكوفيتش وغيرهم. وفي هذا الاطار صدر منذ اسابيع المجلد الضخم (780 صفحة) الموسوم «النحو العربي في مؤلف» الفوائد العبدية» لمصطفى ايوبوفيتش» للباحث المعروف في هذا المجال د. مصطفى يحيتش، مدير مكتبة الغازي خرو بك في سراييفو (سراييفو 2007).</p><p>وفي الواقع ان أهمية هذا الكتاب، الذي هو في الأصل رسالة دكتوراة نوقشت في كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو، انما تنبع من انه يعرف بواحد من أهم من كتبوا في اللغة العربية في البوسنة، ألا وهو الشيخ مصطفى ايوبوفيتش المعروف باسم الشيخ يويو، وبواحد من أهم مؤلفاته في اللغة العربية ألا وهو «الفوائد العبدية» في نحو اللغة العربية. ولا شك في ان هذا في حد ذاته يمثل تحديا لمؤلف بوسني لكي يكتب ويضيف شيئاً في هذا المجال الأثير عند العرب.</p><p>وتجدر الإشارة إلى أن مصطفى أيوبوفيتش الموستاري (الاسم الكامل له مصطفى يويي بن يوسف بن مراد أيوبي زاده الموستاري البوسني)، ولد في مدينة موستار (التي تعتبر مركز عاصمة الهرسك) في سنة 1061هـ/1651م لأب مدرس معروف في المدينة. وقد بدأ دراسته في موستار برعاية والده، حيث درس أسس العلوم اللغوية والشرعية (اللغة العربية وأصول الفقه الخ) ثم توجه إلى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، التي كانت تعتبر مركز الجذب لأمثاله . وهناك درس الفلسفة والفلك والهندسة وغيرها، وكان يقضي كل ما لديه من وقت فراغ في مكتبات المدينة الغنية بالمخطوطات الشرقية، وقد قيّض له أن يلازم بعض العلماء المشهورين في ذلك الوقت كالموسى صالح وعرب زاده وقرابكر طيري وغيرهم. ونظراً لما أبداه مصطفى من سبق فقد عين مدرساً في إحدى مدارس اسطنبول. ويبدو أن مصطفى قد بدأ في التأليف في اللغة العربية خلال إقامته هناك، إذ أنه وضع حاشية على كتاب «مفتاح الأصول» للملا خسرف.</p><p>ولكن أهل الهرسك لم يتركوا مصطفى الشاب في عاصمة السلطنة إذ أنهم دعوه إلى موطنه لتولي الإفتاء بعد وفاة مفتي الهرسك الشيخ حسن الموستاري في 1104هـ/1692م. وهكذا مع عودته إلى موطنه الهرسك، حيث استقر إلى حين وفاته في 1119هـ/1707م، اشتغل «الشيخ يويو» (كما أصبح يعرف بين مواطنيه) في التدريس والتأليف الغزير الذي جاء كله في اللغة العربية تقريباً، ما يعكس تمكنه من هذه اللغة ومكانة هذه اللغة آنذاك في البوسنة.</p><p>وقد ساهم عمل الشيخ يويو في التدريس والتأليف في بروز جيل جديد من التلاميذ/العلماء الذين استفادوا من علمه وساهموا بدورهم في التدريس والتأليف. ومن هؤلاء لابد أن نذكر أشهر تلميذين له كتبا في سيرته ما حفظ لنا الكثير من تفاصيل حياته وأعماله. الأول هو فكان المدرس ابراهيم اوبياتش (توفي 1717) الذي ألف «مناقب الفاضل المحقق مصطفى بن يوسف الموستاري»، والثاني هو الشاعر مصطفى حرمي(توفي 1727) الذي ألف «نظام العلماء».