مواضيع عن الأدب الصيني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • omtarek
    عضو مؤسس
    • May 2006
    • 728

    مواضيع عن الأدب الصيني

    عناصرُ دراسةٍ مُقارنةٍ للشعر الصيني والشعر الغربي "عن الفرنسية" ـــ زهو غيونغكيان ـ ت.عوض الأحمد

    يأخذ الشعر معنى مختلفاً حسب العصور، فلكل أمة شعرها ولكل عصر شعره. إنها لمتعة أن نشرع في دراسة مقارنة ول هذا الموضوع آخذين على سبيل المثال الشعر الصيني والشعر الغربي اللذين يتماثلان ويتميزان في نقاط عديدة. ويميلان عموماً إلى موضوعات مشتركة من أهمها:‏

    1 ـ العلاقات الإنسانية. 2 ـ الطبيعة. 3 ـ الدين والفلسفة. وإنني سأسعى إلى بسط دراستي بهذا الترتيب.‏

    العلاقات الإنسانية.‏

    إن أغلب قصائد الغرب تتركز حول الحب في حين أن قصائد الصين تعالج الموضوع كذلك دون أن تمنحه أهمية كبيرة بهذا القدر.‏

    وإذا كانت الروابط بين الأصدقاء والروابط بين الملك والوزراء لا تشغل إلا حيزاً يمكن إهماله في الشعر الغربي فإنها في الصين تملك نفس أهمية الحب في شعر الغرب.‏

    إن قصائد ":كويان" و"دوفو" و"لويو" كانت ستفقد كثيراً من ماهيتها لو أفرغت من صدق ولاء مؤلفيها للإمبراطور ومن ارتباطهم بالوطن وبالشعب.‏

    فيما مضى، كان معلّقو القصائد يميلون إلى عرض قصائد الحب دلالة على الإخلاص للإمبراطور وعلى الوطنية.‏

    وهكذا فإن "ماو شانغ" معلقاً على كتاب الأناشيد كان يشرح قصائد الحب كنقد سياسي لاذع.‏

    وحسب "زهانغ هويان" فإن الأربعة عشر فصلاً للقصيدة التي كتبها "وين فيكينغ" حول دافع "بوسامان" كانت معلّلة في أسفه لأنه مهمل.‏

    هذا الشرح غير صحيح. ومع ذلك ففي العصور الأخيرة هذه وجد أناس يذهبون إلى الطرف الآخر ويلصقون بطاقات الحب لقصائد تعبر فعلاً عن الإخلاص للملك وحب الوطن.‏

    فمثلاً قُدِّمت كقصائد حب أعمال من نوع "ندم الانفصال" و"الرحلة الكبرى" هذا الشرح كذلك هو شرح غير منطقي.‏

    إن الذين قرأوا قصائد غربية يعتقدون بأن الحب كان يجب أن يحتل مكانة مهمة في الشعر الصيني كما هي الحالة في الغرب. إنهم لا يعرفون بأن الصين تختلف عن الغرب من حيث الوضع الاجتماعي والمبادئ الأخلاقية. ففي الصين قديماً لا يشغل الحب مكانة مهمة كما يتوهمه الصينيون المعاصرون وعلى العموم فإن القصائد التي تُغَنَّى للصداقة هي أكثر عدداً من تلك التي تتناول الحب. إن القسم الأعظم من المجموعات العديدة من القصائد مؤلفة من خلال رسائل وأجوبة مؤلفيها. واليوم ما تزال موضع إعجاب صداقة "سوفو" و"لي لنغ" و "الأدباء السبعة الكبار في عصر "جيان آن" و"لي بي" و"دو فو" و"هان يو" و"مانغ جياو" و"سوسهي" و"هوانغ تنجيان" و"نالان شانغد" و"غوزهنغوان".‏

    ورغم أن صداقة متينة بنيت بين "غوته" و"شيلر" وبين "ودردشورت" و"كولوريدج" وبين "جون كيتس" و"شيلي" وبين "بول فيرلين" و"آرتور رمبو" فإن القصائد التي تذكر متعة لقاء الأصدقاء بعد الغياب قلما كانت تُنظم.‏

    ثمة أسباب عديدة لكون الشعر الصيني يمنح مكانة أدنى للحب من الشعر الغربي. أولاً إنها الفردية التي تهيمن على المجتمع الغربي المبني في الظاهر على الدولة. وبما أن الحب في قلب الحياة فإنه يأخذ مساحة كبيرة بحيث يبزّ العواطف الإنسانية الأخرى. وبشكل عام بالنسبة للشاعر فإن الحياة هي قصته العاطفية وهذا أيضاً أكثر صحة في الأزمنة الحديثة.. والمجتمع الصيني مبني في الظاهر على العائلة. لكن المصلحة العامة في الواقع هي التي تتفوّق عليه.‏

    في الماضي كان من الشائع أن يمضي رجال الأدب أكثر وقتهم في ممارسة وظيفة عامة بعيداً عن مواطن ولادتهم تاركين "زوجتهم العجوز في البيت" كانوا بالتالي أكثر اتصالاً مع زملائهم وأصدقاء الأدب من اتصالهم مع النساء ومن ثم فإن المرأة مع تقليد فروسية القرون الوسطى في الغرب قد عرفت وضعاً اجتماعياً مرتفعاً نسبياً.‏

    وبما أن الثقافة كانت متطورة فإن النساء كان يمكنهن غالباً أن يتفاهمن مع الرّجال حول مناهج ثقافية وفنية.‏

    أما في الصين وتحت تأثير الكونفوشية فإن النساء لم يستفدن مطلقاً من أي اعتبار. فالحب الزوجي تمليه الأخلاق ونادراً ما ينشأ وفق تذوّق الأدب والفن. يضاف إلى هذا أنه في المجتمع الصيني يُبحث قبل كل شيء عن مهنة رسمية باهرة. ومن كان متهتكاً فهو شخص جدير بالاحتقار. بحسب (الكونفوشيوسيين).‏

    وأخيراً فإن مفهوم الحب يختلف بشكل كبير بين الشرق والغرب. فالحب قبل كل شيء هو مفهوم غربي. أما الصينيون فيمنحون أهمية أكبر للزواج منها للحب. إنه "في حقل أشجار التوت بجانب الماء" يوجد الحب الحقيقي. العاطلون عن العمل ومبغضو البشر وحدهم يُسَرّون في الحياة العاطفية.‏

    إن بعض الملوك (أسرى التهتك) مثل الإمبراطور "يانغدي دي سوي" والإمبراطور "لي هوز" كان ينظر إليهم دائماً بشكل سيء في التاريخ الصيني.‏

    وإذا أمكن القول بأن الشعراء الغربيين يعتبرون الحب تحقيقاً لحياتهم فإن زملاءهم. الصينيين لا يرون في الحب إلا متعة عابرة في الحياة.‏

    في الواقع يسمّي الصينيون الحب حباً بينما الشعراء الغربيون يرون أبعد من ذلك مكتشفين في الحب اختبارات عن الحياة والدين.‏

    وهذا لا يعني أن الشعراء الصينيين غير جديرين بالتعبير عن العواطف العميقة إن قصائد الحب الغربية ترتبط بوصف جمال الشخص المحبوب وعمق العواطف. أما في الصين فإن القسم الأعظم من قصائد الحب تنظم بعد الزواج.‏

    وغالباً ما تكون أجمل قصائد الحب مكرسة للتعبير عن ندم الفراق أو فقدان الشخص المحبوب. إن قصيدة الحب الغربية تتميز بوصف التعلق بالمحبوب.‏

    وأجمل القصائد من هذا النوع توجد عند "شكسبير" و"شيلي" و"بروينغ" أما في الصين فإن قصائد الحب الممتازة هي الأغاني المأساوية أو الدينية: "الشُبَيْط" و"مركب السرو" و"راعي البقر البعيد" و"أغنية دوكاوبي" و"امرأة متقلبة" و"حكمة الإمبراطور ياندي دي ليانغ الخريفية". و"الحنين إلى الوطن" و"الندم والحلم الربيعي" لـ "لي بي".‏

    وبالاختصار فإنه يمكننا القول بأن الشعر الغربي يتميز بالصدق والعمق والاتساع بينما الشعر الصيني يسطع بالإلماح والرّقة والإيجاز.‏

    الطبيعة‏

    إنّ حب الطبيعة هو عاطفة حديثة نسبياً عند الشعراء في الصين كما في الغرب. في البداية كان الشعر يعكف بالأحرى على الناس والحوادث ولم تكن الطبيعة تلعب إلا دوراً ثانوياً كما في الرسم.‏

    في "كتاب القصائد الغنائية" يستحضر المؤلف الترغلة الساجعة فوق جزيرة النهر ليبرز الشابة الفاتنة التي يغازلها الفتى. وقس على ذلك "القصب المبيض بطبقة الجليد" إنه مخصص لاستدعاء "الشخص من الضفة الأخرى للنهر". إن تحويل الاهتمام نحو الطبيعة يكون تحريراً للشعر لأن هذا ليس فقط يؤدي إلى إغناء الموضوعات ولكنه يسمح أيضاً لأبيات الشعر المكرسة للأشخاص والحوادث أن تصل إلى العمق. إن صعود الاهتمام بالطبيعة هو حركة في تاريخ تطور الفن الشعري. حركة تتحدد في الصين عند نقطة التقاء السلالتين الملكيتين: "جان" و"دي سونغ" في حوالي القرن الخامس وفي الغرب في بداية الحركة الرومانسية يعني في القرن الثامن عشر.‏

    إن الشعر حول الطبيعة رأى النور في الصين قبل الغرب بألف وثلاثمائة سنة. لكن النقاد بشكل عام يحتقرون شعر السلالات الملكية الست وهذا خطأ في رأيي لأنه في عصر السلالات الملكية الست بالضبط تشكّل الشعر حول الطبيعة وبدأ الشعر الصيني منفصلاً عن الموسيقى يبحث عن موسيقاه في إطار اللغة نفسها.‏

    وهكذا انطلقت الأبحاث حول الإيقاع وعرف الشعر الصيني صيغاً جديدة ومراكز اهتمام جديدة ومصادر إلهام جديدة ومواضيع جديدة مستعارة من الفلسفة. ويمكن إذن القول بأن السلالات الملكية الست هي أيضاً مهمة بالنسبة للشعر الصيني باعتبارها مرحلة رومانسية بقدر الحركة الرومانسية للشعر الغربي.‏

    أما فيما يتعلق بالقصائد التي تدور حول موضوع الطبيعة فإن الشعر الصيني يشتهر بالإلماح والرقة والإيجاز والشعر الغربي بالصدق والعمق والاتساع. وهناك نوعان من جمال الطبيعة: الجمال النشيط والجمال الناعم. فالأول يختص بالجبال الشاهقة والبحر والعاصفة والطوفان والليل الهادئ والصحراء الواسعة والثاني بالنسمة وضوء القمر وبالعطور الخفيفة والظلال وبالهضبة في لحظة الغسق وبلمعان ماء البحيرة ولقد أُريد أن يُمثل لهذين النوعين من الجمال في الأزمنة القديمة بالبيتين التاليين من الشعر:‏

    "فرس يخب في الريح الخريفية في شمال جبال يانسبان.‏

    شجرة خوخ تزهر تحت المطر الربيعي في جنوب يانغتسي"‏

    وهذه هي الحالة نفسها بالنسبة للجمال الفني. وإن "ياوني" يعالج المسألة بالتفصيل في "جوابه إلى لي كسيفي". إن الجمال النشيط في الشعر تتمثل في أعمال "لي بي" و"دوفو" و"سوشي" و"كسينٍ كيجي" والجمال الناعم في أعمال "وانغ وي" و"منغ هاوران"، و"ين تنفجين"، و"لي شانغيان".‏

    لكننا لو قارنا الشعر الصيني بالشعر الغربي لظهر الأول موسوماً بالأحرى بالجمال الناعم والثاني بالجمال النشيط. إن الشعراء الغربيين يحبون البحر والعاصفة والشاطئ الصخري والوادي وبزوغ الفجر ويحب الشعراء الصينيون الساقية والصفصاف متدلي الأغصان والنسمة والغيمة وانعكاس الجبل في البحيرة وضوء القمر.‏

    لا شك أن هذا يعني هنا العمومية. فالغرب لـه أيضاً قصائده الموسومة بالجمال الناعم والصين لها قصائدها ذات الجمال النشيط. ولكن ذلك لا يشكل مظهرها الرئيسي. يمكن للشعراء أن يحبوا الطبيعة بثلاث طرق: الطريقة الأكثر سطحية تتمّ بالإدراك الحسي: برودة النسيم، لون ورائحة الأزهار، أصوات العصافير العذبة، خرير الساقية، السماء اللازوردية والماء الصافي.. وهذه الطريقة وقف على الناس العاديين وتقريباً جميع الشعراء لهم ميل نحو هذه الطبيعة في الغرب المعاصر فإن المدرسة الشعرية المسماة في الصين "بالمنحطين" تعرض أعمالاً محشوة بوصف الأصوات والألوان والروائح والمذاقات هذا الهوس يأتي من غرابة أطوار المؤلفين، وأعمالهم ليست من القصائد الجميلة.‏

