هوشنك أوسي - أنطولوجيا "البهجة السريّة" للقمان محمود: مهرجان شعري في كتاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إدارة الجمعية
    الإدارة
    • May 2009
    • 214

    هوشنك أوسي - أنطولوجيا "البهجة السريّة" للقمان محمود: مهرجان شعري في كتاب

    [align=center]أنطولوجيا "البهجة السريّة" للقمان محمود: مهرجان شعري في كتاب

    هوشنك أوسي

    [/align]
    [align=justify]"... وهنا أحب أن أنوه أن هذا الجهد الكبير قد استغرق من العمل أكثر من سنة كاملة من البحث والترجمة والتدقيق، كي يكون أهم وثيقة معبرة عن الشعر الكردي في غرب كردستان، كمحاولة مني لإعطاء صفة الشمولية لهذا العمل الأول من نوعه، والرائد في مجاله. حيث أفسحت المجال للشاعر الكردي الذي يكتب باللغة العربية أيضاً. إيمانا مني بأن الشعر في جوهره، يشكل الإحساس العميق للبشرية جمعاء. ولقد نجحت في ذلك إلى حد كبير، في جمع المشهد الشعري الكردي في سوريا بكل تبايناته واختلافاته ، بكل طبقاته وملامحه، وبكل أجياله الكلاسيكية والراهنة والحديثة" (ص 8-9).

    بهذه النبرة "المتواضعة" مدح الشاعر والناقد والصحافي لقمان محمود كتابه الأخير "البهجة السريّة.. أنطولوجيا الشعر الكردي في غرب كردستان" الصادر عن دار سردم للطباعة والنشر في مدينة السليمانيّة بكردستان العراق. ورغم الكتابات "الإحتفائيّة" الكثيرة التي تناولت هذه الانطولوجيا في الإعلام العربي والكردي، فلا مناص من تسجيل بعض الملاحظات على هذا الجهد، وأوّلها، أنه ليس "العمل الأوّل من نوعه والرائد في مجاله". لأن الشاعرة الكرديّة السوريّة خلات أحمد، سبق وأن أعدّت انطولوجيا خاصّة بالشعراء الكرد السوريين، الذين يكتبون بالكرديّة والعربيّة، تحت عنوان: "نوافذ باكرة" وصدرت العام الفائت، عن جمعيّة البيت للثقافة والفنون في الجزائر، (بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائريّة)، ضمّت 36 شاعراً وشاعرة يكتبون بالعربيّة والكرديّة.

    من العنوان

    اختيار محمود "البهجة السريّة" عنواناً، أتى منطوياً على الالتباس. فـمفردة "السرّيّة" توحي بحالة القمع والحظر والملاحقة التي كانت تعانيها الهويّة القوميّة والثقافيّة الكرديّة في سورية، وأن الشعر الكردي ناله ما نال الثقافة الكرديّة عموماً، فهذا الأمر صحيح، ولكن، ليس بذلك القدر من المبالغة. بدليل حصول بعض الشعراء الكرد، على تراخيص طباعة مجموعاتهم الشعريّة، بعد ترجمتها للعربيّة، في سورية. كما أنه لم نسمع في السنوات الثلاثين الأخيرة، أن شاعراً كرديّاً تمّ اعتقاله كونه نشر كتابه الشعري سرّاً. ما يعني أن الحالة "السريّة"، لا تنطبق تماماً على الشعر الكردي السوري. أمّا بخصوص كلمة "البهجة"، فالشعر الكردي الشعبي - الشفهي والمدوّن، هو سِفرٌ من الأحزان والآلام والمصائب والكوارث والخيانات، إلى جانب الافتخار بأمجاد الماضي وملاحم المقاومة والعشق. وعليه، بالكاد يمكن أن نلمح بوادر "البهجة" أو "اللذّة" السريّة أو العلنيّة في شعر الكرد عموماً، والكرد السوريين خصوصاً. وبالتالي، لم يكن اختيار "البهجة السريّة" عنواناً موفّقاً.

    بخصوص الترجمة

    الفقرة المقتبسة من قصيدة "من أنا - kîme ez" للشاعر جكرخوين، ترجمها محمود على النحو التالي: "من أنا؟/ الكردي الكردستاني/ أنا الشرقي/ هذه الأبراج والقلاع/ وهذه المدن والقرى/ أنا من صان وحمى هذا الشرق من غدر الروم والإفرنجة/ هذه الصحارى وهذه الواحات كلها كانت في قبضتي/ وبالقتال الضاري مزقت شوكة وكبرياء الغزاة. " (ص 11).

