اللغة والعقل-موضوع مترجم (منشور على الموقع السابق)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • BashirShawish
    أعضاء رسميون
    • May 2006
    • 384

    اللغة والعقل-موضوع مترجم (منشور على الموقع السابق)

    أقدم هنا ترجمة مقالتين لنعوم تشومسكي كنت قد ترجمتهما وأتفقت مع الؤلف على نشرهما على واتا ، وهذه هي نسخة إحتفظت بها وأعيد نشرها هنا.
    بشير الشاوش
    "Language and Mind: Current Thoughts on Ancient Problems (part I)." Paper presented at University de Brasilia, November 25, 1996.
    Copyright 1996 by Noam Chomsky
    Translated by Dr. Bashir Shawish
    اللغة والعقل: الأفكار السائدة حول المسائل القديمة(الجزء الأول)
    نعوم تشومسكي(1996 الحقوق محفوظة)
    ترجمة د. بشير محمد الشاوش
    إنّ دراسة اللغة هي أحد أقدم فروع التحقيق المنظّم، يمكن إرجاعها إلى الهند القديمة واليونان، بتأريخ غني ومثمر من الإنجازات .ومن وجهة نظر مختلفة، فإن دراسة اللغة تعتبر حديثة جدا.
    إن البحوث اللغوية الرئيسية القائمة اليوم تشكّلت قبل حوالي أربعين سنة فقط ، عندما تم إحياء وإعادة صياغة بعض الأفكار التقليدية المهمّة التي فتحت الطريق إلى ما تبين أنه تحقيق منتج وفعّال .
    وليس بالشيء المستغرب أن تكون اللغة قد مارست مثل هذا السحر على مرّ السنين. إن القدرة اللغوية الإنسانية تبدو وكأنها "خاصية نوعية" حقيقية تتباين بصورة بسيطة بين البشر وبدون نظائر لها بين المخلوقات الأخرى . أقرب النظائر للبشر في هذا المضمار ربما توجد عند الحشرات في مرحلة تطورها الذي يبلغ بليون سنة . فمثلا النظام الاتصالي "التخاطبي" للنحل يشترك مع اللغة الإنسانية في خاصية "الإشارة المتحركة " وهذه تمثل قدرتنا نحن البشر على التحدث حول شيء ما يكون بعيدا في الزمان والمكان . يستعمل النحل نظام "رقص " معقدا لإعطاء معلومات عن الاتجاه والمسافة والرغبة لمصدر بعيد للعسل. لا شيء مشابه معروف في مكان آخر في الطبيعة. حتى في هذه الحالة، فإن القياس ضعيف جدا.
    لقد تطوّر التعلم الصوتي افتراضيا في الطيور، لكن في ثلاث مجموعات غير مرتبطة، وبشكل مستقل ؛ القياس هنا باللغة الإنسانية يكون سطحيا بدرجة أكبر.
    تبدو اللغة الإنسانية معزولة حيويا(بيولوجيا ) في خواصها الأساسية، وهي تطور حديث نسبيا. من منظور تطوّري، ليس هناك سبب جدّي اليوم لتحدّي وجهة النظر الديكارتية بأن القدرة على استعمال الإشارات اللغوية للتعبير عن الأفكار المكوّنة بحرية تحدد "الفرق الصحيح بين الإنسان والحيوان" أو الآلة، سواء كنا نعني " بالآلة" الحركية(automata) التي تحكمت في التفكير السائد في القرنين السابع عشر والثامن عشر أو تلك التي توفر حافزا للفكر والخيال اليوم.
    علاوة على ذلك، تدخل المقدرة اللغوية بشكل حاسم في كلّ سمة من سمات الحياة الإنسانية؛ الفكر، والتفاعل. وهي مسؤولة بشكل كبير عن الحقيقة بأنّه في العالم الحيوي، البشر وحدهم عندهم تأريخ،وتطور ثقافي وتنويع معقد وغني وحتى نجاح بيولوجي من الناحية الاصطلاحية بأن أعدادهم كبيرة جدا. إن عالما من كوكب مارس يلاحظ الأعمال الغريبة على الأرض لا يمكنه إلا أن يندهش بظهور وأهمية هذا الشكل الفريد على ما يبدو من التنظيم الثقافي. ومن الطبيعي جدا أن الموضوع بألغازه المتعددة كان من المفترض أن يكون قد أثار فضول أولئك الذين يبحثون عن فهم طبيعتهم ومكانهم ضمن العالم الأوسع. اللغة الإنسانية تستند على المقدرة الأولية التي تبدو أيضا معزولة من الناحية البيولوجية: المقدرة المتناهية المنفصلة، التي تظهر في شكلها الخالص بالأعداد الطبيعية 1, 2, 3,. . . الأطفال لا يتعلّمون هذه المقدرة من النظام العددي، مالم تمتلك عقولهم المبادئ الأساسية. لا يوجد أي عدد من الأدلة يمكن أن يوفّر هذه المبادئ وهي ليست في المجال الفكري للكائنات الحية الأخرى.
    وبنفس الطريقة، لا يوجد طفل عليه أن يتعلّم أنّ هناك جملاً ذات كلمات ثلاث وجملاً ذات أربع كلمات ، لكن توجد جمل تتكون من ثلاث كلمات و نصف الكلمة، وبأنّه يمكن بناء جملة أكثر تعقيدا، بشكل ومعنى معين. مثل هذه المعرفة يجب أن تأتي إلينا من "اليد الأصلية للطبيعة"، في عبارة ديفيد هيوم، كجزء من هبتنا البيولجيه.
    فتنت هذه المقدرة غاليلو Galileo الذي اعتبر اكتشاف وسيلة لتوصيل "أكثر أفكارنا سرّية إلى أيّ شخص آخر باستعمال أربعة وعشرين حرفا صغيراً "- أعظم الاختراعات الإنسانية. ينجح الاختراع لأنه يعكس اللانهاية المنفصلة للغة بأنّ هذه الحروف تستعمل لتمثل شيئا ما . بعد فترة قصيرة ، دُهش مؤلفو قواعد بورت رويال " بالاختراع الرائع" كوسيلة لبناء تعابير من بضع مجموعات من الأصوات تمكّننا من الكشف للآخرين عما نفكر ونتخيّل ونشعر - من وجهة نظر معاصرة، ليس "إختراعا" لكن ليس أقل "روعة" كنتاج للتطور البيولوجي، الذي لا نعرف حوله أي شيء تقريبا .
    في هذه الحالة، المقدرة اللغوية يمكن اعتبارها بصورة معقولة "عضو لغة" بالمعنى الذي يتكلم فيه العلماء عن النظام البصري، أو نظام المناعة، أو نظام الدورة الدموية ، كأعضاء الجسم. وفهمه بهذه الطريقة، فإن العضو ليس شيئا يمكن أن يزال من الجسم، وترك الباقي سليما. إنه جزء من تركيب أكثر تعقيدا. إننا نتمنّى فهم التعقيد الكامل وذلك بالتحقيق في الأجزاء التي لها خصائص مميّزة، وتفاعلاتها. إن دراسة المقدرة اللغوية تكون بالطّريقة نفسها.
    إننا أيضا نفترض أنّ عضو اللغة مثل الأعضاء الأخرى ، حيث إن طبيعتها الأساسية هي تعبير للجينات. كيف يحدث ذلك ؟ يبقى جانب بعيد المنال ويصعب تحقيقه، لكنّنا يمكن أن نتحرّى وراثيا "الحالة الأولى" للمقدرة اللغوية والمحدّدة جينيا بطرق أخرى. من الواضح، أن كلّ لغة هي نتيجة تفاعل عاملين؛ الحالة الأولية (البداية) ومدة التجربة. يمكننا أن نعتبر الحالة الأولية "أداة اكتساب اللغة" الذي يأخذ التجربة "مدخلا " ويعطي اللغة "ناتجا" - "ناتجا" يمثّل داخليا في العقل /الدماغ. إنّ المدخل والناتج كلاهما مفتوح إلى الفحص: يمكننا أن ندرس فترة التجربة وخواص اللغات المكتسبة.
    ما نتعلّمه بهذه الطريقة يمكن أن يخبرنا الكثير جدا عن الحالة الأولية التي تتوسّط بينهما. علاوة على ذلك، هناك سبب قوي للاعتقاد بأن تلك الحالة الأولية شائعة عند النوع: إذا ترعرع أطفالي في طوكيو، فإنهم سيتكلّمون اليابانية ذلك يعني أن الدليل حول اللغة اليابانية له علاقة مباشرة بالفرضيات المتعلّقة بالحالة الأولية للغة الإنجليزية. الحالة الأولية المشتركة يجب أن تكون غنية بما فيه الكفاية لتعطي لغة معينة، في وجود التجربة الملائمة؛ لكن ليس غنية جدا حتى تستثنى أيّ لغة يمكن للبشر أن يحصلوا عليها. نحن يمكن أن نؤسّس شروط تجريبية قوية بأنّ نظرية الحالة الأولية يجب أن ترضي، وتطرح عدّة أسئلة حول بيولوجية اللغة: كيف تقرّر الجينات الحالة الأولية، وما هي آليات الدماغ التي تشترك في الحالات او الأشكال التي تأخذها أعضاء اللغة ؟ هذه مسائل صعبة، حتى بالنسبة للأنظمة الأكثر سهولة حيث التجربة المباشرة ممكنة، لكن بعضها قد يكون في آفاق التحقيق. للمضي في هذا الموضوع ، يجب أن نكون واضحين أكثر حول ما نعنيه ب"اللغة".
    كان هناك خلاف حماسي كثير حول الجواب الصحيح لهذا السؤال، وبعمومية أكثر، إجابة للسؤال: كيف يجب أن تدرس اللغات؟ إنّ الخلاف عديم الجدوى، لأنه ليس هناك جواب صحيح. إذا كنا مهتمّين بكيفية تخاطب النحل وسنحاول تعلّم شيء ما حول طبيعة النحل الداخلية، وتنظيمه الاجتماعي وبيئته المادية . هذه الطرق ليست متضاربة، إنها يدعم بعضها بعضا . نفس الشيء ينطبق على دراسة اللغة الإنسانية: فهي يمكن دراستها من وجهة النظر البيولوجية، ومن وجهات نظر أخرى عديدة. كل طريقة من طرق دراسة اللغة تعرّف الموضوع الذي تقوم بدراسته أو تحقيقه في ضوء اهتماماتها الخاصّة؛ وكلّ واحدة منها يجب أن تحاول تعلّم ما يمكن تعلمه من الطرق أو الأساليب الأخرى. لماذا أثارت مثل هذه الأشياء العواطف في دراسة البشر ربما يكون سؤالا شائقا ، ولكنّي سأضعه جانبا الآن.
    الأسلوب الداخلي الخالص internalist الذي قمت بتلخيصه حتى الآن يهتم بالمقدرة اللغوية : مرحلتها الأولى والحالات التي تبدو بها . أفترض أنّ عضو بيتر Peter اللغوي في الحالة L . يمكننا أن نعتبر L لغة بيتر Peter؛ عندما أتكلّم عن لغة ما هنا، فإن هذا ما أعنيه . وفهم اللغة بهذه الطريقة يعتبر شيئا مثل "الطريقة التي نتكلم ونفهم بها " أحد المفاهيم التقليدية للغة . إنّ نظرية لغة بيتر Peterتدعى "قواعد" لغته في أغلب الأحيان، ونظرية الحالة الأولية للقدرة اللغوية تسمى "قواعد عالمية""universal grammar"، باستعمال مصطلحات تقليدية في إطار مختلف. لغة بيتر Peter تحدد عددا لا نهاية له من التعبيرات ، كلّ واحدة منها بصوتها ومعناها. ووضع هذا بصورة اصطلاحية فإن لغته "تولّد""generates" تعبيرات هذه اللغة. لذلك فإنّ نظرية لغته تدعى النحو التوليدي generative grammar. كلّ تعبير هو مجموعة مركّبة من الخواص التي تزوّد "الأوامر" أو "التعليمات" لأنظمة أداء بيتر Peter: جهازه النطقي ، أنماط تنظيم أفكاره، وهكذا. بلغته وأنظمة الأداء المرتبطة في مكانها الصحيح ، فان عند بيترPeter كمّا هائلا من المعرفة حول أصوات ومعاني تعبيراته وقدرة مطابقة لفهم ما يسمعه، للتعبير عن أفكاره، ولاستعمال لغته في أوجه أخرى مختلفة.