    الطريقة الثانية هي الانصهار عقلياً مع الطبيعة. وهذا موقف أغلب الشعراء الصينيين وهكذا: "فإنه مع جبل "جينتغ" الوحيد يكون التأمل المتبادل بدون ضجر". "والهواء يهب من بعيد على السهل الواسع والنباتات الفتية تشعر أيضاً بالتجديد" "ويشعر المرء حقاً حين ينظر إلى العالم الهادئ وأفرح الفصول الأربعة بأنها كلها مشتركة".‏

    والطريقة الثالثة هي الحلولية. فالطبيعة التي تعتبر كانبثاق إلهي تملك غرائب غير قابلة للسبر وقوة فوق قدرة البشر تهيمن على الإنسان في كل لحظة.‏

    هنا التعبير عن الإحساس بالطبيعة يصبح ديناً ومزيجاً من الخرافات البدائية والفلسفات الغريبة. وهذا موقف أغلب الشعراء الغربيين.‏

    والشعراء الصينيون الذين هم من هذه الشريحة نادرون. فـ "تاوكيان" و"وردزورث" الشاعران المشهوران غَنّى كلاهما الطبيعة وأعمالهما تقدم العديد من الخطوط المتشابهة. ومقارنة هذين الشاعرين تسمح لنا بالتأكد من السلوك المختلف للشعراء الصينيين والشعراء الغربين إزاء الطبيعة.‏

    ولنأخذ على سبيل المثال "العودة إلى مسكني الريفي" لِـ "تاوكيان":‏

    "أقطف الأقحوان قرب حظيرة الشرق‏

    وأنتشي برؤية جبل الجنوب في الأفق‏

    وعند المساء يبدو هواء الجبل أكثر برودة‏

    وتعود العصافير منه زرافات‏

    في هذه الأشياء يكمن معنى عميق‏

    وحالما أريد شرح هذه الأشياء لنفسي فإن الكلمات تهرب مني".‏

    ينتج من ذلك أن "تاو كيان" مخلص لعاداته: "أحب أن أقرأ دون الوصول إلى عمق الأشياء" ويكره "النار التي تتخبط في القفص" ويستمتع "بالحدائق البعيدة للعواطف المألوفة" فهو إذن يشعر بالراحة والرضا لعشرة من الخراف مع ثمانية أو تسعة من أكواخ القش وحالته الروحية منفصلة لدرجة "أنه إذ يلحظ أعلى الجبل" "يحس بلذة كبيرة في الاتحاد معه" لكنه لا يسعى عن شرح الأشياء لنفسه. وهذا ما يجعله مختلفاً بشكل أساسي عن "وردزورث" والشعراء الغربيين الآخرين. فالشاعر الإنكليزي ينفر من المألوف أيضاً ويحب الجبل. وهو أيضاً راض عن وجوده لكنه إنسان يتأمل ممتلِئاً بالعواطف الدينية فقد صرّح ذات يوم:‏

    "إن الزهرة الأكثر تفاهة المحمولة مع الريح يمكنها أن تجعلني أستغرق في تفكير عميق لا تتوصل الدموع إلى التعبير عنه". لقد قال أيضاً في قصيدة إنه كان يشعر بأن روحاً تدفع هؤلاء الذين يتأملون ومواضيع كل فكرة وبأن روحاً تتدحرج عبر كل الأشياء".‏

    إن اختراق الروح هذا وهذه الصوفية لا يجمعها شيء بالتأثر المنسجم لدى الشعراء الصينيين مع الطبيعة. فهؤلاء لا يرون في الطبيعة إلا الطبيعة في حين أن الشعراء الغربيين يرون فيها قوى خارقة وغريبة.‏

    الفلسفة والدين‏

    إن السبب الذي من أجله لا يستطيع الشعراء الصينيون الذهاب بعيداً جداً في فهمهم للحب وللطبيعة يكمن في بساطة مفاهيمهم الفلسفية وفي انفصالهم عن الدين. ورغم أن الشعر لا يفيد في مناقشة الفلسفة ولا في الترويج للدين إلا أنه لم يكن ليعرف الازدهار دون أن يجد نفسه في الأرض الخصبة، أي: الفلسفة والدين. وإذا كان الشعر الغربي بإمكانه أن يفوق الشعر الصيني مساحة وعمقاً، فذلك لأنه يقتبس بغزارة من الفلسفة والدين، فبدون "افلاطون" و"سبينوزا" لم تكن لتوجد المثالية والحلولية المتجليتان عند "غوته" و"وردزورث" و"شيلي".‏

    ولولا الدين لم تكن لتوجد المآسي الإغريقية ولا "الكوميديا الإلهية" لِـ "دانتي" ولا "الفردوس المفقود" لـ "جون ملتون". طبعاً يمكننا لأسباب قوية أن نستمتع بالثمرات الرائعة للشعر الصيني المغروس في أرض فقيرة.‏

    لكن في مقابل الشعر الغربي فإنه غير كاف. إنني أحب الشعر الصيني لأنه يسمو على الشعر الغربي في دقة فن القوافي وأناقة التعبير ولكن من جهة المدى والعمق فأنا لا أستطيع الدفاع عنه.‏

    إن طباع الصينيين تشبه طباع قدماء الرومان. إنهم واقعيون جداً وعمليون ولا يستسلمون للغيبيات. وعلى المستوى الفلسفي فقد صاغوا مجموعة من المبادئ الأخلاقية دون أن يطوروا بشكل منهجي نظرية فلسفية مجردة. أما على المستوى الأدبي فلهم مؤلفات عديدة واقعية ذات علاقة بالمشاكل الاجتماعية وبالعلاقات بين الناس دون أن ينتجوا كثيراً من الأعمال ذات الخيال المحض. إن الصينيين واقعيون جداً وإنسانيون جداً.‏

    وهنا نقطة القوة ونقطة الضعف عندهم أيضاً. نقطة القوة لان الكونفوشيوسية التي أعطت قيمة كبيرة للعلاقات الإنسانية سمحت لمجتمع متفكك بأن يحتفظ بالاستقرار مدة عشرين قرناً من الزمن.‏

    ونقطة الضعف لأن هذا الارتباط القوي بالإنسانية وفي الزمن الحاضر منع الخيال من التحليق وبالتالي من أن تكون التطلعات أكثر طموحاً.‏

    ونتج عن هذا أن الاستقرار الاجتماعي جرّ الركود ومن ثمّ ضياع الاستقرار.‏

    وعندما أقول بأن المفاهيم الفلسفية بسيطة في الصين فإنني لا أنسى فلسفة "لاوزي" و"زهوانغي". صحيح أن هذه الفلسفة أكثر صعوبة من الكونفوشيوسية لكنها تميل أيضاً أكثر نحو القضايا الإنسانية بالنظر إلى الفلسفات الغربية. فـ "لاوزي" و"زهوانغي" نادراً ما تركا القضايا الإنسانية من أجل النفاذ بعمق في ماهية الأفكار وأصل الكون وتأثيرهما على الشعر الصيني هام ولكنه غير موفق لسببين:‏

    أولاً: إن فلسفة مبنية على التحليل الأخلاقي والمنهجي تحفظ بسهولة لكن فلسفة مؤسسة على الشعور السبقي فهي صعبة المعرفة والحفظ. إن فلسفة "لاو" و"زهوانغ" تنتمي إلى الطبقة الأخيرة وفيما بعد فإن فلسفة "لاوزي" تماثلت مع الطاوية.‏

    ولهذا فإن الشعر الصيني متأثر بالأحرى بالطاوية. وثانياً: فإن فلسفة "لاو" و"زهوانغ" تنشر فكرة الفراغ الأوَّلي وتحتقر فكرة السعي ولكن بدون السعي المدعوم والمشجّع من قبل الغربيين فإنه من المستحيل النفاذ إلى طبيعة الأشياء لا في الشعر ولا في الفلسفة.‏

    ورغم أن "لاو" و"زهوانغ" نجحا في تعميق نظريتهما فإن تلاميذهما يميلون إلى الاكتفاء بالعناصر السطحية.‏

    وعندما ندرس قصائد مستوحاة من فلسفة "لاو" و"زهوانغ" يستحوذ علينا هذا المنطق. فغالبية الشعراء الصينيين هم كونفوشيوسيون. و"دوفو" و"تاوكيان" هما أفضل الممثلين، لهذه الفئة لكن في هذا الشعر المتشبع بالكونفوشيوسية خلق أربعة من كبار الشعراء المتأثرين بقوة بـ "لاو" و"زهوانغ" عالماً مستقلاً. وهؤلاء هم "كيو وان" مؤلف "ندم الانفصال" والمؤلف المفترض لِـ "الرحلة الكبرى" و"روان جي" الذي ألف "أغاني قلبي" و"غيوبو" مؤلف "المتسكعون الخالدون". و"لي بي" مؤلف "الغناء حول مطلع وغروب الشمس". و"تسع وخمسين قصيدة من النوع القديم". ونحن نستطيع أن نسميهم بشكل عام شعراء مدرسة المتسكعين الخالدين. فما هي وجهات نظرهم؟‏

    يكتب "كيو وان":‏

    السماء والأرض وحدهما لامتناهيان‏

    آسف على عمل البشر المتواصل‏

    ولا أستطيع إدراك هذا الذي مضى‏

    ولا أستطيع كذلك فهم المستقبل‏

    أية متعة أشعر بها في صمت مجدب!‏

    وكم يريحني الكسل العذب!‏

    (الرحلة الكبرى)‏

    في "أغاني قلبي" يعلن "روان جي".‏

    "لا أستطيع إدراك الماضي‏

    ولا أعرف المكوث حتى مجيء المستقبل‏

    أرغب بتسلق جبل الزهر السماوية.‏

    لأتسلى مع الأبدي "شي سونغزي". "‏

    وفي قصيدة من النوع القديم يصرّح "لي بي":‏

    "النهر الأصفر يصب في البحر الشرقي‏

    والشمس تغرب في المحيط الغربي‏

    فَلْتَمْضِ سريعاً دون أي انتظار‏

    هذه الأنهار وهذه الأنوار التي تجري".‏

    ............‏

    "آمل أن أمتطي تنيناً‏

    لأستمتع ببهاء المنظر"‏

    هذه الأبيات تعبر دون استثناء عن فكرة بذاتها: يكره المؤلفون الحياة ويتمنون التفوق على العالم.‏

    لقد أصبحوا كارهين للبشر بسبب تغير الناس وقصر مدة الأشياء.‏

    إنهم يريدون التفوق على العالم بتقليد الطاويين الذين يزعمون بأنهم قادرون على صنع إكسير الخلود والتحليق على ظهر كُركي في عالم الخالدين لكن هذا ليس إلا حلماً ولهذا يكتب "كيووان":‏

    "الشمس في القبة الزرقاء بعيدة جداً‏

    حتى أنني لا أعرف كيف أمضي."‏

    أما "روان جي" فإنه يقول:‏

    "قطاف النباتات الطبية يكون بدون رجعة‏

    والخالدون لم يعطوا أية إشارة محددة‏

    إنني أحس بقسوة هذه الورطة‏

    وأتعذب بلا نهاية"‏

    و"غيوبو" يقر من جانبه:‏

    "أريد حقاً أن أحلق فوق الساقية الحمراء‏

    ومع الأسف فإن التنين ليس مطيتي".‏

    أما بالنسبة لِـ "لي بي" فإنه ينوح:‏

    "أعتقد أن الخالدين‏

    يوجدون في نهاية شرق البحر الأزرق‏

    ريح سماوية تهب فوق هذا اللامتناهي القارس‏

    والأمواج العالية المزبدة تتكسر على الجبال‏

    والحيتان التي تنفخ الماء تمنع المرور‏

    والحيرة تقتلع مني الدموع بلا نهاية.‏

    لاستيائهم من العالم الذي يعيشون فيه يبحثون عن عالم آخر. هذه الرغبة المشابهة للأمنيات الدينية للغربيين يجب أن تقود إلى ابتكار عالم مثالي. لكن لا: لأنهم حاولوا عبثاً التأكد من مشقات العالم الحالي ليست عندهم فكرة واضحة عن الأرض الموعودة. إن عالم الخالدين الذي يرغبون فيه هو أحياناً في "الغيوم اللازوردية" وأحياناً في "نهاية شرق البحر الأزرق" وأحياناً في بركة اليشب لملكة الغرب الأم والتي حسب "لي بي" ستكون فيما وراء السماء بثلاثمائة فرسخ. في عالم الخالدين يهيمن الإمبراطور يخدمه صبيان من اليشب يعزفون الأورغ بالفم ومومسات يمسكن الخبيزة بأيديهن إن "وانغ كياو" و"كيسهنغ" و"شي سونغزي" هم أتباع الخالدين في عالم حيث جميع المباهج الإنسانية فيه مثمنة عالياً أيضاً. ويمكننا تخيل قطار الحياة الفخم قطار الخالدين الذين يشربون في أكواب من اليشب فوق مصاطب من الذهب والفضة.‏

    إن الخالدين ليسوا بالطبيعة فاقدي الحس بالمناظر الجميلة. إنهم يتلذذون أمام شلالات الماء الذي يسقط من ارتفاع عدة آلاف من الأمتار.‏

    وفي قصورهم غيوم تحيط بالعوارض الخشبية ويشب يختلط بالسحلبيات. وعندهم حسب "غيوبو" "من يكون عمرهم ألف سنة هم أطفال" وحسب "لي بي" "فإن وجبة طعامهم تدوم عشرة آلاف سنة" ولهم قوة خارقة.‏

