لعبة الحياة ....محمد محضار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد محضار
    عضو منتسب
    • May 2016
    • 3

    لعبة الحياة ....محمد محضار

    لعبة الحياة
    ما أشبه الأمس باليوم؛ اللعبة ذاتها تتكرر.. كلنا قابيل وهابيل، كلنا صالب ومصلوب، قاتل ومقتول. أنت، أنا، نحن، هم.. جميعنا نؤدي أدوارنا بإتقان في مسرحية اسمها الحياة، بل قل مهزلة اسمها الحياة. ما من شيء نحبه إلا ويرافقه ضرر، فالورد لا يخلو من شوك والنور لا تفارقه نار، الخمر يتبعه عذاب الدنيا والآخرة.. الحقيقة تشرق باهتة حولنا؛ غمام أنفسنا يحجبها عن أنظارنا. العدل نلهث وراءه منذ الأزل، نراه خلف زجاج سميك ولا نملك سوى التحسر عليه. الحقيقة والعدل يصبحان مُجرّدَين، لا يُدرَكان إلا في حدود الحلم، ويغيبان عن واقع الإنسان...
    مثل هذه التداعيات كثيرا ما تهجم على رأسه، فتراه شاردا، في مدرج الكلية أو في المطعم الجامعي أو في قاعة المراجعة. لا يكاد يحس بما يجري أو يدور حوله. الدنيا تبدو له غريبة. كل شيء فيها يسير بالمقلوب.. أناس ينامون على الدمقس والرياش وآخرون في العراء؛ أغبياء يتسلقون درجة المجد والشهرة ومبدعون يعشش العنكبوت عليهم وعلى إبداعهم. لا أحد يريد أن يفهم، لا أحد يحاول أن يغير مجرى الأشياء... الحياة تستمر مغبشة والضياع يتوالى في شتى ألوانه، وجبة فاسدة يتناولها رغما عنه كل يوم.. جرثومة الاغتراب تعشش في كويرات دمه، تسري في جوارحه، تحيل حياته إلى مزيج من التناقضات والتعارضات تفضي به إلى متاهة بلا مخرج، فتراه يتلمس خطاه في الظلام؛ يخبط في كل الاتجاهات، مثل خفاش وحيد.
    كل مرة يحس بأن فرديته ملغاة، بأنه موجود منأجل اللاوجود. يحس بأن دوره في مسرحية الحياة لا يعدو أن يكون دور شخص جامد لا يتحرك أو يتكلم.. إنه أقل من كومبارس بئيس. مَن اختار له هذا الدور؟ أتراه والده، الذي جن في منتصف عمره بعد أن فرّت زوجته الثانية مع عشيق لها إلى إحدى مدن الجنوب؟ أم تراها أمه التي سحقها القطار قبل سنوات حين كانت في طريقها إلى الموقف عارضةً خدماتها صبّانةً، تغسل وسخ العادي والبادي مقابل دريهمات تعيل بها أطفالها الذين رمى بهم والده إليها، صحبة ورقة الطلاق؟ أم تراه القدَر وحتميته التي لا مناص للهروب منها، فهو فوق الجميع؟ كل هذه الأسئلة تظل معلقة، ويظل هو.. غارقا في رحلة تيه بين شوارع المدينة ومدرجات الكلية وكراسي الحدائق العمومية...
    الانعزالية أصبحت ممارسة يحرص عليها والإحباط غدا شعاره الخالد. يرفض التعايش مع كل هؤلاء الذين يحيطون به.. وإن كان علماءالنفس يقولون إن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه... فقد تحول هو إلى حيوان انعزالي؛ لم تعد العدوى الوجدانية التي تنتقل بين أفراد المجتمع تجد أيّ استجابة لديه..
    محضار
    مراكش يونيو 1981
يعمل...
X