نحو فهم التقويم الأمازيغي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آدم احمد
    عضو منتسب
    • Aug 2011
    • 47

    نحو فهم التقويم الأمازيغي

    أخذت السنة الأمازيغية تأخذ حيزا من الاعلام خاصة الأوساط الأمازيغية الناشطة، كما اصبحت ورقة لصالح الأمازيغية باعتبارها مناسبة تمكن النشطاء من التكتل لأجل تمرير مطالب تتعلق بالحقوق الأمازيغية، أما الاحتفالات التقليدية فتبقى أسرية متوارثة في عدة مناطق باعتبار تقليدا فلاحيا. اما رمزيا فقد رُبطت بتاريخ الأمازيغ في مصر بعد تمكنهم من حكم مصر. لكن ماذا نعرف عن التقويم الأمازيغي بشكل عام؟

    اعتقد ان الاحتفال بالسنة الأمازيغية لا يرتبط بحدث اعتلاء شيشنق لعرش مصر، وأنه احتفال فلاحي. ولا شك ان الطرح الأول يبدو مهيبا والثاني قرويا بسيطا، فالقتال والحكم يرتبط بالبطولة والرجولة أما الزراعة والفلاحة فيرتبط بالقرية وغياب الحضارة المدنية. غير أن هذا لا ينفي أن الزراعة هي أساس الحضارة قروية أو مدينية كانت.
    فأعداء الهوية الأمازيغية سيستعملون عقولهم الملتهبة بشكل انتقائي ليقولوا أن كون التقويم الأمازيغي هو تقويم فلاحي وليس امازيغيا، في حين أنه فلاحي وأمازيغي في آن واحد. فالتقويم يمكن ان يتخذ عدة اشكال وعدة أسس، كما عرف تطورات صاحبت تطور الجماعة، وقد يكون قمريا مثل التقويم العربي وهذا التقويم لا يتحدد بالسنة في الأصل، لأن نظام السنة المبنية على اثني عشر شهرا يعتمد على الشمس. فاذا كان التقويم العربي ينبني على اثني عشر شهرا، فهذا يدل على اتجاه نحو مزاوجة التقويم القمري بالشمسي مثلما هو الشأن عند العبرانيين. كما أن التقويم العربي يبدو أنه كان يتشكل من عشرة أشهر لأنها تشكل عدد الأصابع وبالتالي سهولة حسابها، وأن الأشهر المضافة هي التي سميت الثانية وهي ربيع الثاني وجمادى الثانية. أما تسميتها بالهجرية فلا تعني ابتكارها مع الهجرة وإنما حددت السنة صفر على السنة الهجرية، فمن المعلوم أن العرب كانوا يحددون العام بواقعة حدثت فيه. واعتقد ان عدم تطور التقويم العربي من تقويم قمري إلى شمسي مرده عدم اهتمام العرب بالزراعة لطبيعة بيئتهم الصحراوية واعتمادهم على حياة الرعي البدوي والتجارة وربما الغزوات على القبائل الأخرى.

    ولعل التقويم الروماني يقدم ايضا فكرة اوضح عن طبيعة التقويم فالرومان يعتقدون ان بداية تقويمهم ترجع لتاريخ تأسيس قرية روما مع زعيمهم الخرافي روميلوس، وأن أشهرهم كانت عشرا في البدء، وهذا لا يعني بداية تقويمهم مع روميلوس وانما تم وضع نقطة الصفر على تلك السنة المفترضة مثلما تم وضع النقطة الصفر على سنة بدء الكون عند اليهود وهي ولا شك عقائد لا تلزمنا.
    حتى التقويم الميلادي المبني على التقويم الروماني لم يضع السنة صفر على سنة ميلاد المسيح إلا بعد قرون، أما التقويم القبطي فهو يبدو متأخرا عن التقويم الميلادي في حين أنه وريث أقدم التقاويم التي تعود إلى غابر الأزمان. ولعله نموذج لتقسيم السنة لاغراض زراعية، فأن كان تقسيم السنة الى فصول يعتمد على التساقطات المطرية والتغيرات المناخية، فقد انبنى التقويم المصري على ثلاثة فصول بحسب فيضانات النيل شريان حياة الزراعة عند المصريين، أما تقويم حضارة المايا القبل-امريكية التي يبدو أنها عرفت تطورا مهما رائدا فتبنت اكثر من تقويم للطقوس الدينية والحياة العامة، كما يبدوا أنها تبنت نظام العشرين الذي يعتمد على عدد اصابع اليدين والرجلين.
    مما سبق يمكن ان نقترح أن التقويم الأمازيغي يجب ان يكون اقدم من تاريخ شيشنق الفرعون الأمازيغي. وان يبدأ مع الزراعة أو قبلها مع طقوس دينية. فاذا كنا لا نملك داعيا للحفاظ على الاحتمال الثاني، فان الاحتمال الأول يبدو واقعيا وضروريا لتنظيم الزراعة. ولعل العقول الملتهبة المعادية للحضارة الأمازيغية سيشعلون سهام النقد ويذكروننا بأن الفينيقيون هم من علموا القردة الأمازيغ اساليب الزراعة والكتابة والتعدين والتدين والحرب والمدنية... الخ. فأننا نقول أن تقهقر بعض المجتمعات الأمازيغية لمستوى القردة هو ما يفرز هذه الأفكار، لأن الأمازيغ كانوا على درجة متقدمة من التطور في الأيام الخوالي، فهاهو المؤرخ الفرنسي غوتييه يقول أن الأمازيغ لم ينتظروا ابناء سوريا (الفينيقيين) ليعلومهم الزراعة.
    لكن السؤال المثير هو أين يمكن أن نجد بقايا التقويم الأمازيغي؟ وما هي علاقة التقويم الأمازيغي الحالي بالتقويم المفترض؟