    إنهم قادرون على "ابتلاع قطع كبيرة جداً" و"رسم مناظر وتزيينها بالأضواء المتعددة الألوان" و"كسر غصن ميت لكنس أشعة شمس الغرب" فكيف نصبح خالدين؟ يجب أن نمارس علم تحويل المعادن وأن نسجد طويلاً أمامهم طالبين منهم سِرَّ فنهم قبل أن يسافروا فوق غيمة أو فوق كُركي. إن تصوّر عالم الخالدين هو مزيج من عدمية "لاوزي" وزهو "انغزي" وأفكار الطاويين حول ترك العالم الإنساني.‏

    هؤلاء الشعراء لا يدركون بأن الطاويين ينتسبون عبثاً إلى "لاوزي" وأن أفكارهم متعارضة مع فلسفته. وحسب "لاوزي" "فالشر الأكبر للإنسان هو أن يكون مادياً".‏

    إنه يقترح إذن "التخلص من الشهوات للنفوذ إلى خفايا الحياة" أما بالنسبة للطاوويين فهم يعملون المستحيل ليمتلكوا حياة طويلة وفاتنة جداً وأن يكونوا من ذوي الحياة الفخمة. ولا ينسون لحظة قصور اليشب هذه وهذه الخمور اللذيذة المقدمة في أكواب مصنوعة من الأحجار الكريمة.‏

    إن تناقض شعراء مدرسة الخالدين المتسكعين يرتكز على الرغبة بالتخلي عن العالم دون القدرة على التخلي عن رغباتهم الخاصة.‏

    والأكثر من ذلك أنهم موسومون بشدة بحب الكونفوشيوسية المرتكزة على تحسين العالم.‏

    إنهم لم يتنازلوا نهائياً عن الإنسانية الصينية. إن "كيو وان" و"روان جي" و"لي بي" عندهم مطمح نبيل في مساعدة العالم والشعب وحتى "روان جي" والذي هو حر للغاية ومتعال يعطي هذه النصيحة في "أغاني قلبي" "كم الحياة قصيرة فلا تبخل بكدّك" وفي قصيدة من النوع القديم يعبر "لي بي" في هذه الكلمات عن رغبته "باعتناق مهنة الأديب الذي تسطع مؤلفاته خلال ألف ربيع" [ تسجل آلام العالم وقصر حياة الكائنات الإنسانية] إن شعراء مدرسة الخالدين المتسكعين إذ يتخندقون في عدمية الطاويين يختارون حلمهم بمغادرة العالم.‏

    لكن عالم الخالدين الذين يحلمون به بعيد جداً بحيث يتحسرون: "أريد حقاً أن أحلّق فوق الساقية الحمراء لكن التنين للأسف ليس مطيتي" و"الحيرة تستدرّ منع الدموع بلا نهاية" وهكذا فإنهم مجبرون على البقاء في العالم الإنساني وإغراق حزنهم في الخمر ووجود المتعة في القرب من النساء. أتمنى أن أهجر العالم دون أن أعرف أين أتوقف، لكني لا أستطيع إلا أن أسافر في كل مكان كما يحلو لي"‏

    إن "كيو وان" ينتحب وأما بالنسبة لِـ "لي بي" و"روان جي" فهنا أسلوبهما في أن يعيشا حياتهما.‏

    إن شعراء هذه المدرسة جميعاً يشعرون بأنهم موجودون في طريق مسدود وهم يبكون عجزهم. إنهم يبدأون بحب الحياة ثم بالتقزز منها والاستعلاء على هذه الحياة وأخيراً يتوصلون إلى السخرية من كل شيء ولا تخلو سخريتهم من الحزن. إنهم يمضون حياتهم هكذا في مزج التناقضات والنزاعات. وهذا هو نصيب جميع الشعراء الكبار الجديرين بهذا الاسم والذين هم مع ذلك قادرون على أن ينتهوا منها ويصلوا إلى سلامتهم.‏

    وإذا كان "دانتي" و"شكسبير" و"غوته" تفوقوا على "روان جي" و"لي بي" فلأنهم انتهى بهم الأمر إلى أن وجدوا سلامهم بينما "روان جي" و"لي بي" لم ينقطعا أبداً عن الإحساس بعذاب الشك والحيرة.‏

    إن "كيو وان" و"روان جي" و"لي بي" يرون أبعد مما يرى الشعراء الصينيون الآخرون. ويستكشفون آفاقاً قلما يرتادها مواطنوهم.‏

    لكن إرثهم القومي ثقيل جداً بحيث لا يستطيعون الذهاب حتى النهاية ولهذا فإن طموحات الشعراء الغربيين بعالم آخر يمكن أن تنتج "الفردوس المفقود" و"فاوست" بينما في الصين فإن الظاهرة لا تنتج إلا بعض القصائد من نوع: "الرحلة الكبرى" و"أغاني قلبي" و"الخالدون المتسكعون" وكذلك بعض القصائد من الأسلوب القديم. إن البوذية مارست أيضاً تأثيراً عميقاً على الشعر الصيني ومع الأسف فإن أحداً لم يقم بأبحاث جادة حول هذا الموضوع.‏

    ويجب أن نعرف قبل كل شيء أن معظم القصائد المستلهمة من البوذية خالية من التعاليم البوذية ولكن مليئة بفرح الاستغراق في التأمل وبعد "تاوكيان دي جان" فإنّ "كْسِي لنغيون" و"وانغ دي" و"سوشي" هم الشعراء الكبار الذين وُسموا أكثر بالبوذية ومؤلفاتهم تُظهر من سطر إلى آخر فرح الاستغراق في التأمل، دون أن تتناول فيما عدا بعض الاستثناءات، مبادئ البوذية.‏

    ونستطيع أن نستخلص هذا الانطباع العام من قراءة مؤلفاتهم الكاملة. وسأقتصر على ذكر بعض المقاطع الشعرية:‏

    "غيوم بيضاء تلف صخرة هادئة‏

    ونباتات البامبو الخضراء تداعب ساقية صافية"‏

    "النقاشات انطفأت في المقصورة الخاوية‏

    وتأتي القنادس في الباحة الخالية"‏

    "كْسِي لنغيون"‏

    "تحلق العصافير وهي تغني بينما يتلاشى فرحي‏

    والأزهار تسقط عديدة عندما أجلس مدة طويلة"‏

    "مستنداً على عكازي خارج باب الكوخ‏

    أصغي إلى غناء الأزياز المتباطئة في الريح.‏

    (وانغ وي)‏

    "في الزورق المتحرك نرى الضفاف تهرب من ذاتها‏

    ومتمدداً فوق ظهر الجاموس أقرأ دون أن يعرف الحيوان ذلك"‏

    "أقرع الباب دون الحصول على جواب.‏

    وأستند على عكازي مصغياً لارتداد أمواج النهر".‏

    (سوشي)‏

    وينبغي علينا أن نجد السبب في ازدواجية الواقع بأن الشعر ليس خليقاً بمناقشة الفلسفة وبأن هؤلاء الشعراء الصينيين يعجبون في الحقيقة بالبوذيين وليس بالديانة البوذية.‏

    بعد سلالة "جين" فإن غالبية الشعراء الصينيين قد ارتبطوا بصداقات مع (المنعزلين عن العالم).‏

    وهكذا "كْسِي لنغيون" مع "يوان غونغ". و"وانغ وي" مع "يوان غونغ" وأستاذ التأمل "كاو سوشي" مع "فويل" وإذا كانوا معجبين بفعل وسلوك هؤلاء الرهبان البوذيين. فقد كانوا يترددون على معبدهم للتمتع بلذة التأمل أو لتبادل الأحاديث الروحية معهم.‏

    والمنظر الشعري إذ يرتبط بعدّة صلات مع صور التأمل، فإن الشاعر وأستاذ التأمل يتفاهمان غالباً بشكل كامل. وإذا كان الشعراء الصينيون قد سبقوا زملاءهم الغربيين بعشق الطبيعة والتدله بها بألف وبضع مئات من السنوات فذلك يعود إلى تأثير البوذية. ورجال الدين في عصر "وي وجين" اعتادوا بناء معبدهم في موقع رائع الجمال.‏

    (هذا الميل لرجال الدين الصينيين ربما نشأ عن رجال الدين الهنود إن "حلقة الساكونتالا" وهي دراما مكتوبة باللغة السنسكريتية تظهر لنا أن رهبان الهند البرهميين القدماء كانوا يحبون العيش متنسكين في موقع جميل) وروابطهم مع "المنعزلين عن الناس" علّمت الشعراء هذا الفرح الجديد فرح التأمل الذي يتكوّن قبل كل شيء في الفهم الصامت للطبيعة.‏

    وهذا ما استفاده الشعراء الصينيون من البوذية. لكن ليس بقصد الدّفاع عن المبادئ البوذية. فقصدهم الحقيقي كان التسلي دون الرّغبة في ممارسة البوذية حتى التسليم الكامل. كانوا يتأملون في الجبل ويخرجون منه ليتابعوا طريق حياتهم كموظفين كبار: أكل فاخر وحب زوجي... إن جوهر البوذية يتطلب أن "لا تترك شيئاً للكتابة وأن تصبح بوذياً بالطبيعة". ومع ذلك فقد بقي الشعر عقبة في هذه الطريق.‏

    إن البوذية لم تقم بتوسيع سوى الأسس الجمالية وليس الفلسفية للشعر الصيني المبني دائماً على الكونفوشيوسية والطاوية. إن المذهب البوذي بوصفه فلسفة غريبة فقد استقبل من قبل الشعراء الصينيين لأنه يُذكِّر بطريقة ما بأقوال الطاويين. وبعد سلالة جين فإن الناس أخذوا يميلون إلى مزج البوذية والطاوية معتقدين أنه كي تصير خالداً يجب أنه تصير بوذياً.‏

    وفي مغناة النزهة فوق جبل الشرفة السماوية لِـ "سن شيو" والقصيدة المهداة إلى الراهب "ياغونغ" من "لي بي" فإن مؤلفي هاتين القصيدتين يعتقدان بأن البوذية ومذهب "لاوزي" يشتركان في الأفكار. إن "هان يو" إذ دحض الأفكار الهرطقية وضعهما هو أيضاً في نفس المستوى. إن "لاوزي" ينادي بالعدم دون أن يقترح بعبارات واضحة السكون والخمود. إنه فرداني كامل. إن كتاب الطريق والفضيلة يحتوي في أغلب الحالات تجربة إنسان محرر من الوهم. لهذا استخدم فيما بعد لتسمية العقوبات القانونية المحددة من قبل "شن بوهي" و"هان في".‏

    إنّ البوذية تراعي نشر العطف للجميع. وحسب "لاوزي" فإن الإنسانية يجب أن تعود إلى حالتها الجاهلة في العصر الأول بينما البوذية تطلب من الإنسان أن يفهم القلب وأن ينفذ إلى طبيعة الآخرين.‏

    وطبقاً لمبدأ "لاوزي": أخذ حداً للحكيم وتنازل عن المعرفة" فحتى البوذية يجب رفضها. فإننا نرى بوضوح أن مذهبه لا ينسجم في شيء مع البوذية إن أتباع جين وأتباع "تانغ" بوضعهم البوذية ومذهب "لاوزي" أو الطاوية في نفس السلة فإنهم يتناقضون دون أن يلاحظوا ذلك.‏

    وما يدهش هو أن الشعراء الكونفوشوسيين هم بشكل عام تلاميذ للبوذية.‏

    في الأصل كان "بي جويسي" و"يوان زهن" كونفوشيوسيين مائة بالمائة لكن "بي" كتب هذه الكلمات "إنني مناصر للبوذية وليس للطاوية وخلاصي الأبدي سيكون في الفردوس البوذي" و"يوان" في "وداعاً للمرض" يعلن هو أيضاً: "إني تلميذ للبوذية، منذ زمن طويل وأسكن فقط في إهاب مادي".‏

    لقد اعتاد الصينيون أن يكون عندهم ميل للدين دون الرغبة في الذهاب حتى النهاية.‏

    هذا الميل إلى التهاون والتسوية ليس بالتأكيد دون مزية . ولكنه لا ينسجم مع الفلسفة، ومع الأماني الدينية المضطَّرمة. وهذا هو السبب الذي من أجله وصل الشعر الصيني إلى الجمال ولكنه لم يدرك العظمة.‏


    المصدر: مجلة الآداب الأجنبية، العدد122


    وسلام من أم طارق :-)
  • omtarek
    عضو مؤسس
    • May 2006
    • 728

    #2
    مواضيع عن الأدب الصيني

    قصائد مترجمة للشاعر الصيني: يي يان بين "عن الإنكليزية" ـــ ت.جهاد الأحمدية

    بطاقة الشَّاعر (يي يانبين)‏

    في عام 1948 وُلِدَ (يي يانبين) في هاربين) من محافظة (هايلونغ جيانغ). وهو شاعرٌ مرموقٌ، نشَرَ عدداً من المجموعات الشِّعريَّةِ تحتوي على مختارات من قصائدِهِ. وهو الآن ـ 1993 ـ يشغَلُ منصبَ نائبِ رئيسِ تحريرِ مجلَّةِ (نجوم) الشِّعريَةِ الَّتي تصدرُ في محافظةِ (سيشوان).‏

