العربية ما بين الترجمة والتعريب... حسام الدين مصطفى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    العربية ما بين الترجمة والتعريب... حسام الدين مصطفى

    العربية ما بين الترجمة والتعريب
    يتساوى التَّعْريِب والإِعْراب في المَعْنَى الُّلغَويّ ويقصد بهما "الإِبانة"، والكلمتان مشتقتان من لفظي "عَرَّب وأَعْرَب" بمعنى أَبَان وأفْصَح، فالإِعْرَاب يفصح عن المَعَانِي بالحَرَكَاتِ التي تُفَرِّقُ بين الوَظَائِف النَّحْويَّة، وقد صار من المتفق عليه أن الإعراب هو توضيح معاني الألفاظ، وتوضيح الفوارق بينها من خلال استخدام علامات الإعراب المختلفة، ومن هنا وقياساً على ذلك فإن التعريب هو تخصص في توضيح دلالة الألفاظ، ويتناول نقل اللفظ الأعجمي إلى اللغة العربية.
    من رحم اللغة خرج مصطلح أكثر تخصصاً وأضيق مجالاً وهو مصطلح "التعريب"، وهو مصطلح ينسب للعرب ويشير إلى استعمال العرب لفظاً أعجميّاً بتغييره على طريقة لغتهم، وهذا هو المفهوم الشائع لدى اللغويّين باختلافٍ في تعريفه، فمنهم من عرّفه بأنه: ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها فهو يعني النقل من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية، فهو ترجمة من اللغة الأجنبية للغة العربية، كما أن التعريب يعني في عدد من البلدان الاستخدام الشامل للغة العربية بدل اللغة الأجنبية.
    إن ما يميز المفهوم أو اللفظ المعرب هو قبوله للصرف والوزن العربي، أما الألفاظ الجامدة التي يتم استيرادها من اللغات الأخرى، واقتصار الأمر على رسم نطقها بحروف عربية، فهي ألفاظ دخيلة مقحمة على المحتوى اللغوي العربي، وعلى الرغم من أن جوهر مشكلة الترجمة في عالمنا العربي يتمثل في قلة النتاج الترجمي من وإلى اللغة العربية مقارنةً بنتاج أية لغة أخرى، إلا أن المشكلة تأخذ بُعداً أكبر إذا وضعنا عنصر الفقر الإعلاني عن النصوص المترجمة من وإلى العربية، فنكتشف أن المكتبة العربية تحفل بالعديد من درر التراجم، والتي لا يعرف القارئ العربي أو الغربي منها إلا النذر اليسير.
    يرتبط التعريب بالترجمة لأنهما يتعلقان بنقل العلوم الأجنبية إلى اللغة العربية. فالتعريب ظاهرة من ظواهر التقاء اللغات بالتقاء أهلها بطريقة مباشرة كالحرب والاحتلال والدراسة والترحال والتجاور أو غير مباشرة كالإعلام والتجارة والاتصال بوسائل حديثة كالهاتف والشبكة الدولية للمعلومات. والتعريب يعني استعمال اللغة العربية في مختلف فروع المعرفة كلاماً وكتابةً، دراسةً وتدريساً، وبحثاً وترجمةً وتأليفاً.(زهير غازي زاهد- العربية والأمن اللغوي - 2000)
    أما التباين بين الترجمة والتعريب فيبرز في أن الترجمة لا تسعى إلى تعريب اللسان، وتغيير منطوق ولفظ اللغة، وإنما تهتم بنقل المعنى باستخدام ألفاظ اللغة المستهدفة، بينما يتمثل التعريب في نقل المفهوم والمصطلح الأجنبي وصياغته باللفظ العربي في حال توافره، أو إيجاد لفظ جديد يعبر عن المفهوم أو المصطلح المعرب، ومن ذلك نستشف أن التعريب نسق خاص مستقل متفرد، لا يمكن خلطه بالترجمة على عمومها فله مميزات وقواعد خاصة، أهمها ما يتعلق بأمور الاشتقاق والصياغة اللفظية، والتطويع اللغوي والصرفي، والتعريب علم مستقل وضرب من ضروب فنون اللغة، إلا أنه لم يحظ بما يستحقه من تأطير منهجي أكاديمي، رغم أهميته والضرورات التي تدفع إلى التركيز عليه خاصة خلال هذه الفترة من تاريخ الحضارة العربية، وهناك من يرى أن التعريب أمرٌ يبدأ ويصب في المحتوى التعليمي والمناهج والمقررات المطبقة في عالمنا العربي، ويقول بأن التعريب هو استخدام اللغة العربية في تدريس العلوم جميعها وفي الاستخدامات الحكومية كلها، كما أن هناك مَن يرى التعريب جسراً يقوم على أعمدة الترجمة، ويسعى إلى سد الفجوة الناشئة عن التناول القومي للعلوم الأجنبية وأسسها وقواعدها، ويمكننا أن ننظر إلى التعريب والترجمة بوصفهما وجهَيْن لعُملة واحدة، الوجه الأول يجعلنا نركز على التأصيل اللغوي، والآخر يحقق التطور اللغوي.
