مع فتحي عامر بقلم / مجدي جعفر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مجدي جعفر
    عضو منتسب
    • Jun 2021
    • 32

    مع فتحي عامر بقلم / مجدي جعفر

    مع فتحي عامر
    بقلم / مجدي جعفر
    تحت عنوان ( فتحي عامر .. سيرة وتحية ) نشر لي الصديق عبدالسلام فاروق مقالتي عن الراحل فتحي عامر بالعدد الأسبوعي بالأهرام المسائي بملحق " الأسبوع الثقافي " في 6 / 11 / 2005م.ص 14
    ونشرت مقالات أخرى عقب وفاته وفي مناسبة تأبينه بالعديد من الصحف، وسيظل فتحي عامر ونحن نعيش أجواء ثورة يوليو التي آمن بها وبقائدها من أنبل الكُتاب والمثقفين، فلم يخن تلك الثورة ولا قائدها مثل الذين خانوا، ولم يبع مثل الذين باعوا
    وأعتقد أن استدعاء فتحي عامر، واستعادته، هو استدعاء واستعادة لثورة يوليو التي تم إجهاضها!!
    ومن أجواء تلك المقالة التي نشرتها بالأهرام المسائي :
    " قليلون هم الذين يعانون من أوجاع الوطن، وفتحي عامر واحد من هؤلاء الموجوعين بهموم الوطن ومشكلاته، فمنذ أن كان صبيا يعيش في قرية " صفط زريق " بمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية وهو يقرض الشعر ويحلم للفلاح والعامل وينحاز للمهمش والبسيط ويغني للوطن ويحلم بالعدل الاجتماعي وإنسانية الإنسان.
    وعندما اجتذبته الصحافة وانتقل إلى القاهرة وهو لايملك غير قلم صغير، وإرادة ورغبة في التغيير من خلال القلم. وظل الفلاح في داخله هاديا ودليلا ومرشدا، وظل فتحي كما عرفناه كريما ونبيلا ودودا صابرا، ولم يقطع خيوط التواصل بينه وبين أهله وناسه في الشرقية، وكثيرا ما كنا نلتقي يبثني لواعج الحنين إلى القرية ويحلم بيوم يحال فيه إلى سن التقاعد ويعود لنجلس على مقهى في " صفط زريق " أو في " ديرب نجم " نجتر ذكريات خائبة وفروسية عن ماض بائس، وأحلاما مجهضة وسيوفا من خشب، هل كان من الممكن أن يعيش فتحي عامر فعلا إلى ما بعد الستين؟!
    لوكان فتحي عامر ممثلا أو لاعب كرة لطال عمره وجاوز السبعين ووصلنا عمره بأعمار أخرى في فرنسا أو لندن أو أمريكا ولكنه مثقف وشاعر ووجعه وجع وطني وهمه هم وطني، وما أكثر أوجاع الوطن وانكساراته وهزائمه.
    بإباء وشمم وبكبرياء وعزة رفض دعوة أصدقائه الذين سعوا لجمع التبرعات لتدبير نفقات العلاج، إنه الفلاح الخارج من طين الشرقية مثل شجرة النخيل يموت واقفا وهامته في السماء.
    عندما قلت له : أننا اتفقنا على تكريمك في مؤتمر ديرب نجم الأدبي السنوي، ضحك . وقال : اتستعجلون موتي؟! ورفض أن نكتب سيرته الذاتية في كتاب المؤتمر – كما هي عادة المؤتمرات مع المحتفى بهم – وقال وهو راقد يجاهد المرض اللعين في مستشفى العجوزة : بل سأشارككم عرسكم ببحث .. أشفقت عليه من الكتابة وهو على هذه الحالة الصحية المتدهورة ولكنه أصرّ ولم يمض يومان حتى هاتفني بأنه فرغ من كتابة البحث، وعندما تسلمت البحث وفرغت من قراءته، قلت : هذا هو فتحي عامر وكان البحث كأنه رسالة أخيرة من الفارس النبيل إلى المثقفين والذي عنونه ب " تحديات في مواجهة الثقافة المصرية " وكأن القدر اختار له أن يوصل رسالته الأخيرة وكأنها خطبة الوداع من موطن رأسه إلى جموع المثقفين الذين حضروا المؤتمر، وبالرغم من المرض ومشقة السفر وانحباس الصوت وترقرق الدمع وعاصفة التصفيق حيث اختلطت عواطف شتى وهو على المنصة، ومالبثت أن انحلت عقدة اللسان التي تداهم المرء غالبا في هذه المواقف العاطفية المشبوبة – حتى راح يرتجل ما كتبه، والورقة التي تقدم بها فتحي إلى المؤتمر – هي خلاصة رأيه ورؤيته للواقع الثقافي الراهن، ونظرت هذه الورقة إلى الثقافة باعتبارها المنتج الروحي الذي يؤثر في الحياة العقلية والنفسية والاجتماعية للناس، ويطمح في تشكيل وعيهم ورؤاهم وصياغة سلوكهم وخياراتهم.
    وعلى هذا فالثقافة فى تقدير فتحى تضم- بدون حصر- الآداب والفنون والتاريخ والتراث والفلكلور والفكر الدينى وبرامج الاعلام والتعليم والتربية كما تضم العلوم والفلسفات والأثار والكتب والمخطوطات والوثائق وجميع أشكال الثقافة العلمية وخطط التنمية والمعتقدات وصولا إلى انماط المأكل والمشرب والملبس والعمران .. إلخ.