    (الشَّجرةُ الحالمةُ بالطَّيران)‏

    تحت هذا العنوان يتحدَّث الشَّاعرُ عن نفسِهِ قائلاً:‏

    وُلِدَتْ في (هاربين) شتاءَ 1948 حيثُ حربُ التحرير في طريقِها إلى تحقيقِ النَّصر. والصِّينُ تواجهُ مرحلَةً من التَّغيير الدراماتيكيّ. فكانت حياتي في مراحِلها الثَّلاثِ؛ الطُّفولةِ والشَّبابِ والرُّجولةِ تمرُّ في دوَّامةٍ من المتغيِّرات.‏

    كان والداي يعملان في (نورث إيست دايلي) اليوميَّة الشَّمال شرقيَّة التَّابعة لجيشِ التَّحرير الشَّعبيِّ. وكلَّما تحقَّقَ انتصارٌ، كانت تنتقِلُ بي أُمِّي جنوباً؛ إلى (بكين) ف (تيان جين) ثمَّ إلى (ووهان). وحينَ لم يعُدْ في وِسعِها إرضاعي من ثديَيها، بدَأْتُ أَعيشُ على حليبِ الأَغنامِ و الأَبقارِ؛ إذاً أَنا ابنُ الخرافِ والثَّيرانْ.‏

    جدِّي لأُمِّي ملاَّكٌ كبيرٌ وتاجرٌ للحبوبِ في الشَّمالِ الشَّرقي، وجدَّتي تتحدَّر من إحدى عائلاتِ (مانشو) الأرستقراطيَّةِ حيث قامَتْ ـ بعدَ أن احتلَّتِ القوَّاتُ اليابانيَّة (شين يانغ) عام 1931 ـ بترتيبِ الأُمورِ لإِقناعِ جدِّي بالموافقةِ على إرسالِ والدتي إلى مدرسةٍ في (بكين)؛ فكان شَرطُهُ على الموافقةِ أَن يكونَ حرّاً في أَخذِ خليلاتٍ له.‏

    وفي عام 1937 حيثُ انتَهت حربُ المقاومةِ ضدَّ اليابانِ، عادَتْ أُمِّي إلى (تسي آن) مع جيشِ الشَّمالِ الشَّرقي. وبعدها انضمَّتْ إلى (لواءِ الموتِ ضدَّ حياةِ اليابانيين) في (شان تسي)، لتعودَ بعدَ اندحارِ اليابانيين عام 1945 إلى الشَّمالِ الشَّرقي.‏

    في عام 1949 تأَسَّست الصِّينُ الحديثةُ فانتقلتِ العائلةُ إلى مسقطِ رأْسِ والدي في (سيشوان). بعدها واجهَتْ والدتي اتِّهاماً ظالماً أَدَّى إلى نفيِها إلى جبالِ (داليانغ) البعيدةِ، فمكثَتْ هناكَ عشرينَ عاماً كمعلِّمة. وعندما أُعيدَ لها اعتبارُها عام 1977 كانتْ قد أَصبَحَتْ عجوزاً تعيشُ في مصحَّةٍ للمصابينَ بالأَمراضِ المزمنة.‏

    أَمَّا والدي فهو الابنُ الوحيدُ لرجلٍ يعملُ بوَّاباً. وقد شاركَ في الرَّابعةِ عشرةَ من عمرِهِ في الحركاتِ الطُّلاَّبيَّةِ، إلى أَن التحق بعدها بالجيشِ الأَحمر. ثمَّ أَصبحَ بعدَ التَّحرير عميداً في الجامعة. وقد تعرَّضَ في فترة (الثَّورةِ الثَّقافيَّةِ) إلى النَّقدِ والتَّشويهِ لمدَّةِ عشرِ سنوات.‏

    أَستطيع القولَ إنَّ والديَّ قد كرَّسا كلَّ إمكاناتِهما للثَّورةِ، وكان ذلك أَهمَّ ما تقدِّمُهُ لي العائلةُ من تأْثيرٍ على أَعمالي الأَدبيَّة. لقد كانا في الحقيقةِ نموذجاً للعقلانيِّين الصِّينيِّين الذين ضحُّوا بكلِّ شيءٍ في سبيلِ فلاحِ الأُمَّة. وكُنْتُ قد عبَّرتُ عن ذلكَ في إحدى قصائدي الذَّاتيَّة:‏

    "الأَحمرُ والأَسودُ‏

    موجودانِ في مورِّثاتِ وجودي‏

    كوريثٍ للثُّوَّارِ‏

    وثائرٍ ضدَّ الوارثين‏

    لأَنَّ خيانتي وإِخلاصِي‏

    كلاهما ينبعانِ من دمي‏

    مورِّثَتينِ تفصحانِ بصمت".‏

    منذ بدَأْتُ الكتابةَ عام 1975 وحتى الآن نشرتُ من الأَعمالِ الأَدبيَّةِ ما يربو على ثلاثةِ ملايينِ كلمةٍ، بما فيها القصائدُ والمقالاتُ و(الاسكتشاتُ) والدِّراساتُ النَّقديَّةُ والرِّوايات. وكلُّها تقعُ تحت تأْثيرِ العائلةِ من جهةٍ والمعاناةِ الشَّخصيَّةِ من جهةٍ أُخرى.‏

    كنْتُ على أَبوابِ الانتهاءِ من المرحلةِ الثَّانويَّةِ عندما بدأَتِ (الثَّورةُ الثَّقافيَّةُ) عام 1966. وقد شهِدْتُ الكثيرَ من معاكساتِ القدرِ جرَّاءَ انخراطي في هذهِ الحركةِ الثَّوريَّة.‏

    في السَّنةِ التَّاليةِ توجَّهتُ إلى (ينان) لأَستقرَّ فيها؛ فعشتُ فلاحاً مدَّةَ سنتين. هنالكَ قابَلْتُ أَخي الأَكبرَ الَّذي أَخذَهُ فلاَّحٌ مذ كان طفلاً في عامِهِ الأَوَّلِ عندما أَرادَ والدايَ أَن يتوجَّها إلى ساحةِ المعركةِ في الشَّمالِ الشَّرقي. عشتُ تلكَ الفترةِ ابناً معزَّزاً لأَحدِ الفلاَّحينَ هناك، فتعلَّمْتُ الحصادَ وحملَ السَّمادِ والفحم. من هذهِ التَّجربةِ استوحيتُ قصيدتي (الحمارُ حاملُ الفحمِ على الطَّريقِ الجبلي)‏

    "كم كان يحلو‏

    لي الغناءُ‏

    وأَنا أَمشي‏

    على الطَّريقِ الجبلي".‏

    لقد عكسْتُ في كتابتِها إِمكانيَّةَ البحثِ عن السَّعادةِ في أَقسى الظُّروفِ، والتَّعويضِ عن الفقرِ المادِّيِّ بمعادلٍ من الإحساسِ الرُّوحيِّ المفتَرض.‏

    وقبلَ أَن أُصبحَ كاتباً في فرقةٍ مسرحيَّةٍ محلِّيَّةٍ في (ينان) عمِلْتُ راعياً للقطيعِ وبائعاً في متجر. وفي الثَّلاثين من عمري تسجَّلْتُ في قسمِ التَّحريرِ الإِذاعي في (بكين). لكنَّ مستوى العيش المتدنِّي لعشرِ سنواتٍ أَخذَ منِّي الكثيرَ من الوقتِ على حسابِ الدِّراسةِ، مع أنَّهُ منحني، مادَّةً غنيَّةً للكتابة. تتوزَّعُ أَعمالي على عدَّةِ مراحل:‏

    فقد شهِدَت الفترةُ ما بين 1975 و1980 إصدارَ عدَّةِ مجموعاتِ شعريَّةٍ مثل: (لا اعتذارات)، (الثُّنائي)، (ينبوع الحليب)، (تأَمُّلات القلب)، (رومانسيَّة المدينة) و(السَّجين واليمامةِ البيضاء). وقد استنَدَتْ قصائدُ تلك المجموعاتِ إلى ذكرياتِ المعاناةِ السَّابقةِ من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى إلى الأَغاني الشَّعبيَّةِ بعدَ إعادةِ صياغتِها وتحميلِها أَفكاراً مدنيَّة. وخيرُ ما يمثِّل تلك الفترةِ هي (القصائدُ الثَّلاثُ عن الأُمِّ المرضعِ) المنشورةُ في عددِ أَيار 1981 من مجلَّةِ الأَدبِ الصِّيني؛ وكانت هذهِ القصائدُ قد حصلَت على جائزةٍ وطنيَّةٍ للشِّعر، وقصيدةُ (أُمَّهات) المنشورةُ في هذا العدد.‏

    وفي الفترة ما بين 1986 و1989 حدثَ تحوُّلٌ كبيرٌ في كتابي. فكانَت (أغنيةٌ إلى سيشوان) ـ وهي قصيدةٌ غنائيَّةٌ تصوِّرٌ العهدَ المتغيِّر ـ قد واجهَتْ قليلاً من ردودِ الفعلِ النَّقديَّة. بينما نالَت التَّصفيقَ قصيدةٌ بعنوان (رسالةٌ بلونِ الدَّم) وهي غنائيَّةٌ طويلةٌ تصوِّرُ الحياةَ الرُّوحيَّةَ لأَبناءِ جيلي بأُسلوبٍ استقى تقنيَّاتِهِ من الشِّعرِ الغربي. وأثنى عليها النقًّادُ على أَنَّها أُسلوبُ (يي يانبين) الشِّعري. وقد ضمَّتْ هذهِ القصيدةَ بالإضافةِ إِلى قصائدَ أُخرى مجموعةٌ عنوانُها [قصائدُ مختارةٌ ل (يي يانبين)]. وكُنْتُ في هذهِ الفترةِ قد كتَبْتُ عدَّةَ مقالاتٍ صدَرَتْ في مجموعاتٍ مثل: (إشراقاتٌ من الحياة) و(مختارات من المقالة المعاصرة ـ يي يانبين).‏

    ومن زيارتي إلى إِيطاليا استوحَيْتُ عدداً من القصائدِ فصدَرَتْ في مجموعةٍ اسمُها (بين الفردوسِ والجحيم).‏

    انصرَفْتُ عام 1988 إلى القصائدِ الأَقصرِ الَّتي اكتشَفْتُ أَنَّها تنتمي أَكثرَ إلى المعاناةِ اليوميَّةِ للفرد. فحاوَلْتُ من خلالِها أَن أُوثِّقَ الرُّوحَ الوطنيَّةَ وآمالَ وطموحاتِ النَّاسِ الشَّرقيِّين. فجاءتْ في أُسلوبِها مزيجاً من التَّقليديِّ والحديث. (احتمالاتُ البياض) المنشورةُ في هذا العددِ واحدةٌ من هذهِ القصائد. ولي أَيضاً مقالات و(اسكتشات) متفرِّقة في طريقِها إلى أَن تظهرَ في مجموعات.‏

    أمَّا في هذه الفترةِ فلديَّ عدَّةُ مجموعاتِ شعريَّةِ وهي: (أَساسيَّات شهر العسل)، (أُغنيات الدم)، (أَنتِ قصيدتي 101) و(لحظة جميلة).‏

    وفي المحصِّلةِ فإِنَّ قصائدي في الثَّمانينيَّاتِ بشكلِها الرَّئيسِ عبارةٌ عن أُغنياتٍ حماسيَّةٍ عن الثَّورةِ والأَرضِ والحبِّ الأُمومي. وهي على اختلافِها في الأُسلوبِ تتساوى في كونِها تهتمُّ بالواقعيِّ والزَّمني.‏

    الفنُّ هو الإبداعُ. وما هدفي إلاَّ أَن أُصوِّرَ بقلمي الوجودَ والسَّعيَ والأَحاسيسَ والقيَمَ الأَخلاقيَّةَ لأَبناءِ جيلي الذين نشأوا على الجمهوريَّةِ الشَّعبيَّةِ، وأَصبحوا حرَّاسَها الحمرَ وشبابَها المثقَّفَ بعدَ أَن لجأوا إلى الأَريافِ لفترةٍ ما يحلمونَ ب (صينِ) الازدهار.‏

    الشِّعرُ تاريخٌ للأَحاسيسِ البشريَّةِ، وكم أَرغبُ في أَن أَنغمسَ في هذا التَّاريخِ وأُصبحَ جزءاً منه. أَنا لستُ واقعيّاً ولا أَعتقدُ أَنَّهُ على الشِّعرِ أن يتقيَّدَ بالواقعِ مع العلمِ أَنِّي متجذِّرٌ في الواقعِ ومعانقٌ لـه. ولستُ حداثيّاً بمعنى مواكبةِ السَّائدِ والموضةِ الدَّارجة. فكثيراً ما أَجدُ نفسي في معضلةٍ. وقد عبَّرْتُ ذاتَ مرَّةٍ عن انذهالي بصورةِ الشَّجرة: الجذورُ في تربةِ التقاليدِ والأَغصانُ تمتدُّ إلى السَّماءِ كاشفةً عن حلمِ الأجنحة. هذهِ الشَّجرةُ قد تساعدُكم في استيعابي واستيعابِ أَشعاري.‏

