الأفندي عيني الأفندي: مثقفو العراق الذين لا يعرفون شيئا عن العراق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • amattouch
    عضو منتسب
    • May 2006
    • 971

    الأفندي عيني الأفندي: مثقفو العراق الذين لا يعرفون شيئا عن العراق

    <strong><font color="#404040" size="5">حين نعترف أن المثقف العراقي هو كائن فاشل، فان اعترافنا هذا سيواجه بالشفقة بل والسخرية أيضا. لا لانه يأتي متأخرا، بل لانه هو الآخر يعبر عن فشل في الحكم والتقييم. ما فعله معظم المثقفين العراقيين في مواجهة احتلال بلادهم وتدميرها وإبادة شعبهم إنما يعبر عن نوع من الانحطاط الأخلاقي هو أسوأ بكثير من أن يوصف بالفشل. وإذا ما أقصينا عن تفكيرنا الأعداد الكبيرة ممن استهواهم المشروع الاستعماري الأمريكي واختاروا أن يقفوا مع الغزاة ضد بلادهم فان هناك أعدادا كبيرة هي الأخري اختارت أن تكتفي بالصمت الذي لا يعني سوي الانتظار السلبي. هؤلاء صاروا من غير أن يعرفوا مادة لتجارة رق جديدة، كان سماسرتها هم وكلاء المستعمر وخدمه وأدوات لغته المحلية. بهم استطاع أولئك السماسرة أن يشكلوا الجمعيات والمنتديات والاتحادات وما سمي زورا وكذبا بمنظمات المجتمع المدني داخل العراق وخارجه، وهي واجهات مؤقتة اجتهد مؤسسوها في النهب والسرقة من خلال خدمات وهمية، هي في حقيقة أهدافها إنما ترمي إلي تذويب حقائق الحياة العراقية الثابتة وتشتيت وشرذمة كل موقف وطني موحد من المحتل إما من خلال الإرجاء أو من خلال تغليب الثانوي علي الرئيسي من تفاصيل القضية العراقية. هذه الجهود التي أنفقت من أجلها مبالغ هائلة نتج عنها ظهور فئة من المثقفين أضاعت بوصلة وعيها الوطني وقيمها الإنسانية فصارت تردد ما تمليه عليها وسائل الإعلام العربية والعالمية التابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للمشروع الأمريكي من قراءات سطحية لما جري ولما يجري في العراق. علي سبيل المثال فأنت نادرا ما تلتقي مثقفا عراقيا يستطيع أن يحدثك بوضوح وجرأة عن مسؤولية المحتل عن الكارثة التي حلت بالعراق وشعبه. غالبا ما يذهب الحديث في اتجاه إرهاب القاعدة و إيران ودول الجوار والتكفيريين وجرائمهم ودويلاتهم الغامضة والميليشيات وقوانينها التي دمرت فكرة العيش. أما المحتل فقد صار يقيم في مأمن، بعيدا عن كل تفكير مضاد. وهي حالة تدعو إلي التعجب والانزعاج حتي بالنسبة لعراقي مثلي خبر حالة العجز التي عاشها المثقف العراقي زمنا طويلا وتربي عليها: كائنا يفتقر إلي الثقة بنفسه وبمبادئه وبقوة رسالته، وهو الذي عاش زمنا طويلا عالة علي دولة أخذت علي عاتقها مسألة تنظيم صلته بالمجتمع. لم يعش المثقف العراقي تمردا حقيقيا إلا فيما ندر، كان دائما ابن المؤسسة الطائع والخانع: تتساوي في ذلك الدولة والحزب المعارض لها. في ذلك الموقع الهامشي والمهمش كان المثقف العراقي يمارس ألعابه الشكلية التي هي أشبه بتمرينات مدرسية لا تعبر عن أي التزام حقيقي. كان شعار الالتزام في الأدب والفن الذي رفعه الشيوعيون وقلدهم البعثيون فيه إنما هو تعبير مضلل عن فكرة الخضوع للحزب وتعليماته ولا يعبر عن علاقة من أي نوع بالمجتمع أو التاريخ. ولكن إذا كان في إمكان كل هذا التراخي والكسل أن يقود إلي ما هو أسوأ، فهل كان التعاون مع المحتل أو حتي الصمت في مواجهته حالة متوقعة ضمن هذا الأسوأ؟ إننا هنا إنما نتحدث عن جريمة وليس عن خطأ. وهناك فرق كبير بين الاثنين.<br /><br />2<br /><br />دائما كنا نقول للعرب أنكم لا تعرفون العراق جيدا. وهي كلمة حق، صار خدم المحتل الآن يستعملونها لتبرير الباطل وإسكات أصوات الباحثين عن الحقيقة. ولكن السؤال الأهم هو: هل يعرف العراقيون العراق حقا؟ لم يكن المثقف العراقي يوما ما قادرا علي النظر بجدية إلي مكانته ودوره في صناعة التاريخ والتأثير علي حركة المجتمع. كان ادعاء الثقافة يوما ما نوعا من الوجاهة ثم تحول تدريجيا إلي شرط من شروط الصعلكة. وما بين ذلك الوجيه المندثر وهذا الصعلوك المنبوذ وقعت معجزات إبداعية كثيرة، ليس في إمكان أحد إنكارها. ولكن كل تلك المعجزات النخبوية (السياب وجواد سليم وناظم الغزالي علي سبيل المثال) ما كان في إمكانها أن تنقذ شعبا مما هو فيه من ضعف ورثاثة وهزال فكري ما لم تتحول إلي قيم ثقافية صلبة وعاصفة تأخذ طريقها إلي عمق البنية الثقافية التي يستمد منها الشعب وجوده القيمي وأخلاقه ونظرته إلي مكانته المعاصرة. بقيت تلك المعجزات الأدبية والفنية قيد التداول النخبوي بسبب جهل المثقفين بوظيفتهم العضوية في المجتمع وبقيمة مواقفهم. اليأس من الثقافة كان هو الصفة التي تميز بها معظم المثقفين، داخل العراق وخارجه، من والي منهم النظام السابق ومن عارضه. عاش المثقف العراقي حبيس تماهيه مع موقعه الهامشي، وهو موقع لم يكن الشعب ينظر إليه بارتياح. وها هي الوقائع العصيبة تثبت أن الشعب كان محقا في ريبته. لقد كان تفوق الناس العاديين بحساسيتهم الوطنية علي المثقفين مفاجأة غير سارة للجميع. فالطليعة لم تكن إلا وهما، والمثقفون التقدميون كانوا كذبة. كل شيء كان متوقعا إلا أن يحضر مثقفون عراقيون بمعية المحتل ليعملوا في إداراته. ما فعله هؤلاء إنما هو تجسيد لخيانة مزدوجة: كان الوطن والثقافة ضحيتيها المباشرتين. وإذا ما كان عدد من هؤلاء قد فر بجلده من ساحة النزاع إما بسبب شعوره بالخوف أو بسبب تخلي المحتل عنه فان ذلك النفر لا يزال يعيش في المنطقة الفكرية ذاتها التي عاش فيها يوم كان مرتبطا بشكل مباشر بالمحتل. حتي ليشك المرء أنهم ما زالوا يعملون لدي المحتل لكن بوظائف سرية. يائسين من الثقافة ومن أنفسهم ينظرون إلي الوطن من ثقب حفره المحتل.<br /><br />3<br /><br />حتي الآن صدر اكثر من ثلاثين كتابا عن الاحتلال والغزو في أمريكا وحدها، كم هو عدد الكتب التي كتبها عراقيون عن وطنهم المدمر وشعبهم المباد؟ سؤال ستكون الإجابة عليه مؤلمة فعلا، بل ومشينة. فمعظم المثقفين العراقيين لا يعرفون ماذا جري لبلادهم. قرأت ذات مرة مقالا لأحد الشعراء العراقيين من غير السائرين في ركاب المحتل غير أنه لم يكتب يوما ضده وردت فيه جملة غريبة حقا يصف فيها الاحتلال بالحضور الأمريكي في العراق وفي المقابل فإن جنود المحتل يصفون في يومياتهم كل عراقي بالعدو. لذلك لا يجوز لنا أن نعتبر جملة ذلك الكاتب العراقي زلة قلم أو خطأ غير مقصود، ذلك لأنها تجسد استخفاف ذلك الكاتب بالحقيقة وهو ما يعني جهل ذلك الكاتب بوظيفة كلماته في صنع الحقيقة. وكما أري فإن مصاب العراقيين بالعاقين من أبنائهم هو أحد الأجزاء المريرة من النكبة التي لا يمكن محو آثارها حتي بعد زوال الاحتلال. فحين نعرف أن جهد الكثيرين منهم قد انصب علي تشويه سمعة المقاومة والتصدي لكل إنسان شريف يدافع عن حق الشعب العراقي بالمقاومة يمكننا أن نعرف أن حجم جريمتهم هو أكثر سعة من أية إمكانية للمغفرة. بالنسبة لهم كان فوز الفنان البريطاني مارك ولنغر بجائزة تيرنر (2007) وهي كبري الجوائز التي تمنح لفنان في العالم عن عمله الإنشائي الذي يندد باحتلال العراق بمثابة صفعة مدوية، ولو كان ولنغر فنانا عربيا لكانوا وضعوه مباشرة في قائمة التكفيريين من أيتام النظام البعثي ولفعلوا العجب من أجل تشويه سمعته. ولكن ولنغر بريطاني قال ما لم يقله عدد كبير من المثقفين العراقيين: كفوا عن القتل. قلة من مثقفي العراق قالت هذه الجملة، حتي قبل أن يدنس البرابرة أرض العراق، وهي تعرف أنها تقف في مواجهة أكبر ماكنة لإنتاج الأكاذيب في التاريخ. وهي القلة المؤمنة بان الثقافة الحية لا تخون الحقيقة وأن المثقف الحقيقي هو ابن شعبه الوفي لكرامته وحريته وحقه في ثرواته. ومثلما سقطت آلاف الأطنان من القنابل علي رؤوس العراقيين فإن آلاف الأكاذيب قد اختلقت من أجل تطبيع الاحتلال. غير أن الاحتلال سيهزم، وهو أمر طبيعي لم يتوقعه مثقفوه الذين صاروا اليوم يمهدون لهزيمتهم من خلال هجاء الشعب العراقي باعتباره شعبا فاشلا. وكما أري فان الأغنية الشعبية التي تقول الأفندي عيني الأفندي، الله يخلي صبري، صندوق أمين البصرة تكفي جوابا. وهو ما يفهمه العراقيون وحدهم. </font></strong>
    د/ محمد عمر أمطوش
يعمل...
X