    وهناك من يُبرر وضع قيود على حركة التعريب لاختلاف القناعات الدينية والثقافية بين العرب والكثير من الأمم الأخرى، وأن وضع هذه العراقيل يعمل على تنظيم التغلغل والحد من عملية الاختراق الثقافي الآخر!!! ورغم نبل هذه الغاية إلا أن الواقع والمنطق يفرغها من كل مميزاتها، فالحماية لا يمكن أن تستمر في ظل النخر الداخلي، ومهما زاد سمُك الدرع فلا يمكن أن يشفي جسداً مريضاً معتلاً، بل الأحْرى أن نعمد إلى تأصيل ثوابتنا وتأكيد هويتنا، وترسيخ المبادئ والأخلاق، وبعدها سيصبح الفردُ حَكَماً ومُقيّماً لما قد يراه في الآخر كلما استشرف نافذة الترجمة، وأطلَّ منها على ما لدى الآخر من أفكارٍ وقناعات، فينتخبُ منها ما يتفق مع معتقداته وثقافته، ويعزفُ عن كل ما خالف تلك المعتقدات، بل قد يعمد إلى نقده وتصحيحه وتصويبه، ومن هنا يمكننا أن نتجاوز عامل التأثير العددي والقياس الكمي للناطقين باللغة، ويصبح القياس ساعتها بحجم التأثير والتفاعل الثقافي على المستوى العالمي، ساعتها ستفرض اللغة العربية نفسها وتنتشر لتغطي المساحة التي تستحقها على خارطة اللغات العالمية، وستصبح لغة "تقييم" ثقافي، وفاعل مؤثر في تشكيل الحضارة الإنسانية، وإن من عجيب الأمور أن نجدَ الكثيرَ من معاهدنا ومؤسساتنا التعليمية تتعمد استخدام لغات أجنبية في نظمها التعليمية، وهي ظاهرة لا نجدها عند أية أمة أو دولة أخرى، وذلك باستثناء التجمعات متعددة اللغات والتي لا يتخطى فيها تعداد الناطقين باللغة بضعة آلاف ....
    كذا فهناك من يقول بأن "العلم لا يدرس إلا بلغته"، لكن ذلك يدفعنا إلى قياس حجم العوائق التي يستوجبها دراسة العلوم بلغة غير اللغة العربية، وما قد ينجم عن ذلك من قصور في إدراك المحتوى المعرفي. كما أن هناك مَن يرى أنه لا سبيل إلى السير بشأن التعريب ليجاري الخطى المتسارعة التي تسير بها العلوم والتقنيات، ولكن هذا لم ينتج إلا عندما ثبتت خطى التعريب عند نقطة محددة ولم تتخطاها منذ عقود، أما إذا أرخينا عقال التعريب وحررناه فإنه سيلحق بها بكل تأكيد إذا أضفنا متغيراً جديداً هو تأهيل وتأصيل الكوادر والمؤسسات المنوط بها القيام بعملية التعريب.. وهناك من يرى أن التعريب أمرٌ يبدأ ويصبُّ في المحتوى التعليمي والمناهج والمقررات المطبقة في عالمنا العربي، ويقول بأن التعريب هو استخدام اللغة العربية في تدريس العلوم جميعها وفي الاستخدامات الحكومية كلها، كما أن هناك مَن يرى التعريب جسراً يقوم على أعمدة الترجمة ويسعى إلى سد الفجوة الناشئة عن التناول القومي للعلوم الأجنبية وأسسها وقواعدها.
    لقد أثبت الواقع أن هناك ارتباطاً طردياً بين عدد ما تترجمه الأمم من مؤلفات، وما تحرزه من تطور وتقدم، فالشعوب التي تعيش في رخاء اقتصادي وازدهار معرفي، هي تلك التي تترجم أكثر من غيرها، فمن خلال الترجمة تكتسب المعرفة، وتزدهر العلوم وتتطور الأمم.. والترجمة واحدة من أهم المعايير التي تميز بين الثقافات المختلفة، فبالرغم من أن الترجمة تنقل من الثقافات وإليها، إلا أن نشاط حركة الترجمة هو الذي يحدد إذا ما كانت هذه الثقافة (مرسلة) أم (مستقبلة)، فكلما تزايد النقل من لغة معينة كلما أمكننا القول بأن ثقافة هذه اللغة (ثقافة مرسلة)، أما إذا كان ما يُترجم إليها أكثر مما يُترجم عنها فهذا مفاده أنها (ثقافة مستقبلة).