    بداية يجب أن نعلم التقويم على شكله الحالي هو صورة تكاد تنطبق مع التقويم الروماني المسمى ايضا التقويم الجولياني نسبة ليوليوس قيصر الذي عدل ليصبح التقويم العالمي المعروف بالميلادي عندنا وبشكل أصح الغريغوري. فالشهور الأمازيغية هي نفسها الأشهر الرومانية مع اختلافات لطبيعة اللغة الأمازيغية، وشخصيا استبعد أن يكون اسم ين+يار اسما امازيغيا، بل لابد أنه تحريف بسيط لاسم يناير (ينيواريوس) نسبة للأله الروماني يانوس. فهذه التركيبة تختلف مع بنية الأمازيغية، فعلى افتراض أنها تتشكل من يان أي واحد ويار أو أيور أي القمر فإن التركيبة غريبة عن الأمازيغية، ولا وجود لتركيبة مشابهة. والأصح أن يقال أيور أمزوار أو ما شابهها كل حسب لهجته. لأنه لا يصح أن يقال واحد شهر وإنما الشهر الأول.

    غير أن هذا لا ينفي أمازيغية الاحتفالات التي ترافقه، فتلك الاحتفالات لا بد أن تكون قديمة جدا، تعود لعصور كانت فيها عناصر الطبيعة شخصيات مفعمة بالحياة ويتابعها البشر ولا أدل على ذلك من قصة العجوزة التي استخفت بالشهر يناير فاطلق الأخير حملة ديبلوماسية كللت باستعارة يوم آخر من فورار (شهر فبراير) فأنزل بها عقابه المهيب. اذ نلاحظ هنا بقايا قبل اسلامية تتقارب وعقائد الرومان القدماء، لأن يانوس أو يناير و فبروس أو فبراير هي اسماء آلهة مجدها الرومان، وقد تمت اضافتها في وقت لاحق لتقويمهم المتشكل أصلا من عشرة أشهر، ولعل اسطورة العجوزة تحاول تفسير قصر الشهر فبراير. والسؤال هو هل تم نقل الشخصيات الأصلية إلى الأطار الروماني الحديث في حين كان لها أسماء أخرى؟
    ما يبدو لي واضحا هو اشكال الاحتفال ومعتقداته الشعبية المنتشرة في شمال افريقيا في مناطق متعددة دون أن تكون عامة تصطبغ بهوية محلية أمازيغية عريقية، فمثلا وجبة الكسكس التي تحظى بنوع من الشحنة الدينية والمتداولة في احتفالات السنة الأمازيغية هي وجبة أمازيغية أصيلة، وهامشيا قد يتساءل القارئ المهتم عن الشحنة الدينية المرتبطة بوجبة الكسكس واعتقادي هذا متولد من انتشاره في أيام الجمعة عقب صلاة الجمعة ووجبات الجنازة والأربعين يوما بعدها، بل حتى دخولها في تصرفات سحرية رهيبة كتحضير الكسكس بيد الميت لاستعماله لأغراض السحر.
    الى هنا نكون قد نفينا الشكل الأمازيغي للشهور، وتأكيدا على أصالة احتفالاته. كما نفينا أن يفهم من التأريخ اعتلاء الفرعون الأمازيغي شيشنق لحكم مصر اعتمادا على بقايا المعتقدات الشعبية التي تصف ليلة الاحتفال به بيوم الفرعون، والتي تذكر غرق الفرعون، مما جعل الأمازيغ يربطون بين هاته الأسطورة وحكم الأمازيغ لمصر. ولعل وضع النقطة الصفر على سنة الحكم الأمازيغي في مصر له ما يبرره باعتباره أول شخصية أمازيغية مرموقة، بالرغم من اعتقاد البعض بحكم الأمازيغ لمصر في عصور سابقة دون أدلة كافية.