    ***‏

    أُمّهات‏

    (1)‏

    ما الَّذي يجعلُ الأُمَّهاتِ‏

    يتباهَينَ بأَقفاءِ أَبنائهنَّ،‏

    وأَكتافِهم العريضةِ القويَّة‏

    المفعَمةِ بنشاطِ الشَّباب؟‏

    الأَعينُ مشدوهةٌ‏

    تظلِّلُها الأَيدي‏

    وهنَّ جالساتٍ‏

    يحدّقْنَ إلى البعيدِ‏

    أَعينُهنَّ مشدودةٌ‏

    إلى أَشكالِ الرِّجالِ المتضائلةِ‏

    المؤَطَّرةِ بحزامٍ ذهبيٍّ‏

    من إشعاعِ الشَّمسِ.‏

    شعورٌ أُموميُّ بالاعتزازِ‏

    يقوِّمُ ظُهورَهنَّ‏

    الَّتي حدَّبَتْها سُنونُ التَّعب،‏

    فتسقطُ من السَّماءِ اللاَّزورديَّةِ‏

    ورقةٌ بنِّيَّةٌ ذابلة.‏

    بهدوءٍ يحدِّثْنَ أَنفُسّهُنَّ:‏

    "حمداً لِلَّهِ!‏

    قد تجدُ المرأَةُ‏

    ما يملأُ حياتَها."‏

    قطيعُ أُوزِّ في رحلةٍ طَويلةٍ‏

    يرفرفُ في الأُفقِ‏

    عندَ الغيومِ المتَّقِّدةِ.‏

    تنهمرُ الدُّموعُ‏

    تبلِّلُ كلَّ الذِّكريات؛‏

    فالأُمَّهاتُ يَرَيْنَ‏

    في الأَشكالِ المتضائلةِ‏

    ضَياعاً وشِيكاً‏

    لأَغلى أَبنائهِن.‏

    ماذا يتبقَّى لأُمٍّ‏

    بعدَ أَنْ أَنجبَتْ‏

    إلى هذهِ الدُّنيا‏

    رجلاً آخرَ‏

    إلاَّ هذا المشهدُ الأَخيرُ؛‏

    أَن تلوِّحَ بيدِها‏

    موَدِّعَةً عندَ الباب؟‏

    وخشيةً منهنَّ‏

    أَن يلتفَت الأَبناءُ‏

    فجأَةً إلى الوراءِ،‏

    لا تبرحُ البسمةُ تحديقَهُنَّ‏

    إلى الأَشكالِ المتضائلةِ،‏

    بينما يَكبِتْنَ في الحلوقِ‏

    طعمَ المُرّ.‏

    (2)‏

    حينَ تكونُ وجهاً لوجهٍ‏

    أَمامَ ابنِك‏

    تنظرُ إليهِ بإعجابٍ شديدٍ‏

    مأْخوذاً بالأُعجوبةِ الَّتي صنَعْت.‏

    ومع أَنَّكَ‏

    لم تعُدْ تقرصُ ظهرَ يدِكَ‏

    لتوقنَ أَنَّكَ لستَ في أَرضِ الأَحلامِ،‏

    فإِنَّ مثلَ هذه الحركةِ البسيطةِ‏

    قد تعني بأَنَّكَ‏

    اهتدَيتَ إلى ملاذِك.‏

    لا شيءَ يُقارَنُ بهذا الوجهِ‏

    ولا حتَّى يداكَ ووجهُك.‏

    فأَنتَ لم تنظرْ إلى المرآةِ‏

    منذُ زمنٍ؛‏

    تخافُ من رؤيةِ التَّجاعيد.‏

    مجرُّدُ نظرةٍ إليها تُرعبُك.‏

    لكنَّ هذا الوجهَ كافٍ‏

    لتنسى نفسَكَ‏

    وتقدُّمَكَ في السِّنِّ،‏

    وتتذكَّرَ دوماً‏

    تاريخاً تصنعُهُ الأُمَّهاتُ‏

    وقلقاً لدى الفتياتِ‏

    في انتظارِ الحبِّ،‏

    وأُغنياتٍ تصدحُ بها‏

    الأُمَّهاتُ الصَّغيراتُ‏

    إلى جانبِ المهدِ،‏

    وآثاراً لأَقدامِ الأَبناءِ‏

    على الثَّلجِ ترسمُ القصائد..‏

    (3)‏

    هنَّ دائماً معجباتٍ‏

    بما يمنَحْنَ أَبناءهنَّ‏

    من أَسماءِ التَّدليلِ،‏

    وفي الوقتِ ذاتهِ‏

    يسخَرْنَ من المعتقداتِ الخُرافيَّةِ:‏

    كالبيتيَّةِ، والهاجسِيَّةِ والكلبيَّةِ.‏

    البيتيَّة؟‏

    فهل يصبحُ رجالاً‏

    إلاَّ الَّذينَ لا يلزَمونَ البيوت؟‏

    الهاجسيَّة؟‏

    وهل قدرُ الرَّجلِ‏

    إلاَّ أَن يمضي في هذهِ الدُّنيا‏

    على سجيَّتِهِ؟‏

    الكلبيَّة؟‏

    وهل هنالكَ أُمٌّ‏

    ترضى لابنِها أَن يكونَ‏

    مجرَّدَ كلبِ حراسة؟‏

    حسناً..‏

    فكلُّ الأُمَّهاتِ هكذا ـ‏

    ينثُرْنَ حبَّاتِ الدُّخْنِ الذَّهبيَّةِ‏

    يُطعِمْنَ صيصاناً تسقسِقُ‏

    مختبئةً تحتَ أَجنحةِ الدَّجاجِ‏

    ينظرنَ إلى السَّماءِ‏

    والنُّسورِ الَّتي تحوِّمُ‏

    وسطَ الغيوم.‏

    الحبُّ يجعلُ الأُمَّهاتِ‏

    يكرَهنَ النُّسورَ‏

    ويُشفِقْنَ على الصِّيصان.‏

    والحبُّ يحدو بالأَبناءِ‏

    أَن يصبحوا نسوراً‏

    ولا يبقوا صيصاناً.‏

    (4)‏

    الأُمَّهاتُ غالباً‏

    يخشَيْنَ الصَّمتَ،‏

    ودائماً يرغَبْنَ‏

    في الحديثِ مع الأَبناءِ.‏

    لكنَّهنَّ يلُذْن بالصَّمتِ‏

    إلاَّ حينَ يقلْنَ شيئاً خاطئاً.‏

    الأَبناءُ يدخِّنونَ،‏

    يفكَّرونَ في أُمورٍ الرِّجال.‏

    فتغدو تعابيرُ حواجبِهم‏

    غريبةً على الأُمَّهات.‏

    قد أَصبحوا شباباً‏

    وبعدَ الآنِ لن ينادوا (ماما)‏

    إن وجدوا جديداً.‏

    اللَّيلِ المتباطئِ يطولُ‏

    وضوءُ القمرِ صامتٌ‏

    والمنارةُ الوامضةُ صامتةٌ‏

    والأُمَّهاتُ يجلسْنَ‏

    إلى جانبِ الأَبناءِ‏

    يَحِكْنَ أَو يَخِطْن‏

    فالصَّمتُ شبكةٌ‏

    تصنعُها الأُمومةُ‏

    لتحميَ الأَبناءِ.‏

    آهٍ من الأُمَّهاتِ‏

    حين يخشَينَ الصَّمتَ‏

    ويبقَيْنَ صامتات.‏

    ـ موسم الإِزهار‏

    في مرحلةِ البراعمِ..‏

    حينَ تفيضُ بالخَيالِ،‏

    تذكِّرُنا بروحٍ‏

    في تنازُعِها.‏

    فالجميلُ والمؤلمُ معاً.‏

    والسَّعادةُ والحزنُ‏

    لا يأْتيانِ‏

    إلى هذهِ الدُّنيا منفَردَين.‏

    في مرحلةِ التَّفتُّحِ..‏

    حينَ يغمرُها الفرحُ،‏

    ما أَصعبَ أَن ننسى‏

    ذلكَ الإِشراقِ‏

    وقد دخلْنا عالمَهُ‏

    فاغرينَ أَفواهَنا المرتجفةَ‏

    عاجزينَ‏

    عن كفِّ دموعِنا البلَّوريَّة.‏

    في مرحلةِ الاكتمالِ..‏

    يقودُنا الإٌِقدامُ والنَّشاطُ‏

    في ريعانِ الشَّباب؛‏

    فلا غايةٌ نسعى إليها،‏

    ولا عاقبةٌ نخشاها،‏

    حين تواجهُنا‏

    النَّحلاتُ والمقصَّات.‏

    في مرحلةِ الذُّبولِ..‏

    بائسةً في الرِّيحِ والمطر‏

    تثيرُ فينا‏

    الشَّاعريَّةَ والتَّأَمُّل‏

    فيتنهَّدُ المتعاطفونَ‏

    على بقايا الرَّحيق.‏

    لكنَّ هذا المزاج الحزين‏

    وهذهِ العاطفة‏

    يضيعانِ أَيضاً‏

    مع الأَمطارِ والرِّياح.‏

    في مرحلةِ الذَّويان..‏

    هنالكَ استعادةٌ للماضي.‏

    تماماً كالحديقةِ العامَّةِ،‏

    حيثُ لكلِّ ثانيةٍ‏

    روعتُها المتفرِّدةُ‏

    الأَجملُ من الأَبديَّة.‏

    ـ احتمالات البياض‏

    إطلاقُ العنانِ‏

    للعواطفِ والرَّغباتِ‏

    يذهبُ مع الزَّمنِ‏

    كما الحبرُ حينَ يُراقُ‏

    على ورقةٍ الحياةِ الجميلةِ‏

    ويغمِّسُها‏

    تاركاً خلفَهُ‏

    مساحتَين من البياضِ‏

    فاتنتَينِ جذَّابتينِ‏

    في ما مضى من السِّنين‏

    بعمقٍ أَو بسطحيَّة.‏

    نظرةٌ إلى الوراء‏

    على طولِ الممرِّ الَّذي‏

    عبرَتْ عليهِ خطواتي،‏

    وأَرى أَحداثَ الماضي‏

    كأَشجارٍ مزهرةٍ‏

    ومقصوراتٍ محاصرةٍ‏

    بالدُّخانِ الكثيفِ والضَّباب.‏

    فأَيَّ عاطفةٍ‏

    يمثِّل ذاكَ البياضُ؟‏

    لعلَّهُ الدُّخانُ الغامضُ والضَّبابُ‏

    ما يترجمُ الحياةَ‏

    بصورتِها الأَجمل.‏

    جميلٌ هذا النِّسيانُ..‏

    جميلٌ جريانُ الماء..‏

    فقد لا يكونُ‏

    الحذرُ الشَّديدُ‏

    في تمشيطِ الأَجَمةِ‏

    بعنايةٍ وترقُّبٍ‏

    لوحةً جميلةً‏

    لمشهدِ الحياة.‏

    ـ الغيومُ الهاربةُ فوقَ جبل (تاي)‏

    سريعةٌ‏

    تلك الغيومُ الهاربةُ‏

    فوقَ جبلِ (تاي).‏

    هيوليَّةٌ‏

    تلك الغيومُ الهاربةُ‏

    فوقَ جبلِ (تاي).‏

    ثائرةٌ‏

    تلك الغيومُ الهاربةُ‏

    فوقَ جبلِ (تاي).‏

    أَشباحٌ تتكسَّرُ‏

    صاعدةً من عمقِ الوادي.‏

    تنبعثُ‏

    مع أَوَّلِ ومضةِ فجرٍ‏

    تتجعَّدُ منديلاً من ضبابٍ‏

    تمتطي أَجنحةَ الوقتِ‏

    وتحلِّقُ عالياً في السَّماء.‏

    إنَّها الغيماتُ‏

    السَّريعةُ..‏

    الهيوليَّةُ..‏

    الثائرةُ..‏

    تلكَ الَّتي‏

    تمنحُ الأَشجارَ‏

    والأَزهارَ والأَعشابَ‏

    بهجةَ الحياة.‏

    وتجعلُ الصُّخورَ‏

    على امتدادِ الجبلِ‏

    وحتَّى النُّقوشَ على الأَلواحِ‏

    تبدو كأَنَّها‏

    قد مسَّتها موجةٌ‏

    من الرَّقصِ الجنونِي.‏

    وأَنا الوحيدُ المُثقلُ بالهمومِ‏

    في بحرِ الغيوم؛‏

    أَفكاريَ انطلَقَتْ بعشوائيَّةٍ‏

    مع الغيومِ الهاربةِ‏

    تُنصِتُ إلى أَجراسِ المعبدِ‏

    حينَ تتوالدُ بهدوءٍ‏

    عندَ الشَّفقِ‏

    محمَّلةً بفواكهِ التَّاريخِ‏

    الحامضةِ والمرَّةِ.‏

    وهاهو التَّاريخُ‏

    يأْتي طافياً فوقَ الهواء.‏

    ومسرعاً يمضي بعيداً‏

    ولا يبقى هاهنا‏

    إلاَّ جبلُ (تاي) وقلبي.‏


    وسلام من أم طارق :-)

    تعليق

    • omtarek
      عضو مؤسس
      • May 2006
      • 728

      #3
      مواضيع عن الأدب الصيني

      نماذج مختارة من الشعر الصيني المعاصر للشاعر آي كَينغ "عن الإنكليزية" ـــ ت.عز الدين محمود