    إن للترجمة دورها المهم أيضاً في تطوير المحتوى اللغوي، فتدفع اللغة (المتلقية) إلى استحداث ألفاظ ومصطلحات لم تكن موجودة في محتواها اللغوي السابق، وبقدر اتساع هذا المحتوى اللغوي كلما أمكن للغة المتلقية أن تستوعب معاني ودلالات الألفاظ المستحدثة أو الوافدة إليها، كما أن الترجمة تساعد اللغة (المرسلة) على نشر مصطلحاتها وألفاظها وتبيان مدى تقدمها العلمي ورقيها الثقافي. كذلك فإن تأثير الترجمة لا يقتصر على الثقافة والمكون اللغوي، بل يمتد ليشمل المجتمع بسائر أنشطته، فغالبية الحركات الاجتماعية والسياسية التي شهدها عالمنا المعاصر يظهر فيها أثر ترجمة المحتوى الفكري والاحتكاك بين الثقافات وتفعلها مع بعضها البعض.
    هناك حاجة متزايدة وملحة إلى زيادة نشاط الترجمة وصناعتها، والتأسيس لها كصنعة لها قيمتها ودورها في المجتمع، فقد أشارت الإحصائيات إلى أن جُملة ما تم ترجمته إلى العربية خلال الخمسين عاماً الأخيرة يقدّر بنحو 10 آلاف كتاب فقط، أي أن حصة القارئ العربي تقدّر بنحو كتاب واحد لكل 2.3 مليون قارئ، بينما يصل هذا المتوسط في اللغات الأخرى إلى كتاب واحد لكل 80 ألف فرد.
    وأشار تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول الصادر عام 2002 إلى الوضع الكارثي لحركة الترجمة العربية، وحجمها الضئيل الذي لا يكاد يصل إلى حجم ما تترجمه اليونان والتي يقل عدد سكانها عن (5٪) مقارنة بإجمالي عدد العرب، وأن إجمالي ما ترجم طوال عمر الحضارة العربية يوازي ما ترجمته أسبانيا في عام واحد حالياً.(تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002)
    وإذا ما تغاضينا عن هذه الحقيقة المؤلمة، فإننا نجد أنفسنا أمام إشكالية مهمة، وهي أن أبناء وطننا العربي يعجزون عن الاستفادة الكاملة من العلوم التي يتم تدريسها باللغات الأجنبية، وذلك لسببين جوهريين: أولهما صعوبة الانتقال بين المستوى اللغوي المعرفي العام الذي يدرسه الطالب حتى المرحلة الثانوية إلى المستوى التخصصي العلمي الذي يبدأ في التعامل معه في مرحلة الجامعة، وهي المرحلة التي يتم فيها تدريس أدق التفاصيل العلمية التخصصية، وهذا بالتالي يؤثر على جودة التحصيل لدى الدارس ويقود إلى رداءة المنتج النهائي، سواء تمثل في البحث العلمي أو التطبيق العملي. أما السبب الثاني فيتمثل في انعدام العدالة وتساوي الفرص، فهناك قطاع عريض من الدارسين الذين يمكنهم التميز في صنوف العلم المختلفة، وإثراء المحتوى العلمي الإنساني، إلا أن الأوضاع الاقتصادية قد تفرض عليهم الإحجام عن فرص الاستزادة العلمية.
    التعريب أداة قوية لابد لنا أن نستغلها لتأكيد هويتنا وفرض وجودنا، وبدلاً من أن نستورد العلوم والأفكار وندسها في عقول أبنائنا، أحرى بنا أن نعرّبها ونصبغها بصبغتنا.. إن هناك خطراً داهماً ناتجاً عن التراخي في مسيرة التعريب، وهذا الخطر يتمثل في هجرة العقول والكفاءات العربية إلى البلدان التي درست العلوم بلغاتها، وهذا خطر يمس الأمن القومي العربي على وجهين، أولهما تجريف سهل الكفاءات البشرية العربية، وخفض وتقليل العقول والكفاءات العالمة في وطننا العربي، وثانيهما ما ينتج عن استمرار تقوقعنا دون نقل عادل لجوهر هذه العلوم عبر من نثق فيهم من المترجمين أبناء عروبتنا، والوجه الأخير اختلال ميزان التأثير الثقافي لصالح الآخر مما يضعنا في حالة خنوعٍ وتبعية.
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]
  • حسام الدين مصطفى
    عضو منتسب
    • Feb 2012
    • 50