</p><p>ويلاحظ في مؤلفات الشيخ يويو في العربية التي قاربت العشرين أنها تعبّر عن ثقافة موسوعية لصاحبها إذ أنها تشمل العلوم المعروفة في عصره، التي كان لا بد للعلماء أن يحيطوا بها. فقد ألف الشيخ يويو في أصول الفقه والعقيدة والفرائض والوعظ والنحو والمعاني والأدب والمعاجم والوضع والمنطق. ويلاحظ في هذه المؤلفات أن الشيخ يويو كان يناقش ويضيف على ما كتبه أهم علماء العالم الإسلامي في هذه المجالات كالسمرقندي والجرجاني والشيرازي والفرجاني والقراباغي والنسفي وشهيدي زاده والطرطوسي والخوقندي والتفتازاني والزمخشري والايجي والأبهري وغيرهم.</p><p>وبقي الشيخ يويو يشغل منصب الإفتاء (مفتي الهرسك) والتدريس (مدرسة قراغوز في موستار)، بالإضافة إلى التأليف حتى وفاته في 15 ربيع الثاني 1119/16تموز (يوليو) 1707. وبقي قبره يزار من قبل تلاميذه وتلاميذ تلاميذه إلى أن قام الوالي علي باشا رضوان بغوفيتش ببناء ضريح ضخم على قبره في 1247هـ/1831م، وهو ما أصبح إلى اليوم من معالم مدينة موستار.</p><p>وفي ما يتعلق بالكتاب الجديد عن أهم إسهام للشيخ يويو في اللغة العربية (الفوائد العبدية) نجد أن د. مصطفى يحيتش قد استهل كتابه بمقدمة عن انتشار الإسلام في البوسنة ومكانة اللغة العربية هناك، ثم تناول مؤلفات الشيخ يويو باختصار وتوقف عند الزمخشري وكتابه «الانموذج في النحو» ليدرس في ضوئه مدى اسهام الشيخ يويو في مؤلفه «الفوائد العبدية».</p><p>ويرى د. يحيتش في «الفوائد العبدية» ما يستحق التوقف عنده لأنه جاء في وقت كان يتميز بالركود العام في التأليف، خصوصاً في النحو العربي. فما كان يؤلف في هذا المجال (النحو العربي) كان يغلب عليه الطابع التقليدي حيث جاء في معظمه خالياً من أي جديد من حيث الفائدة اللغوية او المنهجية في الكتابة. فقد كان الهدف الأساسي في تلك المؤلفات هو تبسيط او تسهيل فهم ما كتبه النحويون الأوائل ليصبح مفهوماً لدى الشرائح المعنية باللغة العربية والعلوم الإسلامية.</p><p>وهكذا يبدو للوهلة الأولى ان هذا المؤلف للشيخ يويو جاء على أساس كتاب الزمخشري «الانموذج في النحو». وقد اعترف الشيخ يويو في مقدمته بالاعتماد على «المفصل» للزمخشري و «اللباب» للاسفرانيني حيث يقول «وأضفت اليه فوائد خلا منها الكتاب (الانموذج في النحو- م. الأرناؤوط) استقصيتها من المفصل واللباب، وسلكت مسلك الايجاز والاختصار وتركت مذاهب الاطناب والاكثار».</p><p>ولكن تحليل د. يحيتش الدقيق لـ «الفوائد العبدية» ومقارنته مع «الأنموذج في النحو» وغيره من المؤلفات النحوية انتهت الى أن الشيخ يويو قد اعتمد على مؤلفات كثيرة وان سعة علمه التي تشهد عليها مؤلفاته قد جعلته في كثير من الاحيان يصدر أحكامه ويبدي آراءه الشخصية في المسائل التي اختلف فيها النحويون من قبله.</p><p>ولا شك في ان هذا الجانب المهم، أي اسهام الشيخ يويو ، يبدو واضحاً الآن بالنسبة للقارئ البوسني الذي يطلع على هذا الكتاب في لغته الأم ، التي ليست معروفة على نطاق واسع في العالم الإسلامي. وكما يقول د. يحيتش فقد كتب الشيخ يويو مؤلفاته في وقت كانت تعتبر فيه العربية لغة المعرفة المشتركة للمسلمين في مختلف أرجاء الأرض، ولذلك قد يكون من المفيد ان يقوم د. يحيتش بتحقيق «الفوائد العبدية» ونشره في اللغة العربية مع مقدمة عن حياة و أعمال الشيخ يويو، حيث يفيد ذلك في اطلاع الباحثين المعنيين على هذا الجانب من الاسهام الحضاري للبوسنة.</p>
    د/ محمد عمر أمطوش
يعمل...
X