    إذا كان الاحتفال بالسنة الأمازيغية أصيلا عند الأمازيغ والتقويم رومانيا وأن التطور الى المجتمع الزراعي يتطلب تقويما يشمل الفصول أو مواسم الحرث والحصاد، فأنه يجعلنا نتصور وجود تقويم شمسي مفقود مثلما فقدت أيام الشهور والأيام، وقد أصاب من باب المصادفة من اعتقد أن الشهر يسمى أيور أي القمر بالأمازيغية كما رأينا مع التركيب المفترض ليناير. غير أن أيور/القمر مذكر أما الشهر فهو مؤنث بالأمازيغية ويسمى تايورت كما أوضح اللساني الهولندي (متخصص في العربية والأمازيغية)، وهذا يعني أن التقويم الأمازيغي بني أساسا على التقويم القمري، وهذا النوع يكون مفيدا للطقوس الدينية ولا يفيد مواسم الزراعة. وبما أن القمر كان إلاها عند الأمازيغ مثلما أوضح غابرييل كامس وأكد ابن خلدون. يسميه الأمازيغ أيور، كما كانت الشمس ربة عندهم مثلما أوضح المؤرخ الأغريقي هيرودوت في معرض حديثه عن تقديم الأمازيغ القدماء للأضاحي لها إلى جانب الربة آثينا التي أخذها الأغريق عنهم على حد قول هيرودوت، فإن ذلك يبين لنا اهتام الأمازيغ بالظواهر الفلكية، كيف لا وهي آلهته التي يتقرب إليها؟

    وبالاعتماد على هيرودوت نفسه نفهم ايضا أن الجبل أطلس يعتبر اعمدة السماء التي تحملها عند الأمازيغ وهذا يعني أن اطلس المعبود الأغريقي الذي كان متقدما في علم الفلك هو الجبل نفسه، وما يؤيد اصله الأمازيغي هو أن المعبود الأغريقي هرقل التقى بأطلس في شمال افريقيا كما قابل بطل الأمازيغ أنتايوس وقضى عليه، وانتايويس هذا ابن بوسيدون الذي عبده الأمازيغ والأغريق وعدد من الشعوب من أصل أمازيغي واسمه أمازيغي قديم ايضا بالاعتماد على كتب هيرودوت.
    إلى هنا نجد أن العملاق أطلس والربة آثينا التي اعطت اسمها للدولة آثينا اسمها بعد تفوقها على بوسيدون وأن الأخير نفسه آلهة مأخوذة الأمازيغ حسب هيرودوت على الأقل، والمعلوم أن بوسيدون شقيق أكبر آلهة الأغريق زيوس. أكثر من ذلك نظر الأغريق الى الههم زيوس على أنه تجسيد للرب آمون الأمازيغي (وليس المصري كما يحلو لبهلوانات التأريخ تصويره)، ولعل زيارة الأكسندر المقدوني (تسميه بعض المصادر العربية الكلاسيكية بذي القرنين في إشارة الى شخصية قرآنية) لمعبد آمون ليسأله ان كان بالفعل ابنا لزيوس تجسيد للتأثير الأمازيغي الديني على الأغريق، وآمون الأله الكبش هو السبب في جعل الأسكندر يصور بقرنين على صورة أبيه آمون، وسبب تسميته إذن بذي القرنين.

    قد تكون هذه الجولة الميثولوجية كلاما فارغا ونحن نتحدث عن التقويم الأمازيغي، وقد تعطي صورة مبالغا فيها عن الريادة الدينية في البحر الأبيض المتوسط لأن هيرودوت نفسه يقرر أن أغلب آلهة الأغريق من أصل مصري. إلا أن هذا يفيد نوعا ما في إعادة تقييم الثقافة الأمازيغية مع تجاهل أصحاب التفكير البسيط الذين سيلعنون الأوثان والأصنام كعادتهم دون فهم جوهري لها.
    وبشكل أكثر واقعية، فنحن لا نتوقع أن يمجد شعب ما إله الكتابة على سبيل المثال دون يعرف ذاك الشعب الكتابة نفسها، ومن ثم كانت خصائص الأرباب خصائص للشعوب التي تمجدها. فجين هريسون في معرض اثباتها للأصل الليبي (كلمة تعني الأمازيغ في عصر الأغريق، وهي مأخوذة من قبيلة لواتا على ما رجح الأستاذ أوريك باتس) تقول أنه اذا لم يوجد إله اسمه بوصيدون (هل من علاقة مع اسردون التي تعني البغل بالأمازيغية؟) فأن عباده وجدوا بشكل فعلي، وأن خصائصه باعتباره إلها فرسا وبحارا، لم يوجد إلا عند الليبيين مذكرة أن الأمازيغ علموا الاغريق كيف يقرنون أربعة أحصنة تجر العربة.
    اذن فلن نكون شوفينيين لو افترضنا على سبيل الاستئناس أن عباد أطلس الأمازيغ كانوا ايضا على درجة من علوم الفلك.

