في الرقمنة والتوطين
إن جيل الحواسيب الحالي مؤسس على الأبجدية اللاتينية، وجميع مطوري البرامج الحاسوبية يستعملون اللغة الإنكليزية في تطوير برامجهم، بحيث تراكمت* كمية هائلة من البرامج في اللغة الإنكليزية، يمكن لأي عارف بتلك اللغة أن يفيد منها.
لنأخذ، على سبيل المثال، مصرفا نسميه "المصرف المصري"، يريد أن يقدم لزبائنه خدمة الصيرفة عبر الحاسوب، كما تفعل المصارف الغربية. الخيارات المطروح أمامه هي:
إما تطوير برنامج مخصوص به وبخدماته المصرفية التي يقدمها؛
أو استعارة البرنامج الذي يستعمله مصرف آخر، لنسمه "المصرف الفرنسي"، وتوطينه في العربية.**
في الحالة الأولى: سوف يقوم المبرمج المحلي بتطوير البرنامج باللغة الإنكليزية، ثم تعريب واجهته. إن جميع الأوامر الحاسوبية خلف الواجهة، هي باللغة الإنكليزية. والذي لا يعرف الإنكليزية، لا يمكن له أن يبرمج. وهذا يعني حصر علم البرمجة بعارفي الإنكليزية، والحيلولة دون نشر هذا العلم والإفادة منه إفادة كاملة.*
في الحالة الثانية: "توطين" برنامج "المصرف الفرنسي" في اللغة العربية. و"التوطين" يعني ترجمة البرنامج إلى العربية بأجزائه الثلاثة: الواجهة وملفات المساعدة الموجودة داخل البرنامج ودليل الاستعمال الورقي (على شكل كتاب).
وفي الحالتين: لا يمكن أن نبرمج مباشرة في العربية لأن أنظمة البرمجة الحاسوبية لا تدعم اللغة العربية ولا الأبجدية العربية. ولا نزال حتى اليوم مضطرين إلى توطين برنامج التشغيل "وندوز" وكذلك برنامج "أوفيس"، أي إلى ترجمتهما إلى العربية ترجمة، وهما برنامجان أساسيان جدا.
إذن المقصود بـ "رقمنة اللغة العربية" هو إدخالها (أبجدية ولغة) في جيل الحواسيب الجديد، وفي أنظمتها التشغيلية، وجعلها ـ أي العربية ـ جزءا منهما. والنتيجة في هذه الحالة هي إفادة مستعمل العربية تلقائيا من الكم الهائل من البرامج المتراكم في الإنكليزية منذ إدخال الحاسوب في الاستعمال، وتسهيل تطوير برامج جديدة تفي بأغراض المستهلكين العرب، والإفادة بشكل مباشر من أي تطور يكون في العالم الحاسوبي.
كيف "نرقمن" العربية؟ بداية أقول إن شركة "صخر" الكويتية قطعت شوطا لا بأس به في هذا المجال، وهذا أمر محمود يحسب للشركة وللقائمين عليها والداعمين لها. لكن عمل شركة صخر هو "توطين" البرامج في العربية (Localization)، وليس "رقمنة" (digitalization) أي إدخال العربية في البرامج القائمة. وهذا الأخير بحاجة إلى مال مقدور عليه (لنقل ميزانيات خمسة وعشرين مهرجانا غنائيا عربيا خليعا!) و"شوية" اهتمام رسمي باللغة العربية!