    واللافت انه أتى بالشطر الأول من الفقرة الأولى (Kurdê Kurdistan) ودمجها بالفقرة الثانية من القصيدة، وترجمها على أنها "الكردي الكردستاني" والأصحّ "كُردُ كردستان". كما ترجم جملة " Ez im rojhilat" (أنا الشرقي...) والأصحّ "أنا الشرق / بما فيه من أبراج وقلاع / بما فيه من مدنٍ وقرى...". فجكرخوين وصف نفسه بالشرق، ولم ينسب نفسه إليه. وفي هذا المقتبس أيضاً، دمج الشطر الرابع من الفقرة الثالثة (Ev bej û avî) بالفقرة الثانية، وترجمها على أنها "الصحاري والواحات" والأصح "البراري والبساتين". علماً أن طبيعة كردستان، جبليّة تتخللها سهول ووديان، وهي خالية من الصحاري والواحات!. كما ترجم الأسطر الأخيرة من الفقرة على هذا النحو: "وبالقتال الضاري مزقت شوكة وكبرياء الغزاة". والصحيح؛ "حميت الشرقَ بالحرب والقتل من الروم والفِرنجة". ولا يوجد في النصّ أيّة عبارة، تعني: "مزقت شوكة وكبرياء الغزاة"، علماً أن الشوكة، تُكسَر، ولا تُمزّق!.

    Ez im rojhilat
    Tev birc û ketat
    Tev bajar û gund
    Tev zmar û lat
    Ji destê dijmin:
    Dijminê xwînxwar
    Xurt û koledar
    Ji rom, ji fireng
    Di rojên pir teng
    Bi kuştin û ceng
    Parast, parast
    Parast min ev rojhilat
    Kîme ez?
    ما يعني أن الشاعر والناقد لقمان محمود تصرّف في الترجمة، بشكل زائد عن اللزوم، أدّى إلى خروجه عن سياق النصّ الأصل.

    هفوات في المنهج

    أولاً: ذكر محمود أسماء الشعراء وفق الترتيب الهجائي وحسب. وكان عليه تقسيم الكتاب أو تبويبه وفق تصنيفات نقديّة. مثلاً: "الشعراء الكلاسيكيين - التقليديين. وشعراء الحداثة". أو "الشعراء الذين يكتبون بالعربيّة والشعراء الذين يكتبون بالكرديّة". وهذا ما فعلته خلات أحمد في انطولوجيا "نوافذ باكرة". وعليه، أتت "البهجة السريّة" خليطاً، دون فرز، لا يسهّل على الباحث أو الناقد عمله، إنْ أراد إجراء بحوث ودراسات عن الشعر الكردي في سورية.

    ثانياً: لم يأتِ محمود على ذكر أسماء شعريّة معروفة، وبعضهم، أهمّ من بعض الأسماء المذكورة في الانطولوجيا. وبحسب ما أسعفتني الذاكرة، استطعت إحصاء ما يزيد عن 23 شاعر وشاعرة، ممن تمّ تجاهلهم، يكتبون القصيدة الحرّة، وخمسة شعراء كتبوا ويكتبون القصيدة الكلاسيكيّة (العاموديّة الموزونة)، وهم: مناف محمد، هفال حسو، كمال نجم، نذير ملا، آزر أوسي، سليمان آزر، نوح سليمان، جوان نبي، نرجس اسماعيل، يونس الحكيم، محمد نور الحسيني، عبدي جاجو، صالح بوزان، دارا عبدالله، هوشنك بروكا، عبد اللطيف الحسيني، اسماعيل كوسه، محمد رشو، رفعت شيخو، محمد بلال يوسف، نديم يوسف، حنيف يوسف، محمود بادلي وحسين درويش. أمّا الشعراء الذين كتبوا القصيدة التقليديّة، فهم: يوسف برازي - بيه بوهار، سيداي كَلَش، ملا حسن كرد (حسن هشيار)، محمد علي حسو ومحمود صبري (تمّ تكريمه في مهرجان الشعري الكردي سنة 2002).

    اللافت أن محمود أتى على ذكر كل من الشعراء سيداي كلش (ص 13) ويوسف برزاي - بيه بوهار (ص 14 - 15) ودلدار ميدي (ص 17)، في المقدّمة، ولم يذكرهم في الانطولوجيا؟!.

