لماذا حذر التقرير العثماني من رهبان الكرمل الفرنسيين والالمان ...؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منذر أبو هواش
    Senior Member
    • May 2006
    • 769

    لماذا حذر التقرير العثماني من رهبان الكرمل الفرنسيين والالمان ...؟


    لماذا حذر التقرير العثماني من رهبان الكرمل الفرنسيين والالمان ...؟

    الوثائق العثمانية التي ترجمت ونشرت من قبل خبير اللغة العثمانية الأستاذ كمال خوجة، والمحفوظة في أرشيف الوثائق العثمانية لدى رئاسة الوزراء التركية، تثير مجموعة كبيرة من التساؤلات حول قضية بيع الاراضي الفلسطينية إلى المهاجرين اليهود، وزعماء البهائية الايرانيين المنفيين إلى عكا، وكذلك إلى رهبان الكرمل الفرنسيين والالمان وبعض الاجانب البريطانيين.

    ولا يستطيع المراقب المحايد إلا أن يبدي تعاطفه مع موقف الدولة العثمانية الرافض لتسلل المهاجرين اليهود إلى فلسطين، ومع التدابير التي كانت تتخذها في هذا الموضوع، رغم أن الموقف العثماني السلبي من رهبان الارساليات الأجنبية قد يدفع بعض الناس إلى الدهشة والاستغراب، بالنظر إلى الدور الانساني المفترض لتلك الارساليات، والمنافع المتوقعة منها في مجالات التعليم والرعاية الصحية والعون الاجتماعي، وقد يدفع بعضهم أيضا إلى التساؤل عن العيب في ذلك، وخاصة أن الاراضي التي حصلت عليها واستملكتها تلك الارساليات الأجنبية لم تنتقل في النهاية إلى المهاجرين اليهود.

    لقد تحدث التقرير المترجم في جانب منه عن الكيفية التي قام بها رهبان دير الكرمل الفرنسيون والالمان، وبعض المبعدين الايرانيين والاجانب البريطانيين، بشراء قسم كبير من أراضي جبل الكرمل الاستراتيجية، بأرخص وأبخس الاسعار، وعما رافق عمليات الشراء تلك من تلاعب وتحايل وطرق وأساليب ملتوية، ساعد فيها رئيس بلدية عكا مصطفى الخليل، الذي يصفه التقرير بأنه يحمل نفس الافكار التي كان يحملها الايراني عباس المذكور، ولعل ذلك يعني أنه كان بهائيا مثله. كما تحدث التقرير عن تشييد مبان ودور عبادة وكنائس ضخمة على تلك الأراضي.

    ربما لا يكون هناك أي عيب في بيع الأراضي للأديرة والكنائس والمدارس الإرسالية المحلية في زمننا هذا. ولسنا في هذه الدراسة بصدد تعداد سلبيات أو ايجابيات هذه المؤسسات على المجتمعات العربية، فالوثائق التاريخية العثمانية التي بين أيدينا تتحدث عن بيع أراض إلى الرهبان الفرنسيين والألمان (الأجانب)، واعتراض الحكومة العثمانية كان منصبا في الأساس وبشكل عام على بيع الأراضي العثمانية إلى الأجانب والمهاجرين يهودا ومسيحيين، بغض النظر عن صفاتهم أو مهماتهم أو انتماءاتهم، وكان ذلك بسبب الخشية التي كانت تشعر بها تلك الحكومة في ذلك الوقت تجاه تنامي وتعاظم نفوذ الدول الأجنبية الاستعمارية التي كانت تقف ورائهم، من أجل دعم وزيادة نفوذها في هذه المناطق التي كانت تطمع في استعمارها منذ عقود وعقود، الأمر الذي يعرفه الجميع من كتب التاريخ، ومن خلال تسلسل الوقائع التاريخية.

    لقد اضطرت الدولة العثمانية إلى خوض الكثير من المعارك، وللقيام بالكثير من حملات الدفاع العسكرية، التي كلفتها الكثير الكثير من الأنفس والأموال، في سبيل المحافظة على وحدة أراضيها، ورد كيد الدول الاستعمارية الكبرى التي لم تكن تخفي عدائها للدولة العثمانية، أو أطماعها في تلك الأراضي الشاسعة. وقد عانت الحكومة العثمانية من الكثير من الصعوبات وبذلت الكثير من الجهد لإدارة معاركها من جانب، وعلاقاتها السياسية والدبلوماسية من جانب آخر مع الدول الأجنبية الأخرى، خلال السنوات الثلاثين أو الأربعين الأخيرة من حكمها.