    #2
    الأمن اللغوي والتعريب
    إن الاهتمام باللغة العربية مطلب وفرض ديني؛ فهي لغة يدين بدينها، وهذا يستوجب تضافر الجهود بين الدول الإسلامية لخلق عنصر يسهم في تدعيم وحدتها، وزيادة ترابطها، فالإسلام يأتي في المرتبة الثانية بعد المسيحية، إذ تبلغ نسبة من يدينون بالإسلام 21% من إجمالي سكان العالم (1.1مليار نسمة)، بينما عدد من يعتنقون المسيحية يصل إلى 33% من إجمالي سكان العالم (1.9 مليار نسمة)، ولننظر إلى الأمر على هذا النحو لنستبين مدى قيمة اللغة العربية، والدور الذي يمكن للتعريب أن يلعبه فإن 21% من سكان العالم يجمعهم دين واحد بلغة واحدة .... بينما 33% من سكان العالم يدينون بديانة واحدة وموزعة على ما لا يقل عن ثلاثين لغة. إذاً فإنه يمكن الاستعانة بالقوة العددية والضرورة الدينية لنشر ثقافة التعريب، والعمل على تفعيل دوره، ويمكن للغة العربية أن تفرض ذاتها من خلال تطبيق سياسات التعريب على المستوى الإعلامي، وهذا بالتالي سيحفظ المحتوى اللغوي القومي من شوائب وهوام الألفاظ الدخيلة التي بتنا نتلقفها، ونضيفها إلى وعائنا اللفظي دون مسوغ أو ضابط.
    إننا أمام ما نراه ونشهده من محاولات "التغريب" المستمرة والتي صارت تضرب كافة أوجه حياتنا لابد لنا من أن نحتمي بقلاع "التعريب".