    ظهر النحو التوليدي generative grammar ضمن سياق ما يسمى في أغلب الأحيان "ثورة الخمسينيات الإدراكية" وكانت عاملا مهما في تطوره. سواء كان التعبير "ثورة" ملائم أم غير ملائم ، يمكن الشك فيه ، لكن كان هناك تغيير مهّم من منظور: دراسة السلوك ومنتجاته (مثل النصوص)، إلى الآليات الداخلية التي تدخل في الفكر والعمل الإنساني. يعتبر المنظور الإدراكي ومنتجاته سلوكا ليس موضوعا للتحقيق، لكن كمعطيات قد تمدنا بدليل حول الآليات الداخلية للعقل والطرق التي تشتغل بها هذه الآليات في تنفيذ الأعمال وتفسيرالخبرة . الخواص والأنماط التي كانت محل اهتمام في علم اللغة التركيبي structural linguistics لها مكانتها ، ولكن كظواهر تستوجب الشرح مع ظواهر أخرى عديدة ، من ناحية الآليات الداخلية التي تولّد التعابير.
    إن الثورة الإدراكية" جدّدت وأعادت تشكيل العديد من الأفكار ،والإنجازات، ومشاكل ما قد نصفه ب "الثورة الإدراكية الأولى" في القرنين السابع عشر والثامن عشر، التي كانت جزءا من الثورة العلمية التي عدّلت فهمنا للعالم بشكل جذري . وقد عرفوا في ذلك الوقت أنّ اللغة تتضمّن "الاستعمال اللامحدود للوسائل المحدودة"، في عبارة فون هومبولدت Von Humboldt؛ لكن الفكرة يمكن أن تتطوّر فقط بطرق محدودة، لأن الأفكار الأساسية بقيت مبهمة وغامضة. بمنتصف القرن العشرين زوّد التقدّم في العلوم الأساسية مفاهيم ملائمة في شكل حادّ وواضح جدا، جعل من الممكن إعطاء وصف دقيق للمبادئ الحسابية التي تولّد تعابير لغوية. وفتحت الإنجازات العلمية الآخرى الطريق أيضا إلى البحث في المسائل التقليدية بأمل أكبر للنجاح. سجّلت دراسة تغيير اللغة إنجازات رئيسية. زوّد علم اللغة الأنثروبولوجيي فهما أكبر لطبيعة وتباين اللغات، ومقوّضا العديد من الأفكار المكررة . وبعض الموضوعات، بشكل خاص دراسة الانظمة الصوتية، كانت تقدّمت كثيرا بفضل علم اللغة التركيبي Structural Linguistics. في القرن العشرين، كان اللغوي الدنمركي أوتو يسبرسن Otto Jespersen آخر وارث للتقليد قبل أن يجرف جانبا من قبل التيارات التركيبية والسلوكية . فلقد رأى قبل 75 سنة أن الهدف الأساسي لعلم اللغة هو اكتشاف " فكرة التركيب" التي في عقل المتكلم والتي تمكّنه من فهم وتلفظ "التعبيرات الحرة " الجديدة بالنسبة للمتكلم والسامع ، أو حتى تاريخ اللغة تحدث متكررا يوميا في الحياة. "فكرة التركيب" التي قال بها يسبرسن Otto Jespersen تشبه في جوهرها ما أطلقت أنا عليه "لغة". إن هدف أي نظرية لغوية هو أن تخرج للوجود بعض العوامل التي لها علاقة بالقدرة علىفهم والتلفظ ب " التعبيرات الحرة" ولكن بعض العوامل فقط تماما مثل قصور دراسة الآليات الحسابية الكبيرة في التوصل إلى فكرة " الاستعمال المطلق للوسائل المحدودة" ، أو التعامل مع المسائل التي كانت جوهرية للثورة الإدراكية الأولى ، وهي مسألة سوف أعود إليها.
    أول المحاولات لتنفيذ برنامج النحو التوليدي ، قبل حوالي أربعين سنة، كشفت بسرعة أنه حتى في اللغات المدروسة أفضل دراسة ،لم يتم التعرف على أبسط الخواص اللغوية ، وأنّ القواعد والقواميس التقليدية الأكثر شمولية، تتناول الأمور السطحية فقط.
    إنّ الخواص الأساسية للغات المعيّنة والمقدرة العامّة للغة مفترضة ضمنا وبشكل غير مدرك مباشرة ،وهي غير مدركة وغيرمعبّر عنها . ويكون هذا ملائما جدا إذا كان الهدف هو مساعدة الناس على تعلّم لغة ثانية، لإيجاد المعنى التقليدي وتلفظ الكلمات، أو أن يكون لديك فكرة عامّة معينة حول كيفية اختلاف اللغات. لكن إذا كان هدفنا فهم القدرة اللغوية والحالات التي يمكن أن تكون عليها ، فلا نستطيع الافتراض مسبقا ضمنا "ذكاء القارئ". ولكن ، هذا هو هدف الدراسة. ودراسة اكتساب اللغة تؤدّي إلى النتيجة نفسها. نظرة دقيقة إلى تفسير التعابير تكشف بسرعة جدا أنّ الطفل يعرف من أول المراحل ، وبشكل واسع أكثر مما قد يحصل عليه من خلال التجربة . وهذا صحيح حتى بالنسبة للكلمات البسيطة . يكتسب الأطفال الصغار الكلمات بنسبة تقدّر بحوالي كلمة واحدة لكلّ ساعة يكون مستيقظا فيها ، بالتعرّض للغة المحدود جدا في ظروف غامضة جدا. إنّ الكلمات تفهم بطرق دقيقة ومعقّدة أبعد ما تكون في متناول أيّ قاموس، و الآن فقط بدأت دراستها . عندما نتحول إلى ما بعد الكلمات المفردة ،فإن النتيجة تصبح أكثر إثارة . إن اكتساب اللغة يبدو مثل نمو الأعضاء عموما؛ فهو شيء يحدث للطفل،ولا يقوم به الطفل نفسه . وبينما تكون البيئة مهمة بصورة واضحة ،فإن سياق تطورها العام وخواصها الأساسية لما يظهر محدّدان مسبقا بالمرحلة الأولى . ولكن المرحلة الأولى هي ملكية إنسانية عامة ؛ لذلك لابد أنها تكمن في خواصها الأساسية.
    اللغات تنصب في نفس القالب. فالعالم من كوكب المريخ ربما يستنتج بصورة معقولة بأنّ هناك لغة إنسانية واحدة مع اختلافات هامشية فقط. بالنسبة لحياتنا، فإن الإختلافات الطفيفة هي التي تهمّ، وليس التشابهات الكبيرة التي نأخذها بدون إدراك على أنها شيء مسلّم به . لا شكّ أن الضفادع تنظر إلى الضفادع الأخرى بنفس الطريقة. لكن إذا أردنا أن نفهم أيّ نوع من المخلوقات فعلينا أن نتبنّى وجهة نظر مختلفة جدا، أساسا تلك التي يتبناها العالم من كوكب المريخ الذي يدرس البشر . ذلك، في الحقيقة، وجهة النظر التي نتبنّاها عندما ندرس كائنات حية أخرى، أو حتى البشر بغض النظر عن الجوانب العقلية – مجازيا , بشر "تحت الرقبة"،. هناك أسباب عديدة تجعلنا ندرس ما هو فوق الرقبة بنفس الأسلوب.
    حيث إن اللغات كانت قد درست بعناية أكثر من وجهة نظر النحو التوليدي ، أصبح واضحا أنّ تنوّع اللغات كان قد قلّل من أهميته بشكل جذري كما تم التقليل من تعقيدها. في نفس الوقت، نحن نعرف أنّ التنويع والتعقيد يمكن أن يكونا مظهرين سطحين لا أكثر.
    إنّ الاستنتاجات متناقضة، لكن يستحيل نكرانها. إنها تشكل بوضوح المشكلة الرئيسية للدراسة الحديثة للغة: كيف يمكن أن نبين أنّ كلّ اللغات ما هي إلا اختلافات لموضوع واحد، بينما في الوقت نفسه نسجّل باخلاص خواصها المعقّدة للصوت والمعنى، التي تبدو متنوّعة بشكل سطحي؟ إن نظرية حقيقية للغة الإنسانية يجب أن تستوفى شرطين: هما "الكفاية الوصفية " "descriptive adequacy و" الكفاية التوضيحية"" "explanatory adequacy"
    شرط الكفاية الوصفية يخص قواعد لغة معيّنة. فالقواعد تستوفى الشروط طالما تعطي وصفا كاملا ودقيقا لخواص اللغة، وصفا لما يعرفه متكلّم اللغة. وشرط الكفاية التوضيحية يخص النظرية العامّة للغة، القواعد العالمية . لاستيفاء هذا الشرط، فالقواعد العالمية يجب أن تظهر أنّ كلّ لغة معيّنة هي ظهور instantiation معيّن من المرحلة الأولى الموحّدة، ومشتقّة منها تحت "شروط حدود فاصلة ّ" تحددها التجربة أو الخبرة . عند ذاك سيكون لنا شرح لخواص اللغة علي مستوى أعمق. إلى حدّ أنّ القواعد العالمية تستوفى شرط الكفاية التوضيحية ،لأنها تقدم حلّا لما يطلق عليه أحيانا "المشكلة المنطقيّة لاكتساب اللغة". تبين كيف أنّ تلك المشكلة يمكن أن تحلّ من حيث المبدأ، وبذلك تقدم إطارا لدراسة كيفية حدوث العملية في الحقيقة.
    هناك توتّر جدّي بين مهام هذين البحثين. البحث عن الكفاية الوصفية التي تبدو انها تقود إلى تعقيد أوسع وتنوع أنظمة القواعد ، بينما البحث عن الكفاية التوضيحية يتطلّب أنّ التركيب اللغوي يجب أن يكون ثابتا بشكل كبير. هذا التوتّر هو الذي حدد الأدلة للبحث بشكل كبير. الطريق الطبيعي لحلّ هذا التوتّر هو تحدّى الفرضية التقليدية، التي تم نقلها إلى النحو التوليدي في بدايته أن اللغة نظام معقّد من القواعد، كلّ واحد منها خاص بلغات معيّنة وتركيبات نحوية معيّنة: قواعد لتكوين جمل الصلة في لغة هندي(لغة هندية)، الجملة الفعلية في لغة البانتو , وجمل المبني للمجهول في اللغة اليابانية، وهكذا. اعتبارات الكفاية التوضيحية تشير إلى أنّ هذا لا يمكن أن يكون صحيحا.
    تم مواجهة المشكلة بمحاولات إيجاد خواص عامّة لنظم القواعد التي يمكن أن تنسب إلى المقدرة اللغوية نفسها، على أمل أنّ البقيّة ستثبت أنها أكثر بساطة وأكثر اتساقا.
    قبل حوالي خمس عشرة سنة، تبلورت هذه الجهود في طريقة لدراسة اللغة كانت تبتعد أكثر جذريا عن التقليد عما كان عليه النحو التوليدي في السابق . هذا الأسلوب " المبادئ والمتغيرات" - كما تمت تسميته- رفض مفهوم القاعدة والبناء القاعدي كليّا؛ ليس هناك قواعد لصياغة جمل الصلة في اللغة الهندية، الجمل الفعلية في لغة البانتو ,أو الجمل المبنية للمجهول في اللغة اليابانية ، وهكذا. إنّ التركيبات النحوية المألوفة قد فهمت على أنها تصنيفات موضوعة ، مفيدة للوصف غير الرسمي ربما، لكن ليس لها مكانة نظرية. منزلتها مثل منزلة حيوان بري "أو" حيوان أليف بيتي ". ويتم تحليل القواعد إلى المبادئ العامّة للمقدرة اللغوية ، والتي تتفاعل لتعطي خواص التعابير. يمكننا أن نعتبر الحالة الأولية للمقدرة اللغوية كشبكة ثابتة موصولة بصندوق مفاتيح . تتشكّل الشبكة من مبادئ اللغة، بينما تكون المفاتيح الخيارات التي تتقرّر بالتجربة. عندما يتم وضع المفاتيح بطريقة ما ، يكون عندنا لغة البانتو؛ وعندما يتم وضعها بطريقة أخرى، نحصل على اللغة اليابانية .كلّ لغة إنسانية محتملة يتم التعرّف عليها كإطار أو وضع معين للمفاتيح- مكان وضع الخيارات ، في المصطلحات الفنية . إذا نجح البرنامج البحثي فيجب أن نكون قادرين بشكل حرفي على استنتاج لغة البانتو من أحد الاختيارات من أماكن المفاتيح ، واللغة اليابانية من اختيار آخر، وهكذا في كل اللغات التي يمكن للبشر أن يكتسبوها. تتطلّب الشروط التجريبية أو العلمية لاكتساب اللغة أنّ المفاتيح يمكن أن يتم ضبطها على أساس معلومات محدودة جدا والتي تكون متوفرة للطفل. لاحظ أن تغيرات بسيطة في ضبط المفاتيح سيقود إلى تنوّع كبير وواضح في المخرج لأن التأثيرات سوف تتكاثر خلال النظام. هذه هي الخواص العامّة للغة التي يجب أن تصفها أيّ نظرية حقيقية بطريقة ما.