    وكانت الحكومة العثمانية تراقب بدقة تحركات كافة الأجانب على أراضيها، لأنها كانت تخشى من توظيفهم أو استغلالهم من أجل زيادة النفوذ الأجنبي وخدمة المصالح الأجنبية داخل حدودها. لذلك فقد كانت تنظر بمزيد من الحذر والارتياب والسلبية إلى كافة التصرفات التي كان يقوم بها الأجانب المقيمون على أراضيها أو السياح القادمون إليها، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، سواء أكانوا مهاجرين يهود، أو بحاثة مستشرقين، أو رجال دين في الأديرة أو الإرساليات الأجنبية، وكانت تهتم كثيرا بإعاقة نشاطاتهم أو تملكهم للأراضي أو الأموال غير المنقولة.

    لا شك أن مسلسل احتلال وابتلاع واجترار أرض فلسطين من جهة، ومسلسل التهويد والتزييف والتزوير الذي بدأ في نهايات القرن التاسع عشر من جهة أخرى، ما زال مستمرا وبكل قوة حتى يومنا هذا. لقد حاولنا من خلال دراسة هذه الوثائق العثمانية المترجمة أن نساعد في إلقاء الضوء من خلالها على مرحلة قصيرة محددة من تاريخ فلسطين، والتي تصادف بدايات التسلل اليهودي الصهيوني إلى فلسطين والمنطقة العربية، وكان همنا هو نقل الصورة التي تعكسها هذه الوثائق بالتحديد للقارئ العربي، وحاولنا التقيد قدر الإمكان بالمعلومات المفصلة الواردة بها.

    ربما قدمت لنا هذه الوثائق بعض المعلومات عن بعض الإقطاعيين من هنا وهناك، وهؤلاء الإقطاعيون كانوا عثمانيون في تلك الفترة، وكانوا يحملون التابعية أو الجنسية العثمانية، بغض النظر عن الولايات أو التقسيمات الإدارية التي كانوا ينتمون إليها في تلك الفترة، وربما اكتشفنا فيما بعد، وفي وثائق سنعرضها لاحقا، المزيد من الأشخاص الذين كانوا من أوائل المسربين للأرض الفلسطينية إلى أوائل المهاجرين اليهود، وانتماءات هؤلاء المسربين الجغرافية لا تعني لنا شيئا، لأنهم كانوا رعايا دولة واحدة هي الدولة العثمانية، وليس غرضنا أن نلقي باللائمة على تجمعات سكانية معينة.

    كانت الحكومة العثمانية تشعر بالاطماع المحيطة بها، والتهديدات المحدقة بها، وكانت تدرك الاخطار الكامنة في ازدياد النفوذ الاجنبي على أراضيها، لذلك فقد كانت تتخذ كافة الاجراءات التي تعتقد أن من شأنها التقليل من تلك التهديدات والاخطار. وكان سياسيوها يصرحون في كل مناسبة بتلك المخاوف، وقد نقلت الوثائق العثمانية المترجمة بعض تلك التصريحات المنسوبة إلى على فروح السفير العثماني لدى واشنطن في ذلك الوقت، والذي قال في معرض حديثه عن الهجرة اليهودية: "إن كل الدول تسعى إلى توسيع مناطق نفوذها الديني والسياسي في الأراضي المقدسة، وطالما كان توطين اليهود في فلسطين يزيد من النفوذ السياسي للدول التي تقف ورائهم، فإن الصهيونية تبقى قضية خطيرة تهدد الامبراطورية العثمانية"

    على ضوء هذه الوثائق وهذه المعلومات، يمكننا تفسير الموقف العثماني الرافض والمعادي لشراء الاراضي العثمانية من قبل الاجانب عموما، وعلى الأخص من قبل المهاجرين اليهود، وبعض الوافدين الايرانيين والبريطانيين الذين سبق ذكرهم، وكذلك من قبل الممثلين الاجانب للارساليات التبشيرية، وعلى رأسهم رهبان دير الكرمل الفرنسيون والالمان.

    منذر أبو هواش
    منذر أبو هواش
    مترجم اللغتين التركية والعثمانية
    Munzer Abu Hawash
    ARAPÇA - TÜRKÇE - OSMANLICA TERCÜME

    munzer_hawash@yahoo.com
    http://ar-tr-en-babylon-sozluk.tr.gg
يعمل...
X