    ثالثاً: لم يكن محمود على مسافة واحدة من الشعراء الذين أورد أسماءهم، بحيث نشر لبعضهم عدّة قصائد، ولآخرين قصيدتين أو قصيدة، بينما نشر لنفسه ثلاثة قصائد وومضتين (ص 310 - 314)!!. كما لم يكن متوازناً ومحايداً في التعريف بالشعراء، أثناء ذكر نبذة عنهم، بحيث أسهب في تعريف البعض، بينما قدَّمَ شعراء آخرين باقتضاب شديد، ولم يذكر كل عناوين نتاجاتهم. مثلاً، لم يشير إلى ان الشاعرتين خلات أحمد وأفين شكاكي، أعدّتا انطولوجيا خاصّة بالشعر الكردي!. وذكر محمود أكثر من خمس شعراء، بأن لكل واحد مجموعة شعريّة أو مجموعتين، دون ذكر عناوينها، وسنوات صدورها!. يأتي ذلك، وقد استغرق إعداد هذه الانطولوجيا سنة كاملة، "من البحث والترجمة والتدقيق"، كما أكّدَ محمود في المقدّمة!.

    رابعاً: بالعودة إلى المراجع، كان عليه العودة إلى بعض الانطولوجيات التي تناولت الشعر الكردي، قبل العودة لأيّ مرجع آخر، بغية الاستفادة من المعلومة، وتوخّي الأخطاء التي سقط فيها من سبقه إلى هذا العمل. مثلاً: "تغريدة الأقلام الرقيقة" عن الشعر النسائي الكردي للشاعرة أفين شكاكي، الصادرة عن دار روناهي في مدينة دياربكر - آمد هذا العام. و"نوافذ باكرة" انطولوجيا شعراء الكرد السوريين، المذكورة آنفاً. وأنطولوجيا الشعري الكردي التي أعدّها الباحث سليم تمو، الصادرة في اسطنبول سنة 2007.

    خامساً: أورد محمود أسماء بعض الشعراء الكرد، هم في الأصل من كرد تركيا، هاجروا الى سورية ولبنان، مطلع القرن المنصرم، هرباً من البطش التركي. مثلاً: كاميران بدرخان. وقد يقول قائل: الشاعر جكرخوين أيضاً، ولد في كردستان تركيا وهاجر الى كردستان سورية؟. ولكن، جكرخوين, وحسن هشيار وآخرين، استقرّوا في المناطق الكرديّة السوريّة ودفنوا فيها.

    في ما خصّ المقدّمة

    أتت المقدّمة على شكل دراسة نقديّة تناولت الشعر الكردي في غرب كردستان، لكنّها افتقرت التنظيم والضبط وفق عناوين محددة. بالإضافة إلى أن الرؤى النقديّة التي طوى محمود مقدّمته عليها، بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتحليل والتوثيق. ويمكن تسجيل الملاحظات التاليّة على المقدّمة:

    أولا: لم تتطرّق إلى جذور وبدايات الحداثة الشعريّة الكرديّة. وأثناء الحديث عن للشاعر قدري جان، لم يذكر أن العديد من الدراسات تشير أن الحداثة والخروج عن نظام الشطرين والقافية، بدأت مع قدري جان. وأنه سبق السيّاب ونازك الملائكة (روّاد القصيدة العربيّة الحرّة) بدفع القصيدة العاموديّة الكرديّة نحو التحرر، كونه يجيد أكثر من لغة (العربيّة، الكرديّة، التركيّة، الروسيّة...)، واطلع على الشعر الغربي وتأثّر به، قبل الشاعرين العربيين المذكورين.

    ثانياً: في محاولة شرحه لسليم بركات وتقريبه من القارئ، يقول لقمان محمود: "لقد بحث سليم بركات ويبحث بإستمرار عمّا يحقق له قولاً فنيّاً، يعكس وعي اللاشعور المناسب، مع السياق المكاني المشحون بالإيحاء الرمزي الشفيف، كتشكيك في عمق الكلام المباشر، للوصول إلى عناصر ذات صلة وثيقة باللغة من خلال "الحلم" الذي يعيد أطراف الحقيقة - الشمال إلى مصدر واحد من حيث الماهية والإحساس." ( ص 19). وهذا الكلام بحاجة الى شرح. ذلك أنه ليست وظيفة الناقد، الزيادة في "تلغيز" النص، بل تقريبه من قارئه، للحدود القصوى، ومحاولة شرحه وتحليله، بلغة سلسة وبسيطة، لا تحمل الحشو والتكلّف والتفلسف، وتدوين الجُمل المركّبة الطويلة، التي تدخل القارئ في متاهة، على افتراض أن الناقد، قد فهم تماماً سليم بركات وهضمه، ولكنّ القارئ ليس بمستوى هذا الفهم والهضم النقدي العميق!. وهنا، ألاّ يحقّ للقارئ التساؤل: وهل للكلام المباشر أي عمق؟! وهل للاشعور أي وعي مناسب أو غير مناسب؟! وهل هنالك إيحاء رمزي شفيف وآخر خشن؟!.