    يعتبر البروفيسور خوسي باريوس غارسيا استاذ الرياضيات بجامعة لاغونا الكنارية حجر الزاوية في فهم علمي للتقويم الأمازيغي، اذ يشير إلى أن جزر الكناري (الخالدات) المعزولة عن الأمازيغ المغاربة عرفت تقويما متطورا في تقسيم السنة إلى اشهر قمرية تشكل سنة شمسية في مجموعها من مجموع الأشهر الأثني عشر شهرا ولأجل ضبط الشهور والفصول والانقلاب الصيفي والشتوي سواء لتنظيم الزراعة أو الاحتفالات الشعبية، وقد استعملت نظاما يسمونه أشانو أو أكانو التي تعني السنة في شكل لوحة تتكون من مربعات ثلاثة عمودية وأربعة أفقية باللونين الأسود والأحمر مشكلة في مجموعها اثني عشر شهرا، وقد أكد المستعمرون الأوائل وجود تواريخ محددة للاحتفال برأس السنة وذلك بعد أول شهر قمري يليه، والأستاذ المعني قدم هذا البحث في إطار أطروحة ناجحة لنيل الدوكتوراه بجامعة سلمانكا الأسبانية أمام متخصصين وركز على الأصل الأمازيغي لأصحاب ذلك التقويم، وهنا لا يفوتني أن اذكر أن اعداء الحضارة الأمازيغية يشككون بشدة وبغير عقلانية في الأصل الأمازيغي للغوانش سكان الجزر الأصليين. وقد تساءل الباحث عن أصل تلك المعرفة الرياضية والفلكية المتطورة.
    من الراجح أن اسم كناريا اخذ اسمه من قبيلة أمازيغية تنحذر من جبال الأطلس، وبالتالي يمكن ان نفترض أن سكان أطلس نقلوا معارفهم الفلكية معهم إلى تلك الجزر كما أخذوا كتابتهم الأمازيغية المعروفة حاليا باسم تيفيناغ، فعلى خلاف ما يروج له بعض المثقفين الغربيين ومعادوا الحضارة الأمازيغية ترجع كتابة الأمازيغ الى فترة تسبق الملك النوميدي الأمازيغي بفترة طويلة، في حين يرى بعض الحمقى الأسلامويين أن تلك الكتابة خربشة رعاع لأنهم لا يفهمون سوى لغة العرق الشريف واللغة الشريفة، ففي الأطلس نجد رسما لرجل مزين بالتيفيناغ يرجع على أقل تقدير إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وليس من صدقات المخزن كما يلمح بعض المتأثرين بعصور تشويه تاريخنا إبان تأميم التاريخ والمواد الدراسية كما هو الشأن في ابحاث الكتاب الأخضر الليبي وكاتبه الذي قال أن الأمازيغ عرب وأنهم منقرضون.
    مثلما تقهقرت بعض العقائد القبل-اسلامية لتتخذ اشكالا اسلامية لتحتمي بها وتضمن استمرارية اطول كالأضرحة المقدسة وطقوس الاستمطار المعروفة بتاغنجا (الملعقة بالأمازيغية) التي هي امتداد لطقوس عبادة الأله المطر (أنزار) التي احتفظ القبائليون كعادتهم باسطورته الجميلة مع حبيبته قوس قزح (او تيسليت ن أنزار أو بالعربية المغربية: عروسة الشتى، التي هي ترجمة حرفية لتيسليت ن أنزار)، هكذا تحول الاحتفال الكناري-الأمازيغي الى احتفال يتقمص شخصية مسيحية ليضمن استمراريته، وفي نظري فإن اجمل من ذلك هو احياء الكناريين الحاليين لتلك الاحتفالات بصبغة أمازيغية، وقد رأيت صورا لمدونين كناريين يزينوها بحروف التيفيناغ كما رأيت صورا لأشخاص يرتدون ازياء من جلود الخراف في مشهد يشبه احتفالات بويلاماون (بوجلود)، وهنا اتساءل: هل نزح تقليدي بوجلود وعاشوراء (اباينو أو شعالة عند المغاربة) بالفعل من من طقوس ترتبط باحتفالات راس السنة عند الأمازيغ إلى احتفالات شبه اسلامية لتنجو بجلدها من الاندثار كما اسلفنا؟