      آي كَينغ هو واحد من أشهر شعراء الصين المعاصرين.‏

      ولد في السابع عشر من آذار عام 1910 في نيهاو من مقاطعة زهاوينغ(1).‏

      في سنة 1928 انضم إلى معهد "ويست ليك" الوطني للفنون الجميلة في هاونغ تسو حيث درس الرسم. في عام 1929 غادر شنغهاي إلى باريس حيث عمل رساماً متمرناً في مرسم خاص، وآنذاك ابتدأ يكتب الشعر. لدى عودته ثانية إلى الصين في عام 1932 انضم آي كَينغ إلى تجمع الفنانين اليساريين في شنغهاي، واعتقل في شهر تموز من نفس العام. في السجن كتب قصيدته "ديانهي ـ مرضعتي" التي نشرت عام 1933 تحت اسمه الأدبي آي كَينغ.‏

      أطلق سراحه في تشرين أول 1935. ومنذ دخوله السجن تخلى آي كَينغ عن الرسم من أجل الشعر.‏

      في عام 1941 وصل آي كَينغ إلى ميان آن حيث عمل في التدريس بمعهد ليوكسان للآداب والفنون، وانضم إلى الحزب الشيوعي الصيني عام 1945. وبعد قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 شغل آي كَينغ مراكز قيادية في بعض المنظمات الوطنية.‏

      أرسل إلى شمال شرق الصين في عام 1958. وفيما بعد إلى إقليم كَسنيانغ أويغار المستقل لمدة ستة عشر عاماً، وفي عام 1975 عاد ليقيم ثانية في بيجيانغ.‏

      قصيدته "الراية الحمراء" المنشورة في "يومية وينبوي" في شنغهاي في الثلاثين من نيسان كانت أول قصيدة له بعد إعادة الاعتبار له. ومنذ ذلك الحين نشر آي كَينغ قصائد عديدة وزار ألمانيا الغربية والمجر والولايات المتحدة الأمريكية.‏

      نماذج القصائد المترجمة تظهر نضجاً تدريجياً في أسلوبه الفني واستخدامه للغة وفهمه للحياة.‏