    هذا بالطبع برنامج أبعد ما يكون من عمل جاهز . إنّ النتائج التي تمّ التوصل إليها من غير المحتمل أن تقف في شكلها الحالي؛ ، ولا حاجة للقول، بأنه لا يمكن للمرء أن يحصل على تأكيد أن الطريقة هي الطريقة الصحيحة. ولكن كبرنامج بحث، ، كان ناجحا جدا،وأدى إلى انفجار حقيقي في البحث التجريبي في لغات متباينة الأنواع جدا، وأدى إلى الأسئلة الجديدة التي لم يكن في الإمكان قط حتى صياغتها قبل ذلك، وإلى العديد من الأجوبة المثيرة. أسئلة الاكتساب ، والمعالجة، وعلم الأمراض، و مسائل أخرى أيضا أخذت صيغا جديدة ، وأثبت أنها مثمرة جدا أيضا. علاوة على ذلك، مهما كان مصير البرنامج فإنه يقترح كيف يمكن للنظرية اللغوية أن تفي بالشروط المتعارضة للكفايتين الوصفية والتوضيحية. على الأقل فإنه يعطي الخطوط العريضة لنظرية لغوية حقيقية ، في الحقيقة للمرة الأولى.
    ضمن هذا البرنامج البحثي، فإن المهمّة الرئيسية أن تكتشف المبادئ الخيارات بينما يبقى الكثير غامضا، لقد حصل تقدّم كافٍ للنظر في بعض المسائل الأكثر بعدا وجديّة حول تصميم اللغة. بشكل خاص، يمكننا أن نسأل عن مدى جودة التصميم. مدى قرب اللغة من تصميم يصممه مهندس بارع إذا ما توفرت الشروط التي يجب أن تفي بها المقدرة اللغوية ؟ ما مدى "كمال" اللغة معبرين عنها بصورة رائعة؟
    هذا السؤال يقودنا مباشرة إلى حدود التحقيق الحالي، الذي أعطى بعض الأسباب للاعتقاد بأن الجواب هو : "مثالية " بصورة مدهشة - مدهشة ، لعدّة أسباب سوف أعود إليها . عند هذه النقطة من الصعب المضي قدما دون استعمال مصطلحات فنية . ساؤجل ذلك حتى الغد، وأتناول الآن بعض الموضوعات الأخرى ذات طبيعة أكثر عمومية، لها علاقة بالطرق التي تربط دراسة اللغة الداخلية بالعالم الخارجي.
    تقع هذه الأسئلة في صنفين: أولا، علاقات العقل والدماغ؛ وثانيا ، أسئلة حول استعمال اللغة. دعنا نبدأ بالأول .
    تحاول دراسة اللغة داخليا اكتشاف خواص الحالة الأولى للمقدرة اللغوية ، والحالات التي تتخذها تحت تأثير التجربة. الحالة الأولى والمنجزة وحالات الدماغ أوليا، لكن موصوفة تجريديا، ليس من ناحية الخلايا ولكن من ناحية الخواص التي يجب على آليات الدماغ أن تفي بها بطريقة ما.
    من الشائع الاعتقاد أنّ هذه الصورة مضللة من حيث المبدأ. وقد وجه النقد الأساسي بشكل واضح جدا من قبل الفيلسوف جون سيرل John Searle الذي كتب : إنّ ملكة اللغة في الحقيقة "فطرية في دماغ الإنسان"، لكن الدليل الذي استعمل لنسب الخواص والقواعد إلى هذه المقدرة أو"الملكة " الفطرية ببساطة أكثر تم تفسيرها بواسطة ال . . . فرضية "أنّ هناك" مستوى الأجهزة للتفسير من ناحية تركيب الأداة ".بالضبط ما هو الذي يكون في خطر؟وجود مستوى الأجهزة ليس موضع السّؤال، إذا كنا نعني بذلك أنّ الخلايا التي لها علاقة " في تركيب الأداة" أي " فطري في دماغ الإنسان". لكنّ يتبقى اكتشاف تركيب الأداة،خواصها وقواعدها . السؤال الوحيد الذي له علاقة بمنزلة النظرية التي تعبّر عن هذه الخواص . سيرل Searle يقول هناك "لا توجد قوّة تنبؤية أو توضيحية أكثر بقولنا بأنّ هناك مستوى عميق وغير مدرك " من قواعد المقدرة اللغوية. ذلك صحيح جدا. بنفس الطريقة الكيمياء غير مشوّقة إذا قالت فقط أنّ هناك خواص تركيبية عميقة من المادة . لكن الكيمياء ليست غيرمشوّقة مطلقا إذا قدمت نظريات حول هذه الخواص ، ونفس الشيء ينطبق على دراسة اللغة. وفي الحالتين، يأخذ المرء الكيانات والقواعد التي أفترض أنها حقيقية، لأنه ليس لدينا مفهوم آخر للحقيقة. ليس هناك قضية، ببساطة خلط خطير واسع الانتشار لمناقشة الجوانب العقلية للعالم.
    القياس على الكيمياء مفيد . حاولت الكيمياء طوال تاريخها الحديث اكتشاف خواص الأجسام المعقّدة في العالم، وقدمت وصفا من ناحية العناصر الكيميائية من النوع الذي افترضه لافوزيير Lavoisier، الذرّات والجزيئات، والتكافؤ، والصيغ التركيبية للمركّبات العضوية،والقوانين التي تحكم اتحاد هذه الأشياء ، وهكذا. الكيانات والخواص التي تم افتراضها كانت مجرّدة، بمعنى أنه لم يكن هناك طريقة لايجاد تعليل أو تفسير لها من ناحية الآليات الطبيعية المعروفة. كان هناك نقاش كثير عبر القرون حول منزلة هذه التركيبات الافتراضية؛ هل هي حقيقية؟ هل هي أدوات حاسبة فقط؟ هل يمكن تحويلها إلى الفيزياء؟ المناقشة تواصلت حتى أوائل هذا القرن. وهي الآن تفهم بأنها كانت لا معنى لها . وتبين أنّ في الحقيقة الكيمياء غير قابلة أن تحوّل إلى فيزياء، لأن فرضيات الفيزياء الأساسية كانت خاطئة. بالثورة الكمّية، كان ممكنا المضي قدما إلى توحيد الكيمياء والفيزياء، قبل حوالي ستين سنة. الآن الكيمياء تعتبر جزءا من الفيزياء، ولو أنّه لم يتم اعتبارها فيزياء. كان يمكن أن يكون غير منطقي الادعاء لقرون أن الكيمياء كانت خاطئة لأن قواعدها هي " ببساطة أكثر يتم تفسيرها بواسطة الشرح على المستوى التقني باستعمال الموجودات والقواعد التي افترضها الفزيائيون وكما نعرف الآن فإن الادّعاء كان ليس فقط غير منطقي لكن خاطئ أيضا . ولنفس السبب، سيكون غير منطقي الاعتقاد بأن النظرية اللغوية يمكن الاستغناء عنها لصالح وصف يستعمل الدرات أو النيترون ولو كان لدينا الكثير لندلي به في هذا المستوى . في الحقيقة لا يوجد ذلك ، وهذا يجب ألا ياتي مفجأة لعلوم الدماغ، تزوّد الدراسة المجرّدة لحالات الدماغ نهج الاستعلام : فهم يريدون اكتشاف أنواع الآليات التي ربّما يكون لها هذه الخواص . الآليات قد تظهر مختلفة تماما عن أيّ شيء يتم التفكير فيه الآن ، كما كان الحال طوال تأريخ العلم. نحن لا نطوّر علوم الدماغ بإقتراح للتوقّف عن المحاولة لايجاد خواص حالات الدماغ، أو بافتراض، بشكل جازم بأنّ القليل الذي نعرفه الآن حول الدماغ يجب أن يزوّدنا بالأجوبة، أو بالقول بأنّنا يمكن أن نبحث عن الخواص ، لكنّنا يجب ألا نستمرّ في عزونا إلى الدماغ وحالاته - "قواعد غير مدركة عميقة"، إذا كانت تلك افضل ما تستنتجه النظرية.
    في الخلفية يكمن ما يبدو مشكلة أعمق: مشكلة الثنائية ، ثائية العقل والجسم. ويبدو أن الدراسة المجرّدة للغة تقع على الجانب العقلي للتقسيم، لذلك فهي تكوّن مشكلة كبيرة. وهذا يشكّك في "المسلّمات المادية الأساسية "بأن " كل ّ الحقيقة مادية "،وهو اقتباس من دراسة حديثة "للحقيقة العقلية" قام بها جالن ستراوسون، Galen Strawson وهذه الدراسة تعتبر أكثر الدراسات لمسألة المادية التي أعرفها روعة وفائدة . وهي بصورة واسعة تعتبر دراسة أساسية للفكر المعاصر.
    يشير ستراوسون Strawson إلى أن المشكلة " بدت مشكلة حادة " في القرنين السادس عشر والسابع عشر مع بزوغ " المفهوم العلمي بأن المادية ما هي إلا جزيئات في حالة حركة ". هذا صحيح، لكن الطريقة التي تكوّن بها هذا المفهوم يثير بعض الأسئلة حول الفرضية المادية والبحث عن " خط واضح بين العقلي واللعقلي " والتي يعتبرها ستراوسون Strawson وآخرون حاسمة للفلسفة العقلية.
    تشكّل"المفهوم العلمي" " كالفلسفة الميكانيكية"، بناء على القاعدة أن المادة خامدة وأن التفاعلات من خلال الاتصال، بدون "خاصيات مستترة " من النوع الذي افترضه المذهب السكولاستي . وقد رفضت على أنها " سخف كبير بحيث أنني أعتقد أنه لا يوجد إنسان له في الأمور الفلسفية ملكة تفكير ذات كفاءة يقع فيها أبدا".. إنّ الكلمات هي كلمات نيوتن Newton، و لكنّها لا تشير إلى الخاصيات المستترة للأسكولاستين الذين كانوا ذوي سمعة سيئة، ولكن لاستنتاجه المثير أن الجاذبية بينما لم تكن شيئا خفيا ولكنها "شيء موجود حقيقة" ،". مؤرخو العلم يشيرون إلى أن " نيوتن Newton لم يكن عنده تفسير طبيعي للجاذبية على الإطلاق "، مشكلة عميقة له ولمعاصريه البارزين الذين - وبشكل صحيح -"اتّهموه بإعادة تقديم النوعيات الخفية " ، بدون "ركيزة مادية طبيعية " وبأن " البشر يمكنهم الفهم ". أراد نيوتن تجنّب السخافة، حتى نهاية حياته، كما عمل يولر Euler وداليمبيررت D'Alembert، وكثيرون منذ ذلك التاريخ ، لكن دون جدوى. لا شيء أضعف قوة حكم ديفيد هيوم David Hume،بأنه بدحض الفلسفة الميكانيكية البديهية، فإن نيوتن Newton أعاد الأسرار النهائية (للطبيعة) إلى ذلك الغموض الذي تكمن فيه تلك الأسرار وحيث ستبقى إلى الأبد".
    الصحيح هو أن "المفهوم العلمي للمادة " قد تضمن " جزيئات في حالة حركة، " لكن بدون " فهم إنساني" بمعنى المشروع السابق؛ بالأحرى، باللجوء إلى "السخافات" النيوتونية والأسوأ، يتركنا "جاهلين بطبيعة المادة.
    " بطريقة أساسية". أنا هنا أقتبس إشارة ستراوسون Strawson إلى المشاكل الجوهرية للعقل، ولكنّها ليست لوحدها في هذا الخصوص. خواص الجزيئات أثناء الحركة أيضا تفوق الفهم الإنساني ، مع أننا "عوّدنا أنفسنا على الفكرة المجرّدة للقوة، أو بالأحرى إلى الفكرة التي تحوم في سخف غامض بين التجريد والإدراك المحسوس"، يشير فريدريك لانج Friedrich Lange في دراسته العلمية الكلاسيكية للمادية، مناقشا "نقطة التحوّل" في تأريخها، الذي يجرد المذهب من أهميتة. جاءت العلوم لتقبل الاستنتاج أن " الفيزياء المادية الخالصة أو الفيزياء الميكانيكية " "مستحيلة" (ألكساندر كوير Alexander Koyre'). من العلم الصعب إلى العلم السهل ، فإن البحث لا يمكن أن يفعل أكثر من البحث عن أفضل وصف نظري، آملا توحيد العلوم إن أمكن ولكن كيف ؟ لا أحد يمكنه أن يعرف مقدما.