     يخلص الدكتور عبد الكريم خليفة إلى تأييد القول إن اللغة كائن حي، وكل كائن حي يخضع لقوانين الحياة ومنها: التطور، والصراع، والتحدي، والتنافس، وتختم الحياة نواميسها بمقولة: "يظل البقاء للأصلح والأقوى". (عبد الكريم خليفة -عالمية اللغة العربية ومكانتها بين لغات العالم - 2003) وفي هذا السياق يمكننا أن ندرك الخطر المحيق بلغتنا العربية، فلننظر لخطة النَّيل منها وفق ما أوردها قادة الدول الثماني الكبرى إبان اجتماعهم في مؤتمرهم السنوي عام 2005:
    - إن عدم تطوير اللغة العربية وعدم تحررها من أشكالها القديمة التي ظلت عليها منذ قرون، خاصة أنَّ ذلك أدَّى فعليّاً إلى صعوبة كبرى في استيعاب أهل الحضارات والأديان الأخرى لهذه اللغة أو تعلمها أو الاقتراب فكرياً ممن يتحدث بها.
    - إن الإرهابيين الذين يتحدثون اللغة العربية وتتم ترجمة كلماتهم إلى الإنجليزية أو الفرنسية لا نعرف شعورهم الحقيقي أو الدوافع الكامنة وراء ارتكابهم لهذه الأحداث؛ لأن الترجمة العربية إلى اللغات الأخرى يبدو أنها تواجه مشاكل حقيقية نحن غير قادرين على تصنيفها وتبيان أسبابها الحقيقية.
    - إن العلوم الدولية لا تستطيع أن تعتمد هذه اللغة بسبب تعقد رموزها وصعوبة أشكالها في الوقت الذي يستطيع أهل اللغة العربية ومتحدثوها إتقان اللغات المشتقة من اللغة اللاتينية مثل الإنجليزية والفرنسية.
    - يتحدث العرب اللغات الأوروبية مثل أهلها تماماً مما يؤكد سهولة أشكال وحروف اللاتينية وقدرتها على التأقلم والتطوير تحت أي ظرف.
    - ندرك أن هناك لغة مشتركة يمكن أن تجمع كل سكان الكرة الأرضية فيما عدا الذين يتحدثون باللغة العربية، وهو مما يجعل من الصعب بنا التواصل معهم أو معرفة دوافعهم النفسية.
    - إن صعوبة التقاء اللغة العربية مع اللغة الإنجليزية كانت الدافع الرئيس وراء موجة الكُره العربي لأمريكا وإسرائيل والشعور بالبغض والانتقام من الذين يتحدثون الإنجليزية والفرنسية. (مجلة الهلال المصرية -فبراير 2005)
    إن الحاجة لتحقيق أمن اللغة العربية لا يختلف عن الحديث عن تحقيق الأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والغذائي للإنسان العربي. فاللغة العربية - كما دللنا في غير موضع - هي لغة ثرية يمكن استغلالها في تحقيق الأمن للمجتمع العربي في مختلف المجالات، فيمكن من خلالها الحفاظ على وحدة المجتمع، والارتقاء بثقافة أبنائه، وتحقيق عائدات اقتصادية من خلال استثمار اللغة والتعامل مع مجالات التطبيق المختلفة، ولا شك أن الاهتمام بمحتوى لغة الخطاب السياسي يؤثر إلى حد بالغ على خلق الحراك السياسي، وتحديد التوجهات والرؤى المستقبلية التي تحدد المسارات السياسية في مجتمعنا العربي. لذا فإنه لابد من وضع وانتهاج سياسات تخطيط لُغوية تعتمد ميزاناً معتدلاً وإستراتيجية واضحة في عملية النقل اللغوي "الترجمة"، ولابد من وضع معايير جودة موحدة يتم