      ***‏

      ـ الليل الشفاف‏

      ليل شفاف‏

      ... ضحك من القلب يتفجر في الحقول‏

      ثلة من الندمان. يحدقون‏

      في القرية التي تغفو بعمق‏

      بصخب يشقون طريقهم‏

      فرحين إلى القرية‏

      حيث نباح كلب يثير رعشة‏

      ونجوم منثورة تملأ السماء.‏

      إلى القرية‏

      عبر شارع يغفو‏

      عبر ساحة تغفو، يندفعون‏

      إلى حانة صاخبة.‏

      الخمر، ضوء المصابيح، الوجوه السكرى‏

      الضحكات الماجنة تنصهر وتتوحد‏

      "هيا إلى المذبح‏

      لنحتسي مرق اللحم..."‏

      ـ 2 ـ‏

      يشق الندمان طريقهم إلى طرف القرية‏

      يدخلون باباً محملقاً بمصابيحه.‏

      رائحة الدم، أكداس اللحم والزنِخ الساخن‏

      لجلود الأبقار....‏

      أناس يصيحون... أناس يصيحون‏

      وكنيران السهوب تلقي القناديل ضوءها‏

      على عشرات من الوجوه بلون الطين‏

      من القاطنين أراضي العشب.‏

      "هنا مركز إنعاشنا‏

      هذه الوجوه الأليفة...."‏

      نتلقف‏

      قطع اللحم الساخنة مصعدة بخارها‏

      أفواه تفتح على مداها، تمضغ.... تمضغ‏

      الخمر... الخمر‏

      هات الخمر!!‏

      وكنيران السهوب تلقي القناديل ضوءها‏

      على دماء البقر وذراعي الجزار الملطختين‏

      وجبينه المرشوش بالدماء.‏

      كنيران السهوب تلقي القناديل ضوءها‏

      على عضلاتنا المتقدة و...‏

      في داخلنا‏

      قوة الألم، والغضب، والكره...‏

      كنيران السهوب، تلقي القناديل ضوءها‏

      على المتصيدين ليلاً‏

      والسكارى‏

      والمتسكعين‏

      على قطاع الطرق‏

      ولصوص الماشية‏

      متحدرين من كل حدب وصوب.‏

      الخمر.! الخمر!‏

      هات الخمر!‏

      ......‏

      "على ضوء النجوم، مرتعشين‏

      نمضي...."‏

      ضحك يتفجر في الحقول‏

      ثلة من الندمان يغادرون‏

      القرية النائمة‏

      إلى أراضي العشب النائمة‏

      بصخب يشقون طريقهم‏

      ليل! ليل شفاف!‏

      10 أيلول 1932‏

      ***‏

      ـ الشمس‏

      من مغاور الماضي السحيق.‏

      من عصور الظلام.‏

      من جدول موت الإنسانية هذا.‏

      موقظة الجبال من سباتها‏

      كعجلة من نار فوق كثبات الرمال‏

      تتدحرج الشمس نحوي...‏

      بأشعة لا تقاوم‏

      تمنح الحياة نفساً‏

      تجعل أغصان الأشجار تهفو إليه‏

      تجعل الأنهار تندفع إلى الأمام بالغناء.‏

      عندما تأتي يمكنني سماع‏

      الحشرات النائمة تدور تحت الأرض.‏

      الناس تعلو أحاديثهم في الساحات.‏

      المدن تومئ لها من بعيد‏

      بالكهرباء والفولاذ.‏

      وعندها‏

      يتفتق صدري مفتوحاً بيديّ النار‏

      وروحي المتأسنة‏

      ينتزعها النهر‏

      ومرة أخرى أستعيد الإيمان‏

      في انبعاث الإنسانية.‏

      ربيع 1937‏

      ***‏

      ـ جواب الفحم‏

      ـ أين تعيش؟‏

      ـ أعيش في عشرة آلاف سنة من الجبل المنحدر‏

      أعيش في عشرة آلاف سنة من جرف الصخر‏

      ـ وكم عمرك؟‏

      ـ عمري أعظم من عمر الجبال‏

      أعظم من عمر جروف الصخر.‏

      ـ منذ متى وأنت صامت هناك؟‏

      ـ منذ حكمت الديناصورات الأرض‏

      منذ أحست الأرض برعشتها الأولى.‏

      ـ هل متَّ في مرارة الأعماق والضغينة؟‏

      ـ الموت لا. لا. إنني ما زلت حياً‏

      أعطني ضوءاً من فضلك، أعطني ضوءاً.‏

      ربيع 1937‏

      ***‏

      ـ ابتسامة‏

      لا أصدق علماء الآثار ـ‏

      بعد أن تكون عدة آلاف من السنين قد مرت‏

      وقرب شاطئ خالٍ من وقع أقدام البشر‏

      في خراب كان في الماضي يعجّ بالنشاط‏

      سيلتقط شخص ما فتات عظم جاف‏

      ـ عظم جاف من جسدي.‏

      كيف له أن يعرف أن ذلك الفتات الجاف‏

      قد أحرق وتفحم في القرن العشرين؟‏

      ومن له ـ في أطوار الأرض ـ‏

      أن يعثر‏

      على قطرات دمع الضحايا‏

      ممن عانوا أشد العذاب.‏

      تلك الدموع‏

      التي أسرت خلف آلاف القضبان‏

      ذات المفتاح الواحد الذي يفضي إلى بوابة السجن‏

      لكن عدداً لا حصر له من الرجال الشجعان‏

      حاولوا الحصول على ذلك المفتاح‏

      وجميعهم سقطوا قتلى‏

      تحت بنادق المدافعين وحرابهم.‏

      لو أستطيع أن ألمَّ دمعة من تلك‏

      لأحفظها قرب وسادتي‏

      أكثر من جوهرة تستعاد من عمق آلاف القامات‏

      ستصدر الضياء‏

      مشعة عبر الزمان والمكان.‏

      ألم يحصل لكل منا،‏

      كلُّ في زمنه الخاص،‏

      أن سُمرَّ على صليب؟‏

      إن صلبنا هذا‏

      لا يقل إيلاماً بالتأكيد‏

      عن الصلب على أيدي أبناء الناصرة.‏

      بأيدي أعدائنا‏

      وضع تاج من الشوك على رؤوسنا‏

      ومن جبيننا ـ ممزقةً متشحةً بالموت‏

      تقطرت نقاط الدم، قرمزية‏

      لكن وحتى هذا لم يستطع التعبير‏

      عن مرارة الألم في القلب!‏

      حقاً‏

      علينا أن لا نؤوي الآمال الخواء‏

      لكننا نرغب يوماً ما.‏

      عندما يفكر فينا الناس ـ‏

      كما يفكر المرء بأشياء من أقدم العصور:‏

      أسلافنا الذين صارعوا الوحوش البدائية‏

      ـ أن ترف فوق وجوههم بسمة‏

      بسمة هادئة سمحة‏

      لا بل بسمة القليل من الرضا.‏

      آه. كم سأكون تواقاً آنذاك‏

      لأن أقايض حياتي ببسمة كهذه!‏

      8 أيار 1937‏

      ***‏

      ـ الأرض تولد من جديد‏

      الأيام الآسنة‏

      غاصت منذ أمد طويل عميقاً في سرير النهر.‏

      عسى التيارات أن تعيدها نظيفة،‏

      بحيث لا يظل للأوراق من أثر.‏

      على ضفاف النهر،‏

      حيث مر الربيع، خفيف الخطا،‏

      في كل مكان تتفتح الورود ويخضر العشب‏

      ومن هناك، من تلك الخميلة‏

      تتعالى السقسقات لمئات العصافير‏

      تحتفي بالفصل.‏

      يا زارعي البذور‏

      إنه وقت البذار‏

      فلنجهد بعزم وقوة‏

      دافعين الأرض كي تقدم‏

      خيراتها حبوباً من ذهب‏

      الآن أيضاً وقتك‏

      يا شاعر الأحزان والألم‏

      لتنبذ شجون أيامٍ خلت‏

      ولتدع الآمال تنتعش‏

      في القلوب التي طالت معاناتها.‏

      فأرضنا التي كانت إلى موات‏

      الآن ـ تحت سماء ساطعة،‏

      تولد من جديد،‏

      المنغصات الآن ذكريات لا أكثر.‏

      في الصدر الدافئ للأرض‏

      ستندفع ثانية‏

      دماء المحاربين التي تفور‏

      6 تموز 1937‏

      ***‏

      ـ بُركة شتاء‏

      بركة شتاء‏

      وحيدة كقلب رجل عجوز ـ‏

      قلب عرف حتى الإفراط مرارة العالم.‏

      بركة شتاء‏

      جافة تماماً، كعينيّ رجل عجوز‏

      عينين أحال الجهد بريقهما انطفاء.‏

      بركة شتاء‏

      مبدّدة، كشعر رجل عجوز‏

      شعر بلون الرماد، مبعثر كعشب الشتاء.‏

      بركة شتاء‏

      كئيبة كرجل عجوز محزون‏

      عجوز ينحني تحت سماء مكفهرة.‏

      كانون ثاني 1940‏

      ***‏

      ـ أشجار‏

      شجرة، شجرة أخرى‏

      كلٌ تقف وحيدة منتصبة‏

      الريح والهواء‏

      تحكيان، عن امتداد كل منهما منعزلة‏

      لكن، تحت غطاء الأرض‏

      جذورهما تمتد‏

      وفي أعماق لا يمكن أن تُرى‏

      جذور الأشجار تتضافر.‏

      ربيع 1940‏

      ***‏

      ـ نَجَدْ(2)‏

      النهارُ هنا‏

      لِمَ هو حار‏

      بالغُ العلو هنا‏

      قريب للشمس‏

      المساءُ هنا‏

      لِمَ هو بارد‏

      بالغ العلو هنا‏

      قريب للقمر‏

      لِمَ هو حار قرب الشمس‏

      لِمَ هو بارد قرب القمر‏

      الشمس نار‏

      القمر جليد‏

      1956‏

      ***‏

      ـ أمل‏

      صديقة الحلم‏

      أخت الوهم‏

      في الأصل ظلك‏

      رغم ذاك دائماً أمامك‏

      متماهية كضوء‏

      مضطربة كريح‏

      بينك وبينها‏

      تقيم دائماً مسافة‏

      كطيور خارج النافذة تطير‏

      كغيوم في السماء تطفو‏

      كفراشات بقرب النهر‏

      ماكرة محبوبة‏

      حين تنهض نحوها، تفر‏

      تتجاهلها، توقظك‏

      هي دائماً معك‏

      حتى النفس الأخير‏

      ***‏

      ـ الزهراء: نجمة الصباح(3)‏

      لك الوقت‏

      لحظة يحل النور محل الظلام‏

      حين يفر ليل بهيم‏

      ويتبعه نهار ساطع في يقظته‏

      ها قد تراجعت النجوم‏

      وأنتِ لا تزالين هناك‏

      تنتظرين الشمس. لتشرق.‏

      مضاءة بأول إشعاعات الصباح‏

      تغوصين في مراتب الضوء‏

      إلى أن لا يتمكن من رؤيتك أحد.‏

      آب 1956‏

      ***‏

      ـ المرآة‏

      مجرد سطح أمس‏

      غير أنها عصية سبر الغور‏

      تعشق الحقيقة بعمق‏

      لا تستر العيوب‏

      نزيهة مع من يبتغونها‏

      وكل شخص يستطيع فيها أن يرى نفسه‏

      متقداً بالخمر‏

      أم منهكاً، بشعر أبيض كالثلج.‏

      البعض يعشقونها‏

      لأنهم ذوو مظهر جميل‏

      البعض يتفادونها‏

      لأنها بالغة الصراحة‏

      لكن هناك البعض‏

      يكرهونها ويرغبون في تحطيمها.‏

      1978‏

      ***‏

      ـ المظلة‏

      في الصباح أسأل المظلة‏

      "هل تفضلين أن تكوني محروقة بالشمس‏

      أم مبتلة بالمطر؟‏

      تبتسم المظلة. تقول:‏

      "إن هذا ليس ما يهمني"‏

      ألحُّ في السؤال‏

      "وما الذي يهمك إذن؟"‏

      تقول المظلة‏

      إن الذي يهمني‏

      في المطر عليَّ أن لا أدع ثياب الناس تبتل‏

      في الشمس أن أكون غيمة فوق الرأس.‏

      1978‏

      ***‏

      ـ سور‏

      سور كالسكين‏

      يشطر المدنية نصفين‏

      نصف يقع في الشرق‏

      نصف آخر في الغرب.‏

      كم ارتفاع هذا السور؟‏

      كم عرضه؟‏

      كم طوله؟‏

      حتى وإن يكن أعلى وأعرض وأطول‏

      فليس بالإمكان أن يكون بعلو أو بعرض أو بطول‏

      سور الصين العظيم.‏

      لا شيء إلاّ أثر من التاريخ‏

      جرح أمة‏

      لا أحد يحب هذا السور.‏

      ثلاثة أمتار ارتفاع لا شيء‏

      خمسون سنتيمتراً سماكة لا شيء‏

      خمسة وأربعون كيلو متراً طول لا شيء‏

      حتى وإن يكون أعلى بألف مرة‏

      حتى وإن يكن أسمك بألف مرة‏

      حتى وإن يكن أطول بألف مرة‏

      فكيف يستطيع أن يحتجز‏

      الغيوم والرياح والمطر وأشعة شمس السماوات؟‏

      كيف يستطيع أن يحجز‏

      تيارات الماء والهواء؟‏

      وكيف يستطيع أن يحجز‏

      بليوناً من البشر‏

      أفكارهم أكثر انطلاقاً من الرياح‏

      إرادتهم أكثر رسوخاً من الأرض‏

      وأمانيهم أكثر امتداداً من الزمن‏

      بون 1979‏

      (1) منذ أقل من عامين تناقلت الأوساط الأدبية والإعلامية نبأ وفاة الشاعر آي كَينغ وكان يشغل منصب رئيس اتحاد الكتاب الصينيين.‏

      (2) نلفت النظر إلى غياب علامات الترقيم في بعض القصائد تقيداً بالنص الإنكليزي والنص الأصلي للقصائد. (المترجم).‏

      (3) استخدمت كلمة Morning star في الترجمة الإنكليزية للتمييز بين Venus ـ نجمة الصباح والإلهة Venus. إذ يوجد في الصينية كلمتان مستقلتان للإشارة إلى ذلك.‏


      المصدر مجلة الآداب الأجنبية
      وسلام من أم طارق :-)

      تعليق

      • omtarek
        عضو مؤسس
        • May 2006
        • 728

        #4
        مواضيع عن الأدب الصيني

        مختارات من كتاب "الأغاني" الصيني "عن الإنكليزية" ـــ ت.خالد حداد

        "كتاب الأغاني" هو أقدم مختارات شعرية في الصين، وكانت الأغاني الثلاثمئة والخمس الموجودة في هذه المجموعة لها شعبيتها بين القرنين الحادي عشر والسادس قبل الميلاد وربما تم جمعها في كتاب واحد خلال التاريخ الثاني. ويُعتبر أكثر من نصفها من الأغاني الشعبية التي تنتمي إلى أجزاء متعددة من البلاد، بينما الأغاني الباقية هي أغان احتفالية أو مهرجانية كانت تغنى في البلاط أو في المآدب وعند تقديم القرابين إلى الآلهة أو الأجداد. وقد ظلت هذه القصائد، المكتوبة بحيوية وبأسلوب بسيط طبيعي، ممتعة جداً على امتداد الأجيال.‏