    من ناحية الفلسفة الميكانيكية، فإن سقراط Descartes كان قادرا على طرح نسخة واضحة تقريبا لمشكلة الجسم والعقل- مشكلة "الشبح في الآلة "، كما يطلق عليها أحيانا. لكن نيوتن Newton برهن بأنّ الآلة لا وجود لها ، ولو أنّه ترك الشبح سليما. بظهور برهان نيوتن Newton بأنّه ليس هناك أجسام في أيّ شيء بالمعنى الذي تم افتراضه ، فإن النسخة الحالية لمشكلة الجسم والعقل تنهار؛ أو أيّ نسخة آخرى ، حتى يتم افتراض فكرة ما جديدة للجسم. لكن العلوم لا تقدم أية افتراضات أو اقتراحات جديدة هناك عالم، مع أية خواص غريبة توجد به ، بما في ذلك جوانبه العقلية والعضوية والكيميائية والبصرية أو أية جوانب أخرى، نحاول اكتشافها. كلها ّ جزء من الطبيعة.
    يبدو أن تلك كانت وجهة نظر نيوتن Newton. إلى آخر أيامه، كان يبحث عن "روح مهذّبة أو مصقولة " يمكن أن تفسر ظواهر عديدة كانت تبدو غير قابلة للتفسير أو الشرح بطريقة مفهومة حقا للبشر، بما في ذلك تفاعل الأجسام، الجاذبية والنفور في الكهرباء، الضوء، والإحساس، والطريقة التي " تتحرّك بها أعضاء الأجسام الحيوانية بناء على أوامر الإرادة". أوصى الصيدلي جوزيف بلاك Joseph Black بأنّ "الألفة الكيميائية يتم قبولها كمبدأ أولي، والذي لا نستطيع توضيحه أكثر مما فعل نيوتن Newton في توضّيحه للجاذبية، ودعنا نرجئ تفسير قوانين التآلف ، إلى أن نثبت مثل هذ المبدأ كما أثبت نيوتن Newton فيما يتعلّق بقوانين الجاذبية ". تمضي الكيمياء في تأسيس مجموعة من القوانين الغنية محرزة بذلك " نجاحات . . . بمعزل عن علم الفيزياء الصاعد حديثا "،كما يشير مؤرخ بارز للكيمياء. كما ذكرت، لقد تم الحصول على توحيد العلمين في النهاية ، مؤخرا جدا، ولكن ليس بالتخفيض أو الانقاص .
    علاوة على إطاره اللاهوتي، لم يكن هناك، منذ نيوتن، بديل معقول عن اقتراح جون لوك John Locke بأن الله ربّما اختار أن "يضيف ملكة التفكير للمادة " تماما كما " ألحق تأثيرات للحركة،والتي لا تستطيع أن تنتجها الحركة كما نفهمها ".
    كما توسّع في الشرح جوزيف بريسلي Joseph Priestley الصيدلي من القرن الثامن عشر فيما بعد، نحن يجب أن نعتبر الخواص التي" يطلق عليها عقلية" نتيجة " تركيب أساسي مثل ذلك للدماغ "، مضافا إليها عوامل أخرى لا حاجة أن تكون أيا منها مفهومة بالمعنى الذي بحت عنه العلم قديما وذلك يشمل دراسة اللغة التي تحاول تطوير مجموعة من القوانين مع تراكيب وقوانين بطريقة مناسبة يمكن أن "نطلق عليها عقلية" ويفترض أنها "أتت نتيجة التركيب المتماسك". كيف؟ هذا ما ينتطر الاكتشاف.
    الطريقة هي " عقلانية" ولكن فيما يجب أن يكون معنا غير مختلف عليه ويقوم بدراسة شيء حقيقي في العالم الطبيعي –الدماغ وحالاته ووظائفه- وبذلك التحول بدراسة العقل في اتجاه تكامل علوم الحياة في أخر المطاف.
    وربما نذكر أن مثل هذه المشاكل لم يتم حلها في الغالب حتى بالنسبة لأكثر النظم بساطة حيث تكون التجربة المباشرة ممكنة .أحد أفضل الحالات التي تم دراستها هي النيروأتود وهي ديدان صغيرة تستغرق فترة نموها ثلاثة أيام مع شبكة الرسم البياني يتم تحليله بالكامل . حديثا فقط تم الحصول على بعض الفهم للأساس العصبي لسلوكها( المترجم : سلوك هذه الديدان) وهذا يبقى محدودا ومختلفا فيه.
    ومسألة أخرى من نفس الصنف لها علاقة بالطريقة التي تعبّر بها الجينات عن خواص الحالة الأولى.. وهذه أيضا مسألة صعبة جدا بالكاد تم فهمها حتى في الحالات الأكثر بساطة . إن "قوانين الحياة الجينية فوق الأرض" التي تغيّر الجينات إلى كائنات متطورة غير معروفة بصورة كبيرة . وهذا يعتبر فجوة كبيرة في النظرية التطورية كما أشار العلماء دائما. ، لأن النظرية تتطلب فهم تطابق وراثي من نوع الكائنات التي يمكن أن تتطور من بعض الجينات المعقدة.
    إنني أذكر هذه الحقائق هنا فقط إحتياطا أو تحذيرا من الاستنتاجات الغريبة التي تم التعبير عنها ، غالبا بعاطفة وهّاجة مرة أخرى فيما يخص عزل اللغة الحيوي وغناء المرحلة الأولى. هناك الكثير الذي يمكن قوله حول هذا الموضوع ، وهو قوي جدا اليوم ، ولكنني سأتركه جانبا وأتجه إلى الصنف الثاني من المسائل حول كيفية شغل اللغة العالم: مسائل تخص استعمال اللغة؛ للتبسيط، دعنا نستمر في استعمال كلمات بسيطة. أفترض أن كلمة "كتاب" هي كلمة من كلمات بيتر Peter . إن الكلمة هي مجموعة مركبة من الخواص ،باستعمال اللغة الاصطلاحية، الخواص الصوتيه والدلالية تستعمل النظم الحسية الحركية الخواص الصوتية للنطق والفهم وربطها مع الأحداث الخارجية : حركة الجزيئات مثلا. وتستعمل نظم العقل الأخرى الخواص الدلالية للكلمة، عندما يتكلم بيتر Peter حول العالم ويفسر ما يقوله الآخرون حول هذا العالم. لا خلاف كبير حول كيفية التقدم على المستوى الصوتي، ولكن من ناحية المعنى هناك خلافات عميقة. يبدو لي أن الدراسات الموجّهة وجهة علمية تعامل مسائل المعنى بنفس الطريقة التي يدرس بها الصوت .وتحاول هذه الدراسات إيجاد الخواص الصوتية لكلمة "كتاب" وهذه الخواص هي المستعملة من قبل النظم النطقية والإدراكية. وبصورة مشابهة، تحاول إيجاد الخواص الدلالية لكلمة "كتاب" المستعملة من قبل الأنظمة الأخرى للعقل/الدماغ والتي تكون اسمية ولا لفظية ، تستعمل للاشارة إلى شيء من صنع الإنسان وليس مادة مثل الماء أو شيء مجرد مثل الصحة وهلم جرا . ويمكن للمرء أن يستفهم ما إذا كانت هذه الخواص جزءا من معنى كلمة "كتاب" أو المفهوم المتعلق بالكلمات . وليس واضحا كيفية التميز بين هذه الاقتراحات ولكن المسألة التجريبية (العلمية) ربما يمكن اكتشافها . مهما كانت الطريقة، فإن بعض الخواص الخاصة بالمفردة "كتاب" تحدد طرق التأويل من النوع الذي ذكرناه للتو.
    وإذا بحثنا في استعمال اللغة ،نجد أن الكلمات تفسر باستعمال عوامل مثل تكوين المادة والتصميم والاستعمال المقصود والمميز وهكذا . و كما أشار الفيلسوف جوليس مورفكسيك Julius Moravcsik في عمله المشوّق جدا ، يمكن تتبع أصل هذه الأفكار إلى أرسطو Aristotle هذه الأشياء يمكن التعرّف عليها وتصنيفها باستعمال مثل هذه الخواص والتي أفهمها على أنها خواص دلالية على نفس المستوى بالخواص الصوتية التي تحدد صوتها. ويمكن أن يدخل استعمال اللغة بطرق مختلفة إلى هذه الخواص الدلالية.
    افترض أن المكتبة لها إثنتان من نسخ( الحرب والسلام) لتولستوي Tolstoy، يأخذ بيتر Peter نسخة ، ويأخذ جون John النسخة الآخرى. هل أخذ بيتر وجون نفس الكتاب، أو كتبين مختلفين؟ إذا عالجنا العامل المادي للمفردة ، فإنهما أخذا كتابين مختلفين ؛ وإذا ركّزنا على المكوّن المجرّد، فإنهما أخذا نفس الكتاب. يمكننا أن نعالج كلا من العاملين المادي والمجرّد في آن واحد ، كما هو في المثال عندما نقول إنّ كتابه في كلّ مخزن في البلاد، أو الكتاب الذي يخطّطه(يخطط لكتابته) سيزن على الأقل خمسة أرطال ، هذا إذا كتبه على الإطلاق. بنفس الطريقة، يمكننا طلاء الباب باللون الأبيض ونمشي خلاله، باستعمال الضمير it"" "هو/هي(لغير العاقل)" للإشارة بصورة غامضة إلى الرقم والأرض. يمكننا أن نخبر بأنّ المصرف قد تم تفجيره بعد أن رفع سعر الفائدة، أو أنه رفع النسبة لكي لا يتم تفجيره . هنا الضمير" it"، و"الصنف الفارغ" أي فاعل الفعل " يفجّر"، تأخذ في نفس الوقت كلا من العاملين المادي والعرفي .نفس الشيء ينطبق على الجملة دمّر منزلي وأبنيه في مكان آخر ؛ إنه ليس نفس المنزل حتى ولو استعملت نفس المواد ولكن أعدت بناءه. الأدوات الإشارية re"" (إعادة) والضمير "it" تعبّران عن الحد الفاصل. المدن تختلف، لندن يمكن أن تدمرها النار وهي يمكن أن تبنى ثانية في مكان آخر من مواد مختلفة تماما وشكلها يختلف ولكن مازال يطلق عليها لندن . يمكن إعادة بناء قرطاج اليوم ويبقى اسمها قرطاج.
    تأمل المدينة التي تعتبر مقدّسة في المعتقدات التي يمكن تتبّعها إلى العهد القديم. العالم الإسلامي يطلق عليها " القدس "، وتستعمل إسرائيل اسما مختلفا، كما يعمل العالم المسيحي: في اللغة الإنجليزية ، يتلفظ بها Jerusalem "القدس". هناك نزاع كبير على هذه المدينة. صحيفة النيويورك تايمز قريبا عرضت ما تصفه "بالحلّ الواعد". إسرائيل يجب أن تحتفظ بكل القدس (Jerusalem،و لكن " القدس " (( Al-Quds يجب أن يعاد بناؤها خارج الحدود الحالية للقدس. إنّ الاقتراح واضح جدا - لهذا السبب يثير غضبا كبيرا خارج الدوائر التي فيها قوانين القوي هي التي تحكم بدون منازع . والخطّة يمكن أن تطبّق.
    ما المدينة التي سنشير إليها عندما نقول إنها it تركت حيث كانت بينما تم تحويلها إلى مكان آخر؟
    معاني الكلمات لها خواص أخرى غريبة. لذلك إذا أخبرتك بأنّني قمت بطلاء منزلي باللون البنّي ، فإنني أقصد أن تفهم أنني وضعت الطلاء على السطح الخارجي وليس السطح الداخلي. وإذا أردتك أن تعرف أنه كان السطح الداخلي، فعليّ أن أقول إنني قمت بطلاء منزلي من الداخل. وباستعمال عبارات فنية (متخصصة) ثمة استعمال موسوم واستعمال غير موسوم بدون تحديد معيّن فإننا نعطي الكلمات تفسيرها غير الموسوم .