تطبيقها لضمان الجودة اللغوية للنصوص المترجمة، ولابد من النظر إلى قضية التعريب نظرة خالية من التخوف من رفض اللغات الأخرى، فهذا أمر يرفضه العقل، بل صار من نافلة القول الدعوة لإجادة اللغات الأجنبية خاصة وأن تلك اللغات لا تزال هي المصدر الأول لكثير من المعارف والعلوم، والتعريب لا يعدو كونه نمطاً من الترجمة يهتم بنقل العلوم والمعارف والآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ويحرص على أن يتم ذلك باستخدام لغة عربية فصيحة تراعي طرق النقل والمعالجة اللغوية وفق القواعد النحوية والصرفية السليمة.
    يأتي التعريب في صدارة الوسائل التي تحقّق الأمن اللغوي وذلك من خلال العمل الجادّ والمنظم لتعريب التعليم والعلوم وتوحيد المصطلح في الاستعمال قبل شيوعه؛ وتأكيد استعمال العربية لغة قومية، في مراحل الدراسة جميعها، وحُسن اختيار معلميها وأساتذتها. وقد أثبتت التجربة السورية في تعريب وتدريس علوم الطب والرياضيات والهندسة وغيرها من العلوم الأخرى أن الواقع يضع أمام بصائرنا نماذج عديدة للغات محدودة يقل عدد متحدثيها عن بضعة ملايين، إلا أنها تستخدم في تدريس العلوم والآداب ومنها: بولندا والمجر والدانمارك ورومانيا والسويد والنرويج وبلغاريا وأوكرانيا.(محمود فهمي حجازي -الأسس اللغوية لعلم المصطلح- 1995)
    يقول "الدكتور زهير غازي": إن توسيع اللغة العربية يحتاج إلى مضاعفة الجهد في ثلاثة مجالات مهمة؛ لتكون قادرة على استيعاب التقدم العلمي والأدبي والحضاري، وهي: إيجاد المصطلح المناسب في مجال العلوم والآداب وتوحيده بطريق استعمال البديل العربي من المعجم العربي أو التعريب، وتنشيط الترجمة من اللغات الأخرى سواء في ذلك ترجمة الكتب العلمية أم الأدبية، تأليف المعجمات المختلفة والمناسبة للمراحل الدراسية أو التخصصات العلمية والأدبية.(زهير غازي زاهد- العربية والأمن اللغوي - 2000)
    كما أن خفة كفة المنقول من العربية إلى اللغات الأخرى يكرس لمنهج التبعية الحضارية، ويؤثر على قوة الانتماء للغة وثقافتها، ويجعل المتلقي العربي الذي يلحظ تزايد عدد الكتب المترجمة إلى العربية على حافة خطر الوقوع في ازدواجية ثقافية، فهو ابن اللغة العربية، لكن كل ما حوله يضج بتعبيرات وأفكار أجنبية امتطت حركة الترجمة.
    [color="rgb(139, 0, 0)"]إن شيوع استخدام اللفظ الأجنبي والتركيب الأعجمي لدى بعض المترجمين لحجتهم الواهية بأن العربية لم تعرف هذا المصطلحات ولا تستطيع قواعد النحت والاشتقاق فيها أن تأتي بالمعنى المعبر، إنما يشيعون فساد الذوق اللغوي، ويروّجون لمنتجات لغوية - وثقافية أحياناً - يمكن الاستعاضة عنها إذا ما أتقنوا لغتهم الأم
    .[/color]
    [align=center]حسام الدين مصطفى
    مترجم وباحث وكاتب
    رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
    www.egytrans.org
    active5005@yahoo.com
    [/align]