    والثقافة عند فتحي بهذا المعنى هي الخصوصية التي تميز البشر وتميز الجماعات والحضارات وتعصم الهوية القومية من الطمس والإنسحاق والذوبان في الآخر، وراح ينقب في المشهد الثقافي المصري ليرينا أن الثقافة في لحظتها الراهنة تعيش سلسلة من الاختلالات والتحديات التي تعوق فعلها الصاعد وأثرها المرتجى، وذكر فيما ذكر، أن المنتج الثقافي على تنوعه تقوم به عدة هيئات ووزارات تفتقد إلى الحوار والتنسيق فيما بينها، ودلل على هذا الرأي بالأرقام والإحصاءات.
    فوزارة الإعلام تنتج عبر برامج التلفزيون وحتى إعلاناته ثقافة سطحية استهلاكية تضليلية تحاصر المواطن على مدار 24 ساعة، ووزارة التعليم التي تضم أكثر من 200 ألف مدرسة تروج خطابا ثقافيا غايته تشغيل أدنى ملكات العقل من حفظ وتلقين وترديد وتكرار دون تشغيل ملكات النقد والتخيل والإبداع والاجتهاد.
    وتحدث عن حالة الإزدواجية التعليمية، ففي داخل المجتمع الواحد، تعليم عام وأزهري، وخاص وأجنبي، ولكل من هذه الأنواع خطابه الثقافي الخاص به.
    أما وزارة الأوقاف يتبع لها نحو 85 ألف مسجد، والأزهر الشريف يتبع له الجامعة الآزهرية والآف المعاهد، ونجد أنفسنا أمام ثقافة سلفية محافظة نجتر فقها قديما مضت عليه الآف السنين دون تجديد أو اجتهاد.ودون طرح رؤية معاصرة للفكر الإسلامي تجدد روحه وتربطه بحضارة العصر.
    وتوقف كثيرا عند هذه النقطة حتى لا يفهمها البعض فهما غير المقصود منها، وأوضح أن هناك فرقا بين الدين والفكر الديني، فالدين هو وحي من السماء الذي أنزله الخالق على قلب نبيه المعصوم، قرآنا كريما، والأحاديث النبوية الشريفة التي نطق بها النبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، والدين بهذا المعنى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا تغيير ولا تبديل ولا اجتهاد في نصوصه المقدسة، أما الفكر الديني فهو طريقة فهم المسلمين لدينهم في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. والفكر الديني لا قداسة له من حيث هو فكر بشري أي من نتاج عقول البشر، ومن ثم فهو قابل للتغيير والتبديل وفقا لضرورة الزمان والمكان والمصالح بشرط ألا يتعارض مع نصوص الذين ذاته.
    وعن أخطر التحديات التي تواجهها الثقافة المصرية في عصر العولمة، عصر القطب الأمريكي الواحد المهيمن وعصر المعلومات وتكنولوجيا الاتصال العالمية وثورة العلم والديمقراطية كذلك.
    أكد فتحي أن للعولمة مخاطر جسيمة حيث لا حدود ولا سدود مما يفتح الباب واسعا للعصف بهوية الكيانات الصغيرة، ورأى فتحي أن الطامة الكبرى في المشروع " الشرق أوسطي الكبير " الذي تقوده أمريكا وتسعى من خلاله إلى تغيير خريطة منطقتنا وإعادة صياغتها مرة أخرى وفقا للمصالح الأمريكية والصهيونية وهذا المشروع يضع الثقافة بندا رئيسيا على رأس بنوده ويضغط بشدة من أجل تغيير برامج الإعلام والتعليم والثقافة في بلدنا ومن ثم يدفع إلى زعزعة الهوية الوطتية وإيجاد ثقافة أخرى لا تتعارض مع مشروع الهيمنة الأمريكية – الصهيونية وهذا هو التحدي المعاصر أمام الثقافة العربية الذي ينبغي حشد النفس والطاقات لمقاومته.
    واستنكر بشدة تلك الأصوات النشاز التي ظهرت أخيرا تنادي بعزل مصر عن عالمها العربي، عزل الثقافة المصرية عن الثقافة العربية، والمناداه بقومية مصرية في مواجهة القومية العربية ومثل هذه الأصوات النشاز لا ترى علاقات التكامل والتنوع داخل الثقافة العربية، وتستبدل التكامل التاريخي والراسخ وتفاضل مفتعل لا يقوم على العلم ولا يستند إلى التاريخ وإنما يستند إلى التنطع " أي التشدد في غير موضعه " في وقت لا تقتصر التحديات المعاصرة عن استهداف دولة عربية واحدة وإنما تستهدف الأمة بكاملها والهيمنة عليها وتطويعها وفقا لأهداف المشروع الاستعماري الجديد، وعليه نادى فتحي وطالب بضرورة تفعيل الثقافة العربية وبعث روحها، وبلورة عناصرها النامية والفاعلة العقلانية والديمقراطية المستنيرة بهدف صد مثل هذه الدعوات الانعزالية كل هذا ينبغي أن يكون على رأس أولويات المثقفين الديمقراطيين، حماية للثقافة من محاولات تخريبها. وكانت هذه أخطر وصايا فتحي للمثقفين، ولعل دعوته هذه تجد صدى "
    وطالبت كثيرا بتكريم فتحي عامر الفارس النبيل ابن محافظة الشرقية والذي أبى أن يُكرم وهو على قيد الحياة وطالبت بتجميع أشعاره ومقالاته لتُنشر بدلا من الغثاء الذي تنشرة دور النشر الرسمية وغير الرسمية، ويبدو أنه لا حياة لمن تنادي، فأذن المسئولين أحدهما من طين والأخرى من عجين، ومازلت أكرر مطلبي.
يعمل...
X