    هذه خواص المنازل وليس فقط خواص الكلمة "paint" "يطلي"؛ لذلك إذا رأيت المنزل، فإنني أرى سطحه الخارجي، ولكن إذا كنت جالسا في الداخل يمكن أن أرى الحيطان الداخلية. ومع أنّ التفسيرات غير الموسومة تختار السطح الخارجي؛ انني بالتأكيد لا أعتبر المنزل سطحا فقط. وإذا كنا - أنت وأنا- خارج المنزل، فإنك يمكن أن تكون أقرب إليه مني أنا؛ لكن إذا كان كلانا في المنزل، فلن يكون الحال كذلك ، حتى إذا كنت أنت أقرب إلى السطح. لا أحد منا قريبا من المنزل . لذا نعتبر المنزل سطحا خارجيا، ولكن له سطح داخلي أيضا. إذا قرّرت استعمال منزلي لتخزين سيارتي،وأعيش في مكان آخر، ففي هذه الحالة لم يعد منزلا على الإطلاق ،وإنما مستودعا للسيارات ، ولو أنّ التكوين المادي لم يتغيّر. مثل هذه الخواص تكون صحيحة بطريقة عامة تماما ، حتى بالنسبة للأجسام المخترعة، حتى تلك المستحيلة. إذا طليت مكعّبي الكروي بنّيا ، فإنني طليت السطح الخارجي باللون البنّي.
    مثل هذه الخواص غير محدودة بالأشياء الاصطناعية . إننا نطلق على إنجلترا جزيرة، لكن إذا نزل مستوى سطح البحر بما فيه الكفاية، سوف تكون جبلا، استنادا إلى ملكات العقل. إنّ المادة البسيطة النموذجية هي الماء. لكن حتى هنا، تدخل عوامل غير مادية في الوجود الفردي . إفترض أن كأسا مملوءة يد2 أ H2O الصافي وأغطس كيسا من الشاي به . فإن ذلك سيكون شايا وليس ماء. افترض كأسا ثانية مملوءة من نهر إنها ستكون مطابقة كيميائيا بمحتويات الكأس الأولى – ربما سفينة تخلّصت من أكياس شاي في النهر. عند ذاك يكون ماء، ليس شايا، وذلك ما أطلق عليه أو أسميه حتى إذا عرفت كلّ الحقائق. الذي يسميه الناس "ماء" مرتبط مع المحتوى يد2 أ H2O، لكن الدراسات التجريبية أظهرت ذلك بطريقة ضعيفة فقط .لا شك أن في هذه الحالة المتطرفة التكوين هي العامل الرئيسي في تحديد ما إذا كان شيئا ما ماء ، ولكن حتى هنا ليس هو الوحيد كما ذكرت فإن الملاحظات تسري أيضا على العناصر الإشارية البسيطة والعناصر المعتمدة على الإشارة وأسماء العلم التي تتسم بأنها غنية بالخواص الإدراكية الدلالية.
    إنّ الحقائق حول مثل هذه الأمور واضحة في أغلب الأحيان، لكن ليست تافهة ، ويمكن بحث مثل هذه الخواص بعدة طرق : اكتساب اللغة العمومية بين اللغات ,الصيغ المخترعة إلخ . ما نكتشفه هو صعب بصورة مدهشة وليس معروفا مقدما بشكل كبير قبل أيّ دليل، وبذلك فهو مشترك بين اللغات. ليس هناك سبب بديهي لتوقّع أن تلك اللغة الإنسانية سيكون عندها مثل هذه الخواص ؛ المخلوق من المريخ يمكن أن يكون مختلفا. إنّ الأنظمة الرمزية للعلم والرياضيات بالتأكيد هي كذلك .
    أحيانا يعتقد بأنّ هذه هي فقط أشياء نعرفها من تجربتنا مع الكتب ، والمدن،والمنازل ، والناس، وهكذا. ذلك صحيح جزئيا، لكن يفترض السؤال أن نعرف كلّ هذا حول أجزاء تجربتنا التي نفسّرها ككتب، أو مدن، وهكذا، استنادا إلى تصميم لغاتنا و تنظيمنا العقلي.
    لاستعارة مصطلحات الثورة الإدراكية للقرن السابع عشر، ما تنقله الحواس تدل على العقل "فرصة لممارسة نشاطه" لبناء " أفكار واضحة ومفاهيم للأشياء من ضمن نفسها " مثل " القواعد "، و" الأنماط "، و" النماذج " و"التوقعات " التي تعطي خواص جيستالت Gestalt وآخرين و" فكرة شاملة للكل ". هناك سبب وجيه لتبنّي مبدأ هيوم Hume بأن "الهوية التي ننسبها " إلى الأشياء هي " فقط خيالية " ، تأسّست بالفهم الإنساني، صورة تطوّرت أكثر من قبل كانت Kant، وشوبينهاير Schopenhauer، وآخرين. الناس يعتقدون ويتحدّثون عن العالم من ناحية المنظورات التي توفرت بمصادر العقل، متضمنة معاني المفردات التي تعبر عن الأفكار . لذلك فإن المقارنة بالتفسير الصوتي لا تعوزه المعقولية.
    معظم فلسفة اللغة المعاصرة والعقل يتبعان طرقا مختلفة. تسأل إلى ماذا تشير الكلمة ، معطية أجوبة مختلفة. ولكن السؤال ليس له معنى واضح. ليس من المنطق السؤال ما الشيء الذي يشير إليه التعبير "الحرب والسلام لتولستوي Tolstoy "؟ يعتمد الجواب على كيفية استعمال الخواص الدلالية عندما نفكر ونتكلم بطريقة أو بأخرى .
    عموما، الكلمة، حتى من أبسط الكلمات ، لا تختار كيانا أو شيئا ما من العالم، أو "فضاء اعتقادنا" - وهذا لا ينكر ، بالطبع، بأنّ هناك كتبا ومصارف، أو بأنّنا نتحدّث عن شيء ما إذا ناقشنا مصير الأرض ونستنتج أنّه مروّع ، لكنّنا يجب أن نتبع النصيحة الجيدة لفيلسوف القرن الثامن عشر توماس ريد Thomas Reid وأتباعه المحدثين ويتجينشتاين Wittgenstein وآخرين، ولا يتوصّل إلى استنتاجات لا مبرّر لها من الاستعمال الشائع يمكننا إذا أحببنا القول بأن كلمة "كتاب" تشير إلى الكتب، و "سماء" إلى السماء، "صحة" إلى الصحة، وهكذا. مثل هذه الاصطلاحات تعبر أساسا عن نقص الاهتمام بالخواص الدلالية للكلمات وكيف تستعمل للحدّيث عن الأشياء. يمكننا أن نتجنّب قضايا علم الأصوات الصوتي السمعي والنطقي بنفس الطريقة. وعندما نقول هذا فإننا لا ننتقد القرار؛ أى إستفهام يركّز على بعض الأسئلة ويهمل أخرى . لقد كان هناك الكثير من العمل المثير حول الجوانب اللغوية التي تتعلّق بالتفسير الصوتي وإلى التفسير الدلالي ، لكنّها بشكل صحيح يجب أن نسميها النحو، في رأيي. والنحو هو دراسة عمليات المقدرة اللغوية، كجزء من العقل. أما الطرق التي تشغل العالم فإنها تقع أبعد من ذلك.
    في هذا الصدد، دعنا نعد إلى تعليقي بأن النحو التوليدي أراد مخاطبة المخاوف التي حرّكت التقليد، وخاصة، الفكرة الديكارتية بأن ذلك هو " التمييز الصحيح" بين البشر والمخلوقات الآخرى أو الآلات وهو القدرة على العمل بالأسلوب الذي تصوروه، ويتضح جليا في الاستعمال اليومي للغة بدون حدود محددة تتأثر، ولكن لا تحددها الحالة الداخلية ،ملائمة للمواقف ولكن لا تسببها المواقف ومتماسكة، وتثير الأفكار التي ربما عبر عنها السامع وهكذا. وذلك صحيح جزئيا فقط وهدف العمل الذي أناقشه هو الكشف عن بعض العوامل التي تدخل في مثل هذه الممارسة الطبيعية ولكن بعضا منها فقط .
    النحو التوليدي يهدف إلى اكتشاف الآليات المستعملة ، وبذلك يسهم في الدراسة حول كيفية الاستعمال بطريقة خلاّقة في الحياة الطبيعية ، كيف يتم استعمالها هي المشكلة التي أثارت اهتمام أتباع كارت Cartesians وتبقىغامضة لنا كما كانت لهم ولو أن الكثير حول الآليات ذات العلاقة اليوم أكثر فهما مما كانت عليه آنذاك .
    دراسة اللغة - مرة أخرى -هي مثل دراسة الأعضاء الأخرى بصورة كبيرة . كشفت دراسة النظام البصري الحركي الآليات التي يترجم بها الدماغ المحفّزات المتفرّقة كمكعّب، والتي يمتدّ بها الذراع إلى كتاب على المنضدة. لكن فروع العلم هذه لا تثير السؤال كيف يقرّرون الناس عمل مثل هذه الأشياء، والتخمينات حول استعمال الأنظمة البصرية أو الحركية، أو أنظمة آخرى تبلغ مبلغا قليلا جدا.
    هذه هي الصفات التي - على نحو مدهش جدا- في استعمال اللغة، والتي هي في قلب الاهتمامات التقليدية لسقراط ، فهي "الشيء الأكثر نبلا الذي يمكن أن نتحصل عليه "، وكلّ ذلك "يعود حقا" إلينا. نصف قرن قبل سقراط ، لاحظ الفيلسوف الطبيب الإسباني جوان هوارت Juan Huarte أن" الملكة أو القدرة التوليدية " من فهم وعمل إنسان عادي، مع انها أجنبية بالنسبة إلى "الوحوش والنباتات"، فهي فقط شكل أدنى من الفهم. ولا تصل إلى التمرين الصحيح للخيال الخلاّق .
    حتى الشكل الأدنى لا يقع في مجالنا النظري ، بغض النظر عن الآليات التي تدخل فيها.
    في عدد من المجالات ، بما في ذلك اللغة ،تم تعلّم الكثير في السنوات الأخيرة حول هذه الآليات. المشاكل التي يمكن مواجهتها صعبة ومتحدية ، ولكن العديد من الأشياء الغامضة لا تزال بعيدة عن تناوال شكل من أشكال التحقيق الإنساني نسميه "علما"، وهذا استنتاج يجب أن لا نجده مدهشا إذا نعتبرنا البشر جزءا من العالم العضوي، وربما يجب أن لا نجده محزنا.

    **********************************************
    Part II
    "Language and Mind: Current Thoughts on Ancient Problems (part II)." Paper presented at University de Brasilia, November 26, 1996.
    Copyright 1996 by Noam Chomsky
    Translated by Dr. Bashir Shawish

    اللغة والعقل: الأفكار السائدة حول المسائل القديمة(الجزء الثاني)

    نعوم تشومسكي (1996 الحقوق محفوظة)
    ترجمة د. بشير محمد الشاوش
    ناقشت بالأمس سؤالين أساسين حول اللغة، أحدهما تناول اللغة من الداخل(من داخل اللغة-المترجم) والآخر تناولها من الخارج(خارج اللغة-المترجم). السؤال الداخلي يسأل ما نوع نظام اللغة؟ أما السؤال الخارجي فيسأل كيف ترتبط اللغة بالأجزاء الآخرى للعقل وبالعالم الخارجي ؟ بما في ذلك مشاكل التوحيد واستعمال اللغة. إلتزمت المناقشة بمستوى عامّ جدا، محاولة ترتيب أنواع المشاكل التي تظهر والطرق التي تبدو معقولة للتعامل معها . أريد الآن أن أتفحّص بعناية أكبر بعض الشيء بعض مظاهر التفكير السائد الآن حول المسألة الداخلية .
    ولمراجعة السياق، أخذت دراسة اللغة طريقا مختلفا جدا قبل حوالي أربعين سنة كجزء مما يسمّى "بالثورة الإدراكية" للخمسينيات، الذي أنعش وأعاد تشكّيل الأسئلة والمخاوف التقليدية حول العديد من المواضيع بما في ذلك اللغة واستعمالها وأهمية هذه الأمور لدراسة العقل الإنساني. المحاولات الأولى (السابقة) لاستكشاف هذه الأسئلة كانت قد واجهت عقبات وقصور في الفهم. وبمنتصف القرن(العشرين-المترجم)، تم إلى حد ما التغلّب عليها، وجعلت من الممكن المضي قدما بطريقة مثمرة أكثر. المشكلة الأساسية كانت ايجاد طريقة لحل التوتر بين المطالب المتعارضة للكفاية الوصفية adequacy descriptive والكفاية التوضيحية explanatory adequacy.