    تعليق

    • Dr-A-K-Mazhar
      ملاح
      • Nov 2007
      • 1858

      #3
      الأستاذ والأخ الكريم د. حسام الدين مصطفى


      تحية طيبة


      رؤية نافذة و الشكر موصول لكل ما كتبته.


      و ما اقترحه أن يتحول ما خطه قلم حضرتك إلى خطة عمل، و هناك احتمال أن أزور مصر قريبا فى رمضان ( إن شاء الله) ، وإذا تم ذلك أود لقاء حضرتك ومن تعرفهم من أصحاب الهمة و الاهتمام ، لوضع خطوط عامة لخطة طويلة الأجل للتعريب بالمفهوم الذى ذكرته فى مقالة حضرتك ، وربما تكون النقاط التالية بداية لوضع تصور مستقبلى لخطة قابلة للتنفيذ..

      00- مراجعة ما تم فى سوريا
      00- تحديد العقبات الأساسية للتعريب ، و وضع حلول بديلة للتعامل معها
      00- الاتصال بكل اصحاب الكفاءات و المهتمين بهذا الموضوع للعمل كفريق
      00- الاتصال بأعضاء مجمع اللغة العربية بمصر
      00- عقد مؤتمر يضم هذه الكفاءا ت لمناقشة الخطوط العامة والمراحل التفصيلية و المهمات المطلوب الانتهاء منها فى مدة محددة و لتكن خمس سنوات
      00- وضع ميزانية لخمس سنوات و البحث عن مصادر للتمويل
      00- الاتصال بأساتذة الجامعات و مدرسين المدارس من أصحاب الاهتمام للاشتراك فى تنمية وعى الطلاب بالمشروع
      00- الاعداد لحملات توعية فى المدارس و الجامعات ، ففى هذه المؤسسات مصادر غنية من الطلاب كمصدر مستقبلى يتحمل المسئولية.
      00- التفكير فى إنشاء معهد أو مركز ليكمل و يتابع ما تم فى خمس سنوات ، و البحث عن مصادر تمويل له.
      00- ربما نجد فى وسائل الإعلام من يتحمس لهذا المشروع.


      هذه بعض النقاط المبدئية ...

      و تحياتى

      تعليق

      • حسام الدين مصطفى
        عضو منتسب
        • Feb 2012
        • 50

        #4
        أستاذنا الجليل د.م. عبدالحميد مظهر
        سلام الله عليك ورحمته وبركاته
        لله درك أستاذي الجليل ... وشرف لي أن ألتقي أستاذ عرفته من خلال أفكاره وكثيرا ما صافحت عيناي كلماته
        وأحمد الله على أن جمعني بك هنا وفي مكان ازدان بحرفك وأشرق بفكرك وأنار بعلمك
        وأن هناك الكثير من الإخوة الذين يشاركونا المسئولية والأمانة
        وأحسب أنه لو توحدت الجهود فإن المردود والفائدة ستكون عظيمة جليلة
        بالنسبة لما طرحته سيادتك ضمن هذه الخطة فهو أمر مبشر بكل خير خاصة، وهناك الكثير من النهايات التي يمكننا أن ننطلق منها كنقطة بداية، ولا أخال أن مشروعا ينطلق بمثل هذه المنهجية والتنظيم إلا وسيكتب له النجاح بتوفيق من رب العالمين
        وقريبا بإذن الله تعالى سأضع بين يديك وأيادي إخواننا الكرام أول عمل موسوعي يؤرخ لحركة الترجمة العربية ويضم قاعدة بيانات ضخمة تحصر ما نقله المترجمون العرب على مدار ما يقرب من 1500 عام هي عمر حركة الترجمة العربية.... ويجيبنا على سؤال من ترجم ماذا وأين ومتي وعن أي لغة وفي أي التخصصات؟؟
        هذا فضلا عن خلاصة لما تم طرحه حول قضية التعريب في مختلف نواحيها..
        جميعنا سنعيش ما كتب الله لنا من عمر، ولكن قلة منا هي تلك التي تهتم بأن تترك وراءها صدقة جارية من علم ينتفع به
        نفع الله بعلمك أستاذنا وبارك في كل جهد خالص ممتزج بصادق العمل
        تلميذك
        حسام الدين مصطفى
        [align=center]حسام الدين مصطفى
        مترجم وباحث وكاتب
        رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
        www.egytrans.org
        active5005@yahoo.com
        [/align]

        تعليق

        يعمل...
        X