        ***‏

        ـ طيور العقاب الصائحة‏

        بمرح تصيح طيور العقاب،‏

        فوق الجزيرة داخل الجدول.‏

        لطيفة ورشيقة تلك الفتاة،‏

        وتليق زوجة للرجل النبيل.‏

        قصيرة وطويلة نباتات الماء العائمة،‏

        يساراً ويميناً يمكنك اقتلاعها.‏

        لطيفة ورشيقة تلك الفتاة،‏

        في يقظته يحن إليها وفي أحلامه.‏

        حينما فشل الغزل،‏

        في يقظته يفكر فيها وفي أحلامه.‏

        تملؤه الأفكار الحزينة،‏

        ويتقلب غير قادر على النوم.‏

        قصيرة وطويلة نباتات الماء العائمة،‏

        يساراً ويميناً يمكنك جمعها.‏

        لطيفة ورشيقة تلك الفتاة،‏

        يريد أن يتزوجها، وتصدح أنغام الكين والسي(1).‏

        قصيرة وطويلة نباتات الماء العائمة،‏

        يساراً ويميناً يمكنك قطفها.‏

        لطيفة ورشيقة تلك الفتاة،‏

        يريد أن يتزوجها، وتقرع الأجراس وتضرب الطبول.‏

        ***‏

        ـ شجرة الدراق نحيلة وقوية‏

        شجرة الدراق نحيلة وقوية،‏

        أزهارها حمراء نارية.‏

        الفتاة سوف تتزوج،‏

        وهذا ملائم أكثر للمنزل.‏

        شجرة الدراق نحيلة وقوية،‏

        ثمارها حلوة المذاق ووافرة.‏

        الفتاة سوف تتزوج،‏

        وهذا ملائم أكثر للبيت.‏

        شجرة الدراق نحيلة وقوية،‏

        أوراقها غزيرة وخضراء.‏

        الفتاة سوف تتزوج،‏

        وهذا ملائم أكثر للعائلة.‏

        ***‏

        ـ قارب خشب السرو‏

        يطوف حراً قارب خشب السرو،‏

        يتمايل على طول الجدول.‏

        عيناي مفتوحتان، لا أستطيع النوم،‏

        كأن قلبي مثقل بالأسى.‏

        ليس لأنني بلا نبيذ أشربه،‏

        أو بلا مكان أستمتع بزيارته.‏

        قلبي لا يشبه مرآة برونزية،‏

        تتشرب انعكاس كل شيء.‏

        لدي أخوة، أكبر وأصغر مني،‏

        ولكن لا أحد جدير بالثقة.‏

        حين حاولت أن أصرح بحزني،‏

        رأيتهم قد غضبوا مني.‏

        قلبي لا يشبه الحجر،‏

        ولا يمكن أن يدور ويتحرك بسهولة.‏

        قلبي لا يشبه الحصيرة،‏

        ولا يمكن أن يلتف حسب الرغبة،‏

        بالكرامة والشرف،‏

        لن أحجم أو أستسلم أبداً.‏

        قلبي مثقل بالغيظ،‏

        فالأوغاد يحملون أحقادهم ضدي.‏

        وكانوا يجابهونني بكآبة مفرطة،‏



        ويعاملونني بتحقير زائد.‏

        وبينما أفكر بصمت في هذا،‏

        أسحق صدري حين تتضح الحقيقة الحزينة لي.‏

        أيتها الشمس، أيها القمر،‏

        لم أنتما قاتمان جداً دائماً؟‏

        قلبي ملطخ بالحزن،‏

        لا يمكن تنظيفه مثل الملابس الوسخة.‏

        أفكر بصمت في هذا،‏

        ولا أستطيع نشر جناحي والتحليق عالياً.‏

        ***‏

        ـ اقترب الظلام‏

        اقترب الظلام،‏

        اقترب الظلام،‏

        لم لا نذهب إلى البيت؟‏

        إذا لم يكن من أجل سخرة السيد،‏

        فلماذا علينا أن نعاني من الندى الثقيل؟‏

        اقترب الظلام،‏

        اقترب الظلام،‏

        لم لا نذهب إلى البيت؟‏

        إذا لم يكن من أجل شخص السيد،‏

        فلماذا علينا أن نكدح في الطين؟‏

        ***‏

        ـ تأمل العيش مع سيدها حتى الموت‏

        تأمل العيش مع سيدها حتى الموت،‏

        تضع تاجاً صغيراً ذات ست جواهر.‏

        يبدو جليلاً وأنيقاً جداً،‏

        مثل الجبال المهيبة والأنهار الرشيقة.‏

        الثوب المصبوغ يلائمها جيداً.‏

        لكن القدر كان سيئاً معها،‏

        يا لسوء الحظ الذي يستحيل تجنبه!‏

        مشرقة ورائعة جداً‏

        ريشات طائر التدرج المصبوغة على عباءتها.‏

        والشعر الأسود الفاحم يتوج رأسها كالغيوم،‏

        لا تحتاج إلى خصلات شعر مزيفة.‏

        قرطاها مصنوعان من حجر اليَشْم،‏

        ومشط رأسها من العاج.‏

        واسع جبينها وبشرتها صافية.‏

        لم يجب أن تذهب إلى السماء؟‏

        لماذا تقدم نفسها أمام الآلهة؟‏

        فاتنة ومتألقة جداً‏

        في ملابسها الاحتفالية الناصعة البياض.‏

        فوق ثياب تحتية من الحرير الرقيق‏

        إنها ترتدي ثياباً تحتية ضيقة.‏

        عيناها ساطعتان ومتلألئتان،‏

        وحاجبها عريض.‏

        حقاً، سيدة مثلها فقط‏

        يمكن أن تكون حسناء هذه الدولة.‏

        ***‏

        ـ طيور السنونو‏

        طيور السنونو تحلق بأجنحتها،‏

        ريشاتها قصيرة وطويلة.‏

        تذهب السيدة باتجاه البيت،‏

        بعيداً وراء الحقول أودعها.‏

        وأحدق حتى تصبح خارج مرمى البصر،‏

        ودموعي تنهمر مثل المطر.‏

        طيور السنونو تحلق بأجنحتها،‏

        وتحوم إلى الأعلى والأسفل.‏

        تذهب السيدة باتجاه البيت،‏

        بعيداً أودعها.‏

        وأحدق حتى تصبح خارج مرمى البصر،‏

        وأقف وقتاً طويلاً وأنا أبكي.‏

        طيور السنونو تحلق بأجنحتها،‏

        يعلو وينخفض غناؤها.‏

        تذهب السيدة باتجاه البيت،‏

        بعيداً إلى الجنوب أودعها.‏

        وأحدق حتى تصبح خارج مرمى البصر،‏

        وقلبي يمتلئ بالحزن.‏

        رين هي كنية السيدة زونج هذه،‏

        قلبها صادق وعميق.‏

        لطيف ورقيق،‏

        تبقى حذرة وطاهرة.‏

        بسبب حب الملك الراحل،‏

        فطاعة الأولاد واجبة على أرامله.‏

        ***‏

        ـ السيدة الممتلئة‏

        السيدة الممتلئة ضخمة وطويلة،‏

        تضع رداء فوق ثوب من القماش المطرز.‏

        إنها ابنة دوق (كي)،‏

        وهي الآن عروس دوق (وي)؛‏

        والأخت الصغرى لوريث (كي)؛‏

        وأخت زوجة مركيز (شينغ)،‏

        ولورد (تان) هو نسيبها.‏

        أصابعها الرقيقة طرية كالعشب،‏

        وجلدها أبيض وأملس كدهن خنزير،‏

        وعنقها طويل وناعم مثل يرقة الخنفساء،‏

        وأسنانها مستوية وبيضاء مثل بذور البطيخ،‏

        ورأسها ممتلئ ومربع، وحاجباها طويلان ومقوسان،‏

        والابتسامة الحلوة تترك غمازتين عند زاويتي فمها،‏

        وعيناها الجميلتان، يتميز سوادهما وبياضهما بوضوح.‏

        السيدة الممتلئة ضخمة وطويلة،‏

        عند الضواحي تتوقف لتستريح.‏

        الجياد الأربعة نشيطة وقوية،‏

        الزخارف الحريرية الحمراء رائعة على شكائمها،‏

        بعربة مغطاة بالستائر، ومكسوة بريش طائر التدرج، تصل إلى البلاط.‏

        غادروا البلاط باكراً، أيها الموظفون الكبار،‏

        لا تزعجوا دوقنا وترهقوه!‏

        هائلة وضخمة مياه النهر الأصفر،‏

        تندفع أمواجه المرحة شمالاً؛‏

        وعندما تتلاعب شبكة وتصدر صوت حفيف،‏

        تتقافز الأسماك فيتناثر الماء،‏

        والقصب عند الضفتين يرتفع عالياً،‏

        جميع خادمات زفافها نحيلات ومترفات اللباس،‏

        وجميع مقاتليها أنيقون ورائعون.‏

        ***‏

        ـ سفرجلة‏

        رمت لي سفرجلة،‏

        فأعطيتها بالمقابل قلادة من حجر اليَشْم.‏

        لم تكن مجرد مكافأة،‏

        ولكن لأظهر أنني سأحبها إلى الأبد.‏

        رمت لي دراقة،‏

        فأعطيتها بالمقابل قلادة من الجواهر.‏

        لم تكن مجرد مكافأة،‏

        ولكن لأظهر أنني سأحبها إلى الأبد.‏

        رمت لي خوخة،‏

        فأعطيتها بالمقابل قلادة من اليَشْب.‏

        لم تكن مجرد مكافأة،‏

        ولكن لأظهر أنني سأحبها إلى الأبد.‏

        ***‏

        ـ تقول الزوجة: "الديك يصيح".‏

        تقول الزوجة: "الديك يصيح".‏

        فيجيب الزوج: "لم يكد يبزغ الفجر".‏

        "انهض وانظر إلى سماء الليل،‏

        نجمة الصباح عالية وساطعة".‏

        "سوف أنهض على راحتي،‏

        وأذهب لصيد البط البري والإوز".‏

        "عندما تطلق النار، ستملأ بها حقيبة كبيرة،‏

        وسوف أعدها لك جيداً.‏

        مع هذه الطيبات سوف نشرب‏

        نخب شيخوخة سعيدة.‏

        مع هذا الحب المتآلف.‏

        الجميع سيكونون سعداء وآمنين".‏

        "لأنني أعرف اهتمامك العميق بي،‏

        سأهديك قلادة ملونة من حجر اليَشْم.‏

        لأنني أعرف مشاعرك الرقيقة نحوي،‏

        سأعطيك قلادة ملونة من حجر اليَشْم.‏

        لأنني أعرف حبك الطاهر لي،‏

        سأكافئك بقلادة ملونة من حجر اليَشْم.‏

        ***‏

        ـ إذا كنت تحبني حقاً‏

        إذا كنت تحبني حقاً،‏

        ارفع ثوبك واعبر نهر (زين)!‏

        إذا كنت لا تحبني،‏

        ما رأيك برجل آخر؟‏

        أوه، إنك الأكثر حماقة بين الحمقى!‏

        إذا كنت تحبني حقاً،‏

        ارفع ثوبك واعبر نهر (وي)!‏

        إذا كنت لا تحبني،‏

        ما رأيك برجل آخر؟‏

        أوه، إنك الأكثر حماقة بين الحمقى!‏

        ***‏

        ـ الريح والمطر‏

        الريح قارسة والمطر بارد،‏

        وصوت الدجاج مرتفع.‏

        رأيت الآن رجُلي الطيب ثانية،‏

        كم يشعر قلبي بالطمأنينة!‏

        تصفر الريح والمطر يقرع،‏

        وصوت الدجاج مرح.‏

        رأيت الآن رجُلي الطيب ثانية،‏

        كم يصبح قلبي مشرقاًَ!‏

        الريح والمطر يكتسحان السماء الكئيبة،‏

        وصوت الدجاج لا يتوقف.‏

        رأيت الآن رجُلي الطيب ثانية،‏

        كم يشعر قلبي بالبهجة!‏

        ***‏

        ـ المثقف ذو الياقة الزرقاء‏

        أيها المثقف ذو الياقة الزرقاء‏

        أحن إليك منذ وقت طويل.‏

        ولو أنني لم أذهب لزيارتك،‏

        لماذا لا ترسل لي بعض الأخبار؟‏

        أيها المثقف ذو الشريط الحريري الأزرق،‏

        أحبك منذ وقت طويل.‏

        ولو أنني لم أذهب لزيارتك،‏

        لماذا لا تأتي كي تراني؟‏

        أظل أمشي ذهاباً وإياباً،‏

        على برج سور المدينة.‏

        إن مر يوم ولم أرك،‏

        يبدو لي وكأنه ثلاثة شهور!‏

        ***‏

        ـ خارج بوابة المدينة الشرقية‏

        خارج بوابة المدينة الشرقية،‏

        تشبه البنات غيوماً ملونة.‏

        ومع أنهن جميلات كالغيوم،‏

        لم تسكن قلبي منهن حتى الآن.‏

        إلا صاحبة الثوب الأبيض والوشاح المخضر‏



        التي أشعر بالشوق للقائها.‏

        خارج بوابة المدينة الخارجية،‏

        تشبه البنات أزهار القصب.‏

        ومع أنهن جميلات كأزهار القصب،‏

        لم تمكث في قلبي منهن حتى الآن.‏

        إلا صاحبة الثوب الأبيض والمنديل القرمزي‏

        التي أمتلئ بهجة حين أراها.‏

        ***‏

        ـ في البراري نمت النباتات المتسلقة‏

        في البراري نمت النباتات المتسلقة،‏

        بقطرات الندى الثقيلة والكثيفة.‏

        كانت هنالك فتاة، جميلة ومشرقة،‏

        قسماتها رقيقة وساحرة جداً.‏

        بالصدفة التقينا،‏

        كانت تجسد رغبتي الطويلة.‏

        في البراري نمت النباتات المتسلقة،‏

        بقطرات الندى الممتلئة والمستديرة.‏

        كانت هنالك فتاة، جميلة ومشرقة،‏

        قسماتها ساحرة ورقيقة جداً.‏

        بالصدفة التقينا،‏

        معها الحياة ستكون سعيدة.‏

        ***‏

        ـ مربوطة بإحكام‏

        مربوطة بإحكام حزمة الحطب،‏

        النجوم الثلاث(2) عالية في السماء.‏

        أوه، أي ليلة هذه؟‏

        هنا أقابل رجلي الطيب.‏

        يا للقدر! يا للقدر!‏

        كم أنا محظوظة إذ أرى رجلي الطيب!‏

        مربوطة بإحكام حزمة التبن،‏

        النجوم الثلاث في ركن المنزل،‏

        أوه، أي ليلة هذه؟‏

        هنا أقابل زوجي المجهول.‏

        يا للقدر! يا للقدر!‏

        كم أنا محظوظة إذ أرى زوجي المجهول!‏

        مربوطة بإحكام حزمة العليق،‏

        النجوم الثلاث أمام الباب.‏

        أوه، أي ليلة هذه؟‏

        هنا أقابل رجلي الجميل‏

        يا للقدر! يا للقدر!‏

        كم أنا محظوظة إذ أرى رجلي الجميل!‏

        ***‏

        ـ ريش الدجاج البري‏

        أسمع حفيف ريش الدجاج البري،‏

        وهو يحط على أشجار البلوط.‏

        سخرة الملك لا تترك مجالاً للهدوء والراحة،‏

        مستحيل أن أزرع الدخن!‏

        على ماذا سيعتمد والداي في معيشتهما؟‏

        أيتها السماء! أيتها السماء!‏

        متى أعيش حياة ترف وراحة؟‏

        أسمع حفيف رفرفة أجنحة الدجاج البري،‏

        وهو يحط على أشجار العليق.‏

        سخرة الملك لا تترك مجالاً للهدوء والراحة،‏

        مستحيل أن أزرع الدخن!‏

        على ماذا سيتكل والداي في معيشتهما؟‏

        أيتها السماء! أيتها السماء!‏

        متى يصل هذا كله إلى نهايته؟‏

        أسمع حفيف رف الدجاج البري وهو يأتي،‏

        وهو يحط على أشجار التوت.‏

        سخرة الملك لا تترك مجالاً للهدوء والراحة،‏

        مستحيل أن أزرع الأرز!‏

        على ماذا سيعتمد والداي لطعامهما؟‏

        أيتها السماء! أيتها السماء!‏

        متى تستأنف الحياة هدوءها؟‏

        ***‏

        ـ القصبات‏

        القصبات فاخرة وخضراء،‏

        الندى الأبيض تحول إلى صقيع.‏

        حبيبي الغالي علي جداً‏

        في مكان ما خلف المياه.‏

        عند منبع النهر أبحث عنه،‏

        الطريق شاق وطويل.‏

        عند مصب النهر أبحث عنه،‏

        يبدو أنه في وسط المياه.‏

        القصبات غزيرة وقوية،‏

        الندى الأبيض لم يجففها بعد.‏

        حبيبي الغالي علي جداً‏

        في مكان قرب ضفة النهر.‏

        عند منبع النهر أبحث عنه،‏

        الطريق شاق وقاس.‏

        عند مصب النهر أبحث عنه،‏

        يبدو أنه في مكان ضحل من المياه.‏

        القصبات مزهرة ومورقة،‏

        الندى الأبيض لا يزال ينهمر.‏

        حبيبي الغالي علي جداً‏

        في مكان ما قرب شاطئ النهر.‏

        عند منبع النهر أبحث عنه،‏

        الطريق شاق ومتعرج.‏

        عند مصب النهر أبحث عنه،‏

        يبدو أنه على جزيرة في المياه.‏

        ***‏

        ـ كيف تقول إنك لا تملك ثياباً؟‏

        كيف تقول إنك لا تملك ثياباً؟‏

        سأتقاسم معك ردائي المبطن.‏

        الملك يبعث بجنوده ليحاربوا،‏

        دعنا نجهز خناجرنا وحرابنا.‏

        إلى جانبك، سأقاتل عدونا المشترك.‏

        كيف تقول إنك لا تملك ثياباً؟‏

        سأتقاسم معك قميصي الداخلي.‏

        الملك يبعث بجنوده ليحاربوا،‏

        دعنا نجهز رماحنا وفؤوسنا.‏

        إلى جانبك، سأنطلق إلى الحرب.‏

        كيف تقول إنك لا تملك ثياباً؟‏

        سأتقاسم معك تنورتي المتواضعة.‏

        الملك يبعث بجنوده ليحاربوا،‏

        دعنا نجهز صنع درعنا عائق المستعد وأسلحتنا.‏

        إلى جانبك، سأسير إلى الجبهة.‏

        ***‏

        ـ في السهول تنمو شجرة الكارامبولا‏

        في السهول تنمو شجرة الكارامبولا‏

        رقيقة ورشيقة أغصانها.‏

        كم تبدين قوية وجميلة،‏

        وأنا سعيد لأنك بلا مشاعر.‏

        في السهول تنمو شجرة الكارامبولا‏

        رقيقة ورشيقة أزهارها.‏

        كم تبدين قوية وجميلة.‏

        وأنا سعيد لأنك بلا بيت.‏

        في السهول تنمو شجرة الكارامبولا‏

        رقيقة ورشيقة ثمرتها.‏

        كم تبدين قوية وجميلة،‏

        وأنا سعيد لأنك بلا عائلة.‏

        ***‏

        ـ البومة‏

        آه، أيتها بومة!‏

        لقد أخذت فراخي،‏

        أرجوك لا تدمري عشي.‏

        فأنا بكل هذا الحب وهذه الآلام،‏

        عانيت حتى تفقس صغاري.‏

        قبل نوبة الطقس الرطب،‏

        نزعت بعض قطع جذور التوت‏

        لأصلح عشي، نافذته وبابه.‏

        لكن الناس في الأسفل،‏

        ربما تتجرأ وتستقوي علي،‏

        عملت بجد بالغ،‏

        وأنا أذهب هنا وهناك لأجمع زهور القصب‏

        التي احتفظت بها مخزونة.‏

        وكان منقاري مقرحاً ومرهقاً،‏

        لكنني لا أزال بلا منزل ملكي.‏

        ريشي ممزق ومتناثر،‏

        وذيلي فقد بريقه.‏

        وعشي يتمايل ويترنح،‏

        تحت رحمة الريح والمطر،‏

        وفي الخطر لا أستطيع الامتناع عن البكاء.‏

        (1) آلتان موسيقيتان صينيتان تقليديتان، تشبهان آلة القانون؛ الأولى لها سبعة أوتار والثانية خمسة وعشرون وتراً.‏

        (2) تختلف تفسيرات هذه القصيدة، وبعضها يوضح أنها تشير في المقطع الأول إلى نطاق برج الجوزاء ويشير البيت إلى الفصل؛ وتشير في المقطع الثاني إلى ثلاث نجوم ساطعة في برج العقرب ويشير البيت إلى وقت متأخر من المساء؛ وتشير في المقطع الثالث إلى النسر الطائر ويشير البيت إلى حلول منتصف الليل.‏




        المصدر مجلة الآداب الأجنبية
        وسلام من أم طارق :-)

        تعليق

        • JHassan
          عضو مؤسس، مترجم مستقل
          • May 2006
          • 1295

          #5
          مواضيع عن الأدب الصيني


          العزيزة أم طارق..
          كنت قد كتبت تعليقا قبل أيام تحت هذا الموضوع، لكنه طار مع ما طار من المواضيع والمشاركات (!!!)، ولا بأس من كتابة التعليق مرة أخرى، طالما أن الموضوع نفسه باق لم يطر 8-) ...
          أشكرك كثيرا عزيزتي على الموضوعات الشيقة أعلاه.. وهي بالطبع تتطلب تفرغا ووقتا لتذوقها وقراءتها على مهل.. وتأكدي أنني سأعود إليها بين الفينة والأخرى.
          تحياتي المشغولة في الإجازة :-(
          وسلام لأم طارق
          ;-)
          جميلة حسن
          وما من كاتـب إلا سيفنى ****** ويبقي الدهر ما كتبت يداه
          فلا تكتب بكفك غير شيء ****** يسرك في القيامة أن تـراه

          تعليق

          يعمل...
          X