    وقاد برنامج البحث الذي تطوّر في النهاية إلى صورة لغوية كانت بعيدة بصورة كبيرة عن التقليد الطويل والغني؛ إنّ طريقة المبادئ والمتغيرات Principles and Parameters التي تستند على الفكرة التي تتضمّن الحالة الأولية للمقدرة اللغوية تتكون من مباديء ثابتة وعدد محدود من الاختيارات بكيف يمكن ان يشتغل النظام ككل . يتم تحديد لغة معيّنة بالقيام بهذه الاختيارات على نحو معيّن. عندنا على الأقل الخطوط العامّة لنظرية لغوية حقيقية ، قد تكون قادرة على استيفاء شروط الكفاية الوصفية والكفاية التوضيحية ، وتقترب من المشكلة المنطقيّة لاكتساب اللغة على نحو بنّاء. منذ أن أخذت هذه الصورة شكلها قبل حوالي خمسين سنة، تم توجيه جهود البحث الرئيسي إلى محاولة اكتشاف المباديء والمتغيرات واظهارها بصورة جلية. امتد التحقيق بسرعة كبيرة وازداد عمقا ،وفي عدد من اللغات الفردية، وفي المجال، حيث تم تطبيق أفكار مشابهة على لغات مختلفة جدا . إنّ المشاكل المتبقية كبيرة جدا إذا تكلمت بصورة معتدلة جدا . العقل الإنساني / الدماغ ربما يعتبر الشيء الأكثر تعقيدا في الكون، ونحن بالكاد بدأنا في فهم كيفية تكوينه ووظائفه . ويبدو أن اللغة تحتل مكانا رئيسيا فيه ، وعلى الأقل على السطح، فإن التنوع والتعقيد يعتبران مروعين ، ومع ذلك ، فقد حصل قدر كبير من التقدم ، بحيث يبدو معقولا النظر في بعض المسائل الأكثر صعوبة حول تصميم اللغة وخاصة أسئلة حول التصميم الأمثل . على الرغم من هذا، كان هناك مقدار كبير من التقدّم، بما فيه الكفاية لكي يبدو معقول للنظر في المسائل البعيدة المدى حول تصميم اللغة، بشكل خاص، أسئلة حول أمثلية التصميم. أهملت المسألة في هذه النقطة أمس لأتّجه إلى الموضوعات الأخرى. دعنا نعد إليها الآن، ونرى إلى أين قد يقود التحقيق في هذه المسائل.
    نحن الآن نسأل عن جودة تصميم اللغة. مدى قرب التشابه بين اللغة وما يمكن قد بناه مهندس بارع في وجود مواصفات تصميم معيّنة. لدراسة المسألة علينا أن نوضح هذه المواصفات بصورة أكبر . بعض هذه المواصفات داخلية وعامّة ، ولها علاقة بالطبع الإدراكي والبساطة وهي أفكار واضحة وضوحا تاما، ولكن يمكن تحسين توضيحها بطرق عدة .والمواصفات الأخرى خارجية ومحددة ولها علاقة بالشروط التي تفرضها نظم العقل /الدماغ التي تتفاعل معها القدرة اللغوية . واقترحت أن الإجابة على السؤال تظهر أن اللغة مصصمّة تصميما جيدا، وربما يقترب من تصميم "مثالي" في الإيفاء بالشروط الخارجية.
    إذا كان هناك أيّ حقيقة في هذا الاستنتاج ، فإنه على الأصح مدهش ، لعدّة أسباب: أولا، اللغات في أغلب الأحيان إفترضت أن تكون أشياء معقّدة وبها عيوب لدرجة أنها لا تستحق الدراسة من منظور نظري صارم. إنها تتطلب إصلاحا أو تنظيما أو استبدالها بشيء مختلف تماما إذا أريد لها أن تؤدي غرضا ما بالإضافة إلى الشؤون المشوّشة والمعقّدة للحياة اليومية. تلك هي الفكرة الرئيسية التي ألهمت المحاولات التقليدية لابتكار لغة مثالية عالمية، أو على الفرضيات اللاهوتية، لاستعادة لغة آدم الأصلية؛ وشيء مشابه اعتبر بديهيا في كثير من الأعمال الحديثة من عصر فريج Frege إلى الوقت الحاضر . ثانيا ، المرء ربما لا يتوقّع إيجاد مثل خواص التصميم هذه في الأنظمة الحيوية، التي تتطوّر على فترات طويلة خلال التغييرات المتزايدة تحت ظروف معقّدة وعرضية، مستفيدة إلى أبعد حد من الاحتمالات الصعبة والضبابية . افترض مع هذا بأنّنا نصرف النظر عن الشكوك الأولية ونحاول صياغة بعض الأسئلة الواضحة إلى حدّ معقول على أمثلية تصميم اللغة. "برنامج الحد الأدنى "
    "minimalist program" ، كما تمت تسميته ، في محاولة لتفحّص مثل هذه الأسئلة. من المبكر جدا أن نصدر حكما حول المشروع بأيّ نوع من الثقة. حكمي أنا هو أنّ النتائج المبكّرة واعدة، ولكن الوقت فقط سيرينا ذلك.
    لاحظ أن برنامج الحد الأدنى the minimalist program هو برنامج، وليس نظرية، وحتى لدرجة أقل من أسلوب المبادئ و المتغيرات the Principles-and-Parameters هناك الحد الأدنى من الأسئلة ، ولكن لا توجد أجوبة حد أدنى معيّنة. إنّ الأجوبة هي ما نتحصل عليه أو نجده بتنفيذ البرنامج: ربما بعض الأسئلة ليس لها أجوبة مشوّقة ، بينما أسئلة أخرى لم يحن أوان طرحها بعد .
    ربما لا توجد أجوبة مثيرة لأن اللغة الإنسانية تعتبر حالة من الحالات التي أطلق عليها الفائز بجائزة نوبل فرانسوا جيكوب Francois Jacob "bricolage" العمل المرتجل ؛ إن التطور شيء نفعي ،فهو مثل مخترع يأخذ أي مواد في المتناول ويعمل بها بغير براعة ، مدخلا بعض التغيرات البسيطة بحيث تشتغل أحسن من ذي قبل . هذا، بالطبع، يقصد به صورة رائعة فقط. هناك عوامل أخرى يجب علينا أن نضعها في الحسبان. بشكل غير خلافي، يستمر التطور ضمن إطار أسّس حسب قوانين الفيزياء والكيمياء وخواص الأنظمة المعقّدة،التي يعرف القليل حولها. وضمن هذه القناة الطبيعية (المادية-المترجم)، يلعب الاختيار الطبيعي دورا قد يتراوح من صفر إلى رقم كبير جدا.
    من الرتقة الأولى إلى الجزئيات الكبيرة، التصميم ينتج من عملية القانون الطبيعي؛ من خواص الهليوم أو رقاقات الثلج، على سبيل المثال. تأثيرات الاختيار تبدأ بالظهور بالأشكال العضوية الأكثر تعقيدا، ولو أنّ الفهم يهبط عند زيادة التعقيد ، وعلى المرء أن يكون حذرا مما سمّاه علما الحياة التطوريان : ريتشارد لوونتين Richard Lewontin، وستيوارت كوفمان Stuart Kauffman، وآخرون، " قصص مثل هذا" - وهي قصص حول كيف ربما حدثت الأشياء ، أو كيف ربّما لم تحدث .
    كوفمان، على سبيل المثال، جادل بأنّ العديد من خواص "النظام التنظيمي الحيوي (الجيني" بأنّ التقيدات في السلوك المفيد، أنماط نشاط الجين "أثناء نمو الكائنات الحية" ميزّات تكون تلقائية و أنظمة السيطرة المعقّدة منظّمة ذاتيا لم تتطلّب تقريبا أي اختيار "، موحية "بأنّنا يجب أن نعيد التفكّير مجدّدا في علم الأحياء " ونبحث عن" مصادر الاختيار الخارجي." من يرفض مثل هذه الأفكار ولا ينظر إليها على أنها جديرة بالانتباه ، يعتبر عالم أحياء تطوّريا نادرا. والنظر فيما وراء ذلك ، افترض عموما بأنّ مثل هذه الظواهر كالأغلفة المتعددة للفيروسات، أو الظهور في أشكال عضوية لخواص السلسلة الحسابية المشهورة تسمى سلسلة فيبوناكسي (ترتيب ورق النبات ) ("phyllotaxis")، من المحتمل أن تسقط سوية مع رقاقات الثلج بدلا من توزيع العثّ المظلم والمضيء أو رقبة زرافة.
    بشكل غير خلافي، لأي حالة يدرسها المرء ، يجب تحديد الكيفية التي تقيّد بها القناة الطبيعية النتائج وما هي الخيارات الي تسمح بها . علاوة على ذلك، هناك قضايا مستقلة يجب أن تحلّ.
    ما يبدو تصميما رائعا ربّما يكون مثالا نموذجيا للتدرج مستقلا عن الوظيفة موضع السّؤال. الاستعمال العادي للغة، على سبيل المثال، يعتمد على عظام الأذن الداخلية التي نزحت من فكاك الزواحف.
    إنّ العملية حاليا يعتقد أنها نتيجة نمو الغلاف الجديد neocortex للثدييات، و"يفصل الثدييات الحقيقية من بين كلّ الفقريّات الأخرى "( العلوم ، 1ديسمبر 1995). يمكن أن يجد مهندس أنّ " نظام تضخيم الصوت الحسّاس" قد تم تصمّيمه بشكل ممتاز لوظيفة اللغة، لكن الطبيعة لم يكن ذلك في حسبانها عندما بدأت العملية قبل 160 مليون سنة، كما أنه ليس هناك أيّ تأثير اختياري معروف لسيطرة النظام لاستعمال اللغة.
    تعتبر اللغة الإنسانية أبعد بكثير من حدود الفهم الجدّي للعمليات التطوّرية، ولو أنّ هناك تخمينات إيحائية. دعنا نضف تخمينا آخر. افترض أننا نخترع العبارة " قصة هكذا فقط " بالصور الذهنية المشتقة من رقاقات الثلج بدلا من ألوان العثّ ورقاب الزرافات، وبالتصميم المحدد من قبل القانون الطبيعي بدلا من التصميم المرتجل من خلال الاختيار. افترض أنّه كان هناك حيوان رئيسي قديم له العقلية الإنسانية الكاملة كاملة البناء و لكن بدون المقدرة اللغوية. اشترك المخلوق في أنماط التنظيم الإدراكي التابعة لنا واعتقاداتنا ورغباتنا، وآمالنا ومخاوفنا، طالما أنّ هذه لم تشكّل وتحدث عن طريق اللغة. ربما كان عنده "لغة الفكر" بالمعنى الذي جاء به جيري فودور Jerry Fodor وآخرون، لكن بدون طريقة لتشكيل التعابير اللغوية المرتبطة بالأفكار التي تجعلها اللغة العقلية lingua mentis متوفرة.
    افترض أن تغيرا أساسيا حدث في الأوامر الوراثية للدماغ، التي ثمّ إعاد ة تنظيمها حسب قوانين الفيزياء والكيمياء لوضع مقدرة للغة. افترض أن النظام الجديد كان-علاوة على ذلك- قد تم تصميمه بشكل جميل، حلّ شبه تام للشروط التي فرضت بالهندسة العامّة للدماغ/ العقل مدخل فيه وهو إيضاح آخر لكيفية شغل القوانين الطبيعية بطرق مدهشة؛ أو إذا فضّل المرء ، توضيح الكيفية التي تمكّن العامل التطوّري غير البارع أن يستوفى شروط التصميم المعقّدة بأدوات بسيطة جدا.
    وللتوضيح ،فإن هذه تعتبر خرافات وقيمتها الوحيدة التي يمكن تعويضها هي أنها ربما لا تكون أكثر احتمالا للتّصديق من غيرها ، وقد تظهر أن لها بعض عناصر الصحة . وتؤدي الصورة وظيفتها إذا ساعدتنا في طرح مشكلة يمكن أن يتبيّن أنها ذات معنى وحتى ذات مغزى: أساسا، المشكلة التي تحفّز برنامج الحد الأدنى الذي يستكشف الحدس بأن نتيجة الخرافة قد يكون صحيحا بطرق مثيرة.