    يتفاءل المؤرخ الفرنسي جين سيرفييه حول اعادة اكتشاف وتركيب التقويم الأمازيغي القديمي، لاعتبارات منها ميزة الجمود الحضاري عند المغاربة مقارنة بشمال البحر الأبيض المتوسط لكنه متسرع في استنتاجاته، فهو يعتقد أن التقويم الأمازيغي الشائع منقول عن المصريين عبر العرب وليس مأخوذا عن الرومان، وهي نظرية لم تلقى أي مصداقية، لأنها لا تجيب عن عدة نقاط لا داعي للخوض فيها.
    لكن هل يمكن اعادة التقويم الأمازيغي عبر ما تبقى من تقاليده؟
    يجد البعض أن هناك مساحة لإمكانية ربط احتفال الكناريين (الغوانش) بالتقويم الأمازيغي في بلاد المغارب وذلك عبر خيط تسمية الاحتفال الكناري نفسه. فاسم الاحتفال هو بنيسمر (أو بنيسمت) ما جعل البعض يربط بينه وبين كلمة أمازيغية كما يلي: "ون ازمر" (قلب حروف لها ما يبررها في الإسبانية)، و"ون ازمر" تعني بشكل أو آخر "ذي الخروف". وهو ما يحتمل ربطه باسم شهر أمازيغي ذكر في مصادر عربية تعود للعصر الوسيط والتي يرجح أنها تعود لفترة تسبق الوجود الروماني في بلاد المغارب.

    ينقل لنا الأستاذ الهولندي نيكو فانْ دَنْ بوخَرْتْ اسماء الشهور الامازيغية التي ذكرتها مصادر العصر الوسيط بعضها معروف معناها وأخرى بقيت مجهولة فمن بين المعروفة نجد أوزمت يزوارن واوزمت يغوران، وهي تعني على التوالي النعجة الأولى والنعجة (او الخروف) الأخيرة. وأول ما يتبادر لذهني هنا الترابط الممكن بين هذه التسمية وبين تقليد بويلماون (بوجلود) فضلا عن ارتباطه باحتفال بنيسمر الكناري.
    وما نلاحظه في الأسماء الثمانية المعروفة من الأثني عشر شهرا أن ستة منها مرتبط بالحيوانات، وهذا التقويم رعوي بامتياز احسب أنه يعود لفترة اعتمد فيها الأمازيغ على الرعي وتدجين المواشي. وطبيعة هذه التسميات تشبه تسميات الشهور الفرعونية، فمن الممكن اذن تكون تلك التسميات إشارة لألهة أمازيغية قديمة، على شاكلة الرب الحامي آمون الذي عبده الأمازيغ باعتباره كبشا، ويفيد مصدر قديم أن الأمازيغ يسمون الكبش أمون (هل من علاقة مع "أميان" أي الجدي)، كما نقل المؤرخون عبادة الأمازيغ للثور (غورزيل).
    والملاحظ ايضا ان الاسماء المعروفة تتكون من اشهر زوجية (أولى وأخيرة) مما بعني بشكل او آخر طريقة حساب اشهر مختلفة عند الأمازيغ القدماء. وبما أنها تتكون من اثني عشر شهرا، فهذا يدل على تقسيم شمسي للاشهر، وهو ما يتناسب مع الاقتصاد الزراعي وتدجين المواشي.

    ملاحظة:
    قد ترد اخطاء او معطيات غير دقيقة في هذا الموضوع، كونه ليس بحثا وانما سرد لما علق بذهني في محاولة لفهم التقويم الأمازيغي، وللمهتم التعمق في المعطيات، فالشبكة العنكبوتية توفر المصادر وان كانت متفرقة وتحتاج للبحث والتدقيق، ولعل أهم ما يمكن البدء به هو الموسوعة الأنجليزية او الفرنسية او الأيطالية الحرة ومراجعة الوصلات الخارجية والمصادر المشار إليها في تلك الصفحات، وبعدها للقارئ استخلاص الخلاصات.

    كتبت هذا الموضوع منذ ما يقارب السنة، أنشره هنا مرة أخرى.
يعمل...
X