الرؤية الرومانسية في قصة (ثلاثة)لجبير المليحان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • faisalaldouri
    عضو منتسب
    • Jan 2007
    • 25

    الرؤية الرومانسية في قصة (ثلاثة)لجبير المليحان

    نص : (ثلاثة ) لجبير المليحان
    مشى فينا القطار..تتراكض الأيام من النافذة. قهقه طفلي الجالس خلفي فرحا بركض الأشجار، التفت إليه؛ فإذا هو أبي يملأ كرسيه بالبكاء . انتهى النص


    تلخص رموز هذه القصة القصيرة جدا الرؤية الرومانسية حول علاقة الإنسان بالطبيعة إضافة إلى العلاقة بين مراحل العمر الثلاث : الطفولة والشباب والشيخوخة مثلما تركزت في رؤية الشعراء الرومانسيين لهاتين المسألتين وخاصة الشاعرين الانكليزيين : وليم بليك ووليم وردزورث . ورؤية الشاعر وردزورث هي الأقرب إلى ما توحيه رموز هذه القصة لذلك سنتناولها بشيء من التفصيل في معرض تفسيرنا لدلالاتها ، حيث تشكل فكرة العلاقة بين الأجيال الثلاثة معظم ثيمات هذا الشاعر في تعمقه في سيكولوجية تجلي الطبيعة وانعكاس ذلك على رؤية كل جيل . فالطفل يتوحد مع الطبيعة ويحتفل بها بينما تشكل مرحلة النضوج قوة متدهورة نسبة إلى الطفولة باعتبار أن هذه المرحلة هي التي يتفتح بها الشاب على مسؤوليات الحياة ومتاعبها ، كما أنها المرحلة التي يتعرف بها الإنسان على حقيقته كشخص معرض للفناء – تلك الحقيقة الغائبة عن مخيلة الطفل وإدراكه – وهي المرحلة الأقرب إلى الشيخوخة المتماسة مع الموت. ورغم احتفالية الشاب بالطبيعة ومباهجها إلا أن ما ينغص عليه هذه الاحتفالية انه بدأ يدرك حقيقة فنائه بمواجهتها؛ هو الفان وهي الخالدة. أما في مرحلة الشيخوخة فان الشيخ الذي يعاني من فقدانه لقوته البدنية ومظهره البراق في شبابه فلا عزاء له غير الشعور بالتوحد أو الوحدة مع الطبيعة من خلال التأمل والتذكر والتعلل بالحكمة مع تركز الروح وتضخمها على حساب البدن.
    ولنعد إلى القصة التي تحمل عنوانا رمزيا ((ثلاثة)) وهو الرقم الذي يشير إلى مراحل العمر الثلاثة. تستهل القصة برمز القطار الذي يشي بمسيرة العمر ((مشى فينا القطار))، وهي جملة موحية يردفها القاص بجملة تقريرية مباشرة ((تتراكض الأيام من النافذة)). وكان يمكن الاستغناء عنها لأنها لا تضيف للفكرة شيئا لأن الجملة الأولى قد اختزلت المعنى المقصود رمزياً. وقد قال القاص (مشى فينا القطار) ولم يقل (مشى بنا القطار) للدلالة على حكم الزمن فينا وسطوته. ثم يبدأ القاص باستعراض المراحل الثلاثة بطريقة رمزية رائعة وبجمل مركزة وموحية وغاية في الإتقان. المرحلة الأولى مرحلة الطفولة لخصها القاص بهذه الجملة(( قهقه طفلي الجالس خلفي فرحاً بركض الأشجار )). وحسنا فعل القاص باْن جعل الراوي يمثل المرحلة الوسطى أي مرحلة الشباب ومن براعته أيضا أن جعل الطفل يجلس خلفه في القطار بما يتناسق مع التسلسل الزمني للعمر ولكنه يتقاطع معه بأن جعل الجد -الأب في القصة- خلفه أيضا. وهذه الجملة التي يصف فيها القاص الطفولة تتطابق تماما مع رؤية وردزورث المذكورة آنفا. فالطفل يقهقه فرحا برؤية الأشجار وهي تركض، وهو يعبر عن احتفاليته بالطبيعة وتوحده التام معها غير مدرك لما يمثله ((الركض)) من معنى الاقتراب نحو خط النهاية ((الموت)) ، وتركيز القاص على هذا المعنى يتمثل في إيراده لكلمة الركض مرتين . ويعبر القاص عن المرحلة الوسطى، الشباب، بجملة ((التفت إليه)).وعندما يلتفت الشاب ليجد في مكان طفله أباه فان ذلك يمكن أن يوحي لنا بالمقولة المعروفة ( أن الطفل أبو الرجل ) حيث يمجد الرومانسيون الطفل ويعدونه مصدرا للقوة والجمال ، إضافة للمعنى الديني الذي يحمله الطفل وإيحاءاته في الأديان الأخرى . والالتفات هنا تعبير دقيق لمعنى الانتباه أو إدراك الحقيقة بان الإنسان كائن فان وهو ما يمكننا فهمه من توصيف وردزورث لهذه المرحلة في العديد من قصائده، وهي مرحلة استيقاظ الروح أيضا بعد مرحلة الطفولة التي تنام فيها الروح؛ يقول الشاعر وردزورث في قصيدته ((تنترن آبيTintern Abbey )) مخاطبا الطبيعة أو النهر:

    فإلى أي مدى
    كان التفاتي في سنا الروح إليك
    يا نهر(( الواي)) المليء بالأحراش! أيها الهائم في الغابات
    في أي مدى كان التفات الروح مني إليك.

    والالتفات في القصة أيضا بمعنى قياس المسافة الزمنية ما بين الطفولة والشباب مثلما هو قياس المسافة بين الشباب والشيخوخة: ((فإذا هو أبي يملأ كرسيه بالبكاء)). إن هذه الجملة الأخيرة تحدد خط النهاية لقطار العمر من خلال الأب الباكي الذي لم يتبق له من العمر إلا القليل. والرؤية العبثية تبدو ظاهرة في الجملة الأخيرة التي تحدد منهج القاص وفكره، مثلما تعزز الرؤية الوجودية التي لا تتنافى مع الرؤية الرومانسية ولكنها تتناقض مع الرؤية الروحية . فالبكاء هنا تعبير عن اليأس والشعور بالفقدان والخسارة. فماذا يفقد الإنسان بموته غير ملذات دنياه الفانية ؟ أليس خلود الروح مطمحا سعيدا للإنسان؟ لا يمكننا إقناع النفس الأمارة بالسوء بذلك فهي بحاجة إلى قوة روحية جبارة ليتمثل ذلك على صعيد الواقع.
يعمل...
X