    لاحظ التشابه الأكيد مع المشكلة المنطقيّة لاكتساب اللغة، وهي إعادة صياغة شرط الكفاية التوضيحية أداة تحوّل التجربة إلى لغة، والتي تعرف كحالة لمكوّن من مكوّنات الدماغ. إنّ العملية آنية، ولو أنّ المعالجة بصراحة ليست كذلك .
    إنّ السؤال التجريبي الجدّي هو مقدار التحوير الذي يسببه التجريد. بالأحرى باندهاش، ربما، يبدو أن التحوير قليل جدا إن وجد : فهو كما لو أنّ اللغة تظهر بشكل آني، بالانتقاء من الخيارات المتوفرة في الحالة الأولية. على الرغم من الاختلاف العظيم في التجربة، فإن النتائج تبدو متشابهة على نحو لافت للنظر ، للتفسيرات المشتركة، في أغلب الأحيان بدقة متناهية ، للتعابير اللغوية من الأنواع التي لها تشابه بسيط بأي شيء تمت خبرته. ذلك ليس ما نتوقّعه إذا كان التجريد إلى الاكتساب الآني قدّم تحويرات واضحة . ربما تعكس النتيجة جهلنا، ولكن الدليل التجريبي يبدو انه يدعمه. وبشكل مستقل عن ذلك، طالما كان تعليل خواص اللغات الفردية باستعمال التجريد ممكنا ، فلدينا دليلا آخر بأن التجريد يعبر عن الخواص الحقيقية لحقيقة معقّدة.
    إنّ القضايا التي يطرحها برنامج الحد الأدنى متشابهة نوعا ما . بصورة واضحة ،لم يتم وضع المقدرة اللغوية بشكل آني في عقل / دماغ مع بقيّة تركيبها سليمة بالكامل. لكنّنا الآن نسأل عن مدى جودة التصميم على الفرضية المعاكسة للحقيقة counterfactual . ما مقدار تحريّف التجريد لواقع أكثر تعقيدا ؟ يمكننا أن نحاول الإجابة على السؤال بنفس القدر الذي نقوم فيه بالإجابة عن سؤال مشابه حول المشكلة المنطقيّة لاكتساب اللغة.
    لمتابعة البرنامج علينا أن نشحذ الأفكار إلى حدّ كبير، وهناك طرق للمضي قدما في ذلك . إنّ المقدرة اللغوية مضمّنة ضمن التركيبة الواسعة للعقل / الدماغ. وهي تتفاعل مع الأنظمة الأخرى، التي تفرض شروطا يجب على اللغة أن تفي بها لكي تكون صالحة للاستعمال.
    قد نعتبر هذه "شروط وضوح"، تدعى "شروط المخرج المجردة " كما يطلق عليها اصطلاحيا. إنّ الأنظمة المضمّنة لإيّ مقدرة لغوية يجب أن تكون قادرة على "قراءة" التعابير اللغوية وإستعمالها "أوامر أو تعليمات " للفكر والعمل. وعلى سبيل المثال ، يجب أن تكون الأنظمة الحركية الحسية قادرة على قراءة الأوامر أوالتعليمات التي لها علاقة بالصوت .
    الجهاز النطقي والإدراكي perceptual لهما تصميم معيّن يمكّنهما من تفسير بعض الخواص ، وليس أخرى؛ لذلك فإن هذه الأنظمة تفرض شروط الوضوح على العمليات التوليدية للمقدرة اللغوية ، التي يجب أن توفر تعابير "بتمثيل أو بيان صوتي مناسب"
    نفس الشيء يصحّ على الأنظمة الإدراكية والأنظمة الأخرى التي تستعمل وسائل القدرة اللغوية. فهي لها خواصها الجوهرية، تتطلّب أنّ التعابير التي أنتجتها اللغة لها أنواع معينة من " البيان الدلالي "، و ليس غيرها .
    يمكننا إعادة صياغة السؤال الأول بشكل أكثر وضوحا بعض الشّيء. و الآن نسأل إلى أي مدى تعتبر اللغة "حلاّ جيدا" لشروط الوضوح التي تفرضها النظم الخارجية التي تتفاعل معها ؟ إذا كانت النظم الخارجية فهمت بشكل مثالي، بحيث يمكننا معرفة ماذا كانت شروط الوضوح بالضبط ، فإن المشكلة التي نثيرها ما زالت تتطلّب التوضيح؛ فيجب علينا أن نشرح بوضوح أكثر ما نعنيه "بالتصميم الأمثل "، وهذا ليس بالأمر التافه ،وليس بالأمر الميؤس منه . لكن الحياة ليست سهلة أبدا.
    الأنظمة الخارجية ليست مفهومة جيّدا، وفي الحقيقة،التقدّم في فهمها يتواصل مع التقدّم في فهم النظام اللغوي الذي يتفاعل معها؛ لذلك نواجه المهمّة الرهيبة أو المروعة لوضع شروط المشكلة بشكل آني ونحاول الإيفاء بها في وقت واحد ، في الوقت الذي تتغير فيه الشروط كلما تعلّمنا أكثر حول كيفية الإيفاء بها. لكن ذلك هو ما يتوقعه المرء وهو يحاول فهم طبيعة نظام معقّد. لذلك فإننا نؤسّس بطريقة مبدئية أي أرضية تبدو قويّة إلى حدّ معقول، ونحاول المضي من هناك، ونحن نعرف جيدا أن تلك الأرضية من المحتمل أن تتغير .
    يتطلّب برنامج الحد الأدنى أن نُخضع الفرضيات التقليدية إلى التفحّص الدقيق . وأكثر هذه الفرضيات وقارا هي أن اللغة لها صوت ومعنى. في المصطلحات الحالية، ذلك يترجم إلى الفرضية أن الملكة أو المقدرة اللغوية تشغل نظم أخرى للعقل / الدماغ في "مستويين متصلين "، أحدهما يتعلق بالصوت ،والآخر بالمعنى . أي تعبير معيّن تنتجه اللغة يحتوي تمثيلا صوتيا يكون واضحا للأنظمة الحركية الحسية sensorimotor، وتمثيل دلالي يكون واضحا بالنسبة للأنظمة الإدراكية وأنظمة الفكر والعمل، وربما تتكون فقط من هذه الأجسام المزاوجة. إذا كان هذا القدر صحيحا فعلينا بعد ذلك أن نسأل أين تقع الصلة بالضبط ؟ وعلى مستوى الصوت ،علينا تحديد المدى- إن وجد - تكون الأنظمة الحركية الحسية خاصة باللغة؟ ، لذلك ضمن المقدرة اللغوية؛ هناك خلاف كبير في المسألة. وعلى جانب المعنى، الأسئلة لها صلة بالعلاقات بين المقدرة اللغوية والأنظمة الإدراكية الأخرى - العلاقات بين اللغة والفكر.
    على الجانب الصوتي ، درست الأسئلة بشكل مركّز باستعمال تقنية متطوّرة لنصف قرن، ولكن المشكلات صعبة، ومازال الفهم محدودا. على جانب المعنى، الأسئلة أكثر غموضا بكثير. يعرف القليل جدا عن أنظمة اللغة الخارجية؛ معظم الأدلة عنها مرتبط بشكل وثيق باللغة حيث من الصّعب جدا تحديد متى تؤثّر على اللغة، ومتى تؤثر على الأنظمة الأخرى (طالما كانت واضحة).
    والتحقيق المباشر من النوع الممكن للأنظمة الحركية الحسية مازال في مهده. مع هذا، هناك كمية ضخمة من البيانات حول كيفية استعمال التعابير في ظروف معيّنة وفهمها، بطريقة كافية بحيث يكون علم الدلالة في اللغات الطبيعية أحد المجالات الأكثر حيوية في الدراسات اللغوية ويمكننا على الأقل القيام ببعض التخمينات المعقولة حول طبيعة مستوى العلاقة وشروط الوضوح الذي يجب أن تفي به .
    يمكننا أن نتحول إلى الأسئلة الأخرى باستعمال بعض الفرضيات المبدئية حول العلاقة. ونحن نسأل كم مما ننسبه إلى المقدرة اللغوية مدفوعا حقا بالدليل التجريبي؟ وما قدر نوع التقنية المتبناة لكي تقدّم البيانات في شكل ملائم بينما يتم تغطية فجوات الفهم؟
    ليس من النادر أن تظهر أوصاف يتم عرضها في عمل فني حول تحقيق تكون تقريبا ذات مستوى معقد بنفس مستوى التعقيد ما يتم شرحه وتتضمن افتراضات ليس لها أساس بصورة مستقلة . ذلك لا يسبب مشكلة طالما لا نضلّل أنفسنا باعتقادنا أنّ الأوصاف المفيدة والغنيّة بالمعلومات المفيدة -قد تزوّدنا بدرجات للوصول إلى تحقيق آخر- تعتبر شيئا أكثر من ذلك. مثل هذه الأسئلة تعتبر دائما ملائمة من حيث المبدأ، لكن في أغلب الأحيان لا تستحقّ الإثارة عمليا.فهي قد تكون قبل أوانها ، لأن الفهم يكون فقط محدودا جدا. حتى في العلوم الأساسية، في الحقيقة حتى في الرياضيات، أسئلة من هذا النوع عموما تم وضعها جانبا. ومع ذلك فإن الأسئلة حقيقية ، ولها مفهوم أكثر معقولية من الشكل العامّ للغة الذي يكون في المتناول، والذي ربما يستحقّ الدراسة الاستكشافية .
    دعنا نتّجه إلى سؤال أمثلية تصميم اللغة: optimality of language design ما مدى جودة اللغة حلا للشروط العامة التي تفرضها تركيبة العقل/الدماغ ؟ هذا السؤال أيضا ربما يكون سابقا لأوانه خلافا لمشكلة التمييز بين الافتراضات المبدئية والتقنية الوصفية ، يمكن ان لا يكون لها إجابة على الاطلاق ،كما ذكرت ليس هناك سبب وجيه لتوقّع أن الأنظمة الحيوية ستكون مصمّة بشكل جيد في أيّ شيء يشبه هذا المعنى . دعنا بتردد نفترض أنّ تلك الأسئلة ملائمة في الممارسة بالإضافة إلى المبدأ. نمضي إلى الموضوع الآن افترضنا مبادئ اللغة لغلق التفحّص للرؤية إذا هم يبرّرون بشكل تجريبي من ناحية شروط الوضوح. سأذكر بضعة أمثلة وأعتذر مقدما لاستعمال بعض المصطلحات الفنية. سأحاول استعمال الحدّ الأدنى من هذه المصطلحات التي لن يكون لديّ الوقت هنا لكي أوضّحها بطريقة مقنعة.
    أحد الأسئلة هو هل هناك مستويات غير مستويات السطح البينيinterface؟ هل هناك مستويات "داخليه" للغة، بشكل خاص، مستويات التركيب العميق والسطحي التي لعبت دورا كبيرا في العمل الحديث؟ برنامج الحد الأدنى يريد أن يظهر بأن كل شيء قد تم وصفه باستعمال هذه المستويات لم يوصف وصفا صحيحا ، وأنه يفهم بطريقة جيدة مماثلة أو أحسن باستعمال شروط الوضوح في السطح البيني :بالنسبة لبعضكم الذين يعرفون مصطلحات الموضوع فإن هذا يعني مبدأ التقدير أو الاحتمال projection principle ونظرية الربط binding theory ونظرية الحالات Case theory وشرط التسلسل the chain condition ، وهكذا.
    نحاول أيضا إظهار أن العمليات الحسابية الوحيدة هي تلك التي لا يوجد سبيل لتحاشيها في أفضل الفرضيات حول خواص السطح البيني . أحد هذه الفرضيات هو أنّ هناك وحدات تشبه الكلمة: الأنظمة الخارجية يجب أن تكون قادرة على ترجمة مثل هذه المفردات مثل "رجل" و"طويل." وافتراض آخر بأنّ هذه المفردات منظمة في تعابير أطول مثل "رجل طويل." والافتراض الثالث هو أن المفردات لها خواص الصوت والمعنى: الكلمة " man"(رجل) في اللغة الإنجليزية تبدأ بإغلاق الشفاه وتستعمل للإشارة إلى الأشخاص، فكرة بارعة . تتضمّن اللغة إذن ثلاثة أنواع من العناصر: خواص الصوت والمعنى، وتسمى "الميزات" أو الخواص ؛ يتم تجميع المفردات من هذه الخواص تسمى "مفردات معجمية" ؛ والتعابير المعقّدة تبنى من هذه الوحدات "الذرّية". ويتبع ذلك أن النظام الحسابي الذي يولّد التعابير له عمليتان أساسيتان : إحداهما تجمع الخواص أو السمات في مفردات والأخرى تكوّن تراكيب نحوية أكبر من تلك التي تم بناؤها للتو بداية بالمفردات .