    ثالثاً: في تصنيفه للمدارس أو التجارب التي أثّرت على الشعراء الكرد السوريين، أتى محمود على ذكر ثلاثة تجارب؛ جكرخوين وسليم بركات وشركو بيكس. وإذا كان الشاعران الأوّلان كتبا بالكرديّة اللاتينيّة والعربيّة، (وهما لغتا الثقافة الكرديّة السوريّة)، ولا شكّ في تأثيرهما على الشعراء الكرد السوريين، إلاّ أن شيركو بيكس تمّت قراءته عبر الترجمة للعربيّة. وربما قلائل جدّاً من قرأوه بلهجته الكرديّة - الصورانيّة. وعليه، كيف يمكن لنا أن نتحدّث عن تأثير بيكس على الشعر الكردي السوري، بحيث يشكّل تيّاراً أو مدرسة في الشعر الكردي السوري؟!. أعتقد أن هذا الرأي، مبالغٌ فيه، ويحتاج الى السند والمزيد من الدراسة!. وكان حريّاً بالكاتب، أن يأتِ بأمثلة مقاربة من تجارب شعراء كرد سوريين، متأثّرين بشعر بيكس، كما فعل أثناء مقاربته نتاج بعض الشعراء الكرد المقلّدين لتجربة جكرخوين!؟. وقد أتى الناقد على ذكر ترجمة مجموعة "مرايا صغيرة" الى الكرمانجيّة، دون ذكر المترجم، ودار النشر وسنة الصدور. ويبقى السؤال: هل يمكن لمجموعة شعريّة مترجمة الى الكرديّة - الكرمانجيّة اللاتينيّة أن تفعل كل هذا التأثير بحيث يحفر بيكس لنفسه نهراً في الشعر الكردي السوري؟!.

    وفيما يخصّ تجربة بيكس، هل يحقّ للناقد أن يقتبس فقرة من مقالة للشاعر والناقد اللبناني شوقي بزيع متحفياً بتجربة بيكس، دون ذكر المصدر، وتاريخ النشر؟!. وفي الحيّز المخصص لتأثير شيركو بيكس على الشعر الكردي في غرب كردستان، يسهب محمود في تناول هذه التجربة، وكأنّه بصدد دراسة نقديّة خاصّة بهذا الشاعر الكردي العراقي الكبير، وليس بصدد دراسة عامّة، من المفترض أنها مقدّمة للانطولوجيا!. وهنا أيضاً، يطلق محمود حكماً - رأياً، يستوجب المزيد من الدراسة والتنقيب النقدي، إذ يقول في الصفحة 29: " فخلال الأعوام الثلاثين الماضية شكلت أشعار شيركو بيكس النهر الرئيسي للقصيدة الجديدة في سوريا"!.

    رابعاً: أثناء تناوله تجارب الشعراء؛ جكرخوين، بركات وبيكس، يُستشفّ من التقييم النقدي للقمان محمود وكأنّه يسعى إلى توثين وتصنيم هذه القامات الشعريّة، لشدّة إغداق المديح عليها، وأنها لن تتكرر، ولن يتجاوزها أحد...!. ولَعمري أن ذلك يأتي بالضدّ من وظيفة النقد التي تسعى إلى تحليل التجربة والنصّ جماليّاً، والبحث عن مكامن العيب والعثرة والخلل فيها أيضاً. زد على ذلك، أن نهر إبداعات الشعوب، وبخاصّة الشعر، لا يتوقّف عند قامة شعريّة بعينها، مهما بلغ علوّها. ولا يمكن اختصار التجربة الشعريّة لشعب بعدّة عناوين، مهما عَظُمَ شأنها، وكَيُرَ وامتدّ حيّز تأثيرها.

    الحقّ أن أقرب وصف لهذا المنتوج التوثيقي للشعر الكردي في غرب كردستان، أنه بمثابة مهرجان شعري غفير، ضمن كتاب، شارك فيه مئة شاعر وشاعرة،. وغنيّ عن التعريف ما يمكن أن يحدث في هكذا مهرجان، من طغيان أسماء وتجارب على أسماء أخرى، وما يمكن أن تقع فيه اللجنة المنظّمة من أخطاء وهنّات من إسقاط لبعض الأسماء "سهواً"، وتفضيل لهذا الاسم، وتسليط الأضواء عليه أكثر من غيره. إلاّ أنه في نهاية المطاف، يبقى مهرجان، وفيه الكثير من الإيجابيات أيضاً، التي لا مناص من توجيه الشكر والتحيّة للجهد الذي بذله القائمون عليه.

    [/align]
يعمل...
X