الكفاح الفلسطيني: تلازم عناصر المقاومة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد زعل السلوم
    عضو منتسب
    • Oct 2009
    • 746

    الكفاح الفلسطيني: تلازم عناصر المقاومة

    الكفاح الفلسطيني: تلازم عناصر المقاومة آخر تحديث:الخميس ,26/08/2010




    يوسف مكي


    في الحديث الماضي، وتحت عنوان لتكن لحظة مراجعة، تحدثنا عن أهم محطات الصراع العربي “الإسرائيلي” . وأشرنا إلى أن النضال من أجل تحرير فلسطين، شهد استراتيجيتين، الأولى ركزت على المقاومة المسلحة، ورفض الاعتراف بالكيان الغاصب . والثانية، قبلت بالأمر الواقع، واعتبرته مقدمة يبنى عليها، من خلال القبول بما هو متفق عليه دولياً، تحت شعار خذ وطالب .



    وإذا كانت النتائج، على الأقل جزئياً، هي دليل الصواب والخطأ فإن كلتا المقاربتين: مقاربة المقاومة المسلحة، ومقاربة إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن طريق التفاوض، قد ثبت فشلهما . والخلاصة أنه لا بد من مقاربة جديدة للنضال الفلسطيني .



    في هذا الحديث، وكما في الحديث السابق، وأحاديث أخرى قادمة نحاول أن نتلمس خصائص المقاربة الجديدة للنضال الفلسطيني، وتحديد جملة عناصرها . وهي بالتأكيد ليست قراءة نهائية، حسبها أن تسهم في تفعيل الحراك النظري والنضالي حول القضية المركزية للعرب جميعاً: قضية فلسطين .



    أول ما يصدمنا في قراءتنا لمسيرة الكفاح الفلسطيني، أن عناصر وحدته لم تكن تأخذ سياقات متوازنة ومتوازية، تتلازم فيها جميع مظاهر النضال والمقاومة من أجل تحرير فلسطين، بأبعادها السياسية والحضارية والعسكرية . فقد كنا دائماً أمام خيارين: العدمية أو التفريط . وكلاهما مصيره العجز عن مقابلة الأهداف المصيرية للأمة ذات العلاقة بتحرير فلسطين .



    إن ذلك يعود بنا إلى عناصر النهضة، التي جرى تبنيها مجتزأة، من قبل النخب العربية، والتي كانت في لغتها ونصوصها صدى واهناً لما يجري من تفاعلات فكرية وإنسانية، على الساحة الدولية، من دون عمل خلاق ومبدع، يوطن هذه الأفكار ويجعلها تنطلق من بيئتها، فتختط طريقها الخاص، من دون أن تكون رهينة لبعدي التاريخ والجغرافيا .



    هذا القول يصح أيضاً على القضية الفلسطينية . فالقول بخصوصية هذه القضية، ليس قفزاً فوق الوقائع . ففلسطين، هي جزء من الأمة العربية . وقد شاءت حقائق الصراع استحالة تحويل هذه القضية إلى قضية وطنية محضة، من دون الأخذ في الاعتبار منظورها القومي . والحديث في هذه النقطة بالذات يطول ويطول، لكن المؤكد أن الهوية القومية للصراع مع الصهاينة، في كل محطات تاريخنا المعاصر، منذ محاولة العرب للانعتاق، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا بقيت ماثلة للعيان . ذلك يعني أن العرب لن يكون بمقدورهم تعميم مقولة إن أهل مكة أدرى بشعابها، واستثمار ذلك للتهرب من تبعات مسؤوليتهم التاريخية تجاه قضية فلسطين .



    عناصر النهضة والمقاومة مجتمعة، ينبغي أن تكون دائماً ماثلة للعيان في جميع محطات صراعنا الحضاري مع الكيان الغاصب . بمعنى أنه يجب ألا نهوّل من عنصر من عناصر الوصول إلى الهدف، ونغلبه على العناصر الأخرى . فليس للسياسة أن تكون بديلاً عن المقاومة، وليس للمقاومة أن تكون بديلاً عن السياسة .



    ذلك يقودنا إلى مسار قضية فلسطين في هذه المرحلة، نلحظ خطين يتجهان بشكل عدائي ومتنافر، وكلاهما، وبغض النظر عن النوايا، عاجز عن الوصول بالسفينة إلى المرسى . خط التفاوض مع العدو، وقد ناقشناه في حديثنا الماضي . والخط الآخر يختزله العمل على فك الحصار عن قطاع غزة .