    يمكننا أن نفكّر بالعملية الأولى أساسا قائمة للمفردات . حسب المصطلح التقليدي ، هذه القائمة، تسمى المعجم (مفردات المعجم)، وهي قائمة "الاستثناءات"، روابط اعتباطية من الصوت والمعنى واختيارات معيّنة بين الخواص الصرفية التي وفرتها الملكة أو المقدرة اللغوية. سأبقي هنا على ما أطلق عليه تقليديا "الخواص أو السمات الإعرابية" "inflectional features",، التي تشير إلى أنّ الأسماء والأفعال تكون جمعا أو مفردة، وأنّ الأسماء لها حالة رفع أو حالة نصب بينما الأفعال لها زمن tense وسمةaspect (حالة الفعل من ناحية البدء أو الاستمرار أو التمام -المترجم)، وهكذا. هذه الميزّات الإعرابية يبدو أنها تلعب دورا رئيسيا في العملية الحسابية computation .
    التصميم المثالي لن يقدّم أي ميزات جديدة أثناء العملية الحسابية . يجب ألا يكون هناك وحدات جملية أو مستويات التصنيف ( إكس بارX-bar –الحرف X يوضع عليه شرطة"-" أوأكثر تحدد مستوىالمكوّن في الجملة. X هنا يمثل أي صنف مكوّني؛ يمثل شبه جملة اسمية أو فعلية أو نعت أو جار ومجرور ...الخ-المترجم))، لذلك لا وجود لقوانين التركيب العباري أو نظرية التصنيف (إكس بار (X-bar؛ ولا إشارات الترابط الإشاري indices، لذلك لا توجد نظرية ربط (binding theory ) تستعمل الإرتباط الإشاري indices(وسيلة تستعمل لتوضيح أن كلمتين أو أكثر تشير إلى نفس المعنى في الجملة-المترجم). نحاول أيضا أن نظهر أنه لا يتم إستخدام علاقات تركيبة ما عدا تلك التي تفرضها شروط الوضوح أو تسببت بطرق ما طبيعية بالحساب نفسه. في الصنف الأول عندنا خواص مثل الجوار أو القرب في المستوى الصوتي، وفي المستوى الدلالي ، والتركيب الموضوعي وعلاقات النعت الكميquantifier المتغيّر. في الصنف الثاني، لدينا علاقات أولّية بين تركيبين نحويين تم ربطهما أثناء عملية الحساب؛ العلاقة التي تربط بين واحد من هذه وأجزاء من الأخرى مرشّح مناسب ؛ وهو، في الجوهر، علاقة c-command ( التحكم المكوّني( كما أشار صموئيل إبشتاين Samuel Epstein، فكرة تلعب دورا رئيسيا في جميع أنحاء تصميم اللغة وقد تم إعتباره غير طبيعي جدا، ولو أنّه يحتل مكانه الصحيح على نحو طبيعي من هذا المنظور. بنفس الطريقة، يمكننا أن نستعمل علاقات محليّة جدا بين الخواص ؛ الأكثر محلية، لذلك الأفضل، هي تلك التي تكون داخلية بالنسبة للوحدات التي تشبه الكلمة التي بنيت من الكلمات المفردة . لكنّنا نستثنى السيطرة والسيطرة المناسبة ، العلاقات الرابطة الداخلية بالنسبة لاشتقاق التعابير، ومجموعة من العلاقات والتفاعلات الأخرى. وكما يدرك أي شخص ملم بالعمل الحديث (في اللغة) ، هناك دليل تجريبي كافٍ لدعم النتيجة المعاكسة في جميع المجالات . الأسوأ حتى الآن، فرضية رئيسية من العمل ضمن إطار المبادئ والمتغيرات
    Principles and Parameters، وإنجازاته الرائعة تقريبا، هي أن كلّ شيء قد اقترحته للتو هو شيء خاطئ - بأنّ اللغة "ناقصة" جدا في هذه النواحي، كما ربما يكون متوقّعا. لذا فهي ليست بالمهمّة البسيطة لإظهار أن مثل ذلك الجهاز يمكن حذفه تقنية وصفية غير مرغوب فيها ؛ أو بشكل أفضل القوة الوصفية والتوضيحية يتم توسيعها إذا تم التخلص من مثل "زيادة الوزن" هذه. على الرغم من ذلك ، أعتقد أن عمل السنوات القليلة الماضية يوحي بأنّ هذه الاستنتاجات، التي بدت أمرا مستبعدا قبل سنوات قليلة، معقولة على الأقل،ومن المحتمل جدا أن تكون صحيحة.
    من الواضح أن اللغات تختلف ، ونحن نريد معرفة كيف تختلف . أحد جوانب الاختلاف في اختيار الأصوات التي تتفاوت ضمن مدى معيّن . واختلاف آخر هو في ترابط الصوت والمعنى جوهريا بصورة عشوائية . هذه اشياء مباشرة ويجب ألا تعوقنا أو تؤخرنا. الأكثر إثارة هي الحقيقة بأنّ اللغات تختلف في الأنظمة الإعرابية: أنظمة الحالات ، على سبيل المثال. نجد أنّ هذه الأمور بشكل وافر نوعا ما في اللغة اللاتينية، وأكثر من ذلك في اللغة السنسكريتية أو الفلندية، لكن أقل ما يمكن في اللغة الإنجليزية وغير منظورة في اللغة الصينية. أوهكذا تبدو ؛ إعتبارات الكفاية التوضيحية تدل على أن المظاهر هنا قد تكون مضلّلة؛ وفي الحقيقة، الأعمال الحديثة تشير إلى أنّ هذه الأنظمة تتفاوت أقل بكثير مما تظهره الأشكال السطحيّة. اللغتان الصينية والإنجليزية ، على سبيل المثال، ربّما يكون لهما نفس نظام الحالة كاللغة اللاتينية، ولكن تحقيق صوتي مختلف، ولو أنّ التأثيرات تظهر بطرق أخرى. علاوة على ذلك، يبدو أنّ معظم اختلافات اللغة يمكن أن تتحوّل للأنظمة الإعرابية. إذا كان هذا صحيحا، فإن التباين اللغوي يقع في جزء ضيّق من المفردات . تختلف الخصائص الإعرابية عن تلك التي تشكّل المفردات. خذ أيّ كلمة، مثلا الفعل see "يرى" خواصه الصوتية والدلالية جوهرية بالنسبة له ، كما هو تصنيف هذه الكلمة فعلاَ .لكن الفعل يمكن أن يظهر مع تصريف مفرد أو تصريف جمع. نموذجيا للفعل قيمة واحدة على هذا البعد الإعرابي، لكنّه ليس جزءا من طبيعته الجوهرية. نفس الشيء يكون عموما صحيحا تقريبا بالنسبة للكلمات الاسمية(أو الأساسية): اسم ، فعل، صفة والتي أحيانا تسمى "الأصناف المفتوحة" لأن عناصر جديدة يمكن أن تضاف إليها بالأحرى بحرية، بالمقارنة مع الأنظمة الإعرابية، التي ثبتت بصورة مبكرة عند اكتساب اللغة. هناك تعقيدات وتعديلات من الدرجة الثانية، لكن الفرق الأساسي بين الأصناف الاسمية والأدوات الإعرابية واضحة إلى حدّ معقول ليس فقط في تركيب اللغة، لكن أيضا في اكتساب اللغة وعلم الأمراض، ومؤخرا هناك حتى بعض الأعمال الإيحائية على تصوير الدماغ. يمكننا أن نضع التعقيدات جانبا، ونتبنّى عملا مثاليا يميّز بوضوح بين المفردات الإسمية مثل "see" "يرى" و "house" "منزل "، والخصائص الإعرابية التي ترتبط بها و لكنها ليست جزءا من طبيعتها الجوهرية أو الأساسية.
    تفرض شروط الوضوح تقسيما ثلاثيا بين الخصائص التي تجمّع في المفردات :
    (1) الخصائص أو السمات الدلالية ، تفسر على المستوى الدلالي
    (2) الخصائص أو السمات الصوتية، تترجم او تفسر على المستوى الصوتي
    (3) الخصائص أو السمات التي لم تفسر في أي من المستويين (الدلالي أو الصوتي)
    نفترض أنّ الخصائص أو السمات الصوتية والدلالية قابلة للتفسير بشكل موحّد في كلّ اللغات: إنّ الأنظمة الخارجية في السطح البيني ثابتة(المقصود بالسطح البيني هنا هو المستوى المشترك بين المستوى الدلالي والصوتي مثلا. فهو لا يتبع المستوى الدلالي ولا المستوى الصوتي وإنما يشترك فيه الإثنان-المترجم )؛ مرة أخرى ، فرضية قياسية، ولو أنّها ليست على الإطلاق واضحة.
    بشكل مستقل، تقسم الخصائص أو السمات إلى "خصائص أو سمات شكلية " وهي تلك المستعملة من قبل العمليات الحسابية التي تبني اشتقاق تعبير، وأخرى لا يتم الوصول إليها مباشرة، لكن فقط "تحمل بالسياق." المبدأ الطبيعي الذي يحدّد الاختلافات اللغوية بوضوح هو أنّ الخصائص الإعرابية فقط تكون سمات شكلية: هذه فقط يتم الوصول إليها بواسطة العمليات الحسابية. ربّما يكون هذا صحّيحا، مسألة مهمة سأكون قادرا فقط على تناولها بصورة مقتضبة وغير كافية . والشرط الأقوى هو أن كلّ الخصائص الإعرابية تكون شكلية ويمكن الوصول إليها من حيث المبدأ بواسطة العمليات الحسابية، وشروط أقوى من ذلك هي أنه يمكن فرض، الموضوعات التي تكون الآن تحت الدراسة بشكل نشط، في أغلب الأحيان متبعا بديهيات مختلفة جدا.
    احد الفرضيات القياسية والمشتركة - والتي تبدو صحيحة ومبدئية-هي أنّ السمات الصوتية لا تكون دلالية ولا شكلية ولا تتلقى أي تفسير على المستوى الدلالي ولا يتم الوصول إليها بواسطة العمليات الحسابية. ومرة أخرى ، هناك تعقيدات ثانوية ،ولكنّنا يمكن أن نضعها جانبا. ويمكننا أن نعتبر السمات الصوتية على أنها "منتزعة " من الاشتقاق بعملية تنطبق على الشيء النحوي الذي تم تشكيله. هذه العملية تنشّط المكوّن الصوتي الوظيفي phonological للقواعد، والذي يحوّل الشيء النحوي إلى شكل صوتي.
    وبانتزاع الخصائص أو السمات الصوتية ، يتواصل الاشتقاق ، ولكن يستعمل البقيّة المفكّكة أو المنزوعة التي تفتقر إلى السمات الصوتية، و يحوّل إلى التمثيل الدلالي . أحد المباديء الطبيعية للتصميم المثالي هو أنّ العمليات يمكن أن تنطبق في أي مكان، بما في ذلك العملية هذه. وبافتراضنا ذلك ، يمكننا أن نميّز بين العمليات الظاهرة التي تطبق قبل نزع السمات الصوتية ، والعمليات الغير ظاهرة او المخفية التي تنقل ما تبقى إلى التمثيل الدلالي. العمليات الغير ظاهرة ليس لها تأثير على الصوت في التعبير، لها تأثير فقط على ما تعنيه أو على المعنى فقط.
    الخاصية الأخرى للتصميم المثالي هي أنّ العملية الحسابية من المفردات اللغوية بالنسبة للتمثيل الدلالي تكون متسقة: نفس العمليات يجب أن تطبّق في جميع الأنحاء، سواء كانت مخفية أم ظاهرة . يبدو أن هناك معنى مهما يكون فيه ذلك صحيحا. ومع أنّ العمليات المخفية والظاهرة لها خواص مختلفة، وتعطي نتائج تجريبية مثيرة،يمكن تحويل هذه الفروق إلى شروط الوضوح في أو عند المستوى الحركي الحسي . إذا كان الأمر كذلك، فإنها جوهرية للبّ التصميم اللغوي على نحو أساسي. سأحاول توضيح ما أعني بذلك لاحقا.
    لذا ، نفترض، أنه في لغة معيّنة، يتم تجميع السمات في مفردات لغوية، وبعد ذلك وفي العمليات الحسابية الثابتة وغير المتغيرة يتم بناء الصور الدلالي

    د/ بشير محمد الشاوش
يعمل...
X