    سنركز في بقية هذا الحديث على الحملة العربية والدولية لفك الحصار عن القطاع . بواخر تتجه من تركيا ولبنان وإيران وقطر وليبيا والأردن والسودان، آخرها محاولة إبحار السفينة “مريم” إلى قطاع غزة، التي أعلن عن تأجيلها، والقائمة لا تزال مفتوحة، والهدف هو كسر الحصار الجائر على قطاع غزة . والموقف مشروع، ولا يختلف على نبله أحد . لكن الحصار “الإسرائيلي” للقطاع ليس هو المقدمة، ولن يكون المبتدأ والخبر في صراع العرب والفلسطينيين مع الكيان الغاصب . واقتصار الفعل النضالي لتحرير فلسطين، على مواجهة الحصار، من شأنه تحجيم الصراع، من مقاومة لسطو الصهاينة على أرض فلسطين وتشريد شعبها، إلى عمل خيري إنساني، هدفه تخفيف معاناة الفلسطينيين .



    حصار غزة، هو أحد إفرازات الاحتلال، وينبغي في كل الأحوال ألا تتحول قضية فلسطين من موضوع احتلال استيطاني للأرض العربية، على العرب مجتمعين أن يعدوا العدة ويرسموا الاستراتيجيات للتصدي له، إلى قضية معاناة لشطر من الأراضي المحتلة .



    لا نستهدف من هذا الطرح التقليل من شأن المبادرات الفردية والجماعية، التي تتواصل يومياً من أجل رفع الحصار “الإسرائيلي” المفروض على أهلنا في قطاع غزة . فذلك هو الحد الأدنى من التضامن تجاه معاناة الأشقاء الفلسطينيين . وهو أمر تشجع عليه القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية . الهدف هو التمييز بين موقف التضامن مع غزة التي تقف عارية في مواجهة الحصار، والذي يحيل القيادات التي تشارك بقوافلها في فك الحصار إلى جمعيات إحسان خيرية، بدلاً من قوى مساندة ومعضدة لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة . والفرق كبير بين العمل على رفع معاناة الفلسطينيين وإسناد مشروع التحرير .



    فهذا الحصار هو أحد إفرازات الاحتلال الصهيوني، وينبغي ألا تتحول قضية فلسطين، من موضوع احتلال استيطاني للأرض العربية، على العرب مجتمعين أن يعدوا العدة والاستراتيجيات للتصدي له، إلى قضية معاناة لشطر من الأراضي المحتلة . بمعنى، أن علينا رفض إعادة استنساخ سيناريو اللاجئين الفلسطينيين في المنافي بثياب جديدة .



    فقد عمل الغرب، قبل انطلاق المقاومة الفلسطينية، على تعميم تفسيره الخاص لقضية فلسطين، على أنها مجرد قضية لاجئين، يستحقون تحسين أوضاعهم المعيشية، من قبل المجتمع الدولي . أما حقهم في العودة إلى ديارهم، فلم يكن في أجندات الغرب . ولهذه الغاية أنشئت بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، التي تولت بناء المخيمات لهم في الأراضي التي نفوا إليها في الأردن وسوريا ولبنان . وتولت الوكالة أيضاً، تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية لسكان المخيمات، بحدودها الدنيا . وشاركت منظمات إنسانية، عربية وعالمية، في تقديم بعض الخدمات للمقيمين فيها .



    محاولات كسر الحصار، على هذا الأساس، إن لم يرفدها مشروع سياسي، تسهم في حرف الصراع من نضال لتحرير الأرض إلى التخفيف من معاناة إنسانية . والخطورة في الأمر، ليس تحول مهام التحرير إلى جزر معزولة عن بعض، ولكن أن يكون فك الحصار هو الجزيرة الوحيدة المتبقية من مهام نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وأن تتراجع للخلف جلّ المهمات الأخرى، المطلوبة، لمقابلة حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال .



    ويمكن أيضاً التركيز على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، والقيام بحملة دولية لمناصرة هذا الحق، وتفعيل القرارات الصادرة حوله عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، فهذه القرارات لا تفقد صلاحيتها بالتقادم، ويمكن العمل على تفعيلها .



    لن يكون عملياً غياب التنسيق بين عناصر الفعل المقاوم، كما لن يكون مجدياً أن تأخذ هذه العناصر سياقاتها خارج المشروع السياسي، ففلسطين، قضية سياسية ووطنية، بامتياز، وتحتاج إلى مشروع نضالي يقربها من هدف التحرير وتقرير المصير .







    yousifmakki@yahoo